الإسرائيلي نتنياهو في موسكو الأذري علييف في طهران

ثريا عاصي

الرأ ي عندي ان العلاقة التي تربط موسكو بطهران هي في لبها علاقة استراتيجية، استناداً إلى أن مصلحة البلدين، روسيا وإيران، تقتضي بأن يسلك الأخيرين نهجاً مؤاداه المحافظة على وحدة البلدين في مواجهة خطط الإمبريالية العالمية ممثلة بشكل رئيسي بالولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية المتعاونة معها، التي تسعى إلى تقسيم وتفتيت وإلغاء الدولة حيث توجد احتمالية مقاومة أو احتجاج دفاعاً عن التنظيم المجتمعي الوطني.
وفي هذا السياق فإن العلاقة بين روسيا من جهة وبين تركيا من جهة ثانية هي عدائية، ليس فقط نتيجة لانخراط الأخيرة في تشكيلات الولايات المتحدة الاميركية العسكرية والدعائية (الحلف الأطلسي) ضد روسيا وإنما مرد ذلك أيضاً إلى الغطرسة التي تميزت بها على الدوام الطبقة السياسية الحاكمة في تركيا وادعائها بأحقية ممارسة دور الشرطي في منطقة الهلال الخصيب تحت ذرائع مختلفة، آخرها إحياء الدولة الإسلامية بحسب مشروع الاخوان المسلمين، بعد ان تلاشى المشروع العروبي، الإتحادي التضامني. ينبني عليه أن السياسة التركية تنحو منحى مماثلاً للولايات المتحدة الأميركية ولإسرائيل لجهة إعادة رسم خرائط الدول حتى يتسنى للدولة التركية التوسع وضم أراض في العراق وسورية تدعي انها جزء من بلادها.
تجدر الإشارةَ هنا إلى ان هذه الدولة التركية تدعم أذربيجان بلاد السيد إلهام علييف، ضيف الحكومة الإيرانية التي تسعى الى استرجاع منطقة كرباخ التي تسكنها أغلبية أرمنية، بحجة عدم شرعية المساس بحدود الدول، كما يتوجب التذكير بأن الصراع بين الآذريين من جهة وبين الأرمن، حول كرباخ، من جهة أخرى يمثل بؤرة مشتعلة، نارها دائمة ولكنها خفيفة، في المواجهة بين الغرب الامبريالي وبين روسيا في الراهن، كما كانت في زمن الاتحاد السوفياتي. ومن هذا المنظور يمكن أن نضع الصراع الأذري – الأرمني في مصاف الصراعات التي يهدد خطرها السلم العالمي ( بين الغرب الامبريالي وبين روسيا والصين ) كمثل أوكرانيا وسورية، وجيورجيا.
مجمل القول أن المشكلة الآذرية – الأرمنية تؤثر على جنوب القوقاز، مثلما انها تتأثر بالوهج المنبعث من الحرب على سورية. وهذا تؤكده في نظري، الأخبار التي تفيد عن زيارة ينوي الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القيام بها إلى موسكو وعن زيارة الأذري إلهام علييف إلى طهران. ناهيك من ان الاثنين، الإسرائيلي والأذري منشغلين بالمسألة السورية !
أعتقد انه يحق للمراقب ان يتساءل عن الأمور التي تهم الرئيس الأذربيجاني في موضوع المسألة السورية والتي يريد ان يتداول في شأنها مع الإيرانيين، أو بالنيابة مع حلفائهم، وهل انه مكلف في إيصال رسائل الى الأخيرين من حلفائه هو؟ علماً ان أذربيجان تحظى، أو تظن انها تحظى بدعم من جانب دول الغرب الامبريالي من أجل استعادة إقليم كرباخ الأرمني، كمثل السيد أردوغان الموعود او الذي يعد نفسه بدولة الاخوان المسلمين في المشرق والمغرب، تحت سلطته «العلية» على نهج شريف مكة حسين الذي انتظر الدولة العربية من «لورانس العرب» واللورد الإنكليزي، ماك ماهون!
