في حلقة اليوم: اطروحات
- عوض عبد الفتاح
- راضي الجراعي
- ماجد كيالي
■ ■ ■
ورقة عوض عبد الفتاح
أما عوض عبد الفتاح- وهو كذلك من تراث الجبهة الشعبية وأبناء البلد وهو اليوم أمين عام حزب التجمع في إسرائيل مع عزمي بشارة، ففي مقالته المنشورة في الحوار المتمدن وبعد أن أجهز على حل الدولتين بالضربة القاضية من ترامب، يوجه صائب عريقات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وكبير المفاوضين باسم السلطة ونبيل شعث عضو اللجنة المركزية السابق في فتح لطرح مشروعه بحل الدولة الواحدة ويوصفه:
“..لأنه لا يجوز أن يطرح باعتباره خيارا مرعبا، بل خيارا إنسانيا وديمقراطيا، جذّابا وساحرا، لما يحمله من توجه أخلاقي، يقوم على تحرير الناس من نظام عنيف ومتوحش، والعيش في كيان سياسي مدني وديمقراطي، يتساوى فيه الناس أمام القانون، وفِي ظل عدالة اجتماعية نسبية..”
الله الله، “جذابا وساحرا”، ولكن بالنسبة لمن؟؟
يا رفيق عوض: هذا الكلام مطروح على لسان خالد الحسن منذ 1993م وطرحه بعده كثيرون وكتب قطامش آراءه قبلك بكثير وكتب كل من سلامة كيلة ومسلم ووهدان، ولم يظهر على هذا الطرح أية جاذبية ولا سحرلا للفلسطينيين ولا للمستوطنين.
لم يظهر أن جمهرة من الكتاب والسياسيين قد انفعلوا به وانسحروا معه ولم تمتلئ الصحف بالتفاعلات حوله.
إن هذا الطرح يا عوض ساحرٌ وجذابٌ لك ولمن نصحك بالانتقال إلى هذه الهوية، ولا يقدم أية خدمة للشعب الفلسطيني. إنه ارتداد عن الموقف الوطني الفلسطيني وفقط من أجل أن يندرج أصحاب هذه الآراء في هذه البوتقة لا غير.
إن فلسطين لا تتحرر بالمبادرات ولا تتعاظم القضية بالتنازل عن أهداف الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه من كل مظاهر الإحتلال الصهيوني بل بالعمل على تحرير كل فلسطين ونبذ التخاذل والتنازلات التي ألحقت ضررا كبيرا بالقضية والشعب.
ثم كيف سيقوم هذا الطرح على تحرير الناس من نظام عنيف ومتوحش (كما تقول)؟ إن السلطات الحاكمة في إسرائيل لها مشروع واحد وحيد هو الاستمرار في تهويد الجغرافيا الفلسطينية ودون اعتبار لكل المبادرات الصادرة عن هذا وذاك ممن لم يعد لهم شأن في التعبير عن الشعب الفلسطيني وقضيته.
إن من يستندون على ماضيهم الكفاحي وقد ارتدّوا عليه ليسوا معبّرين عن الوطنية الفلسطينية، بل هم مساهمون في طمس الوعي الوطني الفلسطيني خدمة للأعداء، لا غير، مثَلهم كلاعب الكرة الذي يسدد الهدف في مرمى فريقه عمدا.
ويضيف عوض عبد الفتاح في أطروحته المذكورة:
“ومن المفروض أن يحرّر القرار الأميركي المشؤوم العقل الفلسطيني، وتحديدا عقل قيادته وعقل الطبقة المساندة لها، من قيود اتفاق أوسلو الكارثي والتزاماته، مثل سحب الاعتراف بإسرائيل، ودفن التنسيق الأمني مع المستعمر، والعودة إلى النضال المسنود والموجّه بوحدة تنظيمية وسياسية، وباستراتيجية ثورية متفق عليها، وبخطاب تحرّري أخلاقي، يستطيع أن يأسر خيال العالم، وخصوصا أنصار الحرية والديمقراطية، وليس فقط خيال شعبنا.”
