العلاقة بين روسيا وإيران في فرضيّات ثلاثيّة الأبعاد

ثريا عاصي

عنِ العلاقاتِ الروسيّةِ – الإيرانية:

– نقاطُ التقارب: حولَ الهيمنةِ الأميركيةِ والتعدّدية: أعتقدُ أنَّ مقاربةَ هذهِ المسألةِ تحتاجُ إلى النظرِ إليها من خلالِ النظامِ السياسيِ المتبعِ في كلٍّ من روسيا وإيران: هل يتناقضُ النظامُ السياسيُّ في روسيا وفي إيران مع الهيمنةِ الأميركيّة؟ هل تريد روسيا أن تسعى إلى عالم محكوم بقطبين، أميركا وروسيا؟ أمّا أنّ مصلحةُ روسيا هي في التحالفِ مع دولٍ صاعدةٍ في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية «البريكس» لإرساءِ توازنٍ دوليٍّ متعدّدِ الأقطابِ، يتجسّد مثلاً في توسيعِ مجلسِ الأمنِ الدوليِّ وضمِّ دول قطبية كأعضاء دائمين… الهند، البرازيل، أفريقيا الجنوبية روسيا والصين .. وهل توجدُ إيران في وضعٍ مماثلٍ لروسيا… لماذا روسيا تحتاجُ إلى إنشاءِ تكتّلٍ لخلقِ نوعٍ من التوازنِ مع أميركا؟ هل تستطيعُ إيران الدخولَ في هذا التكتّل؟ هل هناكَ احتماليةٌ لإنشاءِ تكتّلٍ ثانٍ تكونُ إيران عضواً فيه أو نواته؟…
ما هي شروطُ الدخولِ في تكتلِ «البريكس»… وهل تتوافرُ هذه الشروطُ في إيران؟
ما هي نسبةُ الاقتصادِ من جهة ونسبةُ العقيدةِ في السلوكِ السياسيِّ الإيراني؟
من البديهيِّ أنَّ إيران تتمنّى نظاماً دولياً متعدّدَ الأقطاب… ولكن ليسَ التناقضُ بينها من جهة، وبينَ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ من جهةٍ ثانية، بالضرورةِ من نفسِ طبيعةِ التناقضِ بينَ هذهِ الأخيرةِ وبين روسيا.
– عنِ الإرهابِ التكفيريّ: أعتقدُ أنَّ الطرفين الروسي والإيراني متفقانِ على مقاومةِ الإرهاب التكفيري… كونُ هذا الإرهاب حليفاً لأميركا، ومرتهناً لها استناداً إلى التجاربِ المعروفةِ، أفغانستان، العراق، سورية، اليمن، شمال أفريقيا… تحتَ عنوانِ عمليةِ «الإرهابِ الإسلامي»… ولكنَّ درجةَ الصِّدامِ بينَ هذا الإرهابِ من جهة، وبينَ كلٍّ مِن روسيا وإيران من جهةٍ ثانيةٍ تابعٌ طبعاً لأولويّات الولاياتِ المتحدةِ الأميركية… فالرأيُ عندي أنّ هذه الأخيرة يمكنُها أن تهادنَ مؤقتاً روسيا إذا تخلّتْ عن دعم إيرانَ أو حلفاءَ إيران ضدَّ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ وحلفائها. مهما يكن، فإنَّ موضوعَ الإرهابِ ذو فروعٍ وتفاصيلَ كثيرة .. بمعنى أنّ الإرهابيَّ يكونُ صديقاً في مكانٍ وعدوّاً في مكانٍ آخر. فهو كيانٌ متحوّلٌ.
لا شكَّ في أنَّ الاختلافَ هو حول مفهوميّةِ الدولةِ، وشرعيّةِ الدولة… إذ يبدو أنّ لدى الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ ميل إلى عدمِ الاعترافِ بأيّة دولةٍ لا تدورُ في فلكها.
مجملُ القولِ، إنّي لا أعتقدُ أنّ محاربةَ الإرهابِ هي نقطةُ التقاءٍ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ ذاتِ السياسةِ الإمبرياليةِ وبينَ روسيا التي تخوضُ حرباً دفاعيةً وطنية من أجلِ الوجودِ والبقاءِ… والأمركذلك بينَ إيرانَ وبينَ روسيا، لأنّ مفاهيمهما للإرهابِ ليستا متطابقَتين.

– في موضوعِ النفطِ والطاقةِ: من البديهيِّ أنّ إيرانَ بحاجةٍ إلى روسيا، طالما أنّ المقاطعةَ الغربيةَ ساريةُ المفعولِ ضدّهما، ومردُّ ذلكَ عائدٌ إلى كونِ روسيا متقدّمة عن إيران صناعياً وتقنياً .. وفي الصناعات العسكرية أيضاً.. ناهيك من ان مقاومة ايرانية قوية هي مفيدة لروسيا… ولكن هل يتوافقُ الروسُ والإيرانيون على قسمةِ مخزونِ النفطِ في قزوين؟… السؤال هنا هو حولَ العلاقةِ التي تربطُ كلاً من إيران، وروسيا بتركيا… العلاقةُ التجاريةُ مع تركيا في مقابلِ العلاقةِ الصناعيةِ والاستراتيجيةِ مع إيران.

