د. عادل سمارة
الطابور السادس: سباق للتعايش مع المستوطنين
الدولة الواحدة لمستوطنيها موجودة منذ 5 حزيران 1967
لا يسع المرء الحكم بعد، إن كان تعدد “صرخات/دعوات” من فلسطينيين من أجل “دولة لكل مواطنيها” وللتعايش مع الكيان الصهيوني وبعناوين متعددة نتاج تنسيق معين بين الصارخين أو هي صرخات متناثرة بلا تنسيق من جهة، أو إن كانت بسبب تراجع المقاومة بمختلف فصائلها، أو لأن هؤلاء الصارخون والدعاة يحاولون قيادة الشعب الفلسطيني باتجاه ركوعي للكيان، بغض النظر إن كانت الفصائل فعالة أو ضعيفة الفاعلية. أو لأن آخر طبعة الصرخات (التي يحاكمني الحكم الذاتي “أوسلو-ستان” على تعريتي لها) أتت مترافقة متحمسة من التطبيع الرسمي لنظام الدين السياسي والطائفي السعودي. وكل هذا بينما قيادة الكيان تؤكد انها “دولة لكل مستوطنيها” بل وتطالب الأمم المتحدة بتمرير اغتصابها للجولان، مما يذكرنا بدقة المثل القائل: ” وين كلبك والغزال!”.
هذا التوجه او التوجهات ليست بنت اللحظة. أذكر قبل عشرين سنة حين قالت لي نسوية فلسطينية (من الاتجاه الراديكالي المعادي للذكورة بالمطلق من طراز جوديث بتلر) كنا نمشي في شارع مكتبة رام الله العامة، اذكر المتر الذي كنا نقف عليه لحظة قالت: “أنا أنسق مع نسويات إسرائيليات…لا يعنيني الوطن، فالأرض إن تحررت هي للرجل”. لم يسعني سوى أن اضحك فقلت: “يا صديقة الإسلام يعطيك ثلثها” وإن سُمع رأيي ساعطيكن نصفها! وهذا الموقف في الحقيقة يتقاطع على غير رغبة منه مع عدم إيمان كثير من قوى الدين السياسي الطائفية بالوطن بتسبيق الإيديولوجيا عليه وأقصد وأخصص هنا قوى الدين السياسي العربية والفلسطينية خلافا لكل اشباههم في العالم!
لعل من تابع مسيرة الكفاح المسلح الفلسطيني قد اطلع على حقيقة أن نقدنا المبكر للفصائل كان منذ منتصف السبعينات، ولكن بهدف الدعوة لفعالية افضل وليس لمسح تراثها. وخلال تلك الفترة كان من يصرخون الآن بين نيام وبين ملتصقين طفيليا ب م.ت.ف. بألوانها المتداخلة واليوم يقلبون لها ظهر المجن! وقد يفيد التذكير هنا بتاريخ عزمي بشارة في تزلفه لسوريا وحزب الله، حين كنا ننقد تلك العلاقة وننقد أداء النظام السوري إلى ان انقلب بشارة وعاد لأصله بعد آذار 2011! هل هو مايسترو الصرخات؟ لا ندري.
في الرد على هؤلاء، حول لي الصديق أحمد الدبش مقالة متماسكة للأستاذ منير شفيق يرد على بعض اصحاب الصرخات في مقالة بعنوان: “هزال شعار دولة لمواطنيها في فلسطين- منير شفيق”. حيث يرى : “… أن هذه الدعوات ” أخذت تنتقد الفصائل الفلسطينية بقسوة بالغة،وأنها اي الدعوات، ” … مع الاعتراف بحقوق المواطنة المكتسبة ليهود إسرائيل حصرياً في فلسطين وليس لكل يهود العالم. وذلك عند تخليهم عن عقيدتهم الصهيونية الاستعمارية العنصرية والقبول بالعيش المشترك في دولة ديمقراطية عمادها المواطنة التي تكفل للجميع حقوقاً (أصيلة ومكتسبة) متساوية في العيش الآمن الحر الكريم وتقرير المصير. ويضمن تساوي حق جميع أفراد المجتمع بالمشاركة في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام” .
هنا نضع يدنا على مفصل هام وهو الصراخ العالي لكثيرين، كما سأوضح أدناه، عن تخلي المستوطنين عن عنصريتهم وعقيدتهم، وبأنهم يقبلون تفكيك الكيان؟ هذا قاسم مشترك بين الصرخات/الدعوات، ولكن دون آليات!
