سوريا وركائز نهضة عربية مستقبلية: ملاحظات أولية (الجزء الأول)، د. أشرف البيومي

أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيوفيزياء بجامعة ولاية ميتشجان سابقاً

والكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية سابقاً 

نشرت الدراسة كأحد بحوث كتاب:

” سورية في مواجهة الحرب الكونية، حقائق ووثائق”

 

ملخص وعناصر الموضوع:

 

تبدأ الدراسة بالتأكيد علي أن صمود سوريا التاريخي الذي جعلها علي مشارف  انتصار كبير قد ولد طاقة معنوية هائلة كتلك التي تولدت في أماكن وعصور أخري علي أثر تحديات تاريخية ناجحة. من المتوقع منطقيا توظيف هذه الطاقة الجمعية من أجل نهضة سورية شاملة لعلها تكون نواة لنهضة عربية مستقبلية.

 

تعتمد الدراسة علي منهج المعالجة الشاملة الذي يستوجب البحث في جوهر الصراع المحتدم في أمتنا العربية وعلاقته القوية بالصراعات الدولية مما يتطلب فهم معمق لآعداء الأمة العربية وعلي رأسها الإمبريالية ومشاريعها الحالية، وكذلك مخططات الكيان الصهيوني، ذراع الامبريالية، ودور دول الرجعية العربية ودوافعها.  فبعد تقديم بعض المعالم الرئيسية لتطور الأحداث في سوريا بدءا بإملاءات كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق عام 2003، والتي رفضها النظام السوري، نعرض لمحات حول “اعلان دمشق” النيوليبرالي عام 2005 والتطورات المتلاحقة بعد ذلك.

 

 تتناول الدراسة الإجابة علي تساؤل مهم حول أسباب استهداف الإمبريالية والكيان الصهيوني والرجعية العربية لسوريا. تكمن أهمية ذلك في أن نفس الأعداء الثلاثة لن يتراجعوا عن مآربهم والاستمرار في عرقلة نهضة سوريا بأساليب مختلفة مما يسوقنا إلي عرض نبذة حول علاقة أزمة الرأسمالية العالمية والتطورات السياسية والاقتصادية العالمية  بالعدوان علي سوريا. كما يتطلب التحليل مراجعة سريعة للمكونات الأساسية للإمبريالية: من خصوصية العالم الرأسمالي الحديث إلي استراتيجية الإمبريالية نحو الأمة العربية خصوصا السياسات التبشيرية بالديمقراطية ومشاريع الهيمنة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمشروع الشرق أوسطي الكبير. كما تتناول الدراسة بعض أدوات الإمبريالية لإضعاف المجتمعات العربية والهيمنة عليها ومنها التمويل الأجنبي لما يسمي “منظمات المجتمع المدني”. وبالنسبة لعلاقة الامبريالية بالرجعية العربية تطرح الدراسة تساؤلاً مهماً وهو لماذا تعادي السعودية  بصفة خاصة الدولة السورية؟

 

بعد هذا العرض السريع للأحداث وملابساته، وبينما بعد أن أصبحت سوريا علي مشارف الانتصار، ننتقل ألي قلب الموضوع والسؤال الأهم : ماذا بعد؟   هنا تحدد الدراسة وتناقش ركائز النهضة الشاملة التي لابد من اكتمال أغلب عناصرها حتي تحقق النتائج المرجوة والممكنة. تتلخص هذه العناصر في

  • دعم الاستقلال والانتماء الوطني
  • إرساء قواعد العدالة الاجتماعية التي تهدف إلي تحقيق معيشة كريمة وعادلة لعموم الشعب،
  • اتباع منهج الاعتماد علي الذات والتنمية المستقلة والتعاون المتكافيء
  • تعمبق أسس المجتمع العلماني متعدد الأديان والطوائف والمذاهب
  • توظيف العلم بشكل أساسي في التنمية
  • نشر المنهج العلمي (المنطق) كاساس ثقافي
  • خلق مناخ يشجع علي الابداع في كافة المجالات
  • توسيع دوائر الحوار وضمان حرية النقد
  • احترام الموروث وحرية الاقتباس الملتزم
  • إعلام يخدم ركائز النهضة ويشجع الحوار
  • تبني شعارات ونشر قيم وأخلاقيات متناسقة مع مشروع النهضة
  • ثقافة شعبية رائدة تخلق مناعة فكرية ضد التطرف الديني والمذهبية 

 

تقدم الدراسة مقترحات عملية لتعميق الانتماء ومواجهة الفكر المتطرف ونشر المنهج العلمي في التفكير منها نموذج لبرنامج تليفزيوني يعمق الثقافة العلمية  ويجذب الشباب إلي التخصص في المجالات العلمية

 

  تركز الدراسة علي مكون أساسي للنهضة وهو تقدم البحث العلمي والتصنيع المحلي المعتمد  علي التكنولوجيات المتقدمة ونشر المنهج العلمي في التفكير. ومن أجل تسلسل القراءة وضعت تفاصيل هذا الجانب وجوانب أخري في ملاحق خاصة كما يلي:

  • ملحق رقم 1  مخاطر منظمات المجتمع المدني الممولة أجنبيا كأداة للهيمنة
  • ملحق رقم 2  المنظومة العلمية كأداة للتقدم وكمصدر للثروة والقوة
  • ملحق رقم 3 مشروع برنامج تليفزيوني يعمق الثقافة العلمية  والمنهج العلمي

 

 

الجزء الأول

 

تولد طاقة معنوية كبيرة

 

لقد تولدت طاقة هائلة في سوريا علي أثر صمود أسطوري وانتصار علي الأبواب. هذه الطاقة المعنوية أكبر كثيرا من مصادر الطاقة المادية المختلفة التي تنير الأضواء وتدير المصانع وتشغل القطارات والسيارات والطائرات لكونها طاقة تحرك المجتمع وتستنهضه ليحقق نهضة وتقدم تاريخي كبير. عمقت الأحداث لدي الملايين من مكونات الشعب السوري المختلفة قناعة بأن أمن كل مكون مجتمعي مرتبط بقوة بأمان الجميع مما يتطلب توافقهم ووحدتهم. أدت هذه القناعة إلي فشل محاولات تفجير الصراعات الطائفية والمذهبية بشكل واسع. لايعني ذلك أن الحرب خلفت آثارأً سلبية في عقول اللآلاف من الشباب الذين مارسوا العنف والتعصب والتي لابد من معالجتها.

كما لايخفي علي أحد، بما فيهم الأعداء، أن الجيش العربي السوري يخرج من المعركة أكثر وحدة وعزيمة و قوة، ناهيك عن الخبرة الهائلة المكتسبة. ويمتد هذا القول علي محور المقاومة الذي اصبح أكثر اتساعا وخطورة علي الأعداء.

إن السؤال المحوري هو كيف ستوظف سوريا هذه الطاقة الهائلة من أجل نهضة تصبح نموذجا لنهضة عربية شاملة؟ وماهي ركائز هذه النهضة المنتظرة وكيفية ضمان تجمع عناصرها الضرورية لتتخذ مسارا يصب في مصلحة سوريا ومحيطها العربي.

