إذا كان انقلاب الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح على حلفائه أنصار الله في اليمن لم يكن مفاجئا الى درجة الصدمة كما يتصور البعض، فان فشل الانقلاب ثم مقتل قائده شكل مفاجأة صعقت أصحاب الانقلاب أولا واهتز لها وبها كل من يعنيه شان اليمن بشكل مباشر او غير مباشر، وفرضت النتائج مشهدا يمنيا جديدا ستكون له من التداعيات ما لم يكن أصحاب الانقلاب قد تحسبوا له كما نظن، الامر الذي وضعهم امام خيارات واحتمالات شتى، فأي مسار ستسلكه الاحداث بعد هذا الامر؟
لقد قادت السعودية عدوانا على اليمن ظنت عند اطلاقه ان بإمكانها السيطرة عليه في أسابيع قليلة بعد ان انشات لذلك تحالفا عسكريا وأطلقت على عدوانها تسمية عاصفة الحزم تيمنا بعاصفة الصحراء الأميركية وبالتحالف الذي شكلته اميركا لتنفيذها، لكن الميدان كذب الحسابات السعودية وخيب الآمال المعقودة على العدوان الذي تدرج خلال السنوات الثلاث الماضية في مراحل أربع فشلت جميعها في تحقيق أي من اهداف العدوان.
لقد عجزت السعودية في المرحلة الأولى مرحلة الحزم المدعى ان تقود اليمن الى الاستسلام و اثبت اليمنيون بجيشهم و لجانهم الشعبية قدرة على احتواء الموجة الأولى و التي كانت تنكل على القصف الجوي التدميري و تكيفوا مع اخطارها و تفلتوا منها ، ثم كانت المرحلة الثانية التي اعتمدت عملا عسكريا مركبا جويا و بريا ، و تمكنت السعودية فيه مع الامارات العربية ان تحقق خرقا من الوصول الى عدن و لكن الخرق لم يصل الى مستوى وصفه بالنجاح او الانتصار ، فانتقلت السعودية الى المرحلة الثالثة التي ظنت فيها ان عملا مندمجا و مركبا من قوات محلية وقوات عسكرية اجنبية مدعومة بطيران قوي وفاعل سيسحق من تسميهم المتمردين الحوثين ، و أيضا كان الفشل حليف السعودية فاستنفدت الوقت و الطاقة وبقي انصار الله الحوثيون المتحالفون مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في مواقع قوة في الميدان و يوجهون للسعودية الصفعات المؤلمة و المهينة في آن معا في اليمن و على الحدود وصولا الى الرياض .
وفي المرحلة الرابعة من العدوان اعتمدت قيادة العدوان خطة إجرامية تقوم على استراتيجية التجويع والتشظي، خطة بدا الاعداد لها منذ ستة أشهر تقريبا، وتتضمن حصارا محكما على اليمن مترافقا مع اعلام يحمل الحوثيين مسؤولية التجويع ثم انقلاب الرئيس السابق صالح على التحالف مع الحوثيين وشق الصف الدفاعي اليمني ما يمكن السعودية وحلفائها في الامارات العربية من حسم النزاع ووضع اليد على اليمن وتعويض هزيمة السنوات الثلاث.
لقد اعد على عبدالله صالح للانقلاب بعناية ، و شرع في تحضيراته منذ حزيران يونيو 2017 الماضي بأشراف اماراتي مباشر مع تمويل سخي لأعداد قوى عسكرية يمنية كفؤة و قادرة على السيطرة الخاطفة على صنعاء و المدن الكبرى الأخرى الواقعة تحت سيطرة مشتركة بينه و بين الحوثيين ، و بالفعل و رغم الهواجس الحوثية من امكان انزلاق صالح الى هذه المؤامرة التي يخون فيها تحالفاته ، و رغم الايحاءات و الايماءات و الاشعارات التي وجهها بتهذيب و لطف السيد عبدالملك الحوثي علانية او سرا الى صالح ، فان الأخير و مأخوذا بغرور ما ، مضى في انقلابه و فسخ الشراكة مع الحوثيين من جانب واحد و شهر السلاح بوجههم و قاتلهم فشكل فعله في الميزان اليمني و الأخلاقي خيانة بكل ما في الكلمة من معنى ، خيانة تمثلت باستعداء الحليف وعقد التحالف مع العدو الذي قاتله 3 سنوات قاسى فيها علي صالح العفاش اسوا ما يمكن ان يواجه شخص من عدوه .