وهذا يتضمن ثلاث نقاط:
الأولى، أن تتحرر السلطة والقيادة من اتفاقات أوسلو بما فيها دفن التنسيق الأمني مع المستعمر؛
والثانية، العودة إلى النضال وباستراتيجية ثورية متفق عليها؛
أما الثالثة، فهي الهدف من طرح النقطتين أعلاه بعد التزيين السابق، وذلك بطرح خطاب تحرري أخلاقي يستطيع أن يأسر خيال العالم وليس فقط خيال شعبنا.
إن الخطاب هنا موجه للقيادة، وهي ذاتها قيادة أوسلو، ونتاجٌ له. إنه ليس من معنى أبدا لدعوتها لهذه المواقف وقطعا ليست هذه المواقف هي المقصودة، بل المقصود طرح الموقف السياسي المتمثل “وبخطاب تحرّري أخلاقي، يستطيع أن يأسر خيال العالم، وخصوصا أنصار الحرية والديمقراطية، وليس فقط خيال شعبنا.”
كان أنصار التسوية مع إسرائيل قد دافعوا عن طروحاتهم بالاكتفاء بدولة في الضفة والقطاع بأنهم يطرحون خطابا يفهمه الغرب والرأي العام العالمي. ولم ينجحوا في شيء.وخطابك يا رفيق عوض لن يأسر أحدا ولن يجتذب أنصار الحرية والديموقراطية في العالم كما ترى بنفسك من طروحاتك وطروحات من سبقوك، وهو كذلك لم يؤثر في خيال شعبنا بل قد تحصل على “عفارم” من جهات التمويل والدفع بهذا الإتجاه المعادي لشعبنا وقضيته وخدمة لتوجهات العدو.
هذه الطروحات كلها ليست محاولات للخروج من مأزق القضية بل هي جميعها استغلالٌ بشع لهذا المأزق للمساهمة في تصفية القضية وضد “خيال” شعبنا.
وكيف يعالج عوض إشكالية التعامل مع الوضع القائم وصولا إلى هدف الدولة الواحدة؟
يقول:
“طبعا ليس في مقدور مجموعات الدولة الواحدة، ولا مطلوب منها تشكيل جسم سياسي شامل لقيادة حركة التحرّر الفلسطينية، على شاكلة الموتمر الوطني الأفريقي. كان من المفروض أن يجري إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وأن تشمل كل مركبات الحركة الوطنية، وتضطلع بدور حركة تحرّر وطني مقاتلة.”
هنا يستبعد أن تقوم مجموعات وأفراد الدولة الواحدة بتشكيل جسم سياسي فيكفي أن يقذفونا بطروحاتهم باعتبارهم عباقرة التفكير وعلى الشعب التنفيذ بلا تردد، كما أنه لا يريد أن يتحدث عن جسم سياسي بديل للمنظمة ما دامت المنظمة منسجمة مع أوسلو وقيادة أوسلو وهي بقيادة جماعة أوسلو.
ومع ذلك، يطالب المنظمة بقيادة حركة تحرر وطني مقاتلة وهذا ليس أكثر من غبار أصفر، فالمنظمة ليست أهلا لهذا الطرح. وكان قطامش قد سبقه في تسليم القياد للمنظمة بعد أن يتم إصلاحها كما يتخيل، وهو يعلم انها غير قابلة للإصلاح. وعوض يعلم أنها غير أمينة على مهمة قيادة حركة تحرر وطني مقاتلة ولا تستهدف قيادة عملية تحرير، بل تستهدف – مثلها مثل أصحاب هذه المشاريع- طمس النضال والروح النضالية والعمل ضد كل قتال وعنف ثوري موجه للعدو.