لقد انطلقت طاقات معنوية كبيرة في أزمنة وأماكن مختلفة من العالم أدت الي تحريك وانجاز قفزات اجتماعية واقتصادية. لكنها اختلفت فيما بينها من حيث مدي الاستفادة منها واستمراريتها والنجاح وأحيانا في إجهاضها. فالانطلاقة الهائلة بعد تأميم القناة وتحدي الاستعمار والتي امتدت إلي العالم العربي تم انهائها بل عكس مسارها بتبني نهج كامب دافيد.  

أمامنا أيضا مثال آخر وهو انطلاق الصين بعد نجاح ثورتها العظيمة التي حولت شعب الصين من شعب استهدفه الاستعمار بحرب “الأفيون”،يموت فيه الملايين من الجوع والحاجة، ويباع فيه الأطفال لسد جوع الاباء الي قوة اقتصادية كبري لعلها الأهم دولياً الآن.  وهناك كوبا التي تحدت العملاق الأمريكي والتي حققت انجازا خلاقا في مجال توظيف العلم المتقدم في تحقيق مستويات عالية لصحة مواطنيها.

وفي عالمنا العربي كان التحدي للهيمنة العثمانية والاستعمار الغربي له ومضات هامة لكنها لم تستمر. لاشك أننا أمام حدث تاريخي لا يتكرر كثيرا، يحمل احتمالات ايجابية كبيرة ويتعرض لمحاولات  اجهاضية كبيرة أيضا  نحن امام معركة قادمة لا تقل ضراوتها ومخاطرها عن الحرب التي تعرضت لها سوريا،تحديات، نعم لكن أيضاًاحتمالات نهضة عارمة.

 

محاولات لاجهاض وتفتيت هذه الطاقة الهائلة

 

لم تغير بعد امريكا أهدافها في سوريا فمن المتوقع أن تستخدم الألاعيب السياسة لتعويض خسائرها. فتحاول التاثير علي مجريات الأمور بحجة حماية الأقليات من خلال دستور طائفي. وما يسمي “بالديمقراطية التوافقية”  فكما كتبت د.صفية انطون سعادة (في دراستها عن العروبة والتحدي الامريكي والصهيوني:

 و”لقد نجح بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق بع احتلاله في مسعاه بعد أن وضع دستورا يحاكي  التقسيمات الاثنية والمذهبية.”  فتتحول الدولة الي حلبة صراع بين “أقليات” و”أكثرية” طائفية لا امكان لتغييرها لأنها تقسيمات عمودية بدلا من أن تكون الأكثرية هي أكثرية المواطنين الذين يدعمون برامج سياسية واقتصادية واجتماعية مقابل أقلية تطالب بتنفيذ برنامج آخر” وهكذا “يتم الغاء ارادة الشعب الواحد بعزل عناصره بناء علي المبدأ الطائفي أو الاثني،وبذلك يتم القضاء علي الأمن القومي لبلاد الشام وتصبح كل فئة تنشد مصالح مرتبطة بالخارج وتعمل ضد الفئات الأخري.”

وفي دراسة بعنوان” ماذا تريد أمريكا من سورية؟ ولماذا تكره القومية العربية؟  يشير د . منير الحمش إلي

أن تمسك سوريا بالقومية العربية هو من أسباب العداء لسوريا. كما أن موقع سورية الاستراتيجي علي حدود كلا من اسرائيل وتركيا ومرور انابيب النفط من العراق يبرز اهميتها الكبيرة. كما يؤكد أن وسائل اضعاف الدولة التي تهدف إليه قوي الهيمنة لا تقتصر علي دعم الارهاب فيحذر  من” التمادي في تطبيق توصيات ونصائح الصندوق الدولي والبنك الدولي والاتحاد الاوروبي في تحويل الاقتصاد السوري نحو اقتصاد السوق والدولة واللبرلة…مما يؤدي الي اضعاف الدولة  ….بهدف الانقضاض علي سورية كدولة وكدور” كما تحاول قوي العدوان ألي “تحويل الأزمة السورية الي حالة مستدامة ومفتوحة”.

من الواضح أن موقف سورية بعد اكتوبر 73 مغاير تماما مع مصر فسوريا رفضت منهج الإرتماء في أحضان أمريكا بحجة امتلاكها لأوراق اللعبة مما أدي إلي مناصبتها العداء. لابد من التأكيد أن الأهداف الأمريكية وحلفائها تتناقض تماما مع أي مشروع قومي عربي تحرري تقدمي. كما أن مشاريع  الإسلام السياسي تتلاقي في جوانب أساسية مع المشروع الأمريكي كما أكدت في دراسة سابقة حول فكر وسلوك الاخوان المسلمين. من هذه الجوانب التوافق علي نهج اقتصاد السوق،والنيوليبرالية السياسية التي تختزل الديمقراطية في صناديق الانتخابات، و التي تهمل القضايا الوطنية وتكرس التبعية لأمريكا، والتعايش مع إسرائيل كدولة لليهود (راجع خطاب الرئيس السابق محمدمرسي الذي وجهه إلي” صديقه العزيز” شيمون بيريز) والترابط مع الرجعية العربية التي تعد  رافد منها.

 

 

معالم هامة في مسلسل الاحداث في سوريا:

 

لم تتواني الامبريالية عن مواجهة سوريا وحصارها والتربص بها منذ عقود، فمؤامرة الانفصال عام 1961 حاضرة في الذاكرة. بدأت المواجهة الحديثة بعد احتلال العراق عندما أصدرت الإدارة الأمريكية المنتشية باحتلالها للعراق املاءات رفضتها الحكومة السورية. تضمنت هذه الإملاءات فصل علاقتها مع إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، البدء بعملية السلام مع الكيان الصهيوني، الانضمام للسوق العالمية. نشرت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر في 28 ابريل عام 2003 تحت عنوان كبير “سوريا المحطة التالية” تهديداتها المصحوبة بالإدعاءات المعهودة من تملك أسلحة كيمائية ودعم الارهاب..الخ

 

1- اعلان دمشق النيوليبرالي

 

في عام 2005 وقع عدد من الشخصيات السورية المعارضة من الإسلاميين والليبراليين السوريين وثيقة “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”. تدعو الوثيقةإلى إنهاء حكم أسرة الأسد لسوريا واستبداله بنظام ديمقراطي. كان الاعلان بمثابة صيغة توفيقية بين قوى وطنية علمانية متعددة وحزب الأخوان المسلمين السوري.

     جاء الإعلان مليء بالتناقضات والمفارقات، فأكد على أهمية الإسلام كدين للأكثرية، وفي نفس الوقت أكد على مساواة شاملة في حقوق المواطنة بغض النظر عن الإنتماء العرقي أو الطائفي. كما جاء البيان خاليا من توقيع مثقفين مسيحيين مؤكدا بهذا علي غلبة الاسلام السياسي فيه. يتصدر البيان الجملة الآتية : “تتعرض سورية اليوم لأخطار لم تشهدها من قبل، نتيجة السياسات التي سلكها النظام”. فالبيان يغفل تماما أي دور للإمبريالية الأمريكية في تعرض سوريا للأخطار هذه، كما غاب أي ذكر للسيادة الوطنية المهددة ، وبذلك أفصح البيان عن توجهه كبيان نيوليبرالي بامتياز. ومن المدهش أن يجيء ذلك في نفس الوقت التي تتصاعد التهديدات الصريحة لسوريا! وهذا وحده يوضح انحياز فكري للدول الامبريالية من جانب الموقعين عليه ، كما ينبيء بمواقفهم الغير وطنية لاحقاً من رفع شعار “أسبوع الحمائة الدولية”، وتشجيع الإنشقاق عن الجيش الوطني السوري. جاء في البيان فقرات تغازل فيها دول الهيمنة الغربية بالتأكيد علي “الالتزام بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، والعمل ضمن إطار الأمم المتحدة وبالتعاون مع المجموعة الدولية على بناء نظام عالمي أكثر عدلاً…”.

