الهند من حركة عدم الإنحياز إلى دعم الكيان الصهيوني، الطاهر المعز

تؤكد العقيدة الهندوسية أن على المرء يولد هندوسيا ويبقى كذلك فلا أحد يدخل هذه “الدّيانة” من خارجها ولا أحد يمكنه الخروج منها، وتعتبر الآخرين “أغيارًا”، ما يجعلها قريبة من الديانة اليهودية في مفاهيمها المُنْغَلِقة، ويعتبر المتطرفون الهندوس أن الهندي هو الهندوسي حصراً وحكماً، ووجب تطهير الهند من الإختلاط الذي حصل على مر العصور، وإقامة “الدولة الهندوسية” التي تمتد من أفغانستان إلى الحدود البحرية لشبه القارة الهندية، وهذا أحد أوجه التشابه مع الحركة الصهيونية وما قد يفسر جانبا من جوانب التقارب الهندي الصهيوني في مجالات الزراعة والإقتصاد والتّسلّح والسياحة وغيرها، لكن السبب الحقيقي يكمن في التحول الإقتصادي والإجتماعي الذي شهدته الهند، والذي لم تتمكن البرجوازية القومية (حزب المؤتمر وحلفاؤه) من مواكبتها، خصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وفرض الإمبريالية الأمريكية الرأي الواحد والقيادة الواحدة للعالم، وعبرت البرجوازية الموالية للإمبريالية الأمريكية عن هذا التحول بانعطافة السياسة الخارجية الهندية وإلغاء إرث حركة عدم الإنحياز التي كانت الهند أحد مؤسسيها وأحد أعمدتها، وأصبحت السياسة الخارجية للهند مُوالية للإمبريالية الأمريكية، ومُعادية للصين ولباكستان، بل تعبر عن رغبة في التّوَسُّع، على حساب الجيران، ما أدى إلى ارتفاع حِدّة التّوتّرات على الحدود مع الصين ومع باكستان، وعلى الصعيد الإقتصادي قدمت الهند تنازلات للشركات متعددة الجنسية التي تستغل المياه والأرض والنبات والبشر، ما جعل الهند حقل تجارب في مجالات الزراعة والبذور المُعَدّلة وراثيا والمبيدات الخطيرة، وخففت الهند من القيود على الواردات، ما جعل البلاد سوقًا للمواد الرخيصة وقليلة الجودة…

يعود أصل الحزب القومي الهندوسي إلى منظمات فاشية صغيرة مثل “منظمة الخدمة الذاتية القومية” التي تأسست سنة 1924 (أرْ أسْ أسْ) وكان قادتها من المُعْجَبِين بالأنظمة المتسلِّطة وبالعقائد الفاشية في إيطاليا ثم النازية في ألمانيا، ومنها انْحَدَرت المنظمات الهندوسية المتطرفة الأخرى التي صبغت نفسها ب”القومية” وهي من أَسْلاف المنظمات الموجودة حاليا، ومنها الحزب الحاكم الذي يُسَمِّي نفسه “قوميًّا” وهو سليل  “حزب الجانسان” المسؤول عن اغتيال المهاتما “غاندي”، قبل أن يغير اسمه ليُصْبِحَ “حزب الشعب الهندوسي” ( E.J.B ) ثم الحزب القومي الهندوسي، وتمكن من الفوز بالإنتخابات في أيار 1996، ومن “مآثِرِهِ” هدم مساجد تاريخية وتشجيع جرائم واغتيالات ضد “الآخرين”…

تمثل الخلفية الإيديولوجية إحدى عوامل التقارب بين الحكومة الهندية الحالية والكيان الصهيوني (رغم بدء تطور العلاقات خلال حكم حزب المؤتمر) والتي بلغت حَدًّا غير مسبوق، وأدّت هذه التحولات (المذكورة آنفًا) في مجموعها إلى تغيير كامل في السياسة الخارجية الهندية، فأصبح الكيان الصهيوني مثالاً في الجانب العقائدي (إقصاء الآخرين أو الأغيار في الديانة اليهودية) وفي الجانب الأمني والعسكري والعدواني إزاء المُحيط المُنافِس أو المُعادِي، وفي الجانب الصناعي والتقني، حيث توصل الكيان الصهيوني بمساعدة فرنسا ثم الولايات المتحدة إلى تطوير السلاح النّوَوِي، وأصبح القادة المتطرفون في الحزب الحاكم في الهند يدعون منذ عقدين إلى تطوير العلاقات مع الكيان الصهيوني، والإقتداء بتجاربه ونجاحاته في مجال “قمع المسلمين” بالعنف والطّرد والإستيلاء على الأرض والمُمْتلكات…

