في جبهة الأعداء: (1) اختلاق الأَسَاطِير جزء من الحرب، (2) السينما أداة حرب عقائدية وإعلامية – سبيلبرغ نموذجاً، إعداد: الطاهر المعز

في العدد القادم (440 بتاريخ 04/08/2018) من نشرة الإقتصاد السياسي

فقرتان عن جبهة الأعداء وعن أُسْلوبين حَرْبِيَّيْن مُكَمِّليْن للعدوان المُسَلّح، الأول، التجسُّس وترويج الأساطير عن تفَوُّق العدو وعَبَثِيّة مُقاوَمَتِهِ (وهي دَعْوَة إلى الإستسلام المَجاني دون مُقاومة) والثّاني استخدام الفنون، وأهمها السينما، وإنتاج أشرطة مُتْقَنَة الحبكة والإخراج (سبيلبرغ نموذجًا)، لترويج الإيديولوجيا الصهيونية (وكذلك الإستعمارية والإمبريالية) عبر تَزْيِيف التّاريخ ومسار الأحداث، وترويج الكذب، وتشويه “الآخر” (الواقع تحت الإستعمار أو الإستغلال أو الإضطهاد)، وفي هذه الحالة فهو العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، وتجريده من إنسان-يته ومن صفات “العَقْلانية” التي تُمَيِّزُ البشر عن الحيوان، لتجعل من العربي والفلسطيني (ومن شابههما) مُجَرَّدًا من الذّكاء (إلا إذا كان مُسْتَسْلِمًا مثل السّادات) ومُجَرّدًا من التفكير المنطقي والعقلاني، ويتصرف وفق غرائزه (وهي صفة الحيوان)، ولذلك لا يجب معاملته كإنسان أصْلاً وبذلك لا يُناقش أحد جوهر قضية الإستعمار الإستيطاني وإنما بعض “التّأثيرات الجانبية” لهذا الشكل البشع من الإستعمار…

*****

في جبهة الأعداء اختلاق الأَسَاطِير جزء من الحرب:

روّج العدو الصّهيوني مجموعة من الأساطير عن “الجيش الذي لا يُقْهَر” (مع عدم التركيز على السلاح والتكنولوجيا الأمريكية)، إلى أن اضطر إلى مغادرة بيروت (1982 والخروج من جنوب لبنان دون شرط والعجز عن القضاء على حزب الله) وعن المخابرات الخارجية التي تقتُل من تشاء وفي الوقت الذي تختاره (مع إهمال شراكة الموساد والمخابرات الأوروبية والأمريكية في هذه الجرائم)، وعملت وسائل إعلام الإمبريالية (الحاضنة الرّئيسية للصهيونية كعقيدة استعمارية وللكيان كدولة استعمارية استيطانية) على ترويج وتضخيم هذه الأساطير، لكن الوقائع تُثْبِتُ كشف العديد من عملاء الموساد في البلدان العربية، فيما تواطَأت مخابرات تونس والخليج ولبنان مع الموساد لاغتيال قادة فلسطينيين، أما عن المخابرات الأوروبية (الفرنسية والبريطانية خصوصًا) فتواطَأت لاغتيال كُتّاب وصحافيين ومثقفين فلسطينيين وعرب، لإخماد صوتهم المقاوم للإستعمار وللإضطهاد…

رَوَّجَ الكيان الصّهيوني وحلفاؤه أسطورة الجاسوس “إيلي كوهين” (ولد بالإسكندرية -مصر 26/12/1924 – أُعْدِم بدمشق –سوريا 18/ 05/1965)، وهو من أُسْرَة سُورية الأصل (من حلب) هاجرت إلى مصر قبل ولادته، وجندته مخابرات الحركة الصهيونية قبل تأسيس الكيان الصهيوني وهو في العشرين، قبل استقرار أُسْرته في فلسطين المحتلة سنة 1957، ثم أُرْسِل إلى الأرجنتين (1961) وموّلت المخابرات الصهيونية شركة كان قد أسّسها في الأرجنتين، على أساس إنه مهاجر سوري “مُسْلِم” ورجل أعمال ناجح، مُحب لبلده سوريا، وأصبح صديقًا للملحق العسكري في سفارة سوريا بالعاصمة “بيونس آيرس” أمين الحافظ (ولد في حلب 1921 وتوفي في حلب سنة 2009) الذي أصبح رئيسا لسوريا (27/07/1963- 23/02/1966) ومن خلاله أصبح الجاسوس الصهيوني ذا حظوة في دمشق التي استقر بها سنة 1962 وله علاقات جيدة مع المسؤولين السّياسِيِّين وضباط الجيش ورجال الأعمال، وكان يسكن قريبا من مقر قيادة الجيش في حي “أبو رمانة”، وتمكن من إرسال تقارير تحتوي معلومات سرية، يعتقد أنها ساهمت في هزيمة الجيوش العربية واحتلال سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان أثناء عدوان الخامس من حزيران 1967، وتَمَكّن من جمع المعلومات وإرسالها بفضل “التجهيزات والدّعم التقني”من الاستخبارات الاميركية سي آي إيه، ويبدو إن تنسيقًا حصل بين المخابرات المصرية والمخابرات السورية لِكَشْفِهِ، بعد شُكوك أحاطت به (بحسب رواية محمد حسنين هيكل) لأنه سبق اعتقاله في مصر وأُطْلِق سراحُهُ بسبب ضُعْفِ الأدِلّة، قبل هجرته إلى فلسطين المحتلة، وخضع لمراقبة المخابرات السورية قبل اعتقاله، وصدر حكم بإعدامه في ساحة “المرجة” بدمشق يوم 18 أيار 1965، ويُطالب الكيان الصهيوني برفاته منذ ذلك التاريخ…

