في حلقة اليوم:
- متابعة أحمد قطامش
الأخلاقية
ثم يحدد الكاتب موقفه الأخلاقي من حل الصراع:
“ومن ناحية أخرى أجد نفسي، وأظن أن هذا مستقبل الأمور، منحازا للرؤية الأخلاقية التي تسعى لاجتثاث عوامل الصراع والحرب وتأمين سبل الحياة والكرامة، بنفس القدر الذي أجد نفسي مناهضا للحلول العنصرية التي تسعى لإبادة الآخر واستئصال الآخر، فالعنصرية هي العنصرية بغض النظر عن جنسية الذي يقترفها … وعليه سيجد المجتمعان الفلسطيني العربي واليهودي الإسرائيلي نفسيهما متلازمين في فلسطين”.
فإذا كان حل الدولتين يعترف لإسرائيل بسيطرتها على 78% من فلسطين وحقها فيه ويعترف بدولة إسرائيل، فإن هذه الرؤيا تعترف لإسرائيل باحتلال كل فلسطين مدعومة برؤيا أخلاقية وهذا تأييد لوعد بلفور ولصك الإنتداب دون مواربة، فإسرائيل ومنذ بداية تأسيسها درجت على التهويد وإقامة المستوطنات وهي تهود بالتدريج ووفقا لطاقتها. وهي اليوم- أي في عام 2018، قد هوّدت معظم الضفة الغربية لا بقياسات المساحة بل بتغطية الجغرافيا والمواقع والطرق والبؤر الاستيطانية والمعسكرات والتجمعات الاستيطانية الموزعة على الجغرافيا. وهذا تجذير وتعميق للصراع، بينما يطالبنا قطامش بإزالة أسبابه- ليس أسبابه الواقعية بل من عقولنا وثقافتنا، كما ورد في ورقة الصرخة أعلاه.
لقد أصبحت التجمعات الفلسطينية هي المحاصرة بأشكال التهويد المختلفة.
فالدعم الأخلاقي وتسجيل المواقف، والعقل الخلاق والذكاء؛ كل هذا لم يحل دون استمرار التهويد وتغطية المواقع و الجغرافية بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية. كما أن العقل الصهيوني الذي يستحسن تقدم الفلسطينيين والعرب بالمبادرات ويرصّدها لنفسه، لا يتعاطى معها للتطبيق ولا يطرحها على نفسه للنقاش، بل يدرس مواقف مقدميها ودرجة خدمتهم للفكرة الصهيونية ويحدد مكانها على درجات سلم التنازلات وصولا إلى تأييد تهويد فلسطين وربما التمدد خارجها!
لا يطرح الطرف الصهيوني مبادراتنا على نفسه للنقاش ولكنه يحبذ أن يطرحها مقدموها على الجمهور الفلسطيني للنقاش، ويرقب دفاع أصحابها عنها ومحاولاتهم نشرها وإقناع الناس بها ومدى الخلل والتخلخل الذي يصيب الثقافة الوطنية الفلسطينية التحررية دون أن يقدم حتى “العفارم”.
إن النقاش في هذا الموضوع سابق على التحرير بل إنه سابق على النضال، فاللحظة الفلسطينية هي لحظة رجعية، هي لحظة ارتداد وخمود فلسطيني وعربي في مواجهة إسرائيل، ففي المحطات الرجعية والارتداد تجد التنازلات فرصتها الأكيدة ولكن في مرحلة الصعود لا تتوفر الجرأة لهذا خشية من الردود بأشكال مختلفة.
أساليب قطامش لتحقيق الهدف
يبدأ قطامش في صفحة 181:
“وعليه فحل القضية الفلسطينية يبدأ بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم” وهذا تغيير في البدايات! وهنا نواجه مسألتين:
المسألة الأولى: كيف سيعودون؟
والثانية: ماذا تعني عبارة ديارهم وهل تشمل بيوتهم وأرضهم وممتلكاتهم أم هي معومة لتبقي الممتلكات التي حازها اليهود في أيديهم وترفض الإزاحة الجغرافية تحت عنوان رفض الفصل العنصري؟ وهذا تقاطع مع حديث سلامة كيلة بغض النظر إن كان توارداً في مواقف التطبيع أم بالحوار المباشر.
ويستمر قطامش:
“وعليه فما يساق هنا يشترط طي صفحة الإحتلال والعنصرية وجنرالات الحرب، بما يشترطه من عملية نضالية طويلة تفضي لتعديلات جدية في السياسة الإسرائيلية، والقوى النافذة في القرار السياسي – الثقافي، تمهد لعودة اللاجئين وتنطلق لحلم أكبر. فالأحلام الكبرى تبدأ بأفكار وخطوات صغرى”
ولكنه في الفقرة السابقة بدأ حصرا بعودة اللاجئين إلى ديارهم أما هنا فقد وضع خطوات تمهيدية لذلك تبدأ من طي صفحة الاحتلال.