يُرَكِّزُ الحزب الحاكم دعايته السياسية على إقصاء “الآخرين” (المواطنون غير الهندوسين) ويُهمل قضايا الفقر والبطالة والأمية في بلد يعيش أكثر من 40% من سكانه تحت خط الفقر ويبلغ معدل دخل الفرد 340 دولاراً سنوياً، وتبلغ نسبة الأمية 50% من السكان ولا يتعدى الإنفاق على صحة الفرد 21 دولاراً سنوياً… وعد الحزب القومي الهندوسي الحاكم بتطوير الصناعة وزيادة الصادرات، ولم يحصل شيء من ذلك بل تراجعت حصة الصناعة من إجمالي الناتج المحلي وتراجع التصدير منذ الحكومة الأولى للحزب الهندوسي (1996) وارتفعت قيمة الواردات بفعل ضغط الولايات المتحدة واليابان وأصبح رأس المال الأجنبي يتحكم بقطاعات كانت تقتصر على رأس المال المَحَلِّي (ملكية الأرض وقطاعات الفلاحة وتجارة التجزئة…)، أما على صعيد العلاقات الإجتماعية فقد تصاعدت حِدّة العُنف بشكل غير مسبوق، بتشجيع من قيادات الحزب الحاكم الذي يدعو لتطبيق الميز على أساس الديانة المُفْتَرَضَة أو “الطبقات” بمفهوم ديانتهم الهندوسية، ولئن ألغى الدستور الهندي الطبقة الدنيا (طبقة المنبوذين)، فإن الواقع لم يتغير وبقيت جرائم اغتيال المنبوذين وما يُسَمّى “الأقليات” بدون تتبع ولا عقاب، ويقوم المنبوذون بالأعمال اليدوية “الوَضِيعَة”، ويتعرضون للتعذيب والقتل والاغتصاب، وإلى حرق البيوت والممتلكات، ويَحْظُر عليهم “العُرْف” و”العادات المَوْرُوثة”  المشي في الطريق العام، وارتداء ملابس تحت الركبة، وتٌقدِّمُ لهم المطاعم (التي تقبل بدخولهم) الطعام في أوان خاصّة، وهو وضع شبيه بالميز العنصري الذي سَلّطَهُ المُسْتَعْمِرُون الأوروبيون البيض على شعب جنوب افريقيا، ويُطالب الجناح المتطرف في الحزب الحاكم ب”إلغاء الحقوق الممنوحة للأقليات… نجح الحزب القومي الهندوسي الحاكم في تغييب المشاكل الحقيقية للمجتمع (الإستغلال والإضطهاد والفقر والأمية وانتشار الأوبئة…) وتجْنِيد الفُقراء ضد فُقَراء آخرين، اعتبرهم “أقليات، وهم في مجموعهم أغلبية (المُسلمون والسّيخ والمسيحيون والزرادشتيون وغيرهم) ونجحت قيادة هذا الحزب التي تُمثل البرجوازية المُحافظة في تقسيم نفس الطبقة، واستبعاد فكرة “المُواطَنَة” و”المُساواة” في الحقوق، وهي درجة دُنْيا من الحياة الديمقراطية…

مُلحق عدد 1

 