طبعا، على اساس الواقع المادي المعطى، لا حقوقا أصيلة ولا مكتسبة للمستوطنين في فلسطين، فما سر هذا الكرم من جانب دعاة الدولة لكل مواطنيها، ومن الذي خولهم اتخاذ قرار باسم الشعب علما بانه لا تصويت على الأرض حتى من سلطة منتخبة. وهذا ينفي حق قيادة م.ت.ف وسلطة الحكم الذاتي في الاعتراف بالكيان ويؤكد ان كل ما اتفق عليه ونجم عنه باطلا.
أما الفارق بين هذه القيادة وأصحاب الدعوات والصرخات، أن تلك القيادة كانت ذات تراث كفاحي يوما ما، لكن هذه الفرق الداعية والصارخة شيكات بلا رصيد!
وللتمثيل على هؤلاء يقول شفيق: (لمزيد من الاطلاع راجع مقالة ماجد كيالي جريدة الحياة في 19 تموز/يوليو 2016).
الحياة – هل ثمة تفكير سياسي فلسطيني خارج الفصائل؟
http://www.alhayat.com/m/opinion/16644040
alhayat.coالحياة – نحو قطيعة مع الفكر السياسي الفلسطيني السائد http://www.alhayat.com/m/opinion/15807282
من بين أصحاب الدعوات/الصرخات، كتب المدعو حيدر عيد في موقع عرب 48 التابع لعزمي بشارة مقالة بعنوان (في نقد “اليسار” الستاليني الفلسطيني) وذلك ضمن دفاعه عن جماعة المقاطعة بي دي أس، زاعما أنني ضدها، بينما هو ضائق العقل بنقدي لها وذلك لعجزه عن التفريق بين النقد والتضاد علما بأن بين الموقفين مسافة وعي تحتاج أخلاقا لعدم تشويهها. كتب ذلك:
“…إن الحملة تناضل من أجل إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني و على رأسها حقه بالعودة للقرى و المدن التي طهر منها عرقيا عام 48، بالاضافة للمطالبة بانهاء نظام الأبارتهيد الممؤسس في مناطق ال48.و لا يوجد تفضيل لحق على حساب آخر”
لنلاحظ التناقض في قوله : “وعلى رأسها حقه بالعودة للقرى والمدن التي طهر منها عرقيا عام 48……ولا يوجد تفضيل لحق على حساب آخر”؟
ما هو الحق الآخر؟ وأين سيعيش المستوطن حين يعود الفلسطيني إلى قريته ومدينته وطبعا أرضه؟ هذا الاستقواء بالضعف اي التبرع بالوطن للعدو ولكن بديباجات لغوية تحمل معاني خبيثة واستسلامية متمنطقة بما يسمى السلام!
وهذا أشارت إليه الكاتبة استاذة حياة ربيع في مقالتها بعنوان (ما لم يحلم به المستوطنون، انظر صفحتها
https://www.facebook.com/ustada.hayat/posts/10154367570699491
وذلك في نقد صرخة حياة التعايش مع المستوطنين حيث تقول حياة بأنه بمفهوم اصحاب الصرخة التي قدمتها المدعوة آمال وهدان،في مؤتمر لدعم المقاومة يوم 18-3-2016، ، حين يعود الفلسطيني لقريته ومدينته، يصبح لا بد من توسيع أرض فلسطين طالما سيبقى المستوطنون فيها!
