عرض كتاب: فايز رشيد.. تبدلات روسيا الحديثة

عرض كتاب:

 

فايز رشيد.. تبدلات روسيا الحديثة

علي نسر

مُتَّخِذًا من الرواية اسمَها، يسلّط الكاتب والباحث الفلسطيني فايز رشيد، ضوءه البحثيّ على مرحلة مفصلية في تاريخ العالم، وهي مرحلة السنوات الخمس العشرين الأخيرة، عبر مشاهدات وتقارير ولقاءات في بعض دول الاتحاد السوفياتي سابقًا. وذلك من خلال مؤلَّفه الجديد «أفول». (]).
وعبر زيارات متعاقبة لكل من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، استطاع الكاتب أن يضع بين أيدينا شملة من وثائق سياسية وتاريخية، ومعلومات جديدة، لنكون شاهدين على ما حصل في تلك البلاد بعد انهيار التجربة الشيوعية، وما لهذه الهزّة من تداعيات على العالم عمومًا والعرب خصوصًا. وعبر لقاءات مع أقطاب موالين للأنظمة الحالية أو معارضين، يشير الكاتب إلى الدور الذي تؤدّيه روسيا اليوم، بقيادة بوتين، من أجل اعادة الاعتبار إلى الحضور الروسي على الساحة الكونية، بعد تواريه بسبب أزماته الفكرية والاقتصادية والسياسية، ما أدّى إلى استئثار الولايات المتحدة باتخاذ قرارات فرضتها على مجلس الأمن، فلم يجنِ العالم منها سوى الويلات والحروب والموت المجاني.
أبو بكر البغدادي
هذه الخطط الغربية والأميركية، لا تزال سارية على الدول المحيطة بروسيا، كأوكرانيا مثلا، التي لم يقدّم لها الغرب مساعداتٍ تضاهي ما تقدّمه لها روسيا نفسها، وجلّ ما يريدونه منها أن تكون ورقة ضغط سياسية في وجه جارتها (ص46). وفي هذا يؤكّد الكاتب، وعلى لسان بعض المحاوَرين الذين التقى بهم، أن القرم، الخلاف الأساس، أرضٌ روسية قُدّمت إلى أوكرانيا في زمن خروتشوف، يوم كانت البلاد كلها منضوية تحت لواء الاتحاد السوفياتي، حيث أنّ أوكرانيا لم تكن الا جزءًا من البلاد آنذاك.(ص65). وبرغم التغيرات السياسية التي ألحقت الأذى بالكيان الروسي زمن الرئيس يلتسين، إلا أنّ الكاتب وبطريقة ملتوية ايحائية، أشار إلى التغيرات الثقافية والعمرانية في تلك الآونة، وما لهذه التبدلات المتعمدة من مخاطر تلحق الضرر بتاريخ تلك البلاد التي يؤكّد التاريخ أنّها القلعة التي ألحقت الهزائم بأقوى الجيوش وكبار الأباطرة. وذلك عبر طمس بعض المعالم التي كانت تحمل أسماء أعلام لمفكرين وفلاسفة وفنانين، تحيل المراقب إلى مجد تلك المراحل في تاريخ الأمة الروسية، كمحطة ماركس وشارع لينين وغوركي…
كما يستغل الكاتب نصّه، للاشارة إلى علاقة الاميركيين بأبي بكر البغدادي، ويكشف أمرًا خطيرًا يتعلق بـ(ميدفيديف)، الذي لا يراه ظلا لبوتين نظرًا إلى طبيعة الفئات الداعمة له من طغم مالية وغرب وصهاينة.(ص200). هذا بالاضافة إلى تحذيره من عدم قوة الإعلام العربي في حربه مع العدو، ما يجعل الموقف العربي والفلسطيني يتيما وضعيفًا.
فشل التجربة
وعلى الرغم من انحياز الكاتب إلى مرحلة الاتحاد السوفياتي وأمله بأن يعيد بوتين دوره المحوري، إلا أنّ انحيازه لم يكن أعمى، بل نراه يدخل في جوهر الأسباب التي أدت إلى فشل التجربة الشيوعية، فيردّها إلى عدم التفاعل لدى الفئة الحزبية واحتكار الحقيقة وقولبتها، ما جعلها متحجرة لا تقوى على الحراك.(ص160).
ولم تكن هذه الاضاءة على أوضاع روسيا ومحيطها غاية في الكتابة فحسب، إنّما جعل الكاتب منها وسيلة للاطلالة على الوضع العربي وتداعيات التغيرات العالمية على القضية الفلسطينية، فيحذّر من انحراف بوصلة الصراع ومركزيته. فبرغم مشهد الدماء المسيطر على الواقع العربي، يعيد الكاتب عقرب الزمن الى الوراء مذكّرًا بنازية اسرائيل وفاشيتها، مستعرضًا بعض المجازر والتمثيل بجثث بعض الأطفال حرقًا وتعذيبًا.(ص97). فقد أصرّ الكاتب رغم بعد البؤرة السردية للأحداث، على جعل فلسطين لازمة تتكرّر بين حين وآخر، وتشغل حيّزًا في صفحات الكتاب، كما شغلت وما زالت تشغل حيزًا في قلوب العالم وضمائرهم، فبملماتها جعلت الحرب تستوطن قلوب الدنيا، مستفيدًا من قراءة التاريخ ليتجدّد عنده الأمل في انتصار فلسطين.(ص115).
كل هذا جاء في قالب سردي وحواري، يمنحه الكاتب هوية روائية. بيد أنّ النصّ أقرب إلى ما يعرف بأدب الرحلة والسيرة، كما يقترب من المقالة في بعض الأحايين.. وبهذا، يؤكّد الكاتب أنّ العديد من الأنواع الأدبية، ومنها الرواية، هي بحث علميّ بقالب ابداعي.. وبرغم غياب التخييل الذي يعطي الرواية فنيتها، إلا أنّ الكاتب عرف كيف يوظّف بعض تقنيات الفن الروائي كالوقفات الوصفية التي عملت على اراحة الراوي والقارئ معًا، بالاضافة إلى اعتماد الراوي المشارك الذي يستقي معلوماته من وسائط أخرى… ولكن هذا لم ينقذه من السقوط في مخاطر الخلط بين الروائي والراوي إذ ألغى المسافة بينهما بشكل واضح، عبر تبئيره وتدخلاته.

(]) «عن الدار العربية للعلوم ـ ناشرون».

:::::

“السفير”

  • ·       الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها حصراً ولا تعبر بالضرورة عن رأي نشرة “كنعان” الإلكترونية أو محرريها ولا موقع “كنعان” أو محرريه.