تعليق على ورقة “صرخة وطنية” الخطيرة.. في غاية الأهمية مهما كان طويلا..

علي حتر

أهمية قضيتنا وكثرة الأطراف والمواضيع التي تتعلق بها، ترشحها للاجتهادات المستمرة من كل الأطراف، والطرف الرئيسي هو الشعب الذي كان يوما جزءا من سورية، ثم فصلوه ليكون جزءا من الأردن وجزءا آخر من مصر، وجزءا ثالثا تحت حكم الكيان المغتصب، بالإضافة إلى ملايين مشتتة في كل حدب وصوب!!

يمكن أن يكون متوقعا من بعض الشخوص أن يحللوا، ويكتبوا ويقترحوا حلولا تخدم مصلحة المغتصبين قبل خدمة الشعب المقيد والمكبل والمشتت والمحاصر، وهذا يكون طبيعيا منهم، مثل رجال السلطة وعزمي بشارة وأشباههم وبعض القياديين العرب الرسميين.!
.
لكن أن تصدر ورقة مثل هذه التي عنوانها “صرخة وطنية ونداء من الأعماق”، فهو أمر مستفز ومثير لكثير من التساؤلات.

عندما قرأت الورقة بسرعة، اعتقدت أنها صادرة عن مجموعة يمكن أن نختلف معهم بالرأي.. لكن عندما حللتها بعمق، رأيت أنها أخطر من ذلك بكثير.. وأنها لا يمكن أن تخدم إلا طرفا واحدا.. وهو العدو المغتصب..!
والغريب أن الورقة متداولة بين أيدي كثيرين.. لم يعلقوا عليها..

البداية هنا ستكون بعرض بعض ما جاء في الورقة، لخطورته!!

وأنا أبدأ في دراسة أي ورقة بسؤال رئيس: ما هو موقف الورقة من عودة اللاجئين أو حقهم بالعودة..؟
وهذه الورقة تماطل بكل المسائل وتعطي العدو كل الوقت لتنفيذ الاستيطان وتثبيت أقدامه على الأرض.. ولا تعطي اللاجئين إلا كلمات فارغة.. لا تصلح إلا موضوعا للإنشاء في الصفوف الابتدائية.!
لا أنفي أن الورقة تتحدث عن حق العودة، لكنها تقدم اقتراحات في نهاية الأمر وفي استنتاجاتها، يتعارض عمليا وعلميا مع هذا الحق!!
خطورة الورقة أنها تبدأ بطرح القضية بعمق، وبطريق تجعل القارئ يشعر أن من كتبها درس القضية بعمق شديد، وهي تفعل ذلك تمهيدا لتمرير السم في الدسم..

بداية الورقة وعنوانها:
“صرخة وطنية ونداء من الاعماق
يطلقها لفيف من شخصيات وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة
لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية على كامل التراب الوطني.. شباط 2016”

بهذه الكلمات تبدأ الورقة.. صرخة ونداء من الأعماق.. يستنجد لفيف من شخصيات وكوادر الحركة الوطنية الراهنة لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية على كامل التراب الوطني.

بصرخات الاستنجاد يبدؤون، ليقيموا ما نادى به نايف حواتمة قبل أكثر من أربعين سنة ولم يحقق منه قيد أنملة! دولة ديموقراطية مع مغتصب سفاح!!
هذا هو كل التناقض.. الذي يتناسونه، ليكملوا نصا يتناقض تناقضا كاملا مع مضمون العنوان المستحيل!!!!
ويضعون عليها تاريخ شباط 2016.. رغم أنهم نشروه قبل ثمانية سنوات ولم يحققوا شيئا خلال ذلك إلا مزيدا من مستوطنات المغتصبين والتنسيق الأمني معهم..

مِنْ لفيف الكوادر هذا.. هناك الذين قالوا إنهم لم يوقعوا.. لن أثير القضية الآن..

