صفحات من تاريخ مقاومة الاستعمار

تونس

شكري لطيف 07/11/2016

نَفَّذَ الجنرال زين العابدين بن علي انقلابه “الطِّبِّي” ضد زلي نعمته “الحبيب بورقيبة” يوم السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1987 وأصبح هذا التاريخ خلال العقود الأخيرة يوم عطلة واحتفالات مفروضة على الشعب، ولكن لتاريخ السابع من “نوفمبر” رمز آخر في تاريخ تونس وفي الذاكرة الشعبية وفي الروايات التي تتناقلها الأجيال بشأن مُقاومة الإستعمار الفرنسي (1881 – 1956)

بهذه المُناسبة كتب “شكري لطيف” ما يلي:

 

صفحة من التاريخ المطموس : الانتفاضة الشعبية 7 نوفمبر 1911 الجرجار و القطاري في الذاكرة

 تُشكّل الانتفاضة الشعبية التي شهدتها العاصمة التونسية يوم 7 نوفمبر 1911 نقطة مضيئة في مسار النضال ضدّ المستعمر الفرنسي . و تكمن أهميتها النوعية في أنها أعلنت ، اثر انتفاضة تالة الشعبية سنة 1906 ، دخول الجماهير الشعبية من عمال و كادحي المدن ،و فلاّحي و مزارعي الريف معترك النضال و تصدّرها لحركة المقاومة . و قد أدّى هذا “الحضور” الجديد الفاعل في “التاريخ” السياسي الى احداث قطيعة فعلية مع سياسة الخيانة و العمالة للمستعمر التي اتّبعها باي تونس و أتباعه من ناحية ، و مع سياسة ” النخب” الاصلاحية التي لا يتجاوز “معارضتها” للمستعمر ، سقف المطالبة بــ “التشارك” معه في ادارة “الحماية” الفرنسية لتونس من ناحية ثانية. كانت لانتفاضة 7 نوفمبر 1911 دوافع تونسية محلية متمثّلة في الرفض الشعبي لوضع المُستعمر يده على مقبرة الجلاز كجزء من سياسته الاستيطانية المتصاعدة لافتكاك الاراضي التونسية لصالح “المستوطنين” و الشركات الرأسمالية الفرنسية. كما كانت لانتفاضة 7 نوفمبر 1911 دوافع تضامنية مع الشعب الليبي الشقيق الذي كان يُواجه حينها الغزو الايطالي لطرابلس، و ما صاحبه من انتهاكات و مجازر رهيبة . و قد شملت حركة التضامن انتقال متطوعين تونسيين الى ليبيا لمقاتلة الايطاليين ،و تعبئة شعبية لجمع التبرعات المالية و نقل المؤن و العتاد و السلاح برّا و بحرا كسرا للحضر الايطالي على السواحل الليبية. و شكّل يوم 7 نوفمبر 1911 ، التتويج الرائع للتلاحم الشعبي ضدّ المستعمر الفرنسي في تونس و المستعمر الايطالي في ليبيا حيث واجه آلاف المتظاهرين الجنود الفرنسيين الُمدجّجين بالسلاح. و كان عدد المعتقلين أثر المظاهرة حسب السلطات الفرنسية 827 و لم يكونوا مشاركين تونسيين فيها فحسب ، بل شمل العدد المذكور متظاهرين ليبيين و جزائريين و مغاربة. شهد ذلك اليوم سقوط عشرات الشهداء من المتظاهرين نتيجة استعمال الجندرمة و الجيش الفرنسي للرصاص ، كما تلته اجراءات تعسفية عديدة بإعلان حالة الحصار و ايقاف الصحف العربية و نفي عدد من القياديين مثل علي باش حانبه و عبد العزيز الثعالبي . و لم تكتفي السلطات الاستعمارية الفرنسية بتلك الجرائم و الاجراءات القمعية ،بل حرصت على محاكمة عدد من المشاركين في مظاهرة 7 نوفمبر . و مثُل الموقوفون أمام المحكمة الجنائية الفرنسية من 3 الى 30 جوان 1912 ، ليصدر الحكم في حق بعضهم بالأشغال الشاقة ، و الحكم بالإعدام على 7 منهم هم : عبد الله والي و محمد الشاذلي و محمد الغربي و محمد القابسي و الجيلاني بن فتح الله. و اشتهر من بين الشبان المحكموم عليهم بالإعدام الشابان المنوبي بن علي الخضراوي شهر الجرجار ( 27سنة ) ، و الشاذلي بن عمر القطاري ( 21 سنة ). و شهدت العاصمة التونسية سنة 1912 ، لأوّل مرة في تاريخها نصب المقصلة الفرنسية في ساحة باب سعدون في مشهد ترهيبي للجماهير الشعبية لإثنائها عن “العصيان” و نفّذت جريمة اعدام المجموعة الشبابية و في مقدمتهم القطاري و الجرجار. غير أنه ، و خلافا لما سعت له السلط الفرنسية من ترويع و تخويف ، فقد كان لجريمة اعدام الشبان السبعة وقع كبير لدى التونسيين أجّج من كرههم للمستعمر و عدائهم له ، و احتفظت الذاكرة الشعبية على وجه الخصوص جيلا بعد جيل بــ”مناحة والدة الجرجار” التي شهدت قطع رأس ابنها و فصله عن جسده . انها صفحة من تاريخ النضال الشعبي التونسي المجيد الذي عمد المستعمر القديم و أمتداده النظام البورقيبي /النوفمبري و أذيالهم الحاليين الى طمسه و لفّه بالنسيان و قطع التواصل بين حلقاته . صفحة مجيدة و مُضيئة نُذكّر بها ، احياء للذاكرة و اجلالا لأسلافنا من الابطال و الشهداء .

  • ·       الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها حصراً ولا تعبر بالضرورة عن رأي نشرة “كنعان” الإلكترونية أو محرريها ولا موقع “كنعان” أو محرريه.