انضمت الإخوان المسلمين إلي تحالف إعلان دمشق، في تناسق مع عداء الجماعة الشديد والقديم للنظام السوري (فقد حاولت اغتيال الرئيس حافظ الآسد واتهم النظام جناحها العسكري “الطليعة المقاتلة” بتنفيذ مذبحة طلاب مدرسة المدفعية في حلب. قامت الدولة بمواجهتهم بشكل عنيف في مدينة حماة).

في منتصف مارس 2011 قامت مظاهرات بمدينة درعا واتهم الغرب النظام بتعذيب أطفال شاركوا فيها رغم غياب براهين علي ذلك. أدي تناقل الاخبار الي انتقال الحراك ضذ النظام الي اللاذقية وبنياس. رد الرئيس السوري علي هذه التظاهرات بلغة الحوار ولكن ظهر السلاح المخبأ في الأنفاق وبدأت انشقاقات محدودة في الجيش السوري. بادرت جماعة الإخوان باعلان مراقبها العام من اسطنبول ب”إدارة الاحتجاجات والمشاركة فيها بفاعلية” كما كانت وراء أعمال العنف عندما انضمت إلي جبهة الخلاص الوطني بزعامة نائب الرئيس السابق عبدالحليم خدام، لكنها انفصلت عنها عام 2009. شاركت غالبيّة الموقّعين على إعلان دمشق في مؤتمري أنطاليا وإسطنبول وتم تشكيل المجلس الوطني السوري في أكتوبر 2011 الذي زعم تمثيل الشعب السوري. دعي المجلس إلى التدخّل العسكري الخارجي وظل يرفض الحوار مع النظام. وفي الوقت نفسه قام أحد أعضائه البارزين باستقبال السفير الأمريكي روبرت فورد بمكتبه مما أثار غضب الوطنيين، ناهيك عن الاتصالات المريبة لآخرين من المعارضة.

برز فجأة ما سمي ب”المرصد السوري” الذي رأسه رامي عبد الرحمن ذات الصلة بالاخوان المسلمين والمقيم بلندن. أصبح المرصد بسرعة مرجعا أساسيا لأخبار سوريا لوكالات الأنباء العالمية. تم تمويله من منظمات غير حكومية  ومركز دراسات حقوق الانسان برئاسة رضوان زيادة عضو المجلس الوطني. نشر العديد من الأخبار والصور الكاذبة التي ساهمت بشكل فعال في خداع الملايين. ورغم قيام الحكومة السوري بتغيير الدستور وتنظيم استفتاء عليه في مارس 2012 ، (كان كاتب هذه الدراسة شاهدا عليه) لكن الغرب حكم عليه مسبقا بعدم أهميته.

يجدر بالذكر أن الإدارة الآمريكية تستخدم الحرب النفسية والاعلامية بمهارة لتحقيق مآربها الخبيثة ونشر الشعارات الكاذبة أهمها “بشارقاتل شعبه” والذي يذكرنا بوصف عبد الناصر ب”هتلر النيل”. هذا بالاضافة الي الحصار الاقتصادي ومحاولات لضرب العملة السورية، والمساعدات اللامحدودة استخباريا ولوجيستيا، وتوفير أدوات عسكرية متقدمة.

كان تفجير الطائفية هدفا اساسيا للعدوان ومن هذا المنطلق جاء احتلال قرية كسب سوريون من أصول أرمنية والعدوان علي قرية معلولا المسيحية وشعارات ” المسيحية علي بيروت والعلوية علي التابوت”. ولا يمكننا أن ننسي الجرائم البشعة التي ارتكبتها داعش الارهابية المدعومة امريكيا في حق الشعب السوري وعلي رأسها جريمة إعدام عالم الآثار خالد الأسعد في أغسطس 2015 وقطع رأسه، ووضع رأسه على الأرض تحت جثته التي علّقوها على عامود كهربائي في ساحة تدمر الرئيسية.

استمر مسلسل التآمر وعمليات التفجير والاغتيالات والذي راح ضحيته كبار القادة مثل اللواء حسن توركماني وداوود راجحة ثم الشيخ سعيد البوطي. وبدلا من إدانة هذه الأعمال الإرهابية شكك الإعلام الغربي بأن النظام قام بارتكابها.

 

لا شك أن الانفتاح المحدود علي اقتصاد السوق ساعد علي اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء الذين استفادوا من هذا “الانفتاح” الاقتصادي مما أدي إلي تفاقم المشاكل، كما ساعد علي تصاعد نشاط الاسلام السياسي خصوصا بين الشباب. لاحظ الكاتب في زيارته لجامعة بالرقة وأخري بالقرب من دمشق أن الخطاب الوهابي منتشر بين طلاب هذه الجامعتين والذي تشابه بقوة مع الخطاب السائد في جامعات مصر بعد كامب دافيد و”الانفتاح الاقتصادي” مما أدي الي استنتاجه بأن مصدر الخطاب والتمويل واحد كما تشابهت نتائجه. وكان الفراغ الثقافي احد الأسباب الهامة التي سمحت بذلك في كلتا الحاتين. أدي ذلك الي سيادة الاخوان المسلمين والسلفيين في الحراك الشعبي بمصر عام 2011 وفي سوريا كان قوي الاسلام السياسي المتربص بالنظام منذ عقود المحرك الأساسي للتمرد.

 

تطورت الأحداث حتي أصبحت سوريا محورا للنزاع العالمي علي الصعيد الجيوسياسي والصعيد الاقتصادي، خصوصا خطوط نقل الغاز والنزاع الاقليمي بين السعودية وايران حليفة سوريا.. كما أصبحت روسيا داعما محوريا لسوريا لأسباب عديدة منها أنها تحمي نفسها من الإرهاب خصوصا وأن أحداث الشيشان في ذاكرتها الحية وأن اعداد كبيرة من الارهابيين جائوا من الجمهوريات الاسلامية المتاخمة لروسيا. يؤشر كل ذلك إلي أن نتائج الصراع في سوريا سيكون له تبعات هائلة و محورية حول الوضع الدولي وترجع الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد يدير العالم

 

2– مواقف مخجلة ل”لمثقفي النخبة”

 

     لا شك أن بعض “المثقفين” انجرف تحت تأثير هجمات إعلامية مغرضة وغير مسبوقة وشكلوا آرائهم اعتمادا علي انطباعات وليس بإعمال المنطق والاعتماد علي حقائق موضوعية وتقارير ودراسات عديدة من أطراف متعددة وهي متاحة للجادين و لمن يريد تكوين رأي علي أساس علمي . ولأننا في عصر الضحالة الثقافية وعدم الاستناد إلي المعرفة ذات الأبعاد التاريخية والاستراتيجية، وهيمنة إعلامية مرئية، فليس من الغريب أن يقع البعض فريسة للدعايات والمقولات والمصطلحات المغرضة. البعض  ينسي او يتناسي الصورة الكلية وكيف ان سوريا تتعرض لهجمة شرسة من قبل الثلاثي البغيض: الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية.أليس من المخجل أن “مثقفا” يرفع  شعار الناصرية يسمح بتوظيفه من قبل الاخوان المسلمين بمصر لسحب السفير المصري من سوريا! 