إنهم يبنون تلالا من الدسم، للتمكن من دس السم فيها بدون عناء.. وبراحة كاملة..
فهم يبدؤون برفض التسول ووصف معاناة المخيمات والحقوق وتأييد الكفاح الوطني

المشكلة أنهم يسِمون العدو بمجموعة من السمات والخصائص.. التي تتعارض وتتناقض مع أي تفاهمات يمكن أن تتم معه.. ثم يجدون أن الحل الوحيد يتم بالتفاهم معه.. وتغييره بإزالة خصائصه الهمجية المتعالية..
وحين يتكلمون عن صفات العدو، يتناسون أو يتجاهلون الصفة غير القابلة للتغيير عنده.. وهي التدين المتطرف الذي يدعوه لقتل كل من هو ليس يهوديا بأمر إلهي.. ويقول له إنه شعب اههم المختار، وإن كل الشعوب خدم له بالأمر الإلهي!!
الفقرة التالية من الورقة:
” ضرورة تحرير عقلنا من الوهم
وبعد: الا يكفينا الركض وراء السراب؟ اما آن لنا ان نستفيق؟ ومتى نتوقف عن جعل التناقضات الثانوية رئيسية؟ وكم من الزمن نحتاج الى ان نبدأ بتحمل مسؤولياتنا الوطنية ذات البعد التاريخي، ونتوجه حالاً للخروج من الازمة الوطنية الراهنة والمدمرة؟ كم من الوقت نحتاج الى ان نبدأ بالتخلص من وهم التسويات الخيالية التي ثبت بالملموس عقم المفاوضات بشأنها وعبثية الاستمرار فيها، وأن نقر بحقيقة كوننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني، ولسنا في مرحلة بناء دولة يستحيل بناؤها تحت سيطرة احتلال اقسى انواع النظم الاستعمارية الاستيطانية التي مارست سياسة التمييز والفصل العنصريين، وتفوق بأضعاف المرات قساوة سياسة هتلر النازية ودوكليرك العنصرية في جنوب إفريقيا أو لم يثبت بالتجربة الحسية بعد، ان المفاوضات مع الاحتلال منذ مدريد مروراً بأوسلو وواي ريفر وكامب ديفد وطابا والرباعية الدولية وانابوليس لم تجلب لشعبنا سوى المزيد من القتل والدمار والاغتيالات ومصادرة الاراضي وهدم البيوت وتقطيع الاشجار وتجريف البساتين وبناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري واقامة مئات الحواجز العسكرية وأبراج المراقبة الفولاذية على مداخل مدننا وقرانا ومخيماتنا الفلسطينية؟
فكيف لفلسطيني وطني يمتلك الحس السليم والعقل الرزين بعد هذه التجارب المفحمة أن يثق بوعود هذا السفاح المارق الذي يكذب ليل نهار على شعبه قبل غيره”

كُتّاب الورقة يقولون إن التناقض مع العدو ليس التناقض الرئيسي.. حين يسألون عن “متى نستفيق”
وتصف الورقة الاحتلال الصهيوني أنه ” احتلال اقسى انواع النظم الاستعمارية الاستيطانية التي مارست سياسة التمييز والفصل العنصريين”
بعد قليل تنسى هذا الكلام!!! وتطلب التعايش معه وإزالة خصائصه العدوانية!!!

