مدخل
كتب “محرر امريكا اللاتينية” سيمون بوليفر SIMON BOLIVARيوم 6 سبتمبر ايلول 1815 وثيقة تاريخية تعرف باسم “رسالة جامايكا”، جاء فيها ” لقد تفسّخ الحجاب وراينا النور، ويراد اعادتنا الى عصر الظلمات، لقد تحطمت القيود واصبحنا احرارا؛ ويعتزم اعداؤنا استعبادنا من جديد…” كما اكد فيها على امنيته في ” رؤية اكبر امة في العالم تتشكل في اميريكا، صغيرة بمساحتها وثرواتها، كبيرة بِحُرِّيَتِها ومجدها”، امة عظيمة “بآصرة واحدة تربط اجزاءها فيما بينها وبالكلّ. لان لها اصل واحد ولغة واحدة وعادات وتقاليد ودين واحد…”.
رؤى واماني القادة الوطنيين والقوميين والثوريين غالبا ما تتحقق بعد رحيلهم عن هذا العالم. في احيان كثيرة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من تنبيه بوليفر لخطر الانقسام والتجزئة على “امريكتنا” وخطر الولايات المتحدة الامريكية عليها، التي اعلنت على الملا منذ عام 1823، عقيدة مونرو MONROE”امريكا للامريكيين” الا ان الاقاليم التي حررها بوليفر انقسمت وتحاربت فيما بينها لسببين اساسيين: اولا تشكل اوليغارشيات محلية قطرية، ذات مصالح طبقية نقيضة لاي عملية توحيد للوطن الكبير والامة الكبيرة؛ تدخل الدول الاستعمارية الكبرى في ذلك العهد ، من اجل تكريس حالة الانقسام، وافتعال الحروب البينية، خدمة لمصالحها وشركاتها الكبرى، في استغلال ونهب الثروات الطبيعية للقارة، وما اكثرها!
اي تشابه بين امريكا اللاتينية والوطن العربي الكبير والامة العربية واقطارها، ليس الا محض صدفة سببها راس المال القُطري سابقا والمعولم لاحقا.
خلفية تاريخية حول ماهية الصراع الحدودي البري والبحري بين بوليفيا وتشيلي
يُحيي البوليفيون سنويا يوم 29 ابريل نيسان بصفته “يوم الحق في استعادة البحر”، كناية عن الرغبة والعزم عل استعادة الشاطيء البوليفي على المحيط الهادي، والذي انتزعته منهم تشيلي بالقوة في “حرب المحيط الهادي (1979 ـ1884).
عندما تاسست جمهورية بوليفيا عام 1825 كان اسمها “جمهورية بوليفر” وهو الذي كان قد حدد لها منفذا على البحر في منطقة كوبيخا (بويرتو لا مار ) Cobija (Puerto La Mar).. وعلى البحر (المحيط الهادي) كانت تحدها تشيلي من الجنوب والبيرو من الشمال.
يضاف الى هذا المستجد التاريخي، حقيقة تاريخية تعود الى ما قبل مجيء الغزاة الاوروبيين الى القارة (العالم الجديد) الذي كان اسمه الاصلي “آبيا يالا”. ويؤكد البوليفيون حقهم التاريخي في البحر بسبب وجود حضارتي تياهواناكو وإنكايكاTiahuanacu Incaica الخاصتين بهم هناك. كما ان البيرو رسمت حدودها الجنوبية على خط عرض 25، اي الخط الحدودي الذي ورثته بوليفيا، وفقا لما توضحه الخرائط الدولية في ذلك الزمان.
في الحقيقة التاريخية الموثقة بدا الصراع على الحدود البحرية بين بوليفيا وتشيلي عام 1828 عندما قرر الدستور التشيلي ان اراضي بلاده تصل حتى القطاع غير الماهول في صحراء اتاكاما Atacama شمالا.
في اواسط القرن التاسع عشر، اكتسبت تلك الصحراء قيمة اقتصادية كبيرة بسبب اكتشاف حقول غنية بملح البارود والاسمدة الطبيعية، تحولت الى “تفاحة الشقاق” وتسببت في حرب المحيط الهادي بين تشيلي والبيرو وبوليفيا.