ويتوجه عوض عبد الفتاح إلى رئيس السلطة الفلسطينية لاتخاذ المواقف فيقول:
“ومع أهمية القرارات التي اتخدها رئيس السلطة الفلسطينية، مثل مقاطعة الوساطة الأميركية، والبحث عن بدائل، فإنه حتى اللحظة لم يجر الحسم بشأن أي من الخيارات أو المهمات الملحة، وأولها استكمال الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس من الشراكة والحل الوطني. وثانيها الاستراتيجية الكفاحية، والتي تتطلب تشكيل قيادة وطنية موحدة سياسية وميدانية، مهمتها قيادة الشعب نحو انتفاضة شعبية شاملة ضد نظام الاستعمار العنصري. وثالثها مهمة استعادة وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده بمن فيهم فلسطينيو الأرض المحتلة عام 1948، عبر إيجاد مؤسسة وطنية جامعة، ذات طابع استشاري وتوجيهي، بحيث يتمكنون من المشاركة، من دون أن يجلب عليهم ردّا إسرائيليا يفوق طاقة تحملهم. ورابعها خيار الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة.”
هنا يظهر عوض عبد الفتاح أكثر وضوحا من قطامش، فهو بشكل ملموس وصريح يطرح المهمة على الرئيس والسلطة للقيام بكل الواجبات المذكورة في الفقرة أعلاه بما فيها تشكيل قيادة والقيام بالمهمات الملحة.
وبعد ذلك يزج “رابعا” في السياق بنعومة كي تكون الجملة سلسة ومغطاة بالتضليل اللازم (ورابعها خيار الدولة الفلسطينية الديموقراطية الواحدة)، إن هدف كل الفقرة لتكون وسيلة تمرير لمولوده الجديد المتمثل بـ: خيار الدولة الفلسطينية الديموقراطية الواحدة محاطة بالأوساخ.
لكنّ عوض يناقض نفسه في ذات المقال بتوصيف القيادة بما يتناقض مع هذه المهمات حيث يقول بحق:
“إن بنية هذه القيادة وذهنيتها غير مؤهلة لإحداث نقلة استراتيجية في الفكر والتوجه، بل هي تفتقر لهذه المؤهلات. فكيف لمن قاد هذه التجربة الفاشلة، والمتوجة بتحويل السلطة الفلسطينية إلى وكيل للاحتلال، مع كل ما يترتب على ذلك من أضرار سياسية ووطنية وأخلاقية فادحة، كيف يمكن أن يواصل قيادة الشعب نحو بر الأمان في هذا المفترق الخطير”.
إذن لماذا طالبت رئيس السلطة كما جاء في الفقرة السابقة باستكمال المهمات التي تراها، ثم عدت وقلت أن هذه القيادة غير مؤهلة لإحداث نقلة استراتيجية في الفكر والتوجه؟؟
ويستمر عوض عبد الفتاح بالقول:
“ولكن كوننا ما زلنا نعيش حالة الانشقاق الكارثي، وفقدان أداة الثورة (منظمة التحرير) وكون القوتين الأساسيتين، حركتي فتح وحماس، تتحكمان بالقرار، تغدو الحاجة للمضي في العمل على تشكيل تيار ثالث أكثر إلحاحا. ليس الهدف إحلال هذا التيار محل هاتين الحركتين، بل استقطاب الباحثين عن بديلٍ للعمل في إطاره، ومن أجل دفع الحركتين إلى تعديل سياستهما، أو التأثير في قواعدهما لإحداث تغيير جذري وهيكلي في بنية قيادة فريق أوسلو”
الآن يدور الحديث عن تيار ثالث وتغيير جوهري وبنيوي في القيادة.
يا ألله! ولكن القيادة تتشكل بموافقة إسرائيل!
والتيار الثالث، ممَّن سيتكون؟ لا بد أنه سيتشكل من كادر منظمات ألـ إن جي أوز/الأنجزة ومن يتخلق بأخلاق قبول المستوطنين في حيزهم ومستعد لقبول إسرائيل والاعتراف بحقها بوطن قومي لليهود في فلسطين.