وربما بوسعي أن اضيف هنا، بأن التوسيع هو الهدف المبطن لكاتبي الصرخة، ولكل أمثالهم/ن. وهذا الهدف يتقاطع مع أطروحات الصهاينة والاستعمار بأن في الوطن العربي متسعا للفلسطينيين. وهنا، يمكن تبديل الوضع اي أن يُدفع الفلسطينيون إلى الحدود العربية وليس المستوطنين ضمن فدراليات مع المستوطنين يكون هدفها بقاء الكيان كما هو وبسط هيمنته على مزيد من الأراضي العربية، بل اندماجه بالوطن العربي اندماجا مهميناً. ذلك لأن الحيز الجغرافي لا يكبر إلا على حساب حيز آخر. لنتذكر جميعا، نموذجا على هذا ما كتبه الجنرال الصهيوني المتقاعد جيئورا أولاند (2006) بإنشاء دولة في غزة يُضاف لها الف كم مربع من سيناء,
وتقتطف حياة كذلك من جماعة الصرخة من الأعماق:
“دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية” التي يخططون لاقامتها على ارض فلسطين التاريخية بشرط تفكيك الكيان الغاصب الذي هو سبب التناحر الجماعي والنفي المتبادل. وفيها بحسب اللفيف سيحق للمستوطنين المحتلين القدامى والجدد العيش تماماً كما يحق لسكانها الاصليين والذين ستعاد لهم ولاحفادهم حقوقهم الشرعية من ارض وممتلكات. “
وهذا يؤكد أن هذا التناغم ليس بلا مهندس للجميع”.(انظر نص الصرخة كاملة في كنعان النشرة الإلكترونية Kana’an – The e-Bulletin السنة السادسة عشر ◘ العدد 409722 آذار (مارس) 2016)
كما كتب د. ربحي حلوم نقداً بنفس التوجه حيث نقد أصحاب الصرخة مقتطفا ما يلي:
“… انه مشروع مستقبلي لكفاح مشترك نبني بواسطته مستقبلا يكون كما نصنعه نحن بأيدينا وعقولنا لمصلحتنا الجماعية المشتركة، انه تغيير جذري وليس اصلاح سطحي لبنية الصراع الموروثة عن القديم المهترىء
فالحقائق الملموسة الراهنة على ارض فلسطين التاريخية تؤكد ان سكانها اليوم اصليين ومستوطنين… يشكلون كلا واحد ا من حيث مصلحتهم في البقاء على قيد الحياة”
كما كتبت أيضا أستاذة حياة: بدورها،ب نفس توجه منير شفيق:
فاللفيف يرى “ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من جهة وسكان أصليين (فلسطينيين) على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع العلاقة التي اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا”. وعليه يؤكد اللفيف أي جماعة الصرخة:
“ان التغيير الذي نريد تحقيقه على ارض فلسطين التاريخية لا يمس وجود الناس عليها، بل يمس العلاقات القائمة الغير انسانية بينهم.” فبحسب اللفيف: “ومن هنا وعلى ضوء فهمنا هذا ننطلق نحو تحديد المضمون الحقيقي لشعار تحرير فلسطين، الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها، بل تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية الإثنية الإحلالية التي أقامها هؤلاء المستوطنين مع شعبنا الفلسطيني، وتحريرها من دور كيانهم الوظيفي على محيطنا الإقليمي.”
مرة أخرى، يقول حيدر عيد “عرب 48”
“… يعلم القاصى و الداني أن الوضع في فلسطين قد وصل الى طريق مسدود بالكامل مع تدهور السلطة الفلسطينية و اصرارها على التنسيق الأمني و حل الدولتين العنصري (الذي يؤيده اليسار الستاليني),الذي أصبح سرابا ووهما خياليا بسبب الوقائع التي خلقتها اسرائيل على الأرض من مستوطنات، و بالتالي فشل الحل المرحلي برمته….هنا يتقاطع هذا مع إدوارد سعيد:”وصلنا الى مرحلةتحتم على القوى الشعبية إيجاد وسائل محاسبة بعيدا عن المؤسسات الأوسلوية المهترئة, و الفصائل المتحجرة , الستالينية منها و المتأنجزة!”
مدهش حقاً، فمن براجع نص “صرخة من الأعماق للتعايش مع المستوطنين” يجد تطابقاً حتى في الكلمات بين الطرفين، رغم المسافة الزمانية بينهما. وكل هذا يرتكز إلى حد كبير على طرح إدوارد سعيد منذ زمن بان على الفلسطينيين البحث عن تفكير جديد للصراع!
وبالطبع بفتخر حيدر عيد بموقف عزمي بشارة، بينما يتظاهر اليوم أهل تونس ضد دوره التخريبي على صعيد عربي!!
وحتى الآن، لم يبلور هؤلاء بمن فيهم الراحل إدوارد سعيد ذلك التفكير والطريق مما يؤكد أن ما يقصدونه هو الذهاب إلى الكيان رافعين الأقمشة البيضاء متدثرين بها.
