عُقد في فلسطين المحتلة يوم 27 تشرين اول 2018 مؤتمر “د. سمير أمين – إضاءة في خريف الرأسمالية” لمناقشة فكر وأطروحات سمير أمين. وقد كان هذا المؤتمر نقلة نوعية في حقبة الموات التقدمي العروبي سواء بكونه مشتركا بين الأردن والأرض المحتلة، أو بمساهمات عربية وعالمية. هو تجاوز للقُطرية وخاصة في حقبة فيضان الوباء الطائفي المتعدد. الطائفي هو العمى والسيف الذي يضرب بالعمى ولا عيونا مفتوحة فيه غير عيون رأسماليي الطوائف. يا للهول أيها الفقراء. وبالطبع كان قصب السبق في إخراج المؤتمر للنور لكل من د. ديمة أمين عن مركز بيسان و د. ليندا طبر عن مركز دراسات التنمية/ جامعة بير زيت. جميل، المرأة تتقدم وتليق بفكر سمير أمين.
خلال الأسئلة حول كلمتي عن “فك الارتباط” سألني، كما اذكر د. سائد ابو حجلة: “هل محور المقاومة مؤهلا لفك الارتباط؟”.
كانت إجابتي “كما أذكر وأُوجز”: بالطبع لا. هو محور مقاومة وطنية لكنه لا يرقى إلى دور وقرار فك الارتباط فليست الأنظمة والقوى المشاركة فيه اشتراكية الطابع والانتماء والثقافة والوعي النظري.
تواصلت معي صديقة شديدة الحماسة إلى حد فقدان البوصلة ناقدة إجابتي من باب:
إن هذا الرد موجه ضد إيران وسوريا وحزب الله وحتى روسيا. وهنا أوجز ما قلته لها.
أوَّلاً: إن سؤال المؤتمر هو فك الارتباط.وهو نظرية وموقف واستراتيجية ميدانية ضد رأس المال. ومحور المقاومة جميعه أنظمة رأسمالية ولا أرى أنها تتجه باتجاه فك الارتباط، على الأقل طبقا للراهن. هناك بعض المقاومين التقدميين والشيوعيين ولكنهم ليسوا قيادة المحور. إنه محور دفاع وطني وقومي ولكنه ليس باتجاه فك الارتباط بالسوق العالمية بل يحاول الانخراط.
ثانياً: إن وقوفنا مع محور المقاومة هو واجب وطني/أرضي تحديداً. اي للدفاع عن الأرض وليس عن الأنظمة إلا بمقدار دفاعها عن الأرض. ولأنها تدافع فنحن ندعمها بلا تردد، بل من قبيل الانتهازية عدم دعمها وقد تذهب هذه الانتهازية حد الخيانة.
ثالثاً: إن تجربة كارثة ما يسمى الربيع العربي قد أوصلتنا إلى مسألة اساس هي خطورة المثقف الذي يأخذ هذا النظام أو ذاك كصحيح مطلق وخاصة حين تذهب الأمور إلى المستوى الاقتصادي الاجتماعي الطبقي. فمن بين أسباب المشكلة الاجتماعية في سوريا مغادرة حزب البعث للتحولات الاشتراكية باتجاه كارثة نظام السوق الاجتماعي، اي إلى الراسمالية المتوحشة. ولذا، فإن معركة سوريا سوف تكون لاحقاً مع هذه السوق، وأدعو أن نكون حينها مع سوريا بمقدار طلاقها لنظام السوق الاجتماعي.
رابعاً: لماذا؟ وعلى ضوء التجربة، ولسبب واحد أورده هنا وهو: كم برجوازي طالته يد المنون مثلا في سوريا؟ بمعنى أن سوريا القادمة يجب أن تكون للذين استشهدوا وجُرحوا وحالفهم الحظ بالبقاء لحمايتها.
خامساً: في محور المقاومة مسألة شديدة الخطورة، وهي تغييب الكثيرين للبعد العروبي، وبشكل مقصود، وهذا التغييب هو هتك لبنية وتاريخ وأهداف سوريا. مثلاً، نلاحظ دعاية هائلة للحليف الإيراني. وإيران دولة قومية رأسمالية تماما ومطلقاً بمعزل عن الطربوش الديني، هي لم تفك الارتباط بالسوق الراسمالية العالمية بل تقاتل للغوص فيها اكثر بينما تحاول الإمبريالية طردها منها! ودعاية لروسيا وهي قطب راسمالي قومي اليوم. وتبقى سوريا هي المظلومة في هذا المستوى لأن معظم التحليلات تتجاهل البعد العروبي وبشكل مقصود من مثقفين/ات هم مع محور المقاومة لكنهم إما يتجاهلون العروبة أو يطعنونها عبر نسبِها إلى حكام الخليج، أو عبر الهجوم على الشهيدين صدام والقذافي بوصفهما ب “القبور”! أي عقل تافه طائفي غيبي مريض هذا؟ وهل بقية الناس صعدت إلى السماء؟
سادساً: فك الارتباط ، على الأقل حسب المرتحل العظيم سمير امين هو مشروع قومي في البداية على الأقل وهو بقرار سيادي سياسي من السلطة القومية، وعليه، فإن مسألة العروبة مركزية في تبني هذا المشروع أو البردايم. وهذا يعني أن من يتجاهل العروبة هو في الحقيقة إما طائفي مريض، والعياذ بالله، أو قُطري، أو لبرالي متغربن، أو كوزموبوليتي يقفز عن القومية في هواء الفضاء متطايرا كالأثير. وعليه، فإن من يدعمون الدول الأخرى في محور المقاومة، اي روسيا والصين ويتجاهلون البعد العروبي هم في الحقيقة يقومون بدور المثقف الخطير. وهذا النمط الحكوماتي الدولاني السلطوي لا يمكن الركون إليه.
سابعاً: إن اشد أعداء فك الارتباط هو الكيان الصهيوني، وهذا كاف للوقوقف ضد اي تبعية/ انخراط/ اندماج في السوق العالمية أي النظام الراسمالي العالمي.
أخيراً، مما قاله الحسن البصري إن لم تخنني الذاكرة ” السلطان هو من لا يعرف باب السلطان” . ومما قاله الشاعر شكسبير “إن من يرتبط بالحاكم كمن يعوم على قربة خيط فتح بابها بيد الحاكم حيث يغرقه متى شاء”.
وعليه، فالمثقف المشتبك هو الذي يبدا بفك الارتباط من بلده ويتحالف مع الحلفاء ولكن دون أن يصطف في موقع الأداة ولو عن سذاجة وحماسة.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.