تقول الورقة بعد ذلك:
“سياسة الكيان نابعة من خصائصه البنيوية
ونوجز هنا هذه الخصائص فيما يلي:
1- خاصية الانتماء المشترك لاطار تاريخي واحد هو الاطار الاستعماري الاوروبي
2- خاصية التميز والتمييز العنصري للمستوطنين تجاه السكان الاصليين لاقاليم الاستيطان
3- خاصية تمتع المهاجرين المستوطنين بحماية الدولة المستعمرة لاقليم الاستيطان
4- خاصية التجميع الاصطناعي للمهاجرين الى اقاليم تخضع لسيطرة دولة اوروبية مستعمرة
5- الخاصية العدوانية الملازمة لكيانات المستوطنين النابعة من حاجتهم الضرورية لانتزاع اراضي السكان الاصليين
6- خاصية التوسع الجغرافي الحتمي لكيانات المستوطنين المرتبط بازدياد تدفق المهاجرين الجدد و حاجتهم لارض السكان الاصليين
7- خاصية استخدام المستوطنين للعنف كوسيلة لاخضاع السكان الاصليين لسيطرتهم، في حالة استغلال قوة عملهم، ولنفيهم بالقتل والتدمير في حالة الحلول مكانهم.
8- خاصية انغلاق المستوطنين على ذاتهم وعزل السكان الاصليين والانعزال عنهم في حالة بقائهم لاستغلال قوة عملهم.
9- خاصية تعالي المستوطنين على السكان الاصليين واحتقارهم باعتبارهم ادنى منهم درجات عدة في سلم التطور البيولوجي والحضاري حسب زعمهم.
10- خاصية عداء المستوطنين المطلق لسكان المحيط الاقليمي ان وجد، طمعا في
استغلال ثرواته الطبيعية وقوة عمله البشرية، وللتوسع في مجاله الجغرافي.
11- خاصية تبعية الكيانات الاستيطانية لدولها الام التي رعت عمليات انشائها وأوجدت لها شروط التحول الى كيانات سياسية.
12- خاصية اشتراك المستوطنين الاستعماريين جميعاً في بنية فكرية تستند الى تحريف النصوص والمعتقدات الدينية، واستحضار اساطير تاريخية قديمة مزيفة، وتزوير مفاهيم علمية، بيولوجية، وسوسيولوجية لتشويه الوعي بحقيقتها، وتبريرا للسيطرة على السكان الاصليين وابادتهم عند الضرورة تحت مسميات كاذبة وخادعة تدعي التبشير للاديان حينا ولنشر الحضارة حينا اخر.”
وبعد كل هذا يواصلون:
“خصوصية الكيان الاستيطاني الإحلالي في فلسطين
وانطلاقاً مما تقدم، اخذين بعين الاعتبار ما هو عام ومشترك بين كل التكوينات الاستيطانية الاستعمارية، والاحلالية منها على وجه الخصوص، ولما هو منفرد في كل تكوين على حدة، وإدراكاً لخصوصية التكوين الاستيطاني في بلادنا المتمثلة في كونه قاعدة طفيلية متقدمة للهيمنة العالمية، وظيفتها تطويع المحيط الاقليمي للمركز المهيمن في حينه.
ووعيا منا للعلاقة الشرطية بين الدور الوظيفي لهذا التكوين وخصائص بنيته المتمثلة في حتمية انغلاق تلك البنيه وانعزاليتها، وما يضفي عليه ذلك بالضرورة خاصية الطفيلية، وعدم القدرة على الانفكاك من التبعية لتلك المراكز. وتأكيدا لطبيعته تلك وتلبية لدوره الوظيفي واستنادا الى نتائج عدوانه عام 1967م الذي احتل بموجبه الكيان كل فلسطين، حيث اخضعها ارضا وشعبا لسيطرة وسيادة جيشه وقوانينه، الامر الذي مكنه من الاستيلاء على ما يقارب 93% من الارض واستكمال تشريد اكثر من ثلثي شعبنا منها. وما تبقى منه يحشر اليوم قسرا في معازل (كانتونات) إثنية منفصله عن بعضها، وتخضع لشروط أمنية غاية في القساوة، كالحد من حرية الحركة والالتحاق بالعمل ان وجد، وعدم القدرة على تحصيل وسائل العيش، ناهيك عن التعرض للاعتقالات والاغتيالات الممنهجة. كما يواصل مصادرة الارض وتجريفها، وخلع الاشجار وهدم البيوت والتحكم في مصادر المياه ومعابر الحدود دخولا وخروجا. هذا بالإضافة الى ممارسة الفصل والتمييز الإثني (الابارتهايد) المتمظهرة في كل جوانب الحياة وأبرزها بناء جدار الفصل الإثني الذي يقام قي الوقت الذي يشهد فيه عالمنا الراهن الغاء الحدود الجغرافية والحواجز الاقتصادية والثقافية بين الشعوب والدول، الامر الذي يؤكد انغلاق الكيان على نفسه وتكلسه، ويثبت حقيقة كونه يسير باتجاه معاكس لحركة المجتمع الانساني وتطوره التاريخي. وقد توج الكيان سياسته العدوانيه هذه بتطبيق سياسة الحصار الاقتصادي والتجويع، وصولاً الى إعلانه الرسمي عن ممارسة المحرقة على اهلنا في غزة هاشم التي اثبتت بدورها انها عصية بكل قواها المقاومة على سياسته النازية الجديدة.”

