أوسلو، أيلول 1993 – أيلول 2018 ، الطاهر المعز

بعد 23 سنة من مجازر الأردن (أيلول 1970) وبعد 11 سنة من اجتياح الكيان الصهيوني لبنان  (1982) ومجازر المُخيمات (صبرا وشاتيلا) وإخراج الفدائيين من لبنان، أذعنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لمشيئة ومخططات الإحتلال، وَوَقَّع ياسر عرفات (بإشراف أمريكي) وثيقة التّخَلّي عن الجزء المحتل سنة 1948، بما عليه وبمن يسكنه من أهلِه، والإعتراف بالكيان الصهيوني، مقابل وعود شفوية لا تُلْزِمُ أحدًا…

بعد ربع قرن على توقيع ما سُمِّي “اتفاقيات أوسلو”، تَدَهْوَرَ وضعُ الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وأصبحت سلطة الحكم الذاتي الإداري تَتَوَلّى قمْع الفلسطينيين (بسلاح وتقنيات أمريكية) واعتقال من يُشْتَبَهُ في مقاومته الإحتلال، فيما ارتفع عدد المُسْتَوْطِنين الصهاينة من أقل من 100 ألف إلى أكثر من 600 ألف مُستعمر مُسْتوطن جاؤوا من أصقاع الأرض لاحتلال فلسطين، بكل طُمأنينة، ما دام الأمن الفلسطيني (الذي دربه وسلحه أحد أجهزة الإستخبارات الأمريكية) يحرسهم ويعتقل استباقِيًّا من يَنْوِي (مُجرّد النِّية والإستعداد الأوّلِي) مقاومتهم…

يُحاصر الكيان الصهيوني قطاع غزة حصارا كُلِّيًّا من البر والبحر والجو، بمساعدة النظام المصري، منذ إثنَتَيْ عشر سنة، بالإضافة إلى آلاف الأطنان من القنابل وتهديم المباني والقتل والإصابات، وما انفكّ عدد الشهداء والمُصابين يرتفع منذ 30 آذار/مارس 2018…

كان اتفاق أوسلو حُكْمًا بالإعدام على انتفاضة 1987، وعلى برنامج التحرير الوطني، وتقديم تنازلات مجانية، دون مقابل أو ضمانات، وأدّى إلى اعتراف قادة منظمة التحرير بدولة الإحتلال، وإسقاط الرواية التّاريخية الفلسطينية والحق الفلسطيني في الأرض (الوطن)، لصالح رواية “شعب الله المُختار”، واعتراف الضّحِيّة بحق الجَلاّد في القتل والإعتقال ونهب الأراضي وهدم المباني، وإلى تخريب الإقتصاد الفلسطيني وجَعلِهِ تابعًا تمامًا لاقتصاد الإحتلال (تطبيقًا لبروتوكول باريس الاقتصادي)، وحوّلت السلطة الفدائيين السابقين وأبناءهم، وأبناء الإنتفاضة إلى ضُبّاط للتَّنْسِيق الأمْنِي مع العدو، وحماية أمن المُسْتَعْمِرِين المُسْتَوْطِنِين… ارتفع عدد المُسْتَوْطِنِين، وتتكفل أوروبا بجزء من الإنفاق على الجهاز الأمني الفلسطيني، وتخلّص الإحتلال من مسؤولية وأعباء الأراضي المحتلة سنة 1967 وأعفاه اتفاق أوسلو من مسؤولية الإنفاق على البنية التحتية والإدارة والصحة والتعليم، ولو بالحد الأدنى…

لم يبدأ “مسار أوسلو” في مؤتمر مدريد (1991)، بل بدأ قبل ذلك بحوالي عقديْن، ولم يبدأ مع كامب ديفيد والتطبيع الرّسمي للنظام المصري، بل بدأ قبل ذلك، منذ نَشْرِ “فلسفة الإستسلام”، باسم “الواقعية”، ومنذ إقرار قيادات منظمة التحرير الفلسطينية نهج التسوية، وما سُمِّيَ “برنامج النقاط العشر” ( في ذكرى هزيمة حُزيران) سنة 1974… هذه هي المُقَدّمات الحقيقية الملموسة للتنازلات المَجانية عن الحق في مقاومة الإحتلال، وبكافة الوسائل، والتنازل عن الجزء المُحتل سنة 1948، ثم عن اللاجئين، والقدس (الشريف؟)، وانتهاءً بتنفيذ المهام الأمنية لصالح العدو المُحْتل (عنصر أمن فلسطيني، مدرب ومسلح أمريكيا، لكل أربعين فلسطيني في الضفة الغربية، إضافة إلى الأجهزة الأمنية الصهيونية والجنود والمخابرات والمستوطنين المسلحين)، بعيدًا عن رقابة اللاجئين، وعن رقابة الشعب الفلسطيني، صاحب القضية وصاحب المصلحة في تحرير وطنه…

وفّرت اتفاقيات أوسلو سياقًا وغطاءً لتوسع الاستيطان، ولمصادرة الأراضي ومصادر المياه، وهدم البيوت والتّهجير، والإغتيالات، والاعتقالات، وهذه أخْطَر النّتائج على الإطلاق، إذ أصبحت سلطة مجموعة “سلام الجُبَناء” (سلطة الحكم الذاتي الإداري) جزءًا من بُنْيَة الإحتلال، عبر تعاونها وتنسيقها الأمني اليومي معه، ومع “المانحين” والمنظمات “غير الحكومية”، من أجل القضاء على المناخ السياسي والثقافي والشعبي الحاضن للمقاومة، بمختلف أشكالها، مما شجع المستوطنين على التّكاثر، فتضاعف عددهم أكثر من سبع مرات خلال 25 سنة، من نحو 90 ألف إلى حوالي 650 ألف مُسْتَوْطن (في الضفة الغربية لوحدها)، لأنهم يشعرون بالأمان، في ظل حراسة مضاعفة (حراسة الإحتلال وحراسة سلطة أوسلو)، وارتفع عدد المستوطنين في القدس بنسبة 240% منذ عدوان 1967 وبنسبة 150% منذ اتفاق أوسلو (سلام “الشجعان”؟) 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.