الهند وموقعها بين مُخْتَلف المَحاوِر: دأبت الولايات المتحدة على القيام بمناورات “مالابار” العسكرية الدورية في خليج البنغال بمشاركة القوات البحرية اليابانية والهندية، ورفعت هذه السنة من حجم القوات والآليات المُشَاركة، بسبب “التهديد الذي تمثله الصين على مصالح أمريكا وحلفائها”، وسبق أن كتبنا مرات عديدة في نشرة الإقتصاد السياسي عن منعرج الهند التي انقلبت من حليف حركات التحرر منذ مؤتمر “باندونغ” (1955) إلى حليف للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني منذ انهيار الإتحاد السوفييتي (1990- 1991) وأصبحت الهند حليفًا استراتيجيا لأمريكا في أفغانستان، ونقطة ارتكاز أمريكية هامة ضد الصين وباكستان (التي كانت الحليف الموثوق للإمبريالية الأمريكية)، واستغلت الولايات المتحدة الخلافات الحدودية بين الهند والصين (جبال همالايا) وبين الهند وباكستان (كشْمِير)، لزيادة تعكير العلاقات بين البلدان الثلاثة، ما زاد من التقارب بين الصين وباكستان، عبر إنجاز مشاريع اقتصادية وَمَمرّ اقتصادي بين الصين والمحيط الهندي عبر كشمير -التي تعتبرها الهند أرضاً تابعة لها- ونجحت الإمبريالية الأمريكية في تسعير الخلاف الصيني-الهندي، رغم انتماء الصين والهند إلى مجموعة “بريكس”، إلى جانب روسيا التي تقوم بمساعي صُلْح بين الدولتين، وتحاول روسيا تَشْرِيك الهند في إنشاء مشاريع تجارية وضم الهند إلى شبكة أنابيب الغاز التي تعتزم “غازبروم” تنفيذها بالشراكة مع إيران وباكستان بقيمة قد تفوق ستة عشر مليار دولارا، وإدماج الهند في شبكة علاقات طاقة ونقل وتجارة، كمقدمة لزيادة التّكامل الإقتصادي ولصياغة تحالفات جديدة تمتد من روسيا إلى إيران عبر بلدان آسيا الوسطى والهند التي تحتاج إلى الطاقة المُتَوفِّرة لدى بقية الشّركاء (روسيا   وأذربيجان وإيران)، وتأمل روسيا أن تكون الهند وباكستان مستفيدتين من مثل هذه المشاريع، ما يُخَفِّفُ حدة الصراع بينهما، كما بين الصين والهند، وهي الصّراعات التي استغَلَّتْها الولايات المتحدة، والدفع بدول المنطقة إلى الصدام العسكري… تأثرت مصالحنا (كَعَرَب) ومصالح الشعب الفلسطيني، سَلْبًا بتعزيز العلاقات بين الهند والإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، ومن مصلحتنا الآنية ومن مصلحة شعوب منطقة آسيا أن تبتعد الهند عن هذين العَدُوَّيْن… عن وكالة “سبوتنيك” + “الأخبار” 06/11/17  … نَصبت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في عدد من بلدان آسيا والمحيط الهادئ، وأهمها في اليابان وكوريا الجنوبية، رغم احتجاجات السكان على جرائم الجنود الأمريكيين (قتل واغتصاب وعَرْبَدَة…)، واعتاد الجيش الأمريكي تنفيذ مناورات استفزازية مع جيوش هذه البلدان، وتوسّعت مثل هذه المناورات (في المحيط الهادئ) هذه السنة إلى الهند التي أشرْنَا عديد المرات في نشرة الإقتصاد السياسي إلى انحيازها للإمبريالية الأمريكية والكيان الصّهيوني، وشاركت الهند بسفينتين حربيتين في مناورات مع أمريكا واليابان على مدى ثلاثة أيام (4 و5 و6 تشرين الثاني/نوفمبر 2017)، بهدف “تحسين المَهارات القِتالِيّة ومساعدة القوات الأمريكية على حَشْد القوة العسكرية (لأمريكا وأصدقائها) سرِيعًا”، وتزامنت هذه المناورات -بمشاركة حاملة الطائرات “ريغان” المتمركزة في اليابان وهي أكبر سفينة حربية أمريكية في آسيا، وقادرة على حَمل سبعين طائرة مقاتلة- مع ارتفاع حِدّة التّهْدِيدات الأمريكية ضد كوريا الشمالية والصين وإيران، واصطفاف الهند وراء الإمبريالية الأمريكية، سياسيا، بحكم الخصومة مع الصين بشأن الحدود، ولكن عسكريا أيضًا، ما قد يخلق شَرْخًا داخل مجموعة “بريكس” التي تنتمي إليها الهند والصين وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا… عن رويترز 07/11/17