 

3- حول “نظرية المؤامرة”

 

يكرر الكثيرون دون وعي أو تحقيق مقولة “نظرية المؤامرة” للتهكم علي الذين يؤكدون التآمر علي سوريا. لقد أثرت هذا الموضوع من قبل ( دراسة بعنوان التآمر علي سوريا بين الحقيقة والوهم في 3 اكتوبر 2012) مذكرا ما قاله الجنرال ويسلي كلارك القائد السابق لحلف الناتو أن “خطة حملة الخمس سنوات.. شملت سبع دول بدءا بالعراق ثم سوريا ولبنان وليبيا وإيران وصوماليا والسودان” انظر كتاب انتصار في الحروب الحديثة Winning Modern Wars, W. Clark  صفحة 130. ليس هناك من شك بأن زعزعة استقرار سوريا ولبنان هو جزء من مخطط امريكي-اسرائيلي-حلف الناتو منذ عشر سنوات علي الأقل.

ألم تعترف الصحافة الغربية (واشنطن بوست، نيويورك تايمز والإندبندت وغيرها)  أن هناك مجموعات مسلحة مناوئة للنظام؟ وأن هناك تمويلا لمنظمات سورية معارضة بما في ذلك قناة تليفزيون بردي؟ (راجع تصريحات تامارا واتس مساعدة وزية الخارجية الأمريكية في الواشنطن بوست 14 إبريل 2011) ألم يقرأ المعارضون الوطنيون تصريحات رسمية أمريكية في 13 يونيو 2011 في صحيفة النيويورك تايمز عن مسلحون إسلاميون يسيطرون  في الشمال الغربي من سوريا؟ ذكرت الصحيفة أن الإخوان المسلمين يتهمون أي شخص يتحدث عن المجموعات المسلحة وتواجدهم المكثف يأنه مواليا للنظام السوري؟ ماذا كان يفعل ليون بانتا رئيس المخابرات الأمريكية علي الحدود التركية السورية في 26 إبريل 2011 ؟

ألم تعلن الإدارة الأمريكية مرارا أن سوريا هي جزء من محور الشر مع إيران وكوريا الشمالية وبذلك حلت محل العراق بعد احتلالها عام 2003 بحجة أن أسلحة من شمال كوريا تهرب إلي حماس وحزب الله؟ أليس هذا متناسقا مع شيطنة أعداء الإمبريالية؟  ما معني ذلك واقعيا؟ حصار اقتصادي، تآمر سياسي وأمني، وإذا لزم الأمر تدخل أو اجتياح عسكري. الم يتبع ذلك اتهام المسئولين السوريين بضلوعهم في مقتل رفيق الحريري حتى أصبحت المحاكمة الدولية والإعداد لها قضية القضايا وتتابع رؤساء لجنة التحقيق الدولية من ميليس إلي براميرتز إلي بيليمار؟ ألم ينكشف زيف الادعاءات والشهود الزور؟ الم يتحول الاتهام فجأة من القيادات السورية إلي حزب الله ؟ لا يحتاج المرء ان يكون عبقريا حتي يدرك ما تخطط له قوي الامبريالية وحلفائها، سواء الكيان الصهيوني أوالحكومات العربية الرجعية. ففي ذلك الوقت أعلن وولسي رئيس المخابرات الأمريكية ال CIAالسابق أن استهداف العراق سيتبعه سوريا ثم مصر الذي وصفها “بالجائزة الكبري”. فها هي مجلة التايم الأمريكية القريبة من صناع القرار تعلن في عددها الصادر يوم 28 إبريل 2003 بالبنط الضخم كما ذكرت سابقاً “المحطة التالية : سوريا؟”

 

أهداف المشروع الإمبريالي الصهيوني وأسباب معاداة سوريا

 

من المهم أن نحلل الواقع والأحداث مستندين إلي المنهج العلمي حتى تتضح الأمور. هذا التحليل الواعي لا بد وأن يعتمد على النظرة الشاملة المتكاملة ، حيث أن التحليل الذي ينطلق من نافذة زمنية أو مكانية أو تخصصية محدودة هو بالضرورة تحليل اختزالي تجزيئي يضمن تكرار أخطاء سابقة والوقوع في أخطاء جديدة. ولابد أن يتضمن هذا التحليل معرفة دقيقة بأعدائنا وبمخططاتهم التي يسعون الي فرضها علينا.  وكما يذكر سعود قبيلات في دراسته ” أن تحديد جوهر الصراع وطبيعة المرحلة الحالية يحتل اهمية مركزية ، فالناس لا يستطيعون أن يكونوا فاعلين في حركة التاريخ ومؤثرين إلا إذا فهموا جيداً واقعهم، وطبيعة اللحظة التاريخية التي هم فيها وآفاقها وممكناتها، وعملوا ضمن مساراتها الموضوعية واتجاهاتها المضمرة وألياتها المتوفرة. بخلاف ذلك، فهم يتركون انفسهم نهبا لرياح التاريخ العاصفة لتلعب بهم كيفما اتفق وتجرفهم في فوضي احتمالاتها.”علينا إذاً أن نجيب علي التساؤل: لماذا تعادي أمريكا والكيان الصهيوني والرجعية العربية سوريا؟

 

كما هو الحال بالنسبة إلى مناطق متعددة من العالم، يهدف المشروع الإمبريالي ، إلى فرض الهيمنة على الأمة العربية واستغلالها اقتصاديا وتسخير طاقاتها البشرية لحسابه، وما ينتج عن ذلك بالضرورة من تعميق لهوة التخلف والتدهور والتشرذم. يتحقق هذا الهدف عبر العلاقات البنيوية للإمبريالية التي تخلق عقبات أمام أي مشروع تنمية مستقل أو شبه مستقل، ثم إجهاضه ووئده. هكذا يمنع المشروع الأمريكي أي محاولة جادة من أجل وحدة عربية شاملة أو جزئية. وكما نتج عن الاستعمار من قبل، يمضي الآن المشروع الإمبريالي ورديفه الصهيوني في تفتيت الأمة العربية ودفعها نحو خلافات تصل إلى حد الحرب الأهلية، والزج بها نحو قضايا جانبية أو وهمية و السعي إلى هزيمة الإرادة العربية وطمس الذاكرة الوطنية ومحوها، بل وتشويهها وترسيخ مفاهيم انهزامية وتعميق الشعور لدي الشعوب العربية ومثقفيها بأن القومية العربية قد هزمت وانتهت. وتحاول الإدارة الأمريكية بدعم من الكيان الصهيوني العنصري، ومن دول الرجعية العربية، إلي استكمال مشاريعها تحت المسميات المختلفة من مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد ومشروع بوش الصغير وغيرها وفرضها على الدول العربية بحجة نشر الديمقراطية واستئصال بذور الإرهاب و إخراج العالم العربي من التخلف.