إذن، تستمر هذه الفاعليات بهدف إحداث تغيير وتأثير في قواعد حركتي فتح وحماس ودفع الحركتين لتعديل سياستهما كما يشتهي عوض وأضرابه من دعاة الدولة الواحدة دعاة التعايش مع المستوطنين وتحت راياتهم.
وعوض صريحٌ حيث يقول أن إحياء فكرة الدولة الواحدة جاءت على أيدي “ثلة من الأكاديميين المرموقين، فلسطينيين ويهودٍ إسرائيليين، وكذلك يهود من جنسيات أميركية وبريطانية، إلى ترويج الفكرة”.
طبعا ترويجها بين من يلتقطها ويساهم في نشرها من الفلسطينيين المختارين المستعدين لنشر فكرة التعايش مع المستوطنين وفي حيزهم الإستيطاني المنتشر في كل فلسطين دون إزاحة كما أوضح قطامش وكثيرون.
وحينما لم يجد عوض وسيلة تقود للوصول إلى النتيجة التي يطرحها عاد وارتكن للإتكال على الله فيقول “على أي حال، من شأن دينامية التطورات المتلاحقة، سواء التي تدور على الساحة الدولية، أو في فلسطين، أن تُنضج هذه الخيارات، وتستولد حوامل اجتماعية لها في خضم العودة التدريجية إلى المقاومة الشعبية، وإلى الخطاب التحرّري الذي استبدلته عملية السلام بخطابٍ دولاتي مشوّه ومضر”.
أما هو فقد ألقى بسهمه، هويته. وسهمه هو موقف سياسي جديد منسجم مع بقاء الإستيطان، أما دوره فليس تفكيك نظام الأبرتهايد بل الوعي الفلسطيني وتقبُّل العدو.
لقد سجل عادل سمارة استخلاصه لأفكار طارحي حل الدولة الواحد حيث يقول في مقالته “فلسطين جديدة… صرخة من الأعماق أم تقويض المقاومة؟”، المنشور في صحيفة (الأخبار، في 19/3 /2018م):
“أما السؤال الرئيسي الذي لا بد من الإجابة عليه، فمتعلق بما ورد آنفاً، فإن فَشل بل استحالة إقامة دولة في الضفة والقطاع، أي حل الدولتين، لا يعني أبداً، أنه دون التحرير، هناك معنى أو إمكانية لدولة واحدة غير الدولة الواحدة القائمة منذ حزيران 1967، أي دولة لجميع «مستوطنيها». وبأن مختلف أطروحات الدولة الواحدة سواء، علمانية، ديمقراطية ثنائية… الخ ليست سوى إشغال الناس في العبث وتواطؤ مع المشروع الصهيوني لتصفية المقاومة الفلسطينية مما يفتح الباب للثورة المضادة لتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد/ الكبير ودحض ضرورة معسكر المقاومة طالما «تصالحت الضحية والجلاد»”
راضي الجراعي
ويبدو أن راضي الجراعي قد ألحق نفسه بالفكرة دون تبصر وتعمق ولكن هذا لا يعني أنه وجد نفسه هناك بالصدفة.
فهو بعد أن أجهز على حل الدولتين كما أسلفنا، أعلن نفسه مؤمنا بالدولة الديموقراطية الواحدة ثم عاد ولم يكتف بهذا الإيمان، بل بالعمل على الأرض بالمهمة الملقاة على عاتقه وعاتق أمثاله، فهو يقول:
“ولا يكفي أن نؤمن بالدولة الديمقراطية الواحدة بل يجب العمل على الأرض من أجل تحويلها إلى حقيقه واقعة..”