ويذكر الكتاب الدور الوظيفي للكيان وهو يتعلق بتمزيق المنطقة والسيطرة عليه، ثم ينسون كل ذلك!!!
“شروط قدرة الكيان على القيام بوظيفته لرعاته
وإذا اضفنا الى ما تقدم ان قدرة الكيان -القاعدة- على القيام بدوره الوظيفي منوطة برجحان قوته على مجموع قوى محيطه، حيث ضمن له ذلك الراعي الامبريالي سابقا”.
تقول الورقة : “- حل المشاكل يتطلب إزالة أسباب نشوئها ؟”
ثم تدعو للتفاهم مع أسباب نشوء المشاكل بدل الدعوة لإزالتها!!!!
وتقول: “نحن سكان فلسطين التاريخية، مطالبون اليوم بان نهدم بايدينا جماعياً شروط فنائنا الجماعي ونقيم على انقاضها شروط بقائنا الجماعي على قيد الحياة ككل متكامل ومتساو بعيداً عن الفصل والانفصال والتمييز العنصري والنفي المتبادل للاخر.”
تقول: نحن سكان فلسطين!!!! وتقول الورقة بعد قليل: أصليون ومستوطنون.. هذا هو السم الذي تضعه في الدسم..
وتواصل الورقة: “لقد علمتنا تجربة الصراع الدامي خلال قرن من الزمن ضرورة نبذ الاعتقاد الزائف بامكانية الوصول الى حلول عادلة ومنصفة لجميع ذوي الحقوق المشروعة مع بقاء البنية الحالية التي اصبحت قديمة لصراع المتناقضات على ارض فلسطين التاريخية ومحيطها، التي تمخضت عن عملية الاستعمار الاستيطاني.”
“ان مصلحتنا في الحياة المشتركة تفرض علينا ضرورة تجاوز القديم الذي شاخ وهرم وولى زمانه والانتقال الى مولود جديد اكثر تقدماً وأهلية لخلق علاقات انسانية لنا جميعاً.
انه مشروع مستقبلي لكفاح مشترك نبني بواسطته مستقبلاً يكون كما نصنعه نحن بأيدينا وعقولنا لمصلحتنا الجماعية المشتركة، انه تغيير جذري وليس اصلاح سطحي لبنية الصراع الموروثة عن القديم المهترىء.”
والحل المقترح، يتناقض مع مفاهيم الكتاب السابقة جميعها:
“فالحقائق الملموسة الراهنة على أرض فلسطين التاريخية تؤكد ان سكانها اليوم اصليين ومستوطنين يشكلون كلاً واحداً من حيث مصلحتهم في البقاء على قيد الحياة، ولا يغير من ذلك كون النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها يقوم على الفصل والتمييز العنصري وسيطرة كيان المستوطنين على ارضها وشعبها الاصلي الفلسطيني.”