قبل الحرب ابرمت بوليفيا وتشيلي اتفاقيتين حول الحدود الاقليمية بينهما: الاولى عام 1866 والثانية عام 1874، وتمت المصادقة عليهما وتبادل وثائقهما رسميا بين البلدين.
بتاريخ 27 نوفمبر تشرين ثاني 1873، قامت “شركة ملح البارود والسكك الحديدية في أنتوفاغاستا Antofagasta ” (ميناء بوليفي سابقا وتشلي راهنا) وهي شركة تشيلية مؤلفة من رؤوس اموال تشيلية وبريطانية (وهنا مربط الفرس) بالتوقيع على اتفاق مع الحكومة البوليفية يتيح لها استغلال ملح البارود دون حقوق لبوليفيا لمدة 15 عاما. غير ان الكونغرس البوليفي لم يصادق على ذلك الاتفاق اذ انه كان منهمكا في البتّ في المفاوضات مع تشيلي التي ادت لاحقا الى ابرام اتفاقية عام 1874.
سارت الامور على ما يرام الى ان فرضت الحكومة البوليفية ضريبة بمقدار عشرة سنت على كل قنطار ملح يتم تصديره (القنطار مائة رطل انجليزي، اي 45 كغم). وهذا محظور لانه ينتقص من ارباح راس المال الاوليغارش المحلي والبريطاني الامبراطوري، فشرعت تشيلي بغزو جارتها بوليفيا بذريعة انها انتهكت اتفاقية عام 1874 التي تنص على مدة 25 سنة دون ضرائب. اولم تكن هناك وسائل اخرى لفض النزاع دون اللجوء الى الحرب؟ يمكن استنتاج وجود نية مبيتة تشيلية بريطانية بالاستيلاء على اكاتاما لنهب ثرواتها الطبيعية.
استمرت الحرب 5 اعوام (1879 ـ 1884) بين تشيلي وبوليفيا والبيرو. خرجت تشيلي منتصرة من الحرب واصبحت احدى قوى امريكا الجنوبية، ووسعت حدودها الشمالية لغاية البيرو التي دمرتها الحرب، وحرمت بذلك بوليفيا من شاطئها على المحيط الهادي بطول 400 كم بالاضافة الى 120 الف كم مربع برا. وللعلم يوجد في العالم 42 بلد تعاني من الانغلاق البري دون شاطيء بحري، من ضمنها 30 بلد من البلدان الاقل تطورا والاكثر فقرا على وجه البسيطة. وللعلم ايضا ان تشيلي لديها شاطي بطول 8000 كم على المحيط الهادي تمتلكها الان سبعة عائلات فقط وتسيطر على 79% من ثرواتها السمكية. (ذكرتني هذا التناسب 8000 تشيلي الى 400 بوليفيا، بقصة اخي لديه 99 نعجة ولدي نعجة واحدة !)
موجز تطورات الصراع الحقوقي وريث حرب المحيط الهادي: “المطالبة بالحقوق ليست رذيلة، والتخلي عنها ليست فضيلة”/ عبد الرحمن الكواكبي
بعدما وضعت الحرب العسكرية اوزارها، بدات حرب من طراز آخر! حرب حقوقية لا ولم تنته لسببين اسايين: اولهما انعدام احقاق الحق المهدور ظلما وبالقوة، فـَ “ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”، وثانيهما طبيعة وجوهر واداء منظمات نظام هيئة الامم المتحدة، الخاضعة عمليا ودائما الى منطق ومصالح الاقوى على مسرح الصراع. بوليفيا وفلسطين التاريخيتان شاهدتان فريدتان على هذه الحقائق المُرَّة.
