إثر الحرب الإمبريالية الثانية عقدت الإمبرياليات المتداعية راية القيادة للولايات المتحدة وحتى اليوم. بدورها قامت الولايات المتحدة الأمريكية باتباع استراتيجية الهيمنة والسيطرة على العالم عبر الحرب الباردة متلافية الاصطدام بالاتحاد السوفييتي الذي لم تدرك الأمم المغلوبة قيمته في حمايتها إلا بعد تفككه!! منذ فترة ما بعد الحرب تلك اقامت الولايات المتحدة قواعدا لها في 120 دولة وصل عددها إلى 700 قاعدة، تضم نصف مليون جندي منها 32 ألفا في المانيا بزعم حمايتها وأوربا من الاتحاد السوفييتي و 35 ألفا في كوريا الجنوبية . ومنذ حكم ايزنهاور في بداية الخمسينات اتبعت هذه الدولة سياسة التفوق العسكري على العالم لأنها كانت تدرك ان قوة انتاجها المدني يمكن ان تواجه منافسة من أمم أخرى قادرة على الإنتاج المدني، طبعا باستثناء الأمم التي تحكمها أنظمة ضد أمتها نفسها كالأمة العربية. إرتكزت ” الحكمة” الأمريكية على أن تعوض وتدعم وتثبِّت الهيمنة الاقتصادية بالسيطرة العسكرية إن اقتضى الأمر وكثيراً ما اقتضى. كل هذا سمح للولايات المتحدة بأن تصوغ “قوانين دولية” وأن تخرج هي وحدها على تلك القوانين. لذا نقضت اتفاقية خفض الصوايخ البالستية وبروتوكول كيوتو ومعاهدة خفض حرارة الكوكب، وفرضت عدم محاسبة جنودها بما يجرمونه في أي بلد. وخرقت اتفاقية التجارة الحرة منذ بدء تطبيقها حيث منعت دخول سيارات لكسس اليابانية. ومؤخرا نقضت الاتفاق النووي مع ايران.
هذا الوضع من ناحية اقتصادية اسميته تحويل العالم إلى “قطاع عام رأسمالي معولم” تقوده أمريكا عبر كبريات الشركات ولا تخرج من تحته سوى قلة من الدول. أما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، فلم تعد هناك سوى بعض البؤر مثل كوبا وكوريا الديمقراطية خارج عباءة الإمبريالية الأمريكية بشقيها العسكري والتجاري لا سيما وأن الصين نفسها دخلت منظمة التجارةالعالمية، ولذا جازفتُ بوصف العالم عام 2005 في كتابي ( Beyond de-Linking:Developmeny by Popular Protection vs Development by State- أي ابعد من فك الارتباط: التنمية بالحماية الشعبية مقابل التنمية على يد الدولة). وبأن هذا العالم مكون من: أمريكا هي الدولة المستقلة الوحيدة، والاتحاد الأوروبي واليابان مناطق حكم ذاتي، وبقية العالم مستعمرات، وبان هذا العالم سيبقى هكذا إلى أن تتعدد القطبيات. وللتدليل على ذلك تجربة احتلال العراق 2003 وخاصة إرغام اليابان على “المساهمة” في غزو العراق بدفع 18 مليار دولار نقدا لأمريكا لأنه لم ترسل جيوشا ضد العراق كما فعلت 33 دولة. وهي الحرب التي كلفت الخزينة الأمريكية 6 تريليون دولار، وكلفتنا فقدان العراق، أي تطويل عمر الكيان الصهيوني.
مع بداية القرن الحادي والعشرين بدأ صعود نسبي لقطبيات جديدة، وبدأ يتضح تراخي قبضة الإمبراطورية الأمريكية على العالم إلى أن وصلنا، ووصلت الولايات المتحدة إلى تحد مقلق:
- قطبيات اقتصادية وعسكرية قادرة على عصيان ما
- مديونية امريكية وصلت 20 تريليون دولار
- لم تعد امريكا قادرة على إقناع أوروبا بخطر “غزو” روسي.
- تشابك العلاقات التجارية الدولية بما لا يسمح لأمريكا بأن تأمر فتُطاع فوراً.
هذه العوامل أوصلت الولايات المتحدة إلى ضرورة استعمال العصا الغليظة بحيث تقوم أمم العالم بتغطية عجزها اي مديونيتها، كل أمة بطريقة ما وبدرجة أو قسط ما.يمكن تسميتها بالحرب التجارية أو التقشيط المباشر.
من جهة، للولايات المتحدة قدرة ما على كسب هذه الحرب لا سيما وأن الأطراف التي تتحداها أمريكا ليست جبهة واحدة، هذا وإن كانت شركاتها وبرجوازياتها ذات مصلحة مشتركة. لكن المشكلة أن هذه الشركات وتلكم الطبقات أيضا متداخلة بعمق مع الشركات الأمريكية ايضاً!.
حتى الآن لم تتضح معالم تخندق الدول. وربما نقول بأن هناك احتمال تخندق الطبقات البرجوازية، اي مصالح رأس المال على صعيد معولم. منذ فترة والاقتصاديون الثوريون يومؤون إلى تبلور طبقة برجوازية معولمة. وهذا ليس بلا معنى. ولكن هل يعني هذا أن تتصالح البرجوازية وخاصة بجوهرها الشركاتي ضد الطبقات الشعبية في العالم والتي ليست متماسكة جبهويا، لنجد نفسنا أمام “يا راس المال المعولم إتحد واضرُب قبل أن يتحد عمال العالم وفلاحوه”!أو نجد انفسنا أمام سقوط مغامرة ترامب/و ليحرق روما الجديدة كما فعل نيرون!
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.