لقد دأب النهج الإمبريالي على حصار أي نظام وطني عربي واستغلال بعض أخطائه، وفى التوقيت المناسب حصاره وإدانته ثم إزاحته. في نفس الوقت عملت قوي الهيمنة على مساندة الأنظمة العربية التي تنتهج سياسة خارجية قوامها الرضوخ والتبعية لها في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية رغم تناقض هذه السياسات مع  آمال الشعوب العربية وطموحاتها.

وعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي فقد عملت قوي الهيمنة اليوروأمريكية حثيثا على خلق طبقة رأسمالية تابعة موالية للعولمة الإمبريالية ومتناسقة مع أهدافها المستندة إلي تقسيم العمل دوليا وضمان تراكم رأس المال لمصلحة الرأسمالية العالمية.

ومن البديهي أن سياسة الهيمنة لا تتوقف إلا عندما تكون هناك مقاومة فعالة تكبد القوي المهيمنة خسائر كبيرة والتاريخ يؤكد علي أن الاستبداد والقهر والافقار والاستعمار يواجه مقاومة وأن المقاومة الجادة رغم الصعوبات الهائلة تؤدي الي الانتصار.

خصوصية العالم الرأسمالي الحديث

 

  • ¨ إن المظاهر الثلاث للرأسمالية العالمية هي: الاستقطاب، الطابع الدوري والغير دوري، وسياسات الهيمنة التي اعتملت في صلبها.
  • ¨ غلبة العامل الاقتصادي وتحول السياسة إلى اقتصاد مكثف والثروة إلي مفتاح السلطة بعد ان كانت السلطة مفتاح الثروة.
  • ¨ تباين بين مراكز النظام الرأسمالي وأطرافه، يؤدى إلى إفقار ملازم للتراكم وإلى نزاعات كبرى نتيجة لهذا الاستقطاب سواء من شعوب الأطراف في شكل انتفاضات، أو بين المراكز المهيمنة المتنافسة.
  • ¨ إن آلية النسق الرأسمالي تؤدى إلى استقطاب تراكمي مما يعنى بالضرورة التخلف في الأطراف من خلال نزيف رؤوس الأموال منها إلى المراكز،الهجرة الانتقائية للعمال المهرة ونزيف العقول وهيمنة المركز المهيمن في التقسيم العالمي للعمل.
  • ¨ ومن هنا يصبح فك الارتباط (وهو أمر مختلف تماما عما يسمي بالانغلاق ) أمر لا مفر منه، أما ما يقال أنه لا يمكن الإفلات من مقتضيات العولمة ولا يمكن أى تطور مستقل خارج هذا النسق فهذا في الحقيقة محاولة إخضاع و إلغاء لفكرة تغيير العالم والقبول بأسطورة نهاية التاريخ.
  • ¨ إن اعتبار الدول القومية التي تحررت من الاستعمار أن هدف التطور هو اللحاق بالنسق العالمي وان هذا يتم بسياسات مناسبة كالتصنيع والتأميم قد فشل. إن البديل الناجح رغم صعوبته يتبني منهج الإعتماد علي الذات وتبني أولويات منبثقة من الواقع المحلي.
  • ¨ اعتماد أمريكا وتوظفها لتفوقها العسكري لتعويض أزمتها الاقتصادية.

 

 

السياسات التبشيرية بالديمقراطية

     نقيضا لشعارات الدمقرطة التي تزعمها هذه الإستراتيجية فإن الواقع يؤكد علي أن هدف قوي الإمبريالية هو غاية في الوضوح وهو التلاعب بآليات الديمقراطية الليبرالية لتعمبق التبعية وتدعيم منهج الليبرالية الجديدة “النيوليبرالية”الذي يدعو علي المستوي الاقتصادي  الي الخصخصة وتقليص انفاق الحكومة الاجتماعي، ومعارضة نقابات العمال واتباع منهج التسرب من أعلي للآسفل Trickle Down Theory فينعم الجميع. ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما من تملك معظم الثروة لشريحة محدودة من السوبر أغنياء واتساع الفقر والفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير و تقليص دور الدولة وما تقدمه من خدمات عامة صحية وتعليمية وغيرها. وترافق مع ذلك أخلاقيات  الجشع والانانية والذاتية وتسليع كل شيء حتي الثقافة أصبحت سلعة واختزل المواطن كمجرد مستهلك  وعلي مستوي الاقتصاد العالمي أدي هذا النهج إلي رفع الضوابط عن التجارة الدولية وتنقل رؤوس الاموال. وعلي الصعيد السياسي فالداعمين للنيوليبرالية لا يحترمون القانون الدولي ولا مفهوم السيادة الوطنية والاستقلال الوطني مما يفتح الباب علي مصراعيه للتدخل في شئون الدول بل وتبني حروب بالوكالة عبر العملاء والارهابيين وتخريب الدول التي لا تمتثل لإرادة قوي الهيمنة العالمية.

أن الإدارة الأمريكية تراهن علي قدرتها في التأثير والتلاعب بوسائل مشروعة وغير مشروعة بحكومات ذات مظهر وملامح ديمقراطية ووجه اسلامي معتدل! يخدم مصالحها بدرجة ربما تكون أكثر فاعلية واستمرارية عن سابقتها من الحكومات الدكتاتورية.

ومن الوسائل الجديدة التي تستخدمها الإدارة الأمريكية بنجاح كبير في العقدين السابقين هي ما يسمي بالمنظمات الغير حكومية ( راجع ملحق رقم 1) اوالتي تمولها بسخاء كبير إما مباشرأً أو عن طريق الاتحاد الأوروبي. لقد اتضحت التأثيرات السلبية لهذه المنظمات في بعض المجتمعات العربية مثل مصر وفلسطين من تفتيت وإفساد واحتواء العديد من المثقفين ومن تشويهها للعمل الأهلي ومن مفهوم الديمقراطية ذاته. كما ظهر دورها فيما يسمي بالربيع العربي الذي ثبت واقعيا أنه ربيع زائف و ربيع دموي.

     إنه في غاية الأهمية أن نؤكد بديهية يجب أن تكون واضحة دوما وهي أن مخططات الإمبريالية ليس لها حتمية النجاح خصوصا إذا كانت هناك مقاومة شعبية ذات إرادة صلبة وحكمة معرفية وأن النضال عملية مستمرة بالرغم من المعوقات وقدرات القوي المهيمنة.