 ملحق عدد 2

 في جبهة الأعداء: كانت الهند إحدى أعمدة “حركة عدم الإنحياز” منذ مؤتمر “باندونغ” (اندونيسيا) سنة 1955، وعضو حاليا في مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) وكانت حكوماتها المتعاقبة منذ استقلالها عن بريطانيا (1947) داعمة لحركات التحرر الوطني، غير أن التغييرات الحاصلة في العالم أَثَّرَتْ في الهند ومن التغييرات الواضحة -والتي تَعْنِينَا بدرجة أولى كَعَرب- تكثيف الإتصالات والعلاقات السياسية والإقتصادية والعسكرية مع الكيان الصّهيوني، منذ 1991، وخصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي والعدوان على العراق (1991) وتوطّدت إثر توقيع اتفاقيات أوسلو (1993)، وذلك خلال حكم “حزب المُؤْتَمَر” الذي كان قادتُهُ من مُؤَسِّسِي “حركة عدم الإنحياز”، ولكن العلاقات توثّقت كثيرًا خلال حكم الحزب اليميني العُنْصُري، “الحزب القومي الهندوسي” (باهارتيا جاناتا) الذي يُؤْمِنُ بتفوق “الحضارة الهندوسية” على بقية حضارات المنطقة (مثل الحزب النازي الذي اختلق “الجنس الآرِي”)، والذي يترأسه “ناريندرا مُودي”، رئيس الحكومة الذي توافقت عقيدته (وعقيدة حِزْبِهِ) العنصرية واليمينية مع جوهر الصهيونية، وأحْيت الحكومتان الذكرى الخامسة والعشرين لعودة العلاقات الدبلوماسية سنة 2016 بمبادرات غير مسبوقة منها زيارات زعماء صهاينة وتوثيق العلاقات الإقتصادية والعسكرية والسياحية (تُعْتَبَر بعض المُنْتجعات السياحية الهندية شبه مُخَصَّصَة للضباط الصهاينة)، وكان رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” أول مسؤول حكومي رفيع يزور الكيان الصّهْيُوني (تموز/يوليو 2017)، ووقَّعَ اتفاقيات تعاون في مجالات عديدة، منها الأمن والزراعة والمياه والطاقة، كما وَقَّعَ أكبر صفقات يعقدها المُجَمّع العسكري الصهيوني في تاريخ الصناعات العسكرية الصهيونية، بقيمة 1,6 مليار دولار (مُعْلَنَة) شَمِلَتْ منصات صواريخ منظومات دفاع جوي (من صنع أمريكي وتطوير صهيوني)، ونُجم وأجهزة اتصالات حديثة وأسلحة للجيوش الثلاثة (البر والجو والبحر) وقطع الغيار والمنظومات الخاصة بهذه الأسلحة… في المُقابل، وبمناسبة الإعلان عن زيارة رئيس حكومة العدو للهند، أعلنت منظمة الفلاحين -التي أسّسَها الحزب الشيوعي الهندي سنة 1936-  والتي تضم 16 مليون فلاّحًا دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني والتحاقها بحركة المقاطعة والدعوة إلى سحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الكيان الصهيوني، ومقاومة سيطرة الشركات الصهيونية على الزراعة الهندية، وفق بيان صدر يوم الأحد 29/10/2017، وَالتزمت المنظمة بالعمل على رفع مستوى الوعي لدى الفلاحين الهنود لمنع الكيان الصهيوني وشركاته، من تمويل الاحتلال العسكري ونظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الشعب الفلسطيني… عن رويترز + وكالة “سبوتنيك” 30/10/17  يشارك جيش الجو الهندي في مناورات عسكرية مع جيش الإحتلال الصهيوني في منطقة “النَّقَب” (جنوب فلسطين المحتلة) تحت إسم “بلو إكسرسايز” وتدوم المناورات أسبوعين من 2 إلى 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بمشاركة سبعين طائرة حربية وجيوش تسع دول (منها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبولندا والهند واليونان وإيطاليا) وربما دول عربية، وأوردت الصحف الهندية والصهيونية بالمناسبة بيانات نستنتج منها: تُشارك الهند بطائرات العمليات الخاصة من طراز (سي – 130 جيه) وأفراد من وحدة القوات الجوية الخاصة “جارود”، وبلغت قيمة صادرات الأسلحة من الكيان الصهيوني إلى الهند نحو مليار دولارا سنويا… عن صحيفة “تايمز أُوف إندِيَا”

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.