داعش وهجوم النزع الأخير …. ما الأهداف والنتيجة؟ العميد د. امين محمد حطيط

بعد جهد استخباري واضح قدمته اميركا و بعد تحشيد إرهابي  قامت داعش بهجوم انتحاري على الخطوط الخلفية للقوى التي تعمل في منطقة السخنة و حميمة القوى التي  حققت الإنجاز العسكري و الاستراتيجي في دير الزور انجاز تمثل في كسر الحصار عنها أولا ثم العبور الى الضفة الشرقية لنهر الفرات جنوبي دير الزور ثانيا ما جعل اميركا تشعر و تلمس ان رهانها على ورقة دير الزور رهان لن ينجح و ان إقامة منطقة الفصل بين العراق و سورية في جنوبي شرقي الحدود لن يمر و ان ما وضعته من خطوط حمر امام الجيش العربي السوري تدوسه أقدام المقاتلين الذين اسقطوا الاحلام و الأوهام الاميركية.

بعد كل الانتصارات التي سجلتها سورية مع حلفائها على جبهة دير الزور ، و بعد سنة من الهزائم المتلاحقة التي انزلت بداعش و حرمتها حتى من مجرد شن هجوم و من أي حجم كان ضد الجيش العربي و السوري ، أقدمت داعش على شن هجوم اقل ما يقال فيه انه عمل انتحاري ينفذه  يائس سدت في وجهه المخارج و المنافذ ، حيث انه من الوجهة العسكرية و في ظل موازيين القوى القائمة ليس فيه مقومات الاستقرار و الاستمرار في ظل سيطرة جوية روسية سورية وارجحية ميدانية لسورية وحلفائها تمكنهم من  محاصرة الخرق ان حصل مهما كان حجمه ومعالجته لاحقا بما يقتضي و يجتث منفذيه رغم إمكانية إيقاع خسائر في المدافعين عبر  موجته الأولى .

 ومع هذه الطبيعة البائسة للهجوم الإرهابي على مواقع الجيش العربي السوري وحلفائه، استطاع الإرهابيون من انتحاريين وانغماسين تجاوز عددهم العشرة ان يدخلوا بمتفجراتهم مراكز عسكرية في الخطوط الخلفية وعلى خطوط امداد القوى ما بين السخنة وحميمة وان يوقعوا إصابات بها، لكنهم لم يستطيعوا ان يحققوا الهدف الرئيس من الهجوم الذي شاءتها اميركا مخرجا من مازقها الناتج عن سقوط ورقة دير الزور من يدها.

لقد هدف الهجوم الانتحاري الى قطع طرق امداد الجيش العربي السوري وحلفائه واحداث ارباك يثنيهم عن متابعة التقدم في جبهة دير الزور وخاصة على الضفة الشرقية للنهر جنوبي مدينة دير الزور، لان اميركا كما يبدو وضعت خطة سريعة بعد تطور الجبهة هناك تقضي بالسيطرة على المثلث من الأرض السورية الواقع بين النهر والحدود مع العراق والذي راسه في البوكمال وقاعدته تبدأ من دير الزور باتجاه الحدود العراقية.

ففي المثلث المذكور مصالح أميركية أساسية ذات طبيعة تعويضية للفشل بامتلاك ورقة دير الزور والفشل في حماية الخطوط الحمر حولها، ففي هذا المثلث توجد المناطق النفطية الغنية ومن هذا الثلث تستطيع القوى العاملة بقيادة أميركية ان تسيطر بالنار على الطريق من البوكمال الى دير الزور وتعطل بذلك الإنجاز الاستراتيجي الكبير بربط دمشق ببغداد، كما ان هذا المثلث يشكل قاعدة امامية للدفاع عن مشروع الكيان الانفصالي الذي تحضر له اميركا في الشمال الشرقي السوري على يد الاكراد بقوتهم العسكرية قسد.

لكن الذي حصل كان خلافا لما توقعت اميركا وفصائلها الإرهابية، حيث ان الجيش العربي السوري استوعب الهجوم رغم حجم الخسائر الناتجة عنه، ثم انه استطاع ان يستعيد 70% من النقاط والمراكز التي دخلها الارهابيون بأقل من 48 ساعة، والأهم من هذا وذاك ان عمليات شرقي الفرات التي ينفذها الجيش العربي السوري مع حلفائه بإسناد جوي روسي مؤثر، ان هذه العمليات لم تتوقف، ولا ننسى ان ما عول عليه الارهابيون وقيادتهم الأميركية من قطع طرق الامداد والعزل والمحاصرة للقوى شرقي السخنة لم يحصل.

لكن من جهة أخرى حصل ما لا يمكن أغفاله في صفوف الإرهابيين ،  حيث ان جزءا من القوى الداعشية الإرهابية التي استقدمت من العراق تمت محاصرته بدل ان يحاصر ، و ان جزءا من القوى التي هاجمت تمت ابادته و ان جزءا اخر من القوى تم تشتيته ، و بالتالي يمكن القول ان الهجوم الإرهابي ذاك يمكن وصفه بهجوم النزع الأخير لان داعش لن تقوى بعده على هجوم اخر ، لا بل ان خسائرها في هذا الهجوم وما واكبه سيجعلها اقل مقدرة على القتال دفاعا عن أي موقع هي فيه ، ثم ان ذلك  سيرتد سلبا على الخطط الأميركية التي تستثمر بداعش و تدير عمليات التسلم و التسليم بين داعش و قسد من اجل نقل داعش للعمل في امكنة تريدها ضد الجيش العربي السوري و حلفائه .

و خلاصة الامر ، نرى ان هجوم داعش الإرهابي الذي جاء خدمة لخطة إنقاذيه للسياسة الأميركية فشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية و العسكرية منه ، و اظهر قدرة واضحة لدى معسكر الدفاع عن سورية للتعامل مع أي مستجد و طارئ مهما كان حجم المفاجأة فيه ، كما انه اكد ان أي مناورة أميركية لن تتمكن من اجهاض او تقليص مفاعيل الإنجاز الاستراتيجي الكبير الذي تحقق في دير الزور و ريفها و شرقي نهر الفرات قربها ، و اكد ان ذاك المعسكر بنى جهازه القتالي في المنطقة بشكل يحول دون اختلال جبهة معينة ربطا بما يجري في جبهة أخرى اذا كان سلبيا ما يعني ان مناعة البنية العسكرية لمعسكر الدفاع باتت في مستوى يبعث الطمأنينة .

فاذا تم ربط ما حصل بين السخنة وحميمة بما حصل في ريف حماه وانتهى الى سحق هجوم جبهة النصرة، فاننا نصل الى استنتاج مفاده القول بان زمن انتصار الإرهاب وتحقيق الإنجازات على حساب امن سورية هو زمن ولى وان سورية تتابع السير الثابت الخطى في مرحلة تصفية العدوان الإرهابي واجتثاثه من أراضيها وان معركة دير الزور ستكون فعلا المعركة الرئيسية الاستراتيجية الأخيرة في قائمة المعارك الكبرى للدفاع عن سورية.

:::::

“الثورة”، دمشق