ولكن من أين يبدأ؟ ليس من دحر الصهيونية وتجريد اليهود من عنصريته، وإنما من البداية المطلوبة والتي تؤكد أن مهمة هؤلاء هي تغيير المبنى الذهني والثقافي الفلسطيني واستبدال رؤية التحرير برؤية التطبيع والتعايش مع الإستيطان. فهو يقول بصراحة:
“وذلك أولا بخلق إجماع فلسطيني على حل الدولة الواحدة وتوحيد الشعب الفلسطيني خلف استراتيجية واحدة. منذ النكبة 1948 تم التعامل مع الشعب الفلسطيني كأجزاء فقلنا للفلسطينيين في أراضي 48 بعد أوسلو أنكم إسرائيليون ويجب ان تندمجوا في المجتمع الإسرائيلي. وقبلنا بحل الدولتين من اجل حل مشكلة الاراضي المحتلة العام 1967، ولم نجد حلا لمسألة اللاجئين الذين لا زالوا يعيشون في مخيمات الشتات وفي الضفة الغربية وقطاع غزة بل وحتى في أراضي 48…”. فلم يبق إذن غير حل بلا حل. أي يبقى كل شيء في إطار دولة الاستيطان الاقتلاعي كما هي ودون المساس بالمستوطنين.
ويستمر:
“فقد فشلت كل الحلول المجزوءة لمشكلة الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون في إسرائيل يعانون التمييز العنصري بأبشع أشكاله، فقد جردتهم إسرائيل من أراضيهم وتريد منا اليوم أن نعترف بإسرائيل دولة يهودية بمعنى شطب حق الفلسطينيين في وطنهم، وكأننا نحن من نحتل إسرائيل. ولم نحصل على دولة في حدود الرابع من حزيران ولم نحل مشكلة اللاجئين”
وأكبر تبرير قدمه الجراعي في مقالته هو الرد على الدعاية الصهيونية الكاذبة:
“كما يجب أن نفكر
باستراتيجية جديدة تعطي حلاً إنسانياً وحضارياً للصراع في فلسطين التاريخية ألا
وهو الحل الديمقراطي. الدعاية الصهيونية عملت طيلة الوقت على لعب دور الضحية بدعايتها الكاذبة
بأن الفلسطينيين بل العرب يريدون أن يلقوا اليهود في البحر .
فطرح الدولة الديمقراطية
الواحدة يعري هذه الأكاذيب ويبعث رسالة الى اليهود بأننا كشعب نريد العيش في دولة
ديمقراطية تقوم على أساس الحرية والعدالة والمساواة دولة لجميع سكانها وللاجئين
الذين لهم الحق المقر من الشرعية الدولية بالعودة إلى ديارهم، والتعويض عن
عذاباتهم”.
طرح الدولة الواحدة يعري الأكاذيب، فلم يبق أمام إسرائيل إلا ما يراه راضي الجراعي. هذا إذا كان هو الذي يراه! وهو ما يلي:
“بيت لحم – تقرير معا قي 17 /5/2013 – تناقلت وسائل إعلام عدة نبأ مصدره صحيفة هآرتس العبرية، حول لقاء جمع قيادات من حركة فتح مع إسرائيليين في مدينة البيرة بمحافظة رام الله، في ذكرى النكبة، بهدف إدخال تعديل استراتيجي على الموقف الفلسطيني المتمثل بالدعوة لإقامة دولة ديمقراطية واحدة”
“وفي هذا السياق، أرتأت معا أن تتحدث مع أحد هذه القيادات الفتحاوية المشاركة، حيث نفى راضي الجراعي الذي ذكرت اسمه صحيفة هآرتس كأبرز المشاركين من حركة فتح، نفى وجود إسرائيليين باللقاء الذي عقد، موضحا أن من الإسرائيليين الذين تواجدوا الصحفية الشهيرة أميرة هتس”.