 

مشاريع الهيمنة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمشروع الشرق أوسطي الكبير

 

     شاهدنا من قبل سيل من المبادرات والمؤتمرات والندوات واللقاءات التليفزيونية والصحفية لحشد التأييد لأحد النسخ الأصلية أو المعدلة لمشروع شرق أوسطي جديد أو كبير. ومن الملاحظ أن هذه المبادرات جميعها من إخراج وإنتاج إمبريالي بجناحيها الأمريكي الفج والأوروبي الأكثر دبلوماسية والذي تستخدمه الولايات المتحدة في تقديم الجرعات المرة بأسلوب ملطف

     ومن المناسب في ظل كل هذه المغالطات والمنطق الكاذب التأكيد علي ما كتبه أستاذ الاقتصاد فوزي منصور معبرا عن رأي المثقفين المصريين المناهضين “للتطبيع” ولمشروع بيريز الشرق الأوسطي:   “إن هذا المشروع ينتمي تاريخيا، لا إلي “المستجدات الدولية” ولا “للنظام العالمي الجديد” كما يقال، وإنما إلي محاولات الوأد المتكرر لمشروعات النهضة العربية  بدءا بمشروع محمد علي وانتهاء بمشروع عبد الناصر والخوف الدائم من تكراره. والمشروع الشرق أوسطي هو من هذه الناحية الامتداد الطبيعي لوعد بلفور وإعلان دولة إسرائيل، والمرحلة النهائية علي طريق إقامة دولة إسرائيل العظمي المسيطرة إقليميا”.

      وتأخذ هذه الهيمنة أشكالا مختلفة مثل عقد معاهدات رسمية مع دول عربية تؤدى عمليا إلي عزل القوة العسكرية لهذه الدولة وخلق مناطق منزوعة السلاح بضمانات أمريكية وفرض “تطبيع علاقاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية” مثل معاهدة كامب دافيد والتي مر عليها ربع قرن والتي تتضح تداعياتها علي الساحة العربية كل يوم.

     إن المشروع المسمي بالأوسطي والكبير ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، فلقد سبقه مشاريع إقليمية مماثلة بدرجات مختلفة من التفصيل. فمثلا أخرجت مجموعة من  الإسرائيليين عقب حرب 1967 كتيبا تحت عنوان “الشرق أوسط عام 2000” عرضت فيه عدة أفكار ومشاريع عامة وهناك مشروع  الشرق أوسط/ بيريز ومشروع التعاون الإقليمي الذي تبناه نتنياهو . تتشابه كل هذه المشاريع في أهدافها و معظم مخططاتها بما في ذلك شبكة من البنية التحتية الإقليمية تجعل من إسرائيل المركز العصبي للنشاط الاقتصادي في المنطقة تشمل  طرق مواصلات وأنابيب مياه وبترول  وخطوط كهرباء تربط إسرائيل بالعالم العربي وتركيا ومشاريع تنموية وسياحية مختلفة وأسواق مشتركة وشبكة معلوماتية وأمنية مشتركة تجعل من الكيان الصهيوني القائد الفعلي للأمة العربية وتعتمد علي تقاسمها للعرب في الموارد العربية والمميزات الجغرافية. وبالطبع تسعي هذه المشاريع إلي حرية سوق السلع ورأس المال دون سوق العمل الذي لن يكون “حرا” بل سيكون مغلقا، كما تعتمد علي سياسات الخصخصة والتكيف الهيكلي. هذا يتناسق مع سياسات الاستغلال والهيمنة. وهذا يمثل صورة طبق الأصل للأسواق المشتركة واتفاقات التجارة “الحرة” التي تعقدها الرأسمالية العالمية مع دول العالم الثالث الأخرى مثل اتفاق التجارة الحر بين الولايات  المتحدة وكندا من جهة والمكسيك من جهة أخري ، اتفاق النافتا (NAFTA). أما نظيرها للمنطقة العربية فهي اتفاق التجارة الحرة في الشرق أوسط MEFTA الذي أعلنه بوش في البحر الأحمر بعد احتلال العراق مباشرة وفي وجود رؤساء وملوك عرب.

       وهناك أيضا مبادرة  الشراكة الأمريكية- الشرق أوسطية،Middle East Partnership  Initiative (MEPI) التي أعلنها كولن باولColin Powel  وزير الخارجية الأمريكية في  ديسمبر 2002 . تحدث  باول عن أهمية “الشرق الأوسط” للشعب الأمريكي و فوائد التجارة والاستثمار وذكر تقرير التنمية الإنسانية عام 2002 وأكد علي أن الذي كتبه مثقفون عرب وأن الذي أصدرته هي الأمم المتحدة (لاحظ استخدام المثقفين والأمم المتحدة عندما يكون مفيدا لتبرير السياسة الأمريكية) وعدد مظاهر التخلف للعرب (مثلا ان الناتج القومي ل 260 مليون عربي أقل منه ل 40 مليون أسباني. ومن الجدير بالإنتباه تأكيده علي أهمية تقوية منظمات “المجتمع المدني” وتمويلها. من الملاحظ كيف أن تقرير التنمية الإنسانية 2002 حظي باهتمام غير معهود من قبل الاعلام والحكومات الغربية( مثلا إعلان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر 2003 بترحيب الولايات المتحدة بالتقرير وعزمها لاستخدامه مع برنامج الشراكة الأمريكي،MEPI  .

     وبالطبع لم يجيء هذا الترحيب لعبقرية التقرير أو لمستجدات خارقة شملته وإنما جاء في توقيت مناسب لاستخدامه في دعم المشروع الأمريكي.

 

 

 

مبادرة الإصلاح العربي : نموذج لمشاريع الإصلاح النيوليبرالية

 

تتناغم مع المشلريع الإمبريالية الصهيونية مشاريع أخري عربية تتبني نفس المنهج حيث تستهدف إضعاف الدولة الوطنية تحت شعارات براقة ومخادعة مثل نشر “الديمقراطية” و”تمكين المرأة” و”التنمية المستدامة”. علي رأس هذه المشاريع “مبادرة الإصلاح العربي” التي تأسست عام 2005 والتي نعتبرها نموذجا لمشاريع الإصلاح النيوليبرالية ونعرض بعض الحقائق التي تعكس دلالات هامة.

 كما جاء في تقريرها السنوي عام 2010 أنها “انطلقت من توافق قائم علي الحاجة إلي إصلاح النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية” و” تعزيز الإصلاح وإرساء الديمقراطية في العالم العربي”. ذكر التقرير أن المبادرة “تستقبل مساهمات مالية من مراطز أبحاث بالدرجة الأولي وكذلك من مؤسسات غير حكومية ومن بعض شركات القطاع الخاص…..” ولم تذكر قيمة هذه المبالغ وأسماء هذه المراكز أو المؤسسات الغير حكومية أوالشركات الممولة في تناقض واضح مع مبدأ الشفافية الذي يرفعونه!! أقامت المبادرة “شراكة مع أربعة مراكز بحث أوروبية، ومشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط.” وتضم المبادرة شبكة من المؤسسات منها” المعهد الأوروبي لبحوث التعاون الأوروبي العربي، والمعهد الأوروبي للدراسات الأمنية ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ومركز أبحاث الخليج”

ومن الطريف ان المديرة التنفيذية للمبادرة هي د. بسمة قضماني التي كانت مديرة برنامج الحكومة والتعاون الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة فورد. وهي نفسها المتحدثة باسم “المجلس الوطني السوري” الذي سعي حسب زعمه إلي “إسقاط النظام، وتحقيق تغيير و بناء دولة حديثة ديمقراطية ومدنية”. استقالت قدماني فيما بعد من المجلس  متهمة إياه بفقدان المصداقية والفشل في تحقيق مهمته.

