إيلان بابيه صهيوني: بين أسد لم يوقع والميادين التي وَقَعت ووقَّعت، الحلقة الخامسة والأخيرة، د. عادل سمارة

ليس المهم التضامن مع شعبنا بل…أي تضامن؟

هذه الحلقة مجرد مقارنة موجزة بين من هو اليهودي المتضامن مع الشعب العربي الفلسطيني حقيقة ومن هو اليهودي الذي يلعب اللعبة الأكاديمية والثقافوية ويستقوي بالطبع بلهاث كثير من الفلسطينيين والعرب  خلفه بينما لا يُعيرون بالاً لليهودي الذي يقطع مع الكيان قطعاً تاماً.

لقد نشرنا في نشرة كنعان الإلكترونية www.kanaanonline.org  مرات عديدة لغيرنا ولنا عن موقف المفكر نوحام تشومسكي من الصهيونية والصراع العربي الصهيوني/الإسرائيلي ورؤيته لحل الصراع، وهي باختصار كما يقول:

  • انا صهيوني متمسك بالفكر الصهيوني الأساسي
  • أنا ضد دولة واحدة بين العرب واليهود لأنها ستكون على حساب اليهود وهذا يعني انه ضد حق العودة
  • أنا ضد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة
  • انا ضد سياسات “إسرائيل” في المناطق المحتلة 1967
  • أنا مع دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
  • إن “إسرائيل” حين الضرورة سوف تضرب النووي.

لك أن تقرأ هذه المواقف بتمعن. فالرجل مع بقاء الأرض بيد الكيان وفي دولة لليهود فقط.وعليه، فإن تضامنه مع الفلسطينيين في حدود الضفة الغربية وقطاع غزة هو موقف تضامني لكنه لا يصل إلى تاييد حق الشعب الفلسطيني في  وطنه  حتى بحق العودة فما بالك بالتحرير.

من ناحية جوهرية لا يختلف موقف تشومسكي عن موقف إيلان بابيه، رغم أن كليهما يُقارب المشكلة من زاوية مختلفة تقريباً.

ومع ذلك يكتب صحفي فلسطيني مستنير عن تشومسكي ما يلي:

“…في مقابلة شاملة مع شبكة “الديمقراطية الآن” التي تستضيفها الإعلامية التقدمية إيمي غودمان ، تناول ناعوم تشومسكي، الفيلسوف الأميركي المعروف وبروفسور “الفلسفة التحليلية” في جامعتي أريزونا وإم.آي.تي ، تناول بها مجموعة من جوانب القضية الفلسطينية التي  أمضى حياته مدافعا عنها، مستهجنا الهوس الإعلامي بقضية “التدخل الروسي” في الانتخابات الأميركية في حين إن أكبر متدخل خارجي، وبوضوح بالشؤون السياسة الأميركية الداخلية وعملية الانتخابات هو إسرائيل”.

إذن، بالنسبة لهذا الفلسطيني فإن تشومسكي أمضى حياته مدافعا عن القضية الفلسطينية. ولكن اي دفاع؟ صحيح ان الرجل عاش في الكيبوتصات في الخمسينات في فترة تطبيق اغتصاب فلسطين ثم غادر إلى الولايات المتحدة بغض النظر إن كان من أجل عيش أفضل أم لأنه لم يعد يؤمن بالبقاء في حالة عسكرية تعيش على سِنان الرماح. المهم ان مغادرته نقطة تُحسب لصالحه.

لكن تضامنه بقي في نطاق، ما أغتصبه الكيان عام 1948 يبقى له بلا مواربة. فهل امضى الرجل حياته، وهي الان فوق التسعين عاماً، مدافعا عن فلسطين أم عن الكيان؟

هذا هو السؤال المفصلي للفلسطينيين والعرب الذين يتلطون ويستظلون بأية كلمة مغلّفة بالتضامن من اي يهودي! لا شك طبعاً بأن التضامن مهم، ولكن في حدود من يحتوي الآخر؟

  • هل يحتوينا المتضامن مهما كان سقفه فنتبنى موقفه من وطننا فيحدد سقفنا بسقفه؟
  • أم نحتويه نحن ونصنِّفه طبقاً لمستوى تضامنه؟

هناك كثير من اليهود الذين جُلبوا إلى الأرض المحتلة ومن ثم غادروا. ويدور الحديث والأرقام عن ثلاثة أرباع المليون. وهؤلاء بالطبع غادروا لأسباب متعددة  منها التخلي الفعلي عن الصهيونية بالرحيل، ومنها عدم الاطمئنان الأمني في مكان يعيش من أجل الحرب، ومنها عوامل اقتصادية ونفسية…الخ.

فريدي كوجمان، صاحب كاراج تصليح سيارات في لندن، أصلا يهودي عربي من العراق، وصل جده إلى فلسطين ضمن الحملة التي قادها رئيس وزراء العراق نوري باشا السعيد قبل وبعد 1948 حيث تم ترحيل عشرات آلاف العراقيين اليهود إلى فلسطين المحتلة عبر شركة طيران يملكها إبن نوري السعيد.

في سجن بيت-ليد (كفار يونا بالعبرية) قال لي عام 1969  الشاويش ابو سليمان (عراقي): “أنا كنت في بغداد سائق تكسي، كل ليلة أحلم أنني هناك، نوري السعيد هجَّرنا وكانت الحكومة العراقية تعطي كل شخص إضافة لدفع تذكرة سفره خمسة دنانير عراقية”.

والد فريدي قرر الرحيل، فارتحلت الأسرة نهائيا إلى لندن وقطعت كل علاقتها بالكيان.

وهذا بعكس إيلان بابيه الذي لم يرحل ولم يُطرد بل انتقل لموقع اكاديمي في جامعة إكزتر، وهو يأتي ويرجع للكيان ولم يتخلى عن الجنسية. ليس هذا فقط، بل هو ينشط للترويج لموقفه الذي جوهره أن ما اغتصبه الكيان يبقى بيده، وقد يتعطف على الفلسطينيين بقبول بعضهم في العمل الأسود. وحتى هذا لا يقدم بابيه أية ضمانات بشأنه.

أوردت فقط حالتين للمقارنة، والحالات كثيرة.

ملاحظة: يجد القارىء في الكتاب القادم للرفيق محمود فنون تحليل ونقد كل هذا. 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.