وقد صدر عنهم بيانٌ جاء فيه:
“إن هذا السيناريو من الحل (حل الدولة الديمقراطية الواحدة) يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى إيمان الشعب الفلسطيني به بكل مكوناته، وتبنيه كاستراتيجية كفاحية في وجه نظام التمييز العنصري القائم في فلسطين التاريخية. وإقامة حركة سياسية تتبنى حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، باسم “الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة”، والسعي للحصول على دعم وتأييد كل القوى الجماهيرية والديمقراطية في فلسطين والعالم التي تؤمن بالحرية، العدالة، المساواة والديمقراطية، واتخاذ سياسات واجراءات لمحاربة النظام العنصري الإسرائيلي، عبر المقاطعة والحصار العالمي لهذا النظام كما حصل مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. وخلق جماعات ضغط اسرائيلية ويهودية من جميع الفئات التي تتعرض للقمع والتمييز العنصري، والتحالف معها من أجل إقامة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين الخالية من أي شكل من أشكال التمييز بين بني البشر.
وعلى هذا الاساس فقد قررنا نحن الموقعون على هذه الوثيقة التاريخية تشكيل الحركة الشعبية لحل الدولة الديمقراطية الواحدة على كل فلسطين التاريخية، يعيش فيها سكانها بكل مكوناتهم وأعراقهم ودياناتهم متساوين في الحقوق والواجبات وسواسية أمام القانون.”
وأكد البيان في سياقه:
“إن إعادة حقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين لا يعني بأي شكل من الأشكال طرد أية عائلة يهودية من فلسطين وإنما على العكس يهدف لإجراء مصالحة تاريخية بين سكان فلسطين بكل مكوناتهم” (عرب48، 16/5/2013م.)
وكوادر فتح قد قدموا تطمينات بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم لن تمس بحقوق العائلات اليهودية.
ماجد كيالي والدولة الواحدة
أما ماجد كيالي فقد دخل للموضوع بعد تحفظ في التوقيت، فقد قال أن طرح هذا الشعار يتطلب تهيئة الموقف الثقافي الفلسطيني أولا، ولم يقل بأنه يتطلب قبول اليهود للفكرة والموقف، بما يعني أن المشروع موجه للفلسطينيين ومخاطبة الفلسطينيين. وقال أن الأمر يحتاج إلى تغيير كبير يطال الموقف والرؤيا الفلسطينية وفي مكان آخر قال أنه يحتاج إلى تغير في الرؤيا الإسرائيلية.
ولكنه مهد لطرحه وكأنه أمر صعب التحقيق وأمامه استعصاءات كبيرة. ففي مقالته المنشورة في (فلسطين صحيفة إلكترونية، في شباط 2011م) وهو يدعو لمغادرة شعار حل الدولتين يستدرك:
“و ـ ربما بات من الملحّ الخروج من حال الارتهان لخيار الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، ليس لتبين عدم واقعيته، وعدم قبول إسرائيل به، وإنما …. لكن هذه الدعوة للخروج من الارتهان لهذا الخيار لا يعني أن الخيارات الأخرى، الأفضل، باتت متاحة، لأن الأمر هنا لا يتعلق بالرغبات، وإنما بالإمكانات، وبموازين القوى والمعطيات اللازم توفرها لهذا الخيار أو ذاك. “
فهو هنا لا زال يتحفظ عن طرح الموقف بانتظار الوقت المناسب.
ويستدرك كذلك فيقول:
“فلربما أن الخروج من خيار الدولة المستقلة قد يفتح الباب على خيارات أكثر إجحافاً بحقوق الفلسطينيين، مثل تكريس الاحتلال الاستعماري العنصري ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، أو إقامة حكم ذاتي، أو العودة إلى نوع من التقاسم الوظيفي في الضفة بين إسرائيل والأردن، مع شيء من الإدارة الذاتية الفلسطينية.”
أي هو بالدخول على خيارات أخرى يبدأ بالخشية من طرح خيارات أكثر إجحافا وبطرح الاستعصاءات، ولكنه سرعان ما يعود وينساها مرة أخرى فيؤكد على أن الخروج من خيار حل الدولتين لا يعني الخروج من دائرة التسويات وهو يذكّر معارضي التسوية بأن موقفه بنقد خيار الدولة الواحدة لا يعني تأييده العودة إلى الكفاح، فيقول:
“ز ـ لعل التيارات المعترضة على خيار التسوية، والدولة المستقلة، معنية، بدورها، بإدراك حقيقة أن الخروج من دائرة هذا الخيار لا يعني حتماً العودة إلى خيار التحرير، عبر الكفاح المسلح..”. وهنا يطمئن من يمكن أن يظن أنه يدعو للتحرير عبر الكفاح المسلح.
