لا كنتُ إن كان الكلام الأخير، كلمة عادل سمارة في تأبين المفكر العروبي الكبير احمد حسين

 

لا كنتُ إن كان الكلام الأخير

 

كلمة عادل سمارة يوم 14 أكتوبر 2017 إلى لجنة تأبين المفكر العروبي الكبير احمد حسين

 

وكان أن عاند جلجامش الردى لأيام ثلاثة ليقول آخر الكلام لإنكيدو، أمَّا لكَ أبا شادي فلن نقلهُ.

وأنت لم ترحل بل ارتحلت، وأنت النبي وأنت العَليُّ وأنت النديُّ، وأنت البعيد القريبُ إليَّ، وقد جاوزوا باب عقلي وعمري الشقيُّ.

أتمثّلُ شوقي لحافظ في قولته:

قد كنت أوثر أن تقول رثائي…يا منصف الموتى من الأحياءِ

في يومك هذا أقف، وليس المُقام ولا الكلام الأخير، أتسمعني،؟ ما أسعدك وأروعك به ، إنه يوم أول كميونة عروبية شيوعية في عدن (14 اكتوبر). آه ما اجمل عنف التاريخ حين حرب الغوار، وما أقسى زمان العمالة والكفر يا عدن الذبيحة، ولكن اشتدي واصمدي فأنت على حواف عهد قرمط.

 

أُبيدت عدن، ولم تٌمحِي، وبقيتَ أنت بسيف الوعي والقول تقاتل لو تراخى الناس عنك. فلست الرحيل بل الارتحال تمترست في منزلة وسطى بين الحياة والموت تشاهدنا ونشاهدك وتسمعنا ولا نسمعك.

 

سيبقى سيف وعيك مسلولا بلا غمدِ، لعينيكِ حيفا يكون الرفض بالعِندِ.

وأنت تسمعني أقول اليوم أين أنت، وقد دخلوا خدر حيفا، ليحضرني ابا فراس بقولته:

“وفي الليلة الظلماء يُفتقدً البدرُ” .

 

عروبي أنت في عولمة الحروب على العرب، زمن الطوابير التي باعت، في زمن البيع والتطبيع، فليس أحَدَّ من سيف قولك وسيف وعيك.

أبا شادي، ألم يَبْلغك بان النصر صار دمشقياً؟

ترى هل طاردوك إلى هناك حيث حصنك الأبديْ؟

لم تطالب بشيء ولم تأخذ شيئا وأنت الذي قدم كل شيءْ. سلام عليك وانت الشهيد الممتد عقودا ثمانٍ. لعلَه بل إنه الأشد من الشهيد المشتد في زمن مكثف، في لحظة هي الأقصر ما في الزمان.

ثمانون عاماً ولم تهتزَّ ولم ترتدَّ. ثمانون عاماً وهم يطمسون ما أتيت به، ليُظهروا أدب البكاء ، أدب النحيب، أدب النقود، أدب التخارج والتغربن ، أدبَ رفع اليدين مقروناً بعُري الكلام وعري الجسد.

أتذكر يوم قلت لك الصورة التي قلت لي، ما أشقى عقلك!

إذ قلت لك: تُرعبني لحظة ما قبل النوم. قبل الغفوِ يفك العميل المطبِّعُ صفحة وجهه، ينظرها ، يبصق في وجه وجهه ، على صفحة وجهه ويقول: “كم كنت اليوم دنيئاً”.

متى غادرتَ حيفا؟ بل لم تغادر، أراك تغازل عينيها تُقبِّل شفتها التي واصل الله بعد اليوم السابع إبداعها ولم ينتهي بعدُ منها، هي ثغر فلسطين على البحار العميمة والعميقة.

تضاحكها وتهزأ وإياها بغُثاء بيروت الذي يشوه أرض المقاومة، باسم المقاومة، يستجلب التطبيع استجلابا أشد فحشا من الاستيطان.

أصغِ إلي، هي تعتاش على نسغ شعرك، رفضك، الذي لم يباريه مداد البحر ولا مطر السماء. فلا تقلق. تُعلق في جيدها الكرملي المديد وصاياك التي لا تُعدُّ بأن الأرض لكنعان، تقرأ كل صباح ترانيم قولك عن الهجريين والمتعاقدين، وتقول لبيك، أنا هنا بانتظارك بعد الإرتحال. فمن غيرك ظلَّ حيفاويا، وعروبيا حتى ارتحل؟

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.