الورقة تُقزم الصراع والقضية:
“إن عدم التجانس الذي اقامه الكيان الاستيطاني بين مصالح وحقوق طرفي التناقض الاساسي قد جرفهم نحو الانتحار الجماعي الذي يتوجب وقفه بترقية علاقة الطرفين وليس بإنهائها عبر النفي المتبادل بينهما. وتعلمنا أحداث التاريخ وتجارب الأمم ان افضل الطرق للتخلص من الحروب والتدمير المتبادل هو إلغاء الواقع الذي يفرز تلك الحروب ويتطلب استمرار ذلك التدمير المتبادل (السم في الدسم).
وفي حالتنا نحن على أرض فلسطين فان هذا الواقع الذي يتطلب منا الغاءه يتمثل في بنية الكيان الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية ضد شعبنا ووظيفته الهيمنية على محيطنا الإقليمي، فالحل الجذري يكمن في تفكيك تلك البنية المغلقة واستبدالها ببنية منفتحة اكثر تقدماً وإنسانية وعديمة الوظيفة الإمبرالية، وما عدى ذلك ستبقى أسباب الحروب والتدمير المتبادل قائمة مع امكانات تصاعدها حيناً وهبوطها حيناً اخر طالما بقيت جذورها ضاربة في أعماق بنية الواقع الذي يتضمنها.”

“إن ادراكنا لكون الحياة الاجتماعية للبشر تتكون من علاقتين أساسيتين: الاولى علاقة الانسان بالطبيعة “الارض” والثانية علاقة الانسان بالانسان “علاقة الناس ببعضهم”، دفعتنا للتدقيق في الحلول المقترحة للقضية الفلسطينية والتي كانت وما تزال موضوعاً للمفاوضات العبثية فوجدنا انها تركز على العلاقة الكمية للناس(علاقة الانسان بالطبيعة) أي علاقة الانسان بالارض ونسبة تملكهم لها وتهمل علاقة الناس الكيفية ببعضهم البعض أي علاقة الانسان بالانسان الاخر، على ارض فلسطين ومحيطها وتجعلها خارج الحلول المطروحة وبالتالي خارج المفاوضات.”
ويدعون بعد ذلك: “نؤكد اصرارنا على ان يتضمن الحل لقضيتنا الوطنية، الجانب الكيفي في المقام الاول الى جوار الجانب الكمي وعدم القبول بأي فصل تعسفي بينهما، وذلك بالغاء الكيف القديم للعلاقة بين الانسان والانسان على ارض فلسطين التاريخية أي بين السكان الفلسطينيين الاصليين والسكان المهاجرين المستوطنين، ذلك الكيف المتمثل في العلاقات الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية وعلاقات الفصل وانشاء الكيف الجديد للعلاقة التي تقوم على المشاركة الحرة والمساواة والاتحاد وصولاً الى الانفكاك من التبعية للهيمنة الامبريالية”.
هذا يتناقض مع وصف الطبيعة البنيوية للمستوطنين!!!!
أين يكون موقع اللاجئين في هذا المفهوم؟
وبكل بساطة: تقول الورقة وكُتابها، (الذين أعتقد أن أستاذهم هو عزمي بشارة):
“مكمن الحل العادل الراهن لقضيتنا
فضرورة التغيير الجذري لبنية الصراع التي اصبحت قديمة ليست وليدة رغبة هذا المفكر او ذاك او تحقيقاً لامنية أناس ذوي نوايا حسنة بل تعبيراً عن حاجة تولدها حركة مقنونة لصراع المتناقضات ضمن وحدة بات فيها الانتقال من التراكمات الكمية الى التغيرات النوعية حتمية يتطلبها الخروج من حالة الانتحار الجماعي والدخول الى حالة التعايش الجماعي، انها لحظة الانتقال من كيف قديم متعفن آخذ في الاحتضار الى كيف جديد نقي اخذ في الولادة، نسميه دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية الواحدة على ارض فلسطين التاريخية، دولة لكل من يعيش عليها ولمن اخرج منها بالقوة القاهرة عام 1948، واحفادهم الذين يشكلون جزءاً عضوياً من المكونات السكانية “الديمغرافية” لفلسطين التاريخية، هؤلاء المهجرين المالكين للحق الوضعي “قرار 194″ وللحقين الطبيعي والتاريخي للعودة الى ارض وطنهم وممتلكاتهم والتعويض لهم عن الخسارة بسبب غيابهم القسري واستغلال المستوطنين لممتلكاتهم، انها لحظة القطع مع الماضي الاستعماري الهمجي ولحظة الوصل مع المستقبل التحرري الانساني.”