في عام 1904، وعلى اساس منطق المنتصر والمهزوم عسكريا، تم ابرام اتفاقية سلام وصداقة وتجارة بين بوليفيا وتشيلي (سوابق تاريخية لاتفاقيات كامب ديفيد الثلاثة 1978 ـ 1994) وبموجبها تم ترسيم حدود السيادة التشيلية لغاية الحدود مع البيرو وحرمان بوليفيا من الوصول الى المحيط الهادي، هكذا ببساطة. وكالتفاتة مواساة، “منحت” الاتفاقية لبوليفيا والى الابد حقا واسعا وحرّا للعبور التجاري من خلال الاراضي التشيلية وموانيء المحيط الهادي (التي كانت لتوها اراض وموانيء بوليفية!!!) هل هذا هو ما يريدونه لغزة فلسطين الان؟؟؟ انها اتفاقية مخزية وظالمة سواء بسواء.
مع ذلك استمرت بوليفيا في مطالبتها سلميا وحقوقيا وعبر مختلف المنظمات الاقليمية والدولية لاستعادة شاطئها واراضيها السليبة:
عام 1920: طرحت بوليفيا للمرة الاولى امام عصبة الامم اعادة النظر في اتفاقية عام 1904، وانتهى هذا المسعى دون اي نجاح يذكر، الهم الا الابقاء على القضية حية وماثلة في وجدان البوليفيين و امام المجتمع الدولي. فمن لا يستطيع استعادة حقه، على الاقل لا يتنتازل عنه ويحفظ حق ودور الاجيال القادمة لاستعادته.
عام 1975: اضطلع الدكتاتوران أوغو بانسير Hugo Banzer البوليفي وأوغوستو بينوشيت Augusto Pinochet التشيلي بِـ “عناق شارانيا “Charaña الشهير، الذي اسس لمفاوضات حول المطلب البوليفي، فشلت عام 1979 وانتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية. (للمفارقة التاريخية والسياسية: دكتاتوريو بوليفيا وتشيلي والارجنتين التزموا بوحدة ما يرونه اقاليمهم الترابية وسيادتهم عليها، اما دكتاتوريو الوطن العربي على اختلاف مشاربهم وتسمياتهم، فهم يتنازلون عنها ويتبرعون بها لاعداء شعوبهم وامتهم!!)
عام 1979: منظمة الدول الامريكية (OEA) (رديفة جامعة الدول العربية من حيث الفكرة والتاسيس والاهداف والسلوك والاداء الوظيفي في خدمة اسيادهما) اعلنت وللمرة الاولى ان “القضية البحرية شان دائم يهمّ النصف الغربي من العالم”.
عام 1989: منظمة الامم المتحدة توافقت على ادراج المطلب البوليفي كموضوع في اية جلسة من جلساتها بناء على طلب اي من الطرفين.
عام 1992: وقّع رئيس بوليفيا، خايمي باس سامورا Jaime Paz Zamora ، ورئيس البيروـ البيرتو فوجيموري [1]Alberto Fujimori ،اتفاقا يمنح بوليفيا منفذا على المحيط الهادي عبر ميناء إيلو ( Ilo ) غير انه لم يتم استخدامه حتى الان بسبب مشاكل في بنيته التحتية[2].
عام 2006: اقر الرئيسان البوليفي ايفو موراليس Evo Morales، والتشيلية ميشيل باشيليت Michelle Bachelet، جدول اعمال من 13 نقطة من ضمنها موضوع البحر.
عام 2013: بعد 134 عام من حرب المحيط الهادي، اكد الرئيس موراليس ان النزاع سيتم فضّه في اطار دولة القانون السائدة في بوليفيا التي اعلنت لاحقا عن انها ستشتكي على تشيلي امام المحاكم الدولية، كي تنظر في مطالبها البحرية. وجاء رد تشيلي بان اية خطوة في هذا الاتجاه ستمثل عقبة كأداء امام العلاقات الثنائية! (تماما كما تتفوه دولة الكيان الصهيوني ازاء اي “هزة ذيل” من حكومة اوسلوستان الشرقية).