ويستعجل كيالي في مقالته للوصول لمبتغاه بطرح الدولة الواحدة:
“ح ـ ما يتبقى أمام الفلسطينيين هو إمكان التحول من خيار الدولة المستقلة، نحو خيار الكفاح من اجل قيام دولة فلسطينية ديموقراطية وعلمانية في ارض فلسطين الكاملة، ما يقوّض الطابع العنصري والاحتلالي لدولة إسرائيل…”.
أي بعد أن برهن على فشل كل ما سبق من خيارات يحشر التفكير الفلسطيني في خيار واحد هو “دولة فلسطينية ديموقراطية علمانية”، مستعيرا هذا النص من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وأدبيات حركة فتح. بعد أن أحدث فيه وفي وسائل تحقيقه كل الموبقات، وبعد أن نفى فكرة العودة للكفاح المسلح كما ورد أعلاه وحدد النتيجة بتقويض الطابع العنصري والاحتلالي لدولة إسرائيل كما هو في النص الموثق أعلاه.
وعاد وأكد فكرته وكأنها من ضمن خيارات أخرى لم يذكرها، في بند سادسا من بيان للتوقيع المنشور على فيس بوك في7/12/2017م. حيث جاء تحت بند “سادسا”:
“سادساً: التحرر من الانحصار في الخيار السياسي الأحادي، المتمثل بالدولة في الضفة والقطاع، سيما بعد افلاس خيار أوسلو، بالانفتاح على خيارات موازية، وضمنها خيار الدولة الواحدة الديمقراطية، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بكل أشكالها، في كل فلسطين، باعتبار ذلك الحل الاجدى والأنسب للمسألتين الفلسطينية واليهودية في فلسطين، وعلى أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية والأمنية والأيدلوجية…”.
هنا يرفض الإنحصار في الخيار السياسي الأحادي المتمثل بدولة في الضفة والقطاع ويطلب الانفتاح على خيارات أخرى أحدها الدولة الواحدة الديموقراطية، ثم يخصب فكرته بتزيينها بأوصافها التي يطرحها علينا بعد تحققها، فهي دولة المواطنين الأحرار والمتساوين. ويؤكد أنها ستكون على أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية والأمنية، أي تزول تجلياتها فقط ولا تزول الدولة والاستيطان في فلسطين ولا حتى من الضفة الغربية كما هو واضح وكما دلت كتاباته الأخرى.
وهو يطرح في بيانه سيناريوهات تتعلق بإصلاح السلطة ووحدة غزة مع الضفة واللجوء للمقاومة الشعبية في حدود طاقة الجماهير (ويقصد السلمية) كي لا تتدخل إسرائيل بقوتها العسكرية للقمع، فيحصر دور السلطة في الصمود والخدمات أما مسألة الحل فتتم بوقف المفاوضات وتسليم الملف للأمم المتحدة:
“وتاليا تسليم ملف القضية إلى الأمم المتحدة للقيام بمسؤولياتها، في هذا الشأن، على اساس قرارات مجلس الامن والجمعية العامة وذلك إثر انهيار وفشل اوسلو وعدم قبول الفلسطينيين بالولايات المتحدة كوسيط…”.
حيث يعود للتسويات ويقول في “سابعا”:
“سابعاً: التوجه إلى المحافل الدولية لتعزيز مكانة دولة فلسطين، وفرض العقوبات على إسرائيل، وفضح سياساتها الاستعمارية والعنصرية، وضمن ذلك عزل السياسة الأمريكية الظالمة ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وضد قرارات المجتمع الدولي بهذا الخصوص”. والله بركة من الله، فالتوجه للمحافل الدولية يعطي كل هذه النتائج، إذن لماذا لم تنصح الناس من زمان بهذا السحر العجيب؟هنا يستعير تصريحات الجبهة الشعبية .