ماذا يريد إلهام علييف من إيران؟ أن يسترد إقليم كرباخ؟ لا ننسى ان أذربيجان دولة نفطية تطل على بحر قزوين وأنها مرتبطة نفطياً وسياسيا بتركيا والغرب الامبريالي وبشركات التنقيب عن النفط واستخراجه، ولكن موقعها في جوار روسيا وعلاقة هذه الأخيرة بأرمينيا، يفرضان على أذربيجان اتباع سياسة متوازنة نسبياً. لا سيما ان الغرب الامبريالي وهذا واضح وظاهر للعيان، لن يخوض حرباً عالمية ثالثة من أجل ان تسترجع أذربيجان إقليم كرباخ، فلقد اثبت هذا الغرب انه ليس مع مبدأ عدم المساس بحدود الدول، بل ان مواقفه متناقضة مع هذا المبدأ سواء لجهة التوسع ولجهة التقسيم.
واستناداً إلى ان الدور الذي تؤديه دولة أذربيجان في المسألة السورية لا يتعدى في أغلب الظن الدور الرديف للدور التركي، أو قل انه دور ثانوي أو غير مباشر، فليس مستبعداً أن تكون زيارة الرئيس الأذري إلى طهران في إطار الأخذ والرد بين إيران وبين دول الغرب الامبريالي التي تحاورها منذ سنوات حول البرنامج النووي وغيرها من القضايا ومن ضمنها طبعاً، سوريا والعراق ولبنان وفلسطين بقصد إقناع الحكومة الإيرانية بالخروج من الساحة السورية مقابل تعويضات منها على سبيل المثال رفع الحصار والكف عن استخدام لغة التهدد والوعيد، بالإضافة طبعاً إلى تسويات واتفاقيات بين إيران وأذربيجان.
وفي السياق نفسه ينهض السؤال حول الغاية التي يتوخاها الإسرائيلي نتنياهو من زيارته المرتقبة إلى موسكو، ما هي المطالَب التي سيتقدم بها الى السلطات الروسية في المسألة السورية ؟ فمن المعروف ان المرحلة الجديدة في المشروع الاستعماري الإسرائيلي تتضمن تحقيق الدولة اليهودية وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، ناهيك من إتمام المصالحة مع نظم الحكم العربية، أو بالأحرى جعل هذه المصالحة شرطاً من شروط الاعتراف الدولي بأية سلطة أو دولة عربية.
لكن الأسئلة الرئيسية في هذه المسألة هي حول مصلحة كل من روسيا وإيران في هذه المساومات أو بتعبير آخر هل تتطابق مصالح إيران وأذربيجان من ناحية ومصالح روسيا وإسرائيل من ناحية ثانية في سورية؟ تأسيساً على أن الدول المستقلة ليست مؤسسات عمل خيري بحسب المصطلح المعروف، وان الدعم الذي تتلقاه الحكومة السورية من إيران ومن روسيا إنما هو استجابة لمتطلبات الأمن القومي لكل من البلدين.
بغض النظر عن الخطابات الشعبوية والحماسية التي يطلقها مؤيدو الدولة السورية والمدافعون عن بقائها وعن وحدة أراضيها إن تواجد الأخيرين في سورية، بموافقة حكومتها، هو دفاع عن أنفسهم. بكلام آخر هم جاؤوا إلى سورية حتى لا تضرب إيران بالصواريخ ولا تتمدد النار إلى القوقاز الروسي ولا ينفرد المستعمرون الإسرائيليون بالمقاومة الإسلامية في لبنان.
الرأي عندي ان روسيا والثنائي إيران – المقاومة الإسلامية في لبنان والثلاثي تركيا – إسرائيل – أذربيجان يمثلون الأفرقاء الرئيسيين الثلاثة في الحرب الدائرة في سورية وأن الصدام بين روسيا وإسرائيل، أو بين روسيا وتركيا هما أمران يحاول الروس تجنبهما بأي ثمن، ولكن الأخيرين لا يستطيعون التراجع أو تحمل الهزيمة في سورية. ينجم عنه ان الروس يتحركون في حيّز تحده من جهة احتمالية الحرب العالمية الثالثة ومن جهة ثانية احتمالية الانكسار.