– حول التسويةِ السوريّةِ: ماذا تريدُ إيرانَ من سورية؟ وماذا تريد روسيا من سورية؟ هل تريدان نفسَ التسويةِ؟ هذا يردّنا إلى مسألةِ النظامِ السياسيِّ المطبّقِ في كلٍّ من إيرانَ وروسيا الذي تناولناه أعلاه. مهما يكن، فالرأيُ عندي أنّ المشكلةَ الكبرى في سوريةَ هي في نظري مشلكةٌ مجتمعيّةٌ سوريّة. بمعنى أنّ ما يثيرُ القلقَ هو الانشطاراتُ العموديّةُ التي ظهرت في المجتمعِ السوريِّ، وهذه الظاهرةُ هيَ التي استغلَّها أعداءُ سوريةَ والسوريّين. فعلينا في مقاربةِ هذهِ المسألةِ أن نأخذَ بعينِ الاعتبارِ أنّ جزءاً من السوريّينَ انضمَّ إلى تركيا ضدَّ الدولةِ السوريةِ، بِاسم دولةٍ إسلاميّةٍ إخوانيّةٍ. هناكَ جزءٌ آخرَ ارتمى في أحضانِ السعودية، وهذا كلُّه وفّرَ بيئةً مناسبةً للحركاتِ الوهابيّةِ: القاعدة وداعش. الوهابيّةُ لا تعترفُ بالجمهوريةِ العربيةِ السورية، الإخوانُ المسلمون لا يعترفونَ بالجمهوريةِ العربيّةِ السوريةِ كمثل الولايات المتحدة الأميركية. ينجمُ عنهُ أنَّ الذينَ يسعونَ إلى الوصولِ إلى حلٍّ سلميٍّ بينَ جميعِ هذهِ الأطرافِ يبحثون عن قاسمٍ مشتركٍ بالضدِّ منَ الذينَ ما يزالونَ يؤمنونَ ومتمسّكينَ بالجمهوريةِ العربيةِ السورية…

– الموقفُ مِنَ التدخّلِ العسكريِّ الإسرائيليّ في سورية:
هل يمكنُ أن تسمحَ روسيا بأن يتطور انخراطُها القتاليّ في سورية إلى حدِّ التصدّي للتدخّلِ الإسرائيلي؟ طبعاً لا.. وليسَ من الجائزِ أن نطرحَ مثلَ هذا السؤالِ. ففي زمانِ الاتحادِ السوفياتيّ لم تتدخّلِ القواتُ السّوفياتيّة الى جانب مصر وسوريا إلا في ظروفٍ دفاعيةٍ، وقليلةٍ، (في مصر غداةَ هزيمةِ 1967)…
أمّا بالنسبةِ لإيران، فإنَّ الوضعَ يختلفُ، لأنَّ إسرائيلَ التي تتدخّلُ في سورية، فمنَ المحتملِ جداً أن تحاربَ إيران، بالضدِّ من روسيا التي لن تحاربها.
أمّا عن علاقةِ الروسِ مع بعضِ الدولِ الخليجيّةِ: فإنّ إيرانَ هي أيضاً تسعى إلى تحسينِ علاقتِها بهذه الدول، ولكن هذه الأخيرة لا تستطيع الاستجابةَ للغزلِ الإيرانيّ، لأنّها نصفُ مستعمرةٍ… وعقالُها بيدِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركية.

– حولَ الشراكةِ بينَ إيرانَ وبين روسيا، التكتيك والاستراتيجية…
أعتقدُ أنَّ الشراكةَ بينَ إيرانَ وبينَ روسيا تغطّي مسافةً في السيرورةِ، وهذه تغطيةٌ استراتيجيةٌ بحسبِ اعتقادي، وليست تكتيكيّة. بمعنى أنّ روسيا وإيران تقاتلانِ من أجلِ مصالحهما، ولكنّ إيران معنيّةٌ أكثرَ مِن روسيا، لأنَّ إسرائيلَ وأميركا يمكنهما مهاجمةُ إيران.. في حينِ أنّهما تتوسلانِ في الحربِ ضدّ روسيا الإضعافَ والاستنزافَ، والمقاطعةَ الاقتصاديةَ. مجملُ القولِ، إنّ ما يجري في سوريةَ هي معركةُ مصيرٍ ووجود… معركةٌ استراتيجيّة.
خلاصةُ القولِ، إنّ روسيا وإيران تلتقيانِ على الأرجح كدولتَين جارتَين، وأعتقدُ أنّ من مصلحتِهما التنسيقُ بين سياستَيهِما في البُقعةِ الجغرافيةِ بينَ بحرِ قزوين وبين المتوسط. من البديهيِّ أنّهما تفضّلانِ أن تنضمَّ تركيا إليهما، ولكنَّ ذلكَ يتطلبُ تحوّلاً في تركيا أو في إيران. هل يمكنُ أن يحدثَ هذا في تركيا؟ أقصدُ هنا تغييرَ اتجاهاتِ تركيا الحاليةِ المتوسلة نحو الاتحادِ الأوروبيّ والولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ إلى سياسةٍ قائمةٍ على المبدأ الذي حاولَ الروسُ إرساءَه في كازاخستان، ضمنَ تعاونٍ ثلاثيٍّ روسيٍّ إيرانيٍّ تركيٍّ يحلُّ مكانَ، أو على حسابِ تعاونٍ تركيٍّ إسرائيليٍّ خليجي. من البديهيّ أنّ شروطَ هذه المتبدّلاتِ تتمثّلُ بفشلِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ وحلفائها في أوروبا وإسرائيل في السيطرةِ على الهلالِ الخصيبِ نهائياً وبالكامل.
وبالعودةِ إلى العلاقةِ بينَ إيران وروسيا، أقولُ إنّ الدولتَين مجبرتَان على أن تترافقا حتى سورية، ولكن ليسَ لما بعدَ سورية. اللهم إلا إذا نجحتْ روسيا في إقناعِ تركيا بأنّ أبوابَ تكتّلِ البريكس مفتوحةٌ بعكسِ الاتحاد الأوروبيّ. أميركا تقاتل بأموال السعودية وبعسكر تركيا.

:::::

“الديار”

  • ·       الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.