وينضم ماجد كيالي بحماسة ايضا لنفس تيار الصرخات/الدعوات بقوله:
“… في مقابل هذا النكوص، وانحسار مكانة السردية الوطنية الجمعية في الخطاب الرسمي، لصالح خطاب تسوية متوهمة تمثله قيادة المنظمة والسلطة و»فتح»، أو لصالح خطاب ديني تمثله حركة «حماس»، شهدت الساحة الفلسطينية، بعد أفول ظاهرة العمل المسلح (من الخارج)، إثر الخروج من لبنان (1982)، ولا سيما بعد إقامة السلطة بموجب اتفاق أوسلو (1993) ظهور خطابات سياسية فلسطينية جديدة، لا تعترض على الخط الرسمي فقط، وإنما تحاول تجاوزه، برزت ضمنها شخصيات من الداخل والخارج، كهشام شرابي وادوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد وشفيق الحوت وأنيس صايغ، وكنديم روحانا وكميل منصور وعزمي بشارة وسعيد زيداني وأسعد غانم وجميل هلال وجورج جقمان ومهند عبد الحميد وهاني المصري وخليل شاهين وخالد الحروب، وهو ما اشتغلت عليه مع آخرين عاملين في الحقل الأكاديمي والثقافي والصحافي (راجع مادتي في «الحياة»: «نحو قطيعة مع الفكر السياسي السائد، 29/5/2016، و»الحاجة إلى استعادة خيار الدولة الديموقراطية الواحدة»، 22/12/2015).
إن الدولة الديمقراطية التي يتحدث عنها كيالي، هي التي تتحدث عنها الصرخة من الأعماق التي عرضها د. صبري امسلم وقدمتها آمال وهدان في الشام ووضعا عليها أسماء وطنيين لا يعرفون عنها شيئا وخاصة الرفيق بسام الشكعة (كما اكد لي بالإيميل)، ونادت بفخر بوجوب التعايش مع المستوطنين:
!
بل ما أكثر دعاة هذه الدولة الديمقراطية وخاصة من ما يسمى اليسار المتلعبط بين اليمين واليسار! ويبدو أن كل المطلوب هو “شربة ديمقراطية” تحرر دخيلة المستوطن وتحوله إلى عروبي أكثر منا جميعاً!
أما الفريق الذي يذكره كيالي، فبالمناسبة إن قسما منهم كان ممن وقعوا ما أُسمي بيان أل 55 الذي يشجب العمليات الاستشهادية ونُشر في الصحف المحلية على نفقة الاتحاد الأوروبي! (أنظر ملحق كتابي مثقفون في خدمة الآخر: بيان أل 55 نموذجاً
https:/Kanaanonline.org/books/?p=5
وينهي كيالي بتمجيد ثلاثة آخرين ممن برايه “يفكروا” خارج الخطاب النمطي السائد وهم: د. هنيدة غانم في مقالتها «تجاوز الشرذمة وتعريف مشروع وطني جامع»، («الأيام»، 11/6/2016)”. وبالمناسبة هي من تمفصلات عزمي بشارة.
وكذلك د. غانية ملحيس في ما نشرته (في موقع مركز «مسارات») فيقتطف من ملحيس:
“… أن «البرنامج السياسي المرحلي… أسس عملياً لنهج فلسطيني جديد يستعيض عن هدف تحرير الوطن وهزيمة الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، بالتسوية السياسية والاستعداد لتقاسم الوطن… ما أخرج عملياً الأراضي الفلسطينية التي أنشئ فوقها الكيان الصهيوني من دائرة التفاوض الضروري لإتمام المقايضة بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها وحل قضية اللاجئين وفقاً للقرار الدولي رقم 194. ليصار لاحقاً إلى حصر موضوع التفاوض بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وكأنها أراض متنازع عليها بين الفلسطينيين والإسرائيليين». وتؤكد ملحيس أن «المصارحة بالواقع ليست دعوة إلى اليأس والإحباط الذي نراه بأم العين يطبق على الفلسطينيين، بسبب تيه نخبهم السياسية والتنظيمية والحزبية والفصائلية ومواصلتها البحث عن أوهام وحلول ومبادرات خارج السياق الصحيح لمواجهة الكيان الاستعماري الصهيوني. وإنما هي دعوة لتبصر طريق الخلاص، ببلورة مشروع نهضوي إنساني تحرري عصري» وعندها ثمة ضرورة لـ «إعادة النظر في فكرة الدولة القومية باعتبارها شكلاً وحيداً لتحقيق الحرية والعودة وتقرير المصير للشعب… بالاستعاضة عنها بمفهوم الدولة الوطنية»، مع الاعتراف بـ «حقوق المواطنة المكتسبة ليهود إسرائيل حصرياً (وليس عموم اليهود) في فلسطين، عند تخليهم عن عقيدتهم الصهيونية الاستعمارية العنصرية، والقبول بالعيش المشترك في دولة ديموقراطية عمادها المواطنة التي تكفل للجميع حقوقاً (أصيلةً ومكتسبة) متساوية في العيش الآمن الحر الكريم وتقرير المصير… ويضمن تساوي حق جميع أفراد المجتمع بالمشاركة في الحياة السياسية، وفي إدارة الشأن العام».
