حتى والثورة المضادة تتقهقر في سوريا، إلا أنها كانت من الخبث بمكان حيث نبهت عصبيات إثنيات كانت قد تهتكت فلا تقوى على الوقوف دون استناد/إتكاء على سيدٍ ما لأن ضعفها المؤكد يجعلها بالضرورة متكئة على أحد، والمُتكىءُ عليه لا يقبل للمتكىء أن يكون نداً بل أداة. ذلك لأن لحقبة العولمة شروطاً غير شروط علاقات الاستجارة بين قبائل عاشت قبل عدة ألفيات. فالعولمة حقبة تاريخية حية الآن متوحشة وقحة وفوقية ومتعالية تنتصب واقفة على هامات تابعين لها من قيادات ومثقفي ترسبات إثنية لا تشكل قطعاً بنية مجتمعية ولن تشكل تشكيلة اجتماعية اقتصادية ذات قدرة على العيش لساعات وخاصة في عالم التكتلات عابرة المحيطات، لكنها، أي العولمة، أوحت لهذه الزعامات بان كل واحدة منهن شيئا مختلفا ما، وأوحت لمختلف بقايا الإثنيات بانها شعوب!
لم يكن هذا الإيحاء وليد اليوم، بل نتاج تجربة تاريخية إستعمارية طويلة امتدت على مدار حقب رأس المال (التجاري فالصناعي فالإمبريالي فالمعولم اليوم). لكن أشدها سحقا وإذلالاً للمتكِىء هي شروط حقبة العولمة التي انتقل العدو الغربي الراسمالي الاستعماري بأتباعه من سياساته في “فرق تسد” إلى “تفرَّق كي اسُد أنا عليك” وهذا جوهر الموجة القومية الثالثة التي جوهرها تذرير المحيط وتركيز المركز. ولا أدل على وصفنا هذا، على ما فيه من قسوة ناتجة عن مرارة وقرف، من ما تفوه به نموذج قيادة العولمة دونالد ترامبو لصنيعة بلاده سلمان بن عبد العزيز : “بدون حمايتنا لا يصمد حكمك أسبوعين”. فإذا كان حال مملكة العتمة كذلك، وهو فعلاً كذلك على ما بها من ثروات، فما مصير تفكيك الديمغرافيا السورية إلى “سوريات متعددة” من المحال فرز كل كومة بشرية عن الأخرى ومن ثم من المحال تفكيك الحيِّز وتقاسمه فيها بين تلكم الأكوام! كل كومة في كيان يجري اختصاره إلى اصغر وأدنى منزلة عشرية؟ كيف سيصمد من يصر على رفض عروبة سوريا أمام الترك والصهاينة والفرنسي والأمريكي إلا إذا أعلن نفسه مرتعاً للجميع. تؤكد هذه الاستحالات بان الثرثرة عن هويات صغرى في سوريا هو مشروع غربي صهيوني إضافي مقصود به خلخلة المجتمع وإعاقة النصر لأطول فترة ممكنة تحمله بالطبع أدوات بيد تسمى نُخبا سياسية وثقافية يوفر لها العدو إمكانات