 لعبت قضماني دورا بارزا في معارضة حكومة بشار الأسد كما دعمت ما يسمي بالجيش السوري الحر . وفي برنامج تليفزيوني فرنسي ضم كتابا إسرائيليين قالت ” بالتأكيد نحن بحاجة ألي إسرائيل في المنطقة”.

كما استضيفت قضماني من قبل “مجموعة بيلديربيرج” “Bilderberg Group” عام 2012 لمناقشة مسألة إسقاط النظام السوري; وفي نفس الاجتماع نوقش توسيع الحرب في ليبيا قبل اسقاط النظام واغتيال القذافي ببضعة شهور. تضم مجموعة بيليربيرج المغلقة حوالي 120-150 من كبار الامبرياليين من شمال أمريكا وأوروبا سياسين ورجال صناعة ومال وإعلام وأكاديميين بارزين ، مثل هنري كيسنجر، لإجراء مناقشات سرية تتعلق باستراتيجيات عالمية.

 

 

المنظمات غير الحكومية كذراع للإمبريالية

 

    ومن ادوات الإمبريالية الحديثة والتي أثبتت نجاحا كبيراً هي توظيف المنظمات الغير حكومية التي تمولها لإحداث انقلابات وتغيير أنظمة. إن المنظمات الغير حكومية الممولة اجنبيا هي بمثابة ذراع للسياسة الأمريكية وهذا هو سبب رعايتها وتمويلها والدفاع عن نشاطها بل وتوسيعها. كيف يمكن إذا أن يصدق عاقل أن الإدارة الأمريكية تمول منظمات بطريق مباشر أم غير مباشر من أجل الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ؟ وكيف يمكن أن نتصور أن الاتحاد الأوروبي صادق في دفاعه عن هذه الحقوق ، بينما صمته إزاء الجرائم البشعة التي ترتكبها حليفته إسرائيل كل يوم  يدوي في الآذان.

     إن تبني قضايا هامة وجذابة مثل حقوق الإنسان، محاربة التمييز الطائفي، حماية حقوق مجموعات عرقية مثل النوبيين في مصر والكرد في العراق وسوريا، حقوق المرأة، حقوق الطفل، الصحة العامة، ..الخ   يتيح لهذه المنظمات اختراق المجتمعات لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. قد  ثبت نجاح وفعالية هذا الأسلوب من قبل الإمبرياليون بالتعاون مع الليبراليين الجدد المحليين والذين يطلق عليهم أحيانا “بالمارينز العرب”. فتاريخ الصندوق القومي (الأمريكي) للديمقراطية National Endowment of Democracy  كما جاء علي موقع الصندوق نفسه: www. NED .org يوضح تماما أهداف هذه المنظمات:

    “بعد الحرب العالمية الثانية، واجهنا تهديدات لحلفائنا من الدول الديمقراطية.. لجأنا إلي طرق مقنعة وذلك بإرسال مستشارين سريين ، أجهزة وتمويل لدعم صحف وأحزاب تحت الحصار في أوروبا وعندما عرف في الستينيات أن بعض المنظمات الخاصة الأمريكية تحصل علي تمويل سري من المخابرات المركزية الأمريكية لشن حملات فكرية في المحافل الدولية، قررت إدارة الرئيس جونسون إنهاء هذا التمويل، وأوصت بإنشاء آلية خاصة وعلنية لتمويل نشاطات ما وراء البحار علنا. …. وفي عهد الرئيس كارتر أصبح الاهتمام بحقوق الإنسان محوريا في السياسة الخارجية الأمريكية… وفي نهاية السبعينيات اقترح إنشاء منظمة غير حكومية شبه (ظاهريا) مستقلة quasi-autonomous  هدفها نشر حقوق الإنسان وإنشاء مؤسسة حقوق الإنسان والحرية Institute of Human Rights and Freedom لتقديم المعونة المالية والتقنية للمنظمات غير الحكومية في الخارج ، مثل مؤسسات الـ Stiftungen  الملحقة بالأحزاب الألمانية..  وفي عام 1979 في عهد الرئيس ريجان أنشأت المؤسسة الأمريكية السياسيةAmerican Political Foundation   لنشر الديمقراطية في العالم .. مولت المؤسسة الجديدة من الإيد AID  واقترح إنشاء الـ NED لتمويل ونشر الديمقراطية في العالم ورصد حوالي 31 مليون دولار لهذا الغرض وكان التنسيق مع وزارة الخارجية ووكالة الاستعلامات الأمريكية (  USIA) ومن أهدافها ” تشجيع تنمية الديمقراطية بالتناسق مع مصالح أمريكا والمجموعات التي تحصل علي المعونة .. وكان التمويل يتم من الـUSIA إلي NED  .. زود الكونجرس الأمريكي تمويلا خاصا للـ NED للقيام لمبادرات ديمقراطية بما في ذلك بولندا عن طريق منظمة التضامن العمالية Trade Union Solidarity وشيلي ونيكاراجوا… وشرق أوروبا للمساعدة في المرحلة الانتقالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفي بورما وجنوب أفريقيا والصين والتبت وشمال كوريا والبلقان… وبعد ذلك قامت الNED بمعونة عدد من المجموعات المدنية بما في ذلك الذين لعبوا دورا أساسيا في الانقلاب الانتخابي في خريف 2000 ، ومؤخرا بعد 11 سبتمبر رصد تمويل خاص للدول التي بها كثافة سكانية مسلمة في الشرق الأوسط و أفريقيا وآسيا.”

     برز دور هذه المنظمات ابان ما سمته قوي الهيمنة ب”الربيع العربي”.  ومن هذه المنظمات منظمة “أوتبور” التي ساهمت في الثورات الملونة مثل الثورة الوردية في جورجيا والبرتقالية في اوكرانيا وثورة البيلدوزر في يوغسلافيا والثورة الخضراء (الفاشلة) في أيران. كما أصبح معروفاً أن تدرب بعض شباب 6 أبريل المصرية في صربيا مع حركة “أوتبور” أكد “سيرجيو بوبوفيتش” زعيم حركة أوتبور أن الحركة ساهمت في تدريب نشطاء سياسيين من  عدة دول وتعمل وفقا لأجندة أمريكية تهدف إلى تغيير الأنظمة ، وأن الثورات التي تشهدها المنطقة العربية هي جزء من المخطط الأمريكي الذي أعلنه الرئيس السابق جورج بوش الابن حول الشرق الأوسط الكبير عام 2003 في أعقاب احتلال العراق.  وللمزيد من المعلومات حول مخاطر منظمات المجتمع المدني الممولة أجنبيا كأداة لاختراق المجتمع. نعود الي ملحق رقم 1 بعض مقتطفات بها.

 لماذا تعادي الرجعية العربية سوريا؟

 

للإجابة علي هذا السؤال المهم لابد أن نعود إلي تاريخ السعودية. نشأة السعودية ترتكز علي تحالف بين المقاتلين الذين فرضوا سيطرتهم علي القبائل بقوة السلاح والفكر الوهابي المتطرف الذي يعادي بشدة مذهب الشيعة ويبيح قتلهم وذبحهم.

ولعل البيئة الصحراوية والعداء النقليدي بين أهل الصحراء وأهل الحضر قد ساهمت في شراسة مقاتلي آل سعود وحلفائهم الذين نصبوا أنفسهم أمراء واجبهم العمل علي نقاء الاسلام وتطهيره من الكفار واستخدموا ذلك لتبرير القتل والنهب في تشابه كبير مع الارهاب المعاصر ممثلا في “داعش” وأخواتها.