لا يمكن للمرء ابدا هنا أن لا يرى التطابق التام بين صرخة إمسلم/وهدان وبين صرخة ملحيس، ربما باستثناء أن ملحيس آتية من خلفية م.ت.ف /حركة فتح واتفاق اوسلو، وهو ما أعهده في ندوة تشاركت معها/ضدها في نابلس عام 1995. أما إمسلم فهو من “اليسااااااار”.
وينهي كيالي بما كتبه د. نديم روحانا (نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 105، شتاء 2016)، «يتعين على المشروع الوطني أن يقدم الفكرة التحررية التي تحرر كل فلسطيني من القمع والاستلاب، ويوفر له الحرية والكرامة والاستقلال، ويحرر الجميع من الصهيونية ولا يتعايش معها… فكرة فلسطين الجديدة إلى العالم ترتكز على اعتمادها القيم الإنسانية والتحررية، والمجاهرة بهدفها المعلن وهو تفكيك النظام الكولونيالي الاستيطاني، واستبدال النظام الصهيوني بنظام يضمن الحرية والمساواة والديموقراطية للجميع».
إن أية قراءة حتى ولو متعجلة لمحتلف هذه الأقوال “دعوات/صرخات” توصلنا إلى أن هؤلاء جميعا يفكرون بعقل شديد الاستسلام، عديم الفاعلية، رغائبي في أحسن الأحوال. فهم جميعا ينادون بتفكيك الكيان الصهيوني وتحرير الجميع من الصهيونية! جميل، ولكن كيف؟ هل هذا ممكن بالتمني؟ يذكرنا هذا باشتراكية سان سيمون الطوباوية. يمكن القول بالتفكيك، ولكن كيف؟ بالنضال أم بالتمني والترجي؟ من لم يُجب فليُجب اليوم.
وبناء على صراخ هؤلاء، لم يبق لنا سوى الاعتذار للكيان الصهيوني على كافة اشكال النضال ضده طالما هو طيب إلى هذا الحد وسوف يفكك نفسه ويتخلى عن صهيونيته بهدوء ونعومة . بل بوسعه بعد تعدد انواع الإعتراف الفلسطيني والعربي به أن يشكونا للأمم المتحدة على ما كلفته الحروب الدفاعية العربية والمقاومة باعتبارها اعتداء على وطن لليهود يعترف كل هؤلاء به كدولة “إسرائيل”. شكرا يا مثقفي الطابور السادس، لم نكن قد فهمنا كم هو طيب هذا العدو!
وكما اشرنا في أكثر من موضع، فإن آخر طبعات هذه الصرخات والأدعية “صرخة من الأعماق” المنادية بدولة مع المستوطنين في فلسطين، والتي اخترق فريقها ولا يزال دمشق وبيروت! والكثير من المؤتمرات الشكلانية الوجاهية :المؤتمر القومي العربي، والقومي الإسلامي وتجمع الأحزاب العربية…الخ
توحي حماسة جماعة هذه الصرخة أنهم تنبهوا متأخرين ويريدون مقعدا في قطار التنازل المجاني، فكانوا أكثر بلاغة ووضوحا.
خطورة فريق الصرخة أنه اخترق دمشق وبيروت وحضر مؤتمرات هناك مخصصة لدعم المقاومة (دمشق 18-3-2016 وبيروت 15-7-2016). والحقيقة أن وصولهم إلى هناك، كان بموقف مفارق عجيب، حيث كان واسطتهم أحد أدعياء القومية الأشداء د. ابراهيم علوش! كيف يمكن هذا؟ كيف جمع هذا الدَعِيْ بين دعم سوريا وموقف قومي والمطالبة بتحرير فلسطين وحتى إنكار المحرقة وفي نفس الوقت الانسجام مع بل احتضان جماعة الصرخة؟
كل اصحاب الصرخات/الدعوات أعلاه مفهوم وواضح تناسقهم مع انفسهم. أما العجيب فهو علوش!
- · الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.