هنا يختلف مع وثيقة سلامة كيلة. فسلامة كيلة يرى عودة اللاجئين من أسباب إلغاء الصهيونية والعنصرية، بينما قطامش يقدم طيّ صفحة الاحتلال والعنصرية وجنرالات الحرب بما يمهد للعودة. أي أن العودة ليست تحصيلاً حاصلاً لهذا الطي، بل هناك ما يمهد لها قبل حصولها دون أن يذكر كيف يتم هذا التمهيد. لا شك في أن هناك عملية نضالية طويلة تتطلبها عملية الطي وهي ما يتلطى جميع هؤلاء دون تناولها.
ويقول قطامش:
“أجل سوف نحلم، وهذا الحلم إمكانية تاريخية، بأن تتراكم عناصر النضال والتحولات، مهما طال الزمن، بما يفضي في نهاية المطاف إلى كسر شوكة العنصرية الإسرائيلية وإحداث تغييرات تدفع قوى اجتماعية يهودية بالاعتراف بالنكبة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين، فتتوالد مناخات جديدة تقول أن فلسطين تتسع للفلسطينيين واليهود وأن لا فكاك لأحدهما عن الآخر وأن الوجود المشترك يقتضي البحث عن أهداف مشتركة”
لنقف هنا: المشروع ينتظر تحولات في المجتمع الإسرائيلي لا شأن للفلسطيني بها، وهذه التحولات تنجم عنها سيادة فئة جديدة في الحكومة الإسرائيلية وسوف يهديها الله للإعتراف بالنكبة ومن ثم تسمح بعودة اللاجئين. كان الشيوعيون الفلسطينون يطرحون شيئا كهذا في النصف الأول من سنوات السبعينيات وكان قطامش ينتقده بل ويستهزئ به. وكما رأينا، فإن سلامة كيلة كان قد ترك الأمر للصراع الطبقي في إسرائيل وأزمة النظام الرأسمالي للتكفل بالنتائج التي يطرحها وموقفه من حل الصراع. ففي حين عاد قطامش للخط السوفييتي، قام كيلة بالهروب إلى الأمام.
أيها الكاتب: ما هذه النبوءة؟
كان رفاقٌ شيوعيون يقولون بما معناه أنه عندما تقوم ثورة اشتراكية في إسرائيل ستقوم حكومة تقبل الصلح مع العرب!! لكن حتى الآن، الذي حصل أن شيوعية هؤلاء قد نُحرت من داخلها.
يا عالم يا ناس لِمَ التورط في سوق هذه الأفكار؟ فما هي إلا شرحٌ وحشوٌ من أجل إعلان القبول بما تم من تهويد فلسطين!!!
ينتقل الكاتب كالعادة إلى واقع جديد لم يحصل منه شيئا، ينتقل إلى مرحلة وكأن “العودة” قد تحققت، وهي لم تتحقق بل التهجير هو القائم، حيث يقول: “وبالعودة يتم اجتياز بحر الدماء وإشاعة مستجدات أجواء من التفاؤل ورؤى تبحث عن سلام حقيقي ومواطنة متساوية في دولة واحدة”.
ولكن العودة لم تحصل والنضال ضد إسرائيل في مرحلة هبوط وارتداد ورجعية محمية بالتنسيق الأمني. فهل سيتم اجتياز بحر الدماء اليوم أو متى وكيف؟
وتطرح الكراسة “… المجتمع الفلسطيني العربي والمجتمع اليهودي الإسرائيلي .. وقد ألقيا جانبا السلاح وانهمكا في إيجاد حلول لمصاعب وإجابات عن أسئلة … وإعادة توزيع موارد البلاد .. الخ، بروح سلامية وفض النزاعات بوسائل قانونية. في مثل هذه الأجواء (أية أجواء – م.ف.) يمكن البحث الجدي عن تسوية نهائية للصراع (ولكن تم حله في الصفحات السابقة – م.ف.) ينجم عنها تماثل المجتمع اليهودي ليس مع المجتمع الفلسطيني فقط، بل مع المحيط العربي أيضا. ذلك أن عودة الفلسطينيين لا تتم دون عامل شعبي عربي فعال يمارس ضغطه لتحرير المجتمع اليهودي من العنصرية الصهيونية ووظيفتها الإمبريالية المعادية للعرب ..”.
