ثريا عاصي
تعالوا نفكر في مسألة التوطين التي تتوالى في شأنها في لبنان مصادفة، التصريحات والهمهمات على لسان الذين يحتلون مناصب حكومية في بلاد مسيّبة، تلاشت حكومتها، وانتشرت فيها الفوضى. المقصود هنا توطين النازحين السوريين إلى لبنان. بتعبير آخر تبدلت الأمور رأساً على عقب. إذ من المعروف أن جزءاً من أهل لبنان قبلوا على مضض انفصال لبنان عن سورية. كانوا يفضلون البقاء في إطار الحكومة العربية في دمشق، التي أعلنت في 1 تشرين أول 1918، ومثلها في بيروت عمر بك الداعوق. ولكن المستعمر الفرنسي شاء غير ذلك. فوأد هذه الحكومة العربية في 24 تموز 1920 في ميسلون ! يحسن التذكير أيضاً بأن أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي، أُعدم في 8 تموز 1949 ! توافقت آنذاك الحكومتان اللبنانية والسورية على إعدامه ! وفي السياق نفسه أعترف بأن «التبادل الديبلوماسي» بين سورية وبين لبنان، في تشرين أول 2008 أحزنني جداً.
المسافة التي تفصل بين الآمال وبين الواقع تزداد طولاً. إذاً لا عروبة ولا وحدة مصير «شعب في دولتين». هل تتبدل الجغرافيا والتاريخ بإرادة المستعمر؟ مسألة فيها نظر. يستوطن الإنسان موطناً غير موطنه الأصلي لأنه لا يستطيع العيش في بلاده أو لأنه ممنوع من العودة إليها. تكون هذه الخربطة في العيش مؤقتة أحياناً ودائمة أحياناً أخرى .
لماذا يستوطن السوريون في لبنان ؟ أو بالأحرى ما معنى أن يستوطن السوري في لبنان ؟ لا سيما ان المسألة السورية تطغى على ما عداها من الموضوعات، العقائدية والسياسية والدينية في لبنان. بمعنى آخر أن لبنان يكاد أن يكون هو نفسه سوريا حتى العظم. ولا أعتقد أني أبالغ في القول ان أمراء ومشايخ ووكلاء السلسة في لبنان المتكتلين في تيارين متنافسين، هم منخرطون في الحرب ضد سورية أو معها. وتبسيطاً للأمور يمكننا أن نعتبر الشمال في لبنان هو عسكرياً مع «الثورة» السعودية ـ التركية ـ الأميركية في سورية، وان جنوب لبنان هو ضد هذه «الثورة» عسكرياً أيضاً .
مجمل القول أن جزءاً من اللبنانيين وطنوا أنفسهم في سورية هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فيبدو ان السوريين الذين نزحوا إلى لبنان لا يلاقون عقبات قانونية في بلاد عطل فيها القانون والدستور. وبالتالي ليس من حاجة إلى التوطين، أو قل أن توطين النازحين لن يغير شيئاً في أوضاعهم المعيشية تقريباً باستثناء حصولهم، بعد عشر سنوات من التوطين، على حق التوظيف في الإدارات الرسمية !
مهما يكن فان ما يثير الريبة في هذه القضية هو الإهتمام الذي تحظى به لدي شخصيات دولية، تلعب دوراً بارزاً في قيادة الحرب على سورية. فلقد زار بعضها لبنان، ومعسكرات النازحين السوريين تحديداً. تعرف هذه الشخصيات جيداً ماذا تعني سورية في الوجدان العربي، في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بوجه خاص والروابط بين العرب بوجه عام. إن السوري الذي يستوطن وطناً غير سورية ليس سوريا. إخلاء سورية إفراغ للذاكرة العربية. قالوا لا حرب من دون مصر. هذا صحيح. ولكن قالوا أيضاً لا سلام من دون سورية ! إزالة العوائق التي تعترض سيرورة التطبيع.
ولكن هل إن تاريخ آل سعود يخولهم تمثيل العرب في البحث عن «السلام» مع المستعمرين الإسرائيليين، أو إقتراح مشروع مصالحة معهم؟ أي منطق يجيز لآل سعود ذلك ؟ حتى في أمر الديانة… لا أظن أن المسلمين إذا استفتوا يوافقون على تولية آل سعود أمر الدعوة إلى ديانتهم. أما «خادم الحرمين» فهو لقب منحه لنفسه سلطان مملوكي. أكتفي بهذا الإستطراد لأقول كفى استخفافاً بعقول الناس. ان السلطان العثماني أردوغان استخدم الدين والقضية الفلسطينية ثم أعاد العلاقات الديبلوماسية بين بلاده وبين إسرائيل، فموّه ذلك بوعود عن عزمه توطين السوريين في تركية.
:::::
“الديار” اللبنانية