إستهداف أبناء البلد/عتقال رجا إغبارية…لماذا؟ عادل سمارة

لم يكن الكيان بحاجة لما أسماه “قانون القومية- لتجميع مئة قومية” في جهاز تخليط “مولينيكس” يعجن البشر كما خفق الفواكه!. لكن إعلان ذلك “القانون” في هذه الحقبة، هو ضرورة للكيان التقاطاً للحظة الركوع الرسمي العربي حيث يجثو معظم الحكام على الرًكب أو يزحفون على البطون ليصلوا حذاء الكيان لا عقله أو عاطفته.

ولكن، وهناك أكثر من حركة فلسطينية في المحتل 48، بين من تقف أو تزعم الوقوف ضد الكيان الصهيوني الاقتلاعي، لماذا تم اختيار أحد قياديي أبناء البلد، الرفيق رجا إغبارية؟

يمكن القول بأن سياسة الكيان في هذه المسألة تجاه فلسطينيي المحتل 1948  لها أربعة مرتكزات:

  • تشجيع الرخاوة
  • تشجيع الداعشية
  • غض الطرف عن منكري المحرقة
  • قمع الرفض

يقوم تشجيع الرخاوة على بهرجة وتزجيج والطلاء بالمساحيق للاعتراف بالكيان وخاصة عضوية الكنيست كما لو كان ذلك مثابة إنجاز لشعبنا الفلسطيني وهو ما دأب عليه الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) وارثا عن تشكيلاته السابقة وواصل ذلك حتى بعد إعلان القانون المذكور. لذا، كان رد هذا الاتجاه الرخو على ذلك القانون العدواني بالمطلق رداً رخواً لم يجرؤ على نقد الذات ومغادرة مربع الكنيست مكتفياً بتظاهر بالقوة طبقاً لما اسميه “الاستقواء بالضعف”. ولا يخرج عن هذا التمفصل عن راكاح المتجسد في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يُقاد من الدوحة حيث مركز تفريخ وتربية أجيال من المطبعين، الذين هم في مرحلة الطرواة، لينتقلوا إلى تجسيد الرخاوة، وهم يتمددون كالفطر من رام الله إلى حيفا بل من مشرق الوطن إلى مغربه. ولم يزد راكاح وحزب إمارة قطر في الرد سوى اللجوء والاستنجاد بصهاينة من دُعاة الدولتين أو الدولة الواحدة التي جاء “القانون” المذكور ليؤكد أنها دولة لكل مستوطنيها.

يتضح تشجيع الكيان بل دعمه للداعشية في المحتل 1948 وذلك في التقاطع بين موقف الكيان الصهيوني ، (وهو عقيديا جزء من قوى الدين السايسي المعولمة، إلى جانب المحافظية الجديدة) وبين قوى الدين السياسي الإسلامية وخاصة داخل المحتل 1948 حيث يشاركون معاً ضد سوريا وحزب الله وإيران ومجمل محور المقاومة في حرب صيد طراد “مقدس” تتلخص أهدافه في  تصفية التيار العروبي. ويتجلى تحالف الكيان وقوى الدين السياسي داخل المحتل 1948 في الهجوم على مؤيدي سوريا ووصفهم بجماعة الرئيس الأسد، والشبيحة …الخ. وبالطبع، يفتخر العروبيون/ات بهذا الوصف. ولا أدلُّ على خطورة هذا الاتجاه الداعشي من كونه لا يرى الكيان محتلاً لوطنه مما يؤكد ورطة من يُسبِّق الإيديولوجيا على الوطن.

وفي حين يُقيم الكيان الأرض ولا يُقعدها ضد منكري المحرقة في أي مكان، يوظف منكري المحرقة من الفلسطينيين لصالح زعمه أن شعبنا يؤيِّد وحشية النازي، وذلك للتغطية على نازية الكيان نفسه وخاصة بعد إعلان “القانون المذكور” حيث كان وجوده مغطىً شكلياً لا أكثر.

إن استهداف الكيان لحركة ابناء البلد هو نظرة ذكية إلى الأمام إستفادة من الأمس. فقيادة الكيان وأكاديمييه وخاصة السوسيولوجيين يعرفون أن هذه الحركة هي أقرب إلى التيار العروبي الماركسي. وهذا تحليلي أنا ولا أُلزم به حركة أبناء البلد.

فبعد تفكك أنظمة الاشتراكية المحققة، اتسعت إمكانية القراءة المُريحة، بعيدا عن الغوغائية، للعلاقة بين المسألة القومية وبين الماركسية، ولم يعد التحريف الرسمي السوفييتي هو الفيصل بمعنى رفض المسألة القومية جملة وتفصيلا اعتمادا على قراءة سطحية للماركسية وخاصة للبيان الشيوعي الذي أكد أن المسألة القومية، بل الدولة القومية القوية هي المدخل الأقوى الانتقالي بالطبع إلى الاشتراكية فالشيوعية. اي ان الماركسية لم تكن بالمطلق ضد القومية، وهذا ما اكدته التجربة فالمدرسة الماوية في الصين. وهو موقف ينسف بالطبع هذيان التروتسكية ضد القومية وخاصة القومية العربية في تطوُّع من هذه الحركة لخدمة الكيان الصهيوني.

وإثر صدور “قانون القومية” صار على الكيان قراءة خريطة القوى السياسية في المحتل 1948 خاصة، ليجد ويستقر على أن حركة ابناء البلد هي الطرف الذي إذا ما قرأ اللحظة جيداً سيجد بأن أطروحته هي الأشد مقاومة للكيان مما يحقق له اتساعاً شعبيا. وقد كتبت في حينه بأن هذه فرصة ابناء البلد لتعميق جذورها الشعبية.   فهي حركة ترتكز على عروبة فلسطين وبالتالي رفض الدخول في مؤسسات الكيان السياسية والتشريعية خاصة أي رفض التطبيع. وهذا بخلاف جميع القوى التي دخلت مطهر الكنيست وبقيت هناك.

وعلى ضوء تطورات الوطن العربي والعالم فإن موقف ابناء البلد يتقاطع مع التطورين الذين تتصدران المشهد العالمي:

  • تنامي تعدد القطبية مما يسحب من يد الغرب الراسمالي وخاصة أمريكا احتكار القطبية العالمية.
  • تنامي انتصارات محور المقاومة مما يُعيد فرصة صعود التيار العروبي وتجذيره يسارياً.

وبهذا المعنى، فإن حركة أبناء البلد هي الطرف المرشح للتقاطع مع هذه التطورات وبالتحديد، فإن هذا التيار العروبي وحده الذي يسير في طريق التحرير إلى نهايته.

من هنا كان اعتقال  الرفيق رجا إغبارية مقدمة لموجة قمع تحاول وأد أي تأييد جماهيري لموقف أبناء البلد ضد المشاركة في عضوية برلمان دولة اليهود كما يسمونه بقصد. فاتساع الرفض الشعبي للمؤسسة التشريعية الصهيونية والسياسية بالطبع يدفع النضال الشعبي الفلسطيني في المحتل 1948 إلى النضال القاعدي الشعبي في المستويات السياسية والتنموية والثقافية. هذا من جهة، من جهة ثانية، يهدم المشروع الصهيوني الرابح منذ عام 1948 وهو المتاجرة بما تسمى ديمقراطية الصهيونية التي يتمكن عرب من رفع الأذان أو الفذلكة السياسية في قاعة الكنيست.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.