يتنازل كتاب الورقة ويعلنون أن المستوطنين مالكون للحق الوضعي حسب قرار 194!!!!!!!!

ويستمرون:
“نعم انها لحظة استبدال علاقات قديمة ذات طبيعة استعمارية عنصرية إحلالية بعلاقات جديدة طبيعية ديمقراطية تقدمية تقوم على العيش المشترك والمساواة في الحقوق والواجبات المدنية لمواطنين احرار حقاً في دولة من نمط جديد منزوعة التمييز والفصل العنصري بسبب الاصل الاثني او اللون او اللغة او الانتماء الديني والسياسي والحضاري في دولة تحرم الدعاية للتمييز والفصل العنصري وبث ثقافة الكراهية والحقد والعداء، دولة تنتقل بفلسطين من العداء على محيطها الى الصداقة والتعاون لمصلحة تقدم وتطور وامن شعوبه.”

ثم تقول الورقة:
– انه لهدف صعب التحقيق لكنه انساني نبيل يستحق التضحية
ومتى كانت القفزات النوعية في التاريخ تحدث من تلقاء نفسها؟ ومتى حدث ان تنازل الظالمون عن ظلمهم طوعاً للمظلومين؟ ومتى تقاعس الاحرار في التاريخ الانساني عن دفع ضريبة الحرية التي لم تقدم لهم يوماً على طبق من ذهب؟
جانب فكري فلسفي لتغطية جانب سياسي غير ممكن!!!!!
وبقوة تشبه قوة المستوطنين، تقول الورقة: “ولذلك كله نؤمن وندعو ونقاوم مع شعبنا وقوى التحرر القومية والإقليمية لإنجاز هذا التغيير الذي لن يحدث من تلقاء نفسه، بل بواسطة تصعيد كفاحنا الضاري ومقاومتنا بجميع أشكالها المؤدية إلى إحداث تغيير في ميزان القوة وخلق حالة توازن الردع بحيث يصبح تحقيق أمن المستوطنين مشروطاً بتجريدهم من وضعهم الاستعماري الاحلالي وسماتهم الانعزالية الانفصالية وحرمانهم القانوني من الترويج لثقافة الاستعلاء والكراهية والحقد على الغير وخاصة على شركائهم في المواطنة المتساوية مع السكان الفلسطينيين (الأصليين) وإلغاء كل حالات التمييز والتمايز عن الآخرين في الحقوق والواجبات وفك الارتباط مع الهيمنة الامبريالية والرجعية الإقليمية.

إن وضعاً كهذا سوف يساعد شعبنا على نيله لجميع حقوقه المتساوية مع حقوق كل من يقيم على كامل تراب فلسطين الانتدابية الموحدة ، وعودة اللاجئين إلى وطنهم” (؟؟؟؟؟؟؟؟؟ العدو الذي يدمر سورية وفكره ديني !!! كيف يمكن أن يسمح بعودة اللاجئين إلى وطنهم.. إنه استجداء وتغطية للمماطلة).