تحسن الملاحظة هنا الى أن الروس، ومعهم الصينيون، يمسكون في المسألة السورية بورقة حق النقض في مجلس الأمن الدولي التي تمنحهم نفوذاً عظيماً على الساحة السورية. فعلى الأرجح ان تلويح روسيا بالشرعية الدولية يمثل عائقاً كبيراً عجزت، الولايات المتحدة الاميركية وحكومة الرئيس الفرنسي هولاند عن تجاوزه. لقد استطاعت الولايات المتحدة الاميركية غزو العراق دون موافقة مجلس الأمن الدولي ولكنها فشلت في تكرار العدوان في سورية.
يلزم القول في السياق نفسه، ان استخدام الدول النفطية في الحرب على سورية، علماً ان هذه الدول تمتلك قدرات كبيرة وفعالة في مجتمعات انتشر فيها الجهل والتخلف والفقر نتيجة لسياسات خاطئة وحكام يفتقدون إلى الكفاءة والنزاهة، فلقد صادرت هذه الدول النفطية الدين ووظفته، وصادرت النفط وعائداته فعطلت دور الدول العربية كمثل مصر والجزائر وسورية نفسها في سورية، ظناً منها ان الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها سوف يعترفون لها بالجميل.
ينبني عليه ان الحكومتين الروسية والتركية تبحثان عن حل سياسي للأزمة في سورية، بالضد من إيران التي تستطيع التخلي عن الدولة السورية وعن المقاومة الإسلامية لأنهما يشكلان إلى جانبها منظومة دفاعية في الراهن في مواجهة الإمبريالية العالمية والاستعمار الإسرائيلي عسى ان تتوفر الظروف الملائمة لسيرورة تحريرية غايتها التخلص نهائياً من الهيمنة والاستعمار. ينجم عنه، تأسيساً على أن العلاقة، في المجال العسكري، بين سورية وبين إيران قديمة، يعود تاريخها إلى زمن انتصار الثورة في إيران، فإن القاسم المشترك بين الدولتين هو التصدي لمقاومة الاستعمار الإسرائيلي.
من البديهي ان التحالف الذي يضم روسيا وسورية ذو طبيعة وأهداف مختلفة. فإذا كان هدف الدولة السورية هو الحفاظ على الوطن وعلى نفسها، فان ما تسعى إليه روسيا ليس فقط المحافظة على الكيان السوري، ولكن أيضا الحؤول دون أن تتحول سورية وتركيا إلى بوابات يستخدمها الغرب الامبريالي من أجل إطلاق عمليات «إرهاب إسلامي» ضد روسيا والصين في مناطق القوقاز.
خلاصة القول وقصاراه أن إيران تقاتل إلى جانب الدولة السورية ضد المتمردين السوريين الذين يحاربون ضد بلادهم في جيش تركيا وهي ستقاتل إلى جانب سورية ضد المستعمرين الإسرائيليين. أما روسيا فإنها تدعم سورية ضد المنظومات التخريبية التي تزرعها الولايات المتحدة الاميركية والدول الأوروبية المتعاونة، تمهيداً للتقدم نحو الحدود الروسية والصينية. روسيا لن تدافع عن سورية إذا تعرضت هذه الأخيرة لعدوان إسرائيلي. لن يدافع عن سورية إلا الجيش السوري والوطنيون السوريون، والمقاومون اللبنانيون والمتطوعون العروبيون والإيرانيون. طالما ان الوضع السياسي في إيران لم يتغير فإن إقتراحات الرئيس الأذري إلهام علييف لن تنال الموافقة المأمولة… أما نتنياهو، فمن المحتمل أن يطمئنه الروس بأنهم ليسوا طرفاً في الصراع بين السوريين وبين المستعمرين الإسرائيليين.

:::::

“الديار”

  • ·       الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.