نشر الكيان الصهيوني وكذلك الإعلام “الغربي” قِصَصًا عن بطولات هذا الجاسوس بعد كَشْفِهِ وإعدامه، ولا تنشر وسائل الإعلام أخبار العديد من الجواسيس الذين كشفتهم المخابرات العربية (خصوصًا مصر) أو الجواسيس الذين لعبوا دورًا مُزْدَوَجًا، ومن بين الأكاذيب، نشرت وسائل الإعلام الصهيوني (وكذلك أصدقاء الصهاينة) بيانًا وزّعَهُ جهاز “الموساد” الذي ادّعى “تنفيذ عملية خاصّة وجريئة وشُجاعة داخل أراضي دولة عَدُوة (يعني سوريا)، واستعادت الساعة التي كانت لدى “إيلي كوهين” قبل إعدامه، وأثبت الإختبارات والفحوص أنها نفس الساعة التي كان يلبسها كوهين”، وفق رواية الموساد التي كذّبتها أرملته “نادية كوهين”، وابنته “صوفي بن دور”، وذكَرَتا في حديث إذاعي “إن عملية الموساد الخاصة والوهمية، ليست سوى عملية شراء عادية في مزاد على أحد مواقع التسوق على الشبكة الإلكترونية”، واستخدمت الموساد رواية مُخْتَلَقَة لنشر صورة عن القُدْرَة الخارقة لمخابرات ولجيش الإحتلال ومختلف أجهزة العدو، لإثارة الإعجاب لدى الأصدقاء ولردع الأعداء، واستغلت قيادة “الموساد” عملية البيع عبر الانترنت (لا نعرف شيئًا عن البائع ولا عن ظروف حصوله على هذه السّاعة ولا عن ثمن البيع ولا شيء عن حقيقة هذه السّاعة العجيبة) لاختلاق “العملية الجريئة في أرض العدو”، بهدف تركيز صورة وقع إخراجها بعناية، لتترسّخ في أذهان الجمهور الصهيوني الذي لن يَطّلِع على التّكذيب ولا على الرواية المُغايرة، وإن اطّلع عليها، فلن يُغَيِّرَ رأيَهُ لأنه يَدْعَمُ كل ما يمكن أن يُطَمْئِنَهُ ويُشْعِرَهُ بأنه باقٍ هنا (على أرض الشعب الفلسطيني) وتحت حماية “جيش لا يُقْهَر” ومخابرات استثنائية في جَرأة وشجاعة عناصرها… عن موقعبي بي سي” و “روسيا اليوموترجمات فلسطينية عن مواقع صهيونية (بتصرف) 06/07/18 (تُقَدِّمُ بعض المواقع الفلسطينية ترجمة يومية لمحتوى الصحف ولإنتاج مراكز البحث والدّراسات الصهيونية)