ويطالب بـ:
“..، وتعزيز العمل في أوساط المجتمع الإسرائيلي، لتنمية الاتجاهات المعادية للصهيونية، ولإسرائيل الاستعمارية والعنصرية، وإيجاد قواسم مشتركة لحل يتأسس على الحقيقة والعدالة والحرية والديمقراطية والمواطنة.” هل سننشر رجال الدعوة الإسلامية بين المستوطنين ولكن هذه المرة من أجل دعوتهم للتخلي عن صهيونيتهم. كيف سننمي الاتجاهات المعادية للصهيونية؟ أليس هذا رغيا فارغا. هو رغي ولكنه من أدوات تحقيق أهداف ماجد كيالي.
إنه بهذا يتقاطع مع كل من سبقوه، سواء في قبول دولة إسرائيل كدولة واحدة في فلسطين أو بتزيين الطرح تدليسا وطوباوية وخلق أوهام كاذبة أو بالتوجه بفكرتهم لإقناع الشعب الفلسطيني وبالعودة للتعامل مع سلطة أوسلو، أو بالإستعانة بالأمم المتحدة.
ومن ملاحظة الموقعين على البيان وجدت بينهم عدداً من تراث الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وفتح والشيوعيين وهذه ليست مفخرة لهم.
خاتمة
استطاعت أجهزة الأمن الإسرائيلية، مدعمة برجالات من المفكرين والصحفيين والساسىة إحداث خرق متوسع في جدار الموقف من تحرير فلسطين عربيا وفلسطينيا، وهم قد استطاعوا ويستطيعون إحداث اختراقات كبيرة طالت فصائل وأحزاباً فلسطينية وطالت رجالات وعي وتنوير فلسطينيين من أجل التساوق مع عملية تهويد فلسطين.
لقد قالت محامية دفاع عن الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ،واستنادا لتجربتها الخاصة، أن هناك عدة سبل لخدمة إسرائيل منها: التجسس وإعطاء المعلومات ومنها من يجندون في مجالات مختلفة وكلهم خطيرون، “غير أن أشدهم خطورة هم أولئك الذين يعطون حصة من قلبهم لخدمة العدو”.
وتتضافر على إسقاط الفلسطيني أجهزة أمنية ومستخدمون من النظم العربية وغير العربية.
كما أن الأمن الإسرائيلي زرع اختراقات عديدة وصلت إلى مواقع في الفصائل وقادتها ومتنفذيها، واعتمدت على سياسة طويلة النفس وممنهجة تدفع إلى التنازلات السياسية التدريجية ولا يهمها أن تكون تحت أشكال من الطرح المغطى بالحرص على القضية.
ثم وصلت إلى أوسلو الذي شكل الإختراق الأكبر والذي انعكست نتائجه على كل الصعد السياسية والإقتصادية والثقافية والأمنية والنفسية وصولا لزعزعة القيم والمفاهيم التي كانت تشكل سدا وطنيا منيعا في وجه اختراقاتها، كما فتح الباب واسعا على الفساد وتطوير دور الفاسدين في خدمتها.
إن الأوراق المطروحة والآراء المطروحة تحت عنوان دولة واحدة للشعبين تصب كلها في خدمة العدو وتكون نصرا له.
وأنت أيها الفلسطيني غير المخترَق: لا تفسح مجالا لهؤلاء كي يخترقوا وعيك وذهنيتك الوطنية بالشعارات الكاذبة والأوهام القاتلة للروح الكفاحية التحررية.
إحذر من هؤلاء جميعا ولا ترضَ لوطنك بديلا ولا ترضَ بتسليمه للعدو وليظل الشعار الناظم هو التحرير من كل اغتصاب ومن كل ظلم.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.