لكن الانقلاب الغادر ووجه بصلابة ووعي من انصار الله ، مواجهة ذكرت ب 7ايار اللبناني الذي اجهز فيه حزب الله على مؤامرة نزع سلاحه ، و بالفعل و رغم تحقيق انقلاب صالح إنجازا ميدانيا مهما في صنعاء خلال ال 24 ساعة الأولى من التنفيذ ، فان ال 24 ساعة التي تلت كانت كفيلة بإفشاله حيث تمكن انصار الله من شن لهجوم المعاكس السريع و الرشيق و إعادة الحال في صنعاء الى ما كانت عليه و قطع الطريق على التحرك في المدن الأخرى بشكل مكن المراقبين من القول بان الانقلاب اجهض في يومين فقط ، و كان اليوم الثالث يوم تصفية اثاره و معاقبة الخونة ، ما أدى الى مقتل الرئيس السابق صالح مع جمع من أنصاره اثناء فراره من صنعاء بعد فشل الانقلاب .
لقد شكلت هذه الهزيمة للعدوان في مرحلته الرابعة، زلزالا في اليمن وفي الإقليم، سيكون لها من غير شك إثر كبير على مصير العدوان على اليمن ومساره، ولن تكون المنطقة برمتها بمنأى عن تداعياتها، وإذا كان الموضوع الأخير يتطلب بحثا خاصا مفصلا فان سؤالنا الان يدور حول الخيارات التي ستعتمدها السعودية والامارات بعد فشل انقلاب على عبد الله صالح ومقتله. وهنا نستعرض الفرضيات والاحتمالات كالتالي:
قد يفكر او يهول التحالف السعودي بالتصعيد من اجراءاته العدوانية الانتقامية ومن حصاره وقصفه وهجومه، وهنا نقول بان السعودية مارست حتى الان كل ما تستطيع فعله وان ورقة صالح كانت الورقة الأخيرة التي كان يمكنها اللجوء اليها، وبالتالي فاننا لا نرى موجبا للاهتمام بمثل هذه الفرضية، وان جل ما يمكن السعودية فعله عسكريا هو ان تتابع عدوانها في المستوى الذي هو على الان ولكن حتى هذا فان الامر مشكوك به بعد ان بدا الاعياء والإرهاق عليها.
قد تبذل السعودية جهودا إضافية لاستقدام قوات اجنبية من اجل تحقيق خرق او تسجيل أنجاز في الميدان يمكنها من فرض شروط في الحل يحفظ لها ماء وجهها، ونحن نرى ان هذا الفرض منخفض السقف خاصة إذا عرفنا مدى تردد الخارج في الاستجابة للسعودية عندما كانت في وضع أفضل فكيف بها الان وانتصارها بات ميس منه لا بل انه مستحيا ولا تجد عاقلا يستثمر في تجارة مفلسة، كما لا ننسى ان اهم قوة خارجية تعمل مع السعودية الان في اليمن وهي القوى السودانية تفكر بتخفيض حجمها او الانسحاب كليا من اليمن.
قد تستثمر السعودية مقتل صالح للدفع نحو حرب أهلية يمنية، وهنا لا نرى اننا بحاجة الى طويل نقاش وتحليل ونكتفي بالقول بان صالح والحوثي ين كلاهما زيدي المذهب، وان قبائل اليمن ترفض الخونة والخيانة وصالح في مقاييسها خائن لا يستحق المطالبة بدمه، وفي الواقع نرى ان مقتله وحسم الصراع بهذه السرعة قطع الطريق على الحرب الاهلية ووحد قبضة القيادة في المناطق المحررة.
اما الفرض الرابع فنراه مستجيبا الى قواعد العقل والمنطق ولكن المشكلة مع القيادة السعودية الحالية انها تناصب العداء للمنطق، ولذلك فان عملها بحل منطقي يبقى مستبعدا ومع هذا لا بد من طرح هذا الفرض والذي يشكل مخرجا معقولا من الازمة ويتمثل باللجوء الى طرف ثالث للوساطة بين قوى الدفاع عن اليمن وقوى العدوان عليه للوصل الى حل يوقف العدوان ويطلق العملية السياسية اليمنية التي تحفظ الجميع، وقد كان في كلمة امير الكويت في مؤتمر مجلس التعاون الخليجي الأخير ايحاءا بإمكانية العمل بمثل هذا الفرضية. لكن رعونة وغرور القيادة السعودية تجعل الاحتمال ضعيفا.
وبالخلاصة نرى ان ما آلت اليه المحاولة الانقلابية في اليمن هي في أسوأ التقديرات لصالح الدفاع عن اليمن، حيث حرمت العدوان من آخر اوراقه وقطعت الطريق على الحرب الاهلية ووحدت البندقية المدافعة عن اليمن وانتجت بيئة قد تلزم قيادة العدوان إذا اعملت العقل والمنطق بالخروج من مستنقع اليمن ووضع حد للحرب عليه.
:::::
“البناء”، بيروت
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.