إذن عدنا من جديد لنمارس ضغطا “عامل شعبي عربي فعال يمارس ضغطه ليحرر المجتمع اليهودي من الصهيونية والعنصرية ووظيفتها الإمبريالية المعادية للعرب” وهذا ما نسخه سلامة كيلة في محاولته لتحديث المشروع في وثيقته التي ناقشناها في البداية كونها الأحدث.
وهنا، كما هو واضح، فإن هدف العامل الشعبي العربي الفعال أن يمارس ضغطه ليس من أجل تحرير الأرض بل لتحرير المجتمع اليهودي من الصهيونية والعنصرية ووظيفتها الإمبريالية المعادية للعرب.
هنا وقع الكاتب في حيرة: كيف سيتحرر المجتمع اليهودي من الصهيونية والعنصرية والارتباط بالحبل السُري مع الإمبريالية؟
“… تتراكم عناصر النضال والتحولات بما يفضي إلى كسر شوكة العنصرية الإسرائيلية، وقوى اجتماعية يهودية تعترف بالنكبة وتقبل بعودة اللاجئين، وعامل شعبي عربي فعال يتمم عملية عودة اللاجئين ويمارس ضغطه لتحرير اليهود من الصهيونية والعنصرية وارتباطاتهم الإمبريالية”.
ثم يضيف:
“وهذا يضمر بداهة تغييرات ثورية عربية تطلق أيدي الشعوب العربية أو بعضها وبالتالي صعود قوى اجتماعية ثورية تتسلح برؤيا جديدة لحل الصراع وانهاض العرب من كبوتهم، مثل هذه القوى هي القادرة على المشاركة الفعلية في صيرورة إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وإيجاد حل جذري للصراع يجرد إسرائيل من عنصريتها ويحيد سلاحها النووي ..”.
إذن، هي هنا قوى اجتماعية ثورية عربية هي التي ستجبر إسرائيل على عودة اللاجئين وتجردها من عنصريتها وتحيد سلاحها النووي. ولكن كيلة طور النتائج بتجريد اليهود من صهيونيتهم ودولة إسرائيل من عنصريتها ومن ارتباطاتها بالإمبريالية وزاد كذلك كما رأينا تفكيك دولة إسرائيل. وكان قد رأى أن أزمة الإمبريالية ستنعكس على إسرائيل مما يحدث تغيرات فيها في الموقف من الصهيونية والعنصرية ومن تلقاء نفسها.
هنا يقرر قطامش ما سيفعله العرب المنتصرون ويحدده دون داع ولكن بوازع أخلاقي فقط. ولا غرابة في أن هذا الوازع هو نتيجة الإحساس بالهزيمة والضياع وليس ترشيدا لخطوات المنتصرين العرب.
هنا يعود قطامش إلى ما بعد حرب 1967م حينما كان الصحافيين الأجانب يطرحون سؤالهم الهادف على قيادات الثورة الفلسطينية والمتمثل في: ماذا ستفعلون باليهود بعد الإنتصار؟ هل ستلقونهم في البحر كما قال أحمد سعيد؟ ليكون الجواب ساذجا ويعطي دلالات على ضيق أفق المسؤولين لإثبات حسن نيتهم تجاه الصحفي اللئيم.
وكلف الكاتب نفسه ووضع “خطوط رئيسية في الدولة الواحدة بمجتمعين منفصلين ومتشابكين” دون أن تكون هنالك حاجة لمثل هذا التصور.
فإذا كان العرب هم الذين سينتصرون في الصراع، فإنهم سيفرضون إرادة المنتصر ما داموا “قوى اجتماعية ثورية”.
إن لب المسألة في نظرنا ليس كيف نجد حلا لمشكلة اليهود فهم لا يعانون من أية مشكلة، إن المطلوب إيجاد حل لمشكلة فلسطين الجغرافيا والناس، والناس داخل البلد واللاجئين، وليس تطمين اليهود بأن الكاتب لا يمانع في بقائهم في فلسطين وبقاء مستوطناتهم وتمددها. إن القلق وادعاء القلق على مصير اليهود هو تزلُّف ينم عن شعور بالدونية تجاه العدو.