في جبهة الأعداء، السينما أداة حرب عقائدية وإعلامية سبيلبرغ نموذجاً

استخدمت الإمبريالية الأمريكية فن السينما لترويج قِيَم داعِمَة للإستعمار والإستغلال وتشريع القتل الجماعي (مجازر ضد السّكان الأصليين للقارة الأمريكية)، وأصبحت “هوليود” رَمْزًا لاستحواذ رأس المال على “الفن السابع” وتَطْويعه في خدمة أهداف غير نبيلة، بشكْلٍ يُغْرِي المُتَفَرّج (المُسْتَهْلِك) ويُبْهِرُهُ عبر تمجيد الفَرْد والمال وتشْرِيع الإستغلال، وبما إن الصهيونية جُزْءٌ لا يتجزّأ من الإمبريالية وفق مُؤَسِّسها “ثيودور هرتزل” (في رسالتِهِ إلى رئيس وزراء بريطانيا ورئيس مجلس الوزراء الفرنسي)، فإنها رَوّجت عبر السينما، -وعبر مُخْرِجين اشتهروا بفضل تَدفّق المال وبفضل تكثيف الدّعاية لصالحهم-“لشرعية” احتلال فلسطين وتَشْرِيد شعْبِها، ولتَزْيِيف الوقائع التّاريخية، ومن بين هؤلاء المشاهير “ستيفن سبيلبرغ” الذي لم يفَوِّتْ أي فُرْصَةٍ لإشهار دَعْمِهِ المُطْلَق للكيان الصهيوني وللعقيدة (الإيديولوجيا) الصهيونية، ومع ذلك فإن أشرِطَتَهُ تُلاقي رَواجًا كبيرًا في البلدان العربية، باسم “الحرية الفكرية” التي لا يتَمتّع بها المواطنون العرب (في بلادهم)، وباسم “فَصْل الفن عن السّياسة”… اشتهر المُخْرج “ستيفن سبيلبرغ” بإنتاج وإخراج سلسلة “جورسيك باراك” و”إنديانا جونز”، ولكنه أخرج عددًا كبيرًا من أشرطة الدعاية الذّكِيّة للصهيونية، منها “قائمة شندلر” و”لنكولن” وميونخ”…
كانت مطالب الفدائيِّين، مُنفذي عملية “ميونخ” (احتجاز الفريق الرياضي الصهيوني أثناء الألعاب الأولمبية أيلول 1972) تهدف إطلاق سراح مئات المعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني، ومن بينهم مناضلي “الجيش الأحمر” الياباني الذين نفذوا عمليات جريئة، منها عملية في مطار تل ابيب، وتآمرت مخابرات ألمانيا والمخابرات الأمريكية مع مخابرات الكيان الصهيوني لاغتيال كافة من طاولته الأسلحة المتطورة، بمن فيهم الرياضيين الصهاينة، أثناء التّظاهر بالتّفاوض مع الفِدائِيِّين الفلسطينيين، وشَوّه شريط سبيلبرغ الحقائق الأساسية لهذه العملية، وحوّلها إلى دعاية صهيونية تُمَجِّدُ الإغتيال وتُرَوِّجُ من خلال التّكرار لكذبة “يحلم شباب العرب باسترجاع فلسطين، لكن لا يستطيع أحدٌ استرجاع بلد لم يكن له أصلاً”، وفي شريط “لينكولن” يروج سبيلبرغ ل”يهودية القُدْس” ويُرَكِّزُ على الدّيانة اليهودية للرئيس الأمريكي لكنه يُهمل ديانة قاتله، اليهودي أيْضًا، ويكذب المُخْرِج على التّاريخ حين يدّعي إن “إبراهم لينكولن” كان يتشوّق للسير في القدس القديمة تَشَبُّهًا بسليمان وداوود، ولم تُثْبِت الدراسات التاريخية علاقة سليمان وداوود بالقدس ولا شوق لينكولن لزيارتها، وسيقول قائل (غير بريء) “إنه فن وليس درس في التاريخ ! لكن إسقاطات المُخرج لم تبدأ بهذا الشريط، بل رَوّج لنشيد عسكري صهيوني يعود تأليفه إلى عدوان 1967 وجعل يَهُودًا يُنْشِدونه خلال الحرب العالمية الثانية، قبل حوالي 25 سنة، في شريط “قائمة شندلر” الذي رَوّجَ من خلاله لجمع المال لصالح الكيان الصهيوني “لتمكين اليهود من البقاء في أرض أجدادهم” (أي في فلسطين المُحتلّة)… بالإضافة إلى الدعاية الصهيونية عبر الأشرطة السينمائية، صرّح سبيلبرغ في بداية سنة 2006 (بعد إخراج شريط ميونخ” سنة 2005 وقبل إخراج شريط “لينكولن” سنة 2012)، “إني منذ شبابي فخور بيهوديتي ومدافعٌ متحمسٌ عن إسرائيل، وداعم لحرب أميركا على الإرهاب، ومساند للجيش الإسرائيلي في تصَدّيه للإرهاب الفلسطيني… أنا مُسْتَعِدٌّ للموت من أجل الولايات المتحدة وإسرائيل”، من جهة أخرى، أَسَّسَ “سبيلبيرغ” جمعيّة “خيريّة” تَدْعَم الإحتلال والإستيطان الصهيوني، وتبرعت جمعيته “رجال الصّلاح” سنة 2006 بمليون دولارا، “دَعْمًا للجيش الإسرائيلي” أثناء عدوان تموز على لبنان، وتَبَرّع بأشْرِطته لمركز التوثيق التابع للمنظمة الصهيونية، التي أدرجتها في باب “أرشيف مَرْئي يهودي” بعد استشارته وموافقته… عنذي بوست” + موقع صحيفةشبيغل” الألمانية (النسخة الإنغليزية) + “هآرتس الصهيونية 18 و 20/01/18

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.