وبعد الحديث عن فشل السلطة، تقول الورقة:
“اننا نحذر الاحرار والمناضلين من اجل حلول عادلة في فلسطين التاريخية، ومحيطها الاقليمي، من تطبيق شعار (دولتين متجاورتين في فلسطين). فهو من جهة اولى يمثل خديعة كبرى عندما يصور إقامة المعازل الإثنية في فلسطين كتعبير عن تطبيق حق تقرير المصير لسكان هذه المعازل”.
“ومن جهة ثانية، يمثل انفصال كيان المستوطنين وتميزهم عن السكان الاصليين القابعين في المعازل، تكريس لنظام الفصل والتمييز الإثني ( الابارتهايد) والإبقاء على طبيعة البنية الاستعمارية لكيان المستوطنين واستمرار استغلالهم للأرض الموحدة، تحت سيطرتهم، وقوة عمل السكان الأصليين فيها”.
“ان حجر الزاوية في أي حل لقضيتنا الوطنية لا يتمثل في النسب الكمية للأراضي المخصصة لسكان المعازل على الرغم من اهمية ذلك، بل يتمثل اساسا وقبل كل شيء في نوع العلاقات التي ستقام بين سكان فلسطين التاريخية المنزوعة المعازل”.

وتقول الورقة لتقزيم الصراع:
“ولهذا نرى ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من جهة وسكان أصليين (فلسطينيين) على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع العلاقة التي اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا.
ليس اغتصابا بل نوع العلاقات..
“وعليه نؤكد ان التغيير الذي نريد تحقيقه على ارض فلسطين التاريخية لا يمس وجود الناس عليها، بل يمس العلاقات القائمة الغير انسانية بينهم”.
ليس تحريرا.. بل تغيير العلاقات..!!
السم الأكثر خطورة هنا:
“ومن هنا وعلى ضوء فهمنا هذا ننطلق نحو تحديد المضمون الحقيقي لشعار تحرير فلسطين، الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها، بل تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية الإثنية الإحلالية التي أقامها هؤلاء المستوطنين مع شعبنا الفلسطيني، وتحريرها من دور كيانهم الوظيفي على محيطنا الإقليمي.”

وتختم الورقة بما يلي:
“عاشت فلسطين محررة من مخلفات الاستعمار الاستيطاني العنصرية، ومبنية على اسس من الحياة المشتركة المتساوية لكل مواطنيها بعيداً عن كل اشكال الفصل والتمييز بسبب الدين او الثقافة او الاصل الاثني. وبعيداً عن العداء لمحيطها الاقليمي و صديقة لكل قوى التحرر والتقدم في العالم”.
إنها الورقة الأكثر خطورة في تاريخ القضية..
والورقة التي تتطلب من كل واحد منا أن يتخذ موقفا واضحا منها.
كنت في دمشق قبل حوالي شهرين أو ثلاثة، في مؤتمر لدعم المقاومة ورفض اعتبار حزب اهعو المقاوم حزبا إرهابيا، وجاء بعض الأشخاص من الأرض المغتصبة لنشر الورقة.. ورفض المؤتمرون أن تقدم الورقة..
الطريقة التي كتبت فيها الورقة ذات الثلاثين صفحة، تثير الشكوك في الأهداف..
وصف العدو بالوحشية وكل الصفات القذرة، ثم ىقديم الحل الذي الذي يحول الصراع معه إلى مجرد علاقات سيئة يجب تغييرها..!!! هذا ملخص الورقة..!!
مع تناسي وتجاهل حق العودة، عودة اللاجئين المستحيلة بوجود ملايين المستوطنين وآلاف المستوطنات في الأرض المغتصبة.. كيف!!
وكل ما يفعله العدو في سورية وما فعله في لبنان وغزة.. ليس مجرد علاقات سيئة يمكن تغييرها!!

الورقة ليست بريئة وإن خدعت بعض الناس.. وأشك حتى بمصدرها..
والهدف منها فتح موضوع جديد للمفاوضات.. ليستغرق أجيالا وأجيالا أخرى..
فلسطين لن تكون لكل من سكنها واستوطنها كما تقول الورقة..
وشعار تحرير فلسطين يعني تحريرها.. من وجود المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها، وليس تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية.. الذي يحولنا إلى خدم عند من يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار!!!!!

  • ·       الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها حصراً ولا تعبر بالضرورة عن رأي نشرة “كنعان” الإلكترونية أو محرريها ولا موقع “كنعان” أو محرريه.