يقول أحمد قطامش تحت عنوان مقدمة، في ورقة منشورة في الحوار المتمدن في 30 /10 /2004م:
“مقدمة:
تستند هذه الورقة لحقائق ومعطيات لا مهرب منها، تشكل خلفية للتحليل ورصد المتناقضات بحثا عن مخرج وحل يتيحه الممكن التاريخي. من طراز الحقيقة الموضوعية التي تشي بوجود ما يزيد عن 4.5 مليون فلسطيني لهم مدنهم وقراهم وخصائصهم في الضفة وغزة ووراء “الخط الأخضر” ونحو 5 مليون اقتلعوا من ديارهم في عملية تطهير عرقي بشعة عام 48 ونزوح قهري عام 67 يعيشون ذل الشتات دون أن تفتر ذاكرتهم التاريخية وحلمهم بالعودة الذي عمدوه بتضحياتهم ودمائهم رافضين التوطين وجحيم التشرد. ففي استطلاع عام 1997 أعلن 96% من أهالي المخيمات الفلسطينية في لبنان عن تمسكهم بالعودة لقراهم ومنازلهم. ومن جانب آخر، ثمة 5.5 مليون يهودي إسرائيلي استقدم معظمهم المشروع الصهيوني من أرجاء العالم يتكئون على قاعدة اقتصادية- تكنولوجية وينتشرون في عموم فلسطين الانتدابية. أما الحقيقة الثانية فهي تشابك المجتمعان الفلسطيني العربي واليهودي الإسرائيلي و تواشجهما الاقتصادي والخدماتي سيما في سوق العمل وخطوط المواصلات والثروة المائية التي تحظى بأهمية فائقة في بلاد فقيرة بالمياه، ورغم غلبة هذا التجمع السكاني أو ذاك في هذه البقعة أو تلك فلا ينتصب سور الصين العظيم للفصل الجيوعرقي بين المجتمعين. فالحيزان الفلسطيني واليهودي لا ينفصلان إلا ليتداخلا ولكن تحت الهيمنة العنصرية الصهيونية وما نتج عنها من سياسات وممارسات.” (قطامش- الحوار المتمدن).
هنا نشاهد الخلاصة التي وصل اليها الكاتب في المقدمة من ورقته، حيث الحيزان الفلسطيني واليهودي لا ينفصلان. لكن بداية المقدمة تتحدث عن إن الفلسطينيين متمسكون بوطنهم وبحقهم في العودة إليه، وأضيف أن لا وطن لهم سواه وحالهم ليس كحال اليهود الذين يستطيعون العودة إلى الأوطان التي استقدموا منها وهم اليوم يملأون الوطن الفلسطيني ويهيمنون عليه بشكل كامل.
لقد دخل قطامش مدخلا يتعارض مع حقائق التاريخ ووصل من خلال المقدمة إلى مبتغاه، ثم أخذ يسوغ النتيجة التي وصل إليها بعد ذلك. فهو قد انتقل إلى الموقف الجديد – الهوية الجديدة- قبل أن يشرع في التحليل.
كما يذكرنا بما كان يطرح عن إلقاء اليهود في البحر في الإذاعات العربية من باب إيضاح الهوية الذاتية – موقفه – حيث يقول:
“أما التهديدات الإذاعية الجوفاء بإلقاء اليهود في البحر أو طردهم من بلاد المسلمين وتذكيرهم بخيبر اليمن فلم يمنعا تزايدهم من نصف مليون في أربعينات القرن الماضي إلى مليونين في الستينات وأكثر من 5 مليون اليوم…”
وكانت هذه الفقرة استباقا لطرح ما يسميه الأسئلة الحارقة التي توحي بالجواب، وكأنه حتمي ولا جواب غيره، جواب ينفي المواقف والشعارات الوطنية والقومية عن تحرير فلسطين ويستهدف إعلان موافقته على بقاء المستوطنين فيها بمستوطناتهم واحتكارهم لفلسطين أرضا وجغرافيا حيث يطرح:
“ثمة أسئلة حارقة من نوع: ما هو مصير ملايين الفلسطينيين واليهود؟ هل لهم حق الحياة؟ هل يسمح العمل السياسي الأخلاقي بإزاحتهم من المكان والزمان أو إبادتهم فيزيائيا؟ هل هم وباء أم بشر؟ هل الصراع أبدي أم يزول بإزالة أسبابه ؟..”
إن أسبابه عند كيلة وكتاب ورقة “الصرخة من الأعماق” تكمن في عنصرية اليهود وقطامش يرفض الفصل العنصري ولم يبق سوى أن ينظر العرب واليهود لأنفسهم على أنهم مجتمعات متشابكة لا فصل بينها وأن حل مشكلة الفلسطينيين يترافق مع حل مشكلة اليهود في فلسطين. علما أن الوجود اليهودي الصهيوني العنصري هو المشكلة وهو سببها وليس حلا لها، وحلها لا يكون بالتفاهم الأخلاقي، ولا بإزالة العنصرية والتخلي عن الصهيونية.
الميثاق الوطني الفلسطيني يحدد
تقول المادة 22 من الميثاق الوطني الفلسطيني بحق في توصيف الحركة الصهيونية:
المادة 22:
الصهيونية حركة سياسية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالإمبريالية العالمية ومعادية لجميع حركات التحرر والتقدم في العالم، وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها، عدوانية توسعية استيطانية في أهدافها، وفاشية نازية في وسائلها، وإن إسرائيل هي أداة الحركة الصهيونية وقاعدة بشرية جغرافية للإمبريالية العالمية ونقطة ارتكاز ووثوب لها في قلب أرض الوطن العربي لضرب أماني الأمة العربية في التحرير والوحدة والتقدم. إن إسرائيل مصدر دائم لتهديد السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، ولما كان تحرير فلسطين يقضي على الوجود الصهيوني والإمبريالي فيها ويؤدي إلى استتباب السلام في الشرق الأوسط، لذلك فإن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نصرة جميع أحرار العالم وقوى الخير والتقدم والسلام فيه ويناشدهم جميعاً على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم تقديم كل عون وتأييد له في نضاله العادل المشروع لتحرير وطنه”. الميثاق الوطني الفلسطيني، عام 1968م.
وكان الميثاق الوطني الفلسطيني قد طرح في المواد الأولى تعريفه لفلسطين والشعب الفلسطيني حيث جاء فيه:
“المادة 1
فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وهي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية.
المادة 2
فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة إقليمية لا تتجزأ.
المادة 3
الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه ويقررمصيره بعد أن يتم تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض إرادته واختياره.”
هذا هو الميثاق الذي لا زال حيا رغم وصف ياسر عرفات له بالتقادم ورغم تجاهله من قبل أصحاب مبادرات التسوية.
عودة استكمالية مع قطامش
بعد هذا العرص المتعارض مع الميثاق والذي يتعاطى معه قطامش على أنه ملغىً، يقول قطامش: “هل ثمة إمكانية للفصل الإقليمي، هذا ملعبنا وذاك ملعبكم…”.
ولكن ملعب اليهود واضح وهو كل فلسطين، فأين ملعبنا؟
المستوطنات تمتد من غور الأردن حتى جبل القدس والقدس ذاتها وهذا ملعب اليهود. والكاتب لا يريد الإزاحة لأسباب أخلاقية ولعدم التناغم مع العنصرية. إنه إنما يعترف لليهود بملعبهم الذي هو كل فلسطين وهي كلها في أيديهم.
والصهيونية ليست قميصا يطالبون باستبداله إنما الصهيونية هي استيطان استعماري اقتلاعي عنصري، وصفة الاستيطان الاستعماري الاقتلاعي هي التي تمارس على الأرض الفلسطينية. فإذا غيّر اليهود صفاتهم الصهيونية قولا أو عملا فهم بالتطبيق الملموس استيطانيون واقتلاعيون وهذا لن يتغير إلا برحيلهم.
ويقول أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (كموقف خاص به) رأيا آخر مفاده “كما ممكن عزل سكان فلسطين اليهود عن الأيديولوجيا الصهيونية التي تحض على الكراهية وترويج العداء ضد العرب وكل من يناضل ضد الصهيونية” دون أن يذكر سعدات كيف سيتم هذا العزل مع أنه يكتفي بنتائجه وأنه سيزيل العداء ضد العرب. وعليه، فهو يقبل بـ: “تعايش في إطار دولة ديموقراطية يعيش فيها الجميع ونبذ كل أشكال القهر والعنصرية، وقناعتي أن الأمر ممكن،…” (أحمد سعدات. صدى القيد، منشورات الفارابي –بيروت ص 189).
وأخيرا، فإذا عزل السكان اليهود عن الأيديولوجيا الصهيونية وتخلوا عن عدائهم ضد العرب، هل يبقون مستوطنين على أرض فلسطين؟ إذا كان الأمر كذلك في رأي أحمد سعدات فما الذي سيتغير؟ سوى ما ذكره صبري مسلم في ورقة الصرخة! أي كما يقول مسلًّم،
الجواب هو أن تتغير العلاقات، فبدلا من أن ننظر لهم كمحتلين وغاصبين، ننظر لهم (كسكان فلسطين اليهود) وينتهي الأمر. إذن المطلوب تغييره هو موقفنا من القضية الفلسطينية ومن احتلال فلسطين واستيطان اليهود فيها على أيدي هؤلاء الدعاة. وكلهم بالطبع يخاطبون العقل الفلسطيني حصرا. ويوظف بعضهم أسماءهم ورمزيتهم والثقة الوطنية بهم في تمرير هذه النقلة النوعية.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.