لم يكن غريبا إذاً أن يقوم ابن سعود بمذبحة عظمي في كربلاء عام 1801 الذي قتل فيها 4000 من شيعة العراق ويفخر أحد النجديين في كتابه”عنوان المجد في تاريخ نجد” قائلا ” أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها……. فالحمد لله رب العالمين ولا نعتذر عن ذلك …”. 

إن عداء السعودية لا يقتصر علي الدولة السورية ولكنه يمتد لأي دولة عربية عصرية خصوصا إذا كانت علمانية فهذه الدول تمثل تهديدا مباشرا لكيانها المعتمد علي ملكية آل سعود للدولة وعلي فكر متطرف.يتنامي هذا التهديد بسبب ثورة الاتصالات ونمو طبقة متعلمة ومتصلة بالخارج. لا غرابة إذاً عندما نري تأييد السعودية للإرهاب القاعدي والذي توظفه أيضا الإمبريالية والكيان الصهيوني لتخريب وإضعاف الدول العربية خصوصا التي ترفض التبعية والإملاءات الأجنبية مثل سوريا.

وهناك جانب أخر لا يقل أهمية عما ذكرناه يتعلق برغبة السعودية في استمرار هيمنتها  البترولية ومشاريع نقل البترول والغاز حتي شواطيء البحر الأبيض المتوسط. يضيف هذا  الجانب إلي سياسة السعودية التخريبية في سوريا والعراق وحتي قطر. أما عداء السعودية لإيران فلا يتعلق بشيعة شعب إيران فلقد كانت إيران شيعية في زمن الشاه عندما  كانت هناك علاقات حميمية استراتيجية بين السعودية وإيران ، بل شاركت الدولتان في دعم أحلاف ضد عدو مشترك هو مصر الناصرية.

بعد فشل حلف بغداد الذي رفضه عبد الناصر أيد الملك فيصل  عام 1965 شاه أيران في الدعوة لتشكيل حلف اسلامي مؤيد لأمريكا تحت مسمي منظمة المؤتمر الاسلامي. كان العداء لناصر بذريعة أن الاشتراكية العربية كفر كما أعلنت صحيفة عكاظ السعودية بالبنط العريض في عددها الصادر في 23 مايو 1962 عندما حنونت أن “جمال عبد الناصر كافر بالإجماع” و أن “جهاد عبد الناصر فرض علي كل مسلم ومسلمة”. وهذا مثال من عديد الامثلة لتوظيف الدين في التخريب والتضليل.

ولكن الآن أصبحت إيران العدو اللدود للسعودية بعد الثورة الاسلامية في إيران وتبني الدولة الإيرانية العداء لأمريكا صديقة السعودية واتخاذها مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني بدعمها السياسي والعسكري. وفي كلا الحالتين ظلت شيعية المذهب، مما يثبت ان الصراع القائم لا علاقة له بالخلافات المذهبية كما يزعم البعض بل أنه صراع سياسي علي النفوذ. هذا الصراع المدمر والدموي والمدعوم أمريكيا يحاول تغيير طبيعة الصراع في المنطقة من حقيقة أنه عربي- صهيوني إلي أكذوبة أنه شيعي- سني وعربي أيراني ةتبرير التعاون مع الكيان الصهيوني علنا.

 

شكل عبد الناصر خطرا حقيقيا علي الرجعية العربية بقيادة أل سعود فأصبح العدو المشترك للاخوان المسلمين في مصر ولحكام السعودية بدءا بمحاولة تنحيته لصالح محمد نجيب ومحاولة اغتياله مرة علي يدالاخوان ومرة عن طريق الملك سعود الذي قدم حوالي اثنين مليون جنيه استرليني لعبد الحميد السراج رئيس المخابرات السوري للعمل علي اغتيال عبد الناصر كما جاء في كتاب: (Niblock,Tim, 2006 Saudi Arabia; Power & Survival, p 41)

وفي خطاب من فيصل ملك السعودية للرئيس الأمريكي جونسون عام 1966 طالبه باتخاذ اللازم لإنهاء ناصر ونظامه( Saudi Government Document 342, date 27 Dec. 1966). هذا التحفيز السري للإطاحة بناصر يتطابق تماما مع الهوس السعودي العلني من اجل الاطاحة ببشار الأسد. كما أن التعاون الوثيق بين السعودية والسي آي إيه CIA والذي يحمل الاسم الكودي “عملية شجر السيكامور، قد فضحته صحيفة النيويورك تايمز في 23 يناير 2016 فنشرت بعض تفاصيله كما أن التعاون السعودي الصهيوني لتأمين البحر الأحمر أصبح معروفا كذلك.

تحولت العلاقة مع مصر من عدوانية تآمرية إلي علاقة تبدو جيدة ولكنها في الواقع علاقة تبعية لطرف يبتز الظروف الاقتصادية المتردية لتحقيق طموحاته الإقليمية…والآن تستغل الأزمة الاقتصادية في مصر لاقتناص جزيرتي صنافير وتيران تمهيدا لتحالفات مدانة مع العدو الصهيوني ومشاريع شرق أوسطية!

 

التخريب الفكري للشباب العربي بنشر الفكر الوهابي

ما لم تستطع السعودية تحقيقه عن طريق التآمر والحروب أنجزته بواسطة نشر الأفكار الوهابية والتي تصب في سلوك داعش وأخوتها من المنظمات الإرهابية. رأيت كشاهد عيان عندما كنت أستاذا بجامعة ولاية ميشجان، كيف وظفت السعودية أموالها الطائلة للقضاء علي منظمة الطلبة العرب ذات الاتجاه القومي وكيف دعمت منظمات أسلامية موالية لها بامريكا. كذلك كنت أري يوميا انتشار الفكر الوهابي وفكر الاسلام السياسي بجامعاتنا المصرية وكيف خربت عقول الشباب عبر خرافات عبد الله عزام المدعوم سعوديا والمتمثلة في كتابه الموزع مجانا ” آيات الرحمان في جهاد الأفغان” وغيرها من الكتيبات وشرائط الكاست التي تكفر الشيعة وتحض علي كراهية المواطنين الأقباط وتشوه الدين. ورأينا كيف خربت شريحة مهمة من مثقفي مصر عبر الجوائز والهبات مما ساهم مع عوامل أخري بمحنة المثقفين في مصر وابتعاد بعضهم عن المسار الوطني.

العدو الصهيوني

لن أتطرق في هذه الدراسة للعدو الصهيوني وممارساته فهو يحتاج لدراسة قائمة بذاتها ولأن الحديث عن الامبريالية هو ضمنا حديث عن الكيان الصهيوني الحليف الوحيد لها في منطقتنا العربية. فقط نشير الي انكشاف تحالف السعودية والكيان الصهيوني مؤخرا رغم أن العلاقة المنطقية التي تجمعهما ككيانات وظيفية للإمبريالية بدأت منذ نشأة الكيان. كما نشير لدور الكيان القوي في محاولات تقويض الدولة السورية ودوره في العدوان الإجرامي علي اليمن بقيادة السعودية ومباركة أمريكية.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.