حقائق لا بد من التذكير بها
كانت بوليفيا قد استندت في شكواها امام المحكمة الى المادة 31 من ” الاتفاقية الامريكية للحلول السلمية” (حلف بوغوتا كولومبيا وهو ساري المفعول منذ عام 1948)، والى عشرات التعهدات المكتوبة من قبل كبار ممثلي تشيلي في الفترة 1920 ـ 2010.
بايجاز، المطلب البوليفي يتمثل في ان تصدر المحكمة الدولية حكما بالزام تشيلي بالتفاوض على اتفاق يمنح بوليفيا منفذا سياديا على المحيط الهادي، وبان تتصرف تشيلي بنوايا حسنة وفي غضون مهلة زمنية معقولة.
الحد الادنى من الحقوق التي تناضل بوليفيا في سبيلها يتمثل في الحصول على ممر بعرض 10 كيلومترات يمتد من حدودها مع تشيلي مسافة 160 كيلومتر وصولا الى المحيط الهادي حيث يتوفر لها جزء من الساحل تقيم عليه نشاطاتها الصناعية والتجارية تحت سيادتها.
يقول الرئيس موراليس بكل قناعة، انه عندما نطالب بالبحر لبوليفيا، فاننا لا نفكر فقط باعادة رسم الخرائط القديمة، والحصول على ميناء بحري ضروري لتنمية البلد، وانما ايضا من اجل التآم الجراح التاريخية بين البلدين، نحن شعبان شقيقان ويجب ان نتصرف على هذا الاساس.
وتجدر الاشارة الى انه بسبب تلك الحرب البغيضة بين الاشقاء، فقدت بوليفيا ثروات مثل الاسماك وملح البارود والاسمدة الطبيعية والفضة والنحاس والليثيوم وكلها موجودة في الاراضي السليبة وبحرها. يضاف الى ذلك، المتاعب والعقبات المفروضة على المرور الحر للصادرات والواردات البوليفية عبر تلك الاراضي.
السلع التصديرية البوليفية عبر مينائي انتوفاغاستا واريكه Antofagasta y Arica (تحت السيادة التشيلية) تزداد تكاليفها بنسبة 55.7% مقارنة مع السلع التشيلية و بنسبة 60% مقارنة مع السلع البيروانية، وهذا اثر جديا على التنمية الاقتصادية لبوليفيا التي تعد احد افقر بلدان القارة.
الحكم الصادر عن محكمة لاهاي الدولية بالخصوص
بمجرد ايداع الشكوى البوليفية امام المحكمة الدولية في لاهاي، طعنت تشيلي في اختصاص وأهلية المحكمة للنظر في قضية تاريخية مرَّ عليها اكثر من مائة عام، وان البلدين وقعا اتفاقية سلام عام 1904، وان تشيلي تقدم تسهيلات مرور للبضائع البوليفية عبر المحيط الهادي.
عام 2015 اصدرت المحكمة حكما يؤكد اختصاصها وقرارها بالنظر في تلك القضية بموافقة كافة قضاتها باستثناء واحد وحيد. بهذا الصدد، لا بد من القول ان المحكمة، كهيئة تابعة لنظام الامم المتحدة، اتخذت موقفا حقوقيا صائبا، للبت في جريمة لا تسقط بالتقادم: “الاستيلاء على اراض الغير بالقوة” تماشيا مع ميثاق المنظمة الدولية. وان اي اتفاقية دولية تبرم بالاكراه وعدم تكافؤ اطرافها (مثلا مهزوم ومنتصر) لاغية تلقائيا.
وهنا سؤال بديهي يطرح نفسه وبقوة: هل تمتلك المحكمة الدولية السلطة الاختصاصية في البت في حالات مشابهة مثلا: غزو واحتلال فلسطين التاريخية واستيطانها اباديا واجلائيا واحلاليا؟؛ وحالة الاراضي الكوبية التي تحتلها قاعدة غوانتانامو البحرية الامريكية منذ مطلع القرن العشرين؟؟ وفي هاتين الحالتين توجد حيثيات حقوقية لا يمكن دحضها لصالح فلسطين وكوبا.
مع ذلك، في الاول من اكتوبر تشرين اول 2018، اصدرت “محكمة العدل الدولية” في لاهاي (12 مقابل 3) حكمها بصدد المطلب البحري البوليفي قائلة بان تشيلي ليست ملزمة “حقوقيا بالتفاوض على منفذ سيادي على المحيط الهادي لصالح الدولة البوليفية متعددة القوميات”!! ولتخفيف وقع الحكم على البوليفيين والراي العام العالمي اضافت المحكمة دعوتها الطرفين لمواصلة “الحوار والمفاوضات وحسن الجوار”!!
سبق وان هددت الامبريالية الامريكية المحكمة وقضاتها من البت في اية شكوى “فلسطينية” ضد “اسرائيل” تحت طائلة العقاب وسوء المآل. في خطوة استباقية لما قد تقدم عليه المحكمة، ان حكمت حسب القانون والحقوق وميثاق الامم المتحدة، في اية قضية تمس مصالحها وربائبها.
حقوقيا، هناك تناقض صارخ بين الموقفين الاول والثاني للمحكمة، لان حيثيات الاول تُحتِّم اتخاذ حكم حقوقي معاكس للثاني. يمكن للمرء ان يستنتج ان هذا القرار ليس حقوقيا بل سياسيا بامتياز، ويمثل سابقة امام اي طرف في المنظومة الدولية يفكر في اللجوء اليها، لمقاضاة اي طرف اخر له علاقة بالامبريالية الامريكية تحديدا. الحقيقة التاريخية المريرة التي شهدتها العلاقات الدولية على مرِّ العصور لم تكن قائمة ابدا على المثل والاخلاق والمباديء وقوة الحق والقانون..الخ مهما ظهرت في ديباجات المواثيق الدولية، بل على القوة وبالتحديد العسكرية.
لم تكن الامبريالية المعولمة لتسمح للمحكمة باتخاذ قرار مغاير:
اولا: كعقاب لبوليفيا الجديدة متعددة القوميات وثورتها السلمية وانجازاتها وطردها للسفير الامريكي ووكالة مكافحة المخدرات الامريكية وغيرها من الاجراءات المناوئة لراس المال واصحابه. فخرجت من دائرة النفوذ والاستغلال والاستعباد الراسمالي الامبريالي، فشقت عصا طاعة البيت الابيض وسفارته التي كانت حاكمة في “لا باس”.
ثانيا: الاعتراف بحق بوليفيا في استعادة اراضيها ومياهها الاقليمية يفتح الباب على محاكمة مجمل الاستعمار والاستيطان في مختلف انحاء العالم من فلسطين الى بوليفيا مرورا بكوبا وبويرتو ريكو…الخ. والدول لا تقف ضد مصالحها مهما كات ظالمة وغير قانونية وغير شرعية.
ثالثا: رسالة بليغة الى ربائبها ومطاياها من الكيان الصهيوني الى ورثة بينوشيت الدموي بانهم فوق القانون الدولي ومعصومون من العقاب، فكل مفعول لهم جائز.
الموقف البوليفي
الرئيس البوليفي ايفو موراليس، الذي حضر جلسة النطق بالحكم في لاهاي، غرّد قبيل وصوله قائلا ” لا يمكن ولا يجب ااعتبار هذه القضية على انها عمل عدائي (تجاه تشيلي)؛ بل فرصة تتيح لنا الالتقاء من جديد”…” البحار والمحيطات ملك وتراث للبشرية وبوليفيا لن تتخلى ابدا عن هذه القضية”. واضاف ان بلده فقدت منفذها الطبيعي على المحيط من جراء غزو عسكري، وان بوليفيا تقف مع العدل والحق.
نعم هذا ما يجب ان تكون عليه الامور يا رفيق ايفو، بيد ان السياسة الدولية وعلاقاتها ليست امنيات ولا مثاليات بل وقائع ملموسة تفرضها القوة. سيرورة التاريخ تؤكد هذه البديهية.
الموقف التشيلي
موقف تشيلي ثابت دون اي تغير على اعتبار ان اتفاقية عام 1904 المذلة لبوليفيا، قد فضّت الصراع وانتهت القضية، وانها لن تتنازل عن سيادتها (على اراض احتلتها بقوة الغزو العسكري). هل يوجد تشابه مع الموقف الصهيوني ازاء 22% من فلسطين التاريخية احتلتها بالقوة الغاشمة عام 1948 1949، اضافة الى ما جادت به الامم المتحدة عليها عام 1947، باهدائها قبل قيامها من ارض ليست ملكا لها بمقدار 50% من فلسطين (56%)، والتي اضحت 78%؟
والان في العرف الصهيوني هذه ارض تحت سيادتها، ولا ذكر لها في القانون الدولي والامم المتحدة العتيدة، حتى من اوسلوستان ومجمل الحركة الوطنية الفلسطينية التي ترى في حدود الرابع من حزيران الحدود الطبيعية لفلسطين، بينما يتم الاستيلاء عليها واستيطانها وتهويدها، بالاحرى صهينتها، وبغطاء شرعي قانوني من قادة م ت ف!! بئس القادة والقيادة التي تحولت الى قوادة على الوطن والقضية!!
مجددا اكد الرئيس المنتخب للمرة الثانية سيباستيان بينييرو Sebastián Piñera يوم 11 مارس اذار 2018 “تشيلي لن تفقد ارضا ولا بحرا ولا وحدة ترابها وسيادتها بغض النظر عن الحكم الذي سيصدر عن محكمة لاهاي”. لكنه يفقد ارضا وسيادة في جنوب البلاد ببيعها للصهاينة ورؤوس اموالهم ( في لا باتاغونياLA PATAGONIA) بعد الاستيلاء عليها من شعب مابوتشي MAPUCHIالاصلاني (فلسطينيي تشيلي) وربما سيقام عليها وغيرها نسخا حديثة من الكيان الصهيوني. يؤمها سنويا عشرات الاف الجنود والضباط الصهاينة بهدف “السياحة”!!
وللمصادفة المحضة : توجد كتب تشيلية تؤكد على ان بوليفيا لم يكن لديها ساحل قط، مما يؤكد وجود تواطؤ بين التاريخ الرسمي والظلم التشيلي. الا تتوطأ الكتب المدرسية الصهيونية مع الروايات الدينية والاساطير التلمودية والمظالم التاريخية بحق فسطين شعبا وارضا وقضية؟؟ الصهيونية كايديولوجية لراس المال وفلسفة الحروب والابادة لاتقتصر على قارة او امة او دين او عرق…انها راس المال الذي ولد ويتناسل ويتناسخ، ينزف دماء يسفكها من دماء الشعوب والامم في كل مكان.
لا خيار امام الشعوب والامم المستضعفة والمظلومة الا الصمود والكفاح والتوحد في كتل تاريخية تقاتل الامبريالية الصهيونية بكافة تجلياتها، ان هي ارادت البقاء والعيش بكرامة ادمية وسلام ووئام.
ملاحظة: تمت الاستعانة ببعض اعداد صحيفة غرانما لسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي الصادرة عام 2013، 2014، 2015 و2018، والارشيف الشخصي للكاتب.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
[1] دكتاتور من اصل ياباني وحاليا موجود في السجن لادانته باعطاء اوامر بابادة مواطنين داخل بلاده، صدر عفو رئاسي عنه قبل عدة اشهر من هذا العام، ادى في النهاية الى اسقاط الرئيس، وبالصدفة اصدر النظام القضائي البيرواني يوم امس 3 اوكتوبر 2018، امرا بالغاء العفو واعادة فوجيموري الى السجن.
[2] هناك ايضا عرض اوروغوائي مماثل، وفي العام المقبل 2019، سيبدا تنفيذ مشروع سكك حديدية عملاق بطول 3800 كم و بكلفة 10 مليار دولار يربط بين بوليفيا وباراغواي واورغواي والبرازيل لتسهيل صادرات وواردات بوليفيا (تضامن الاشقاء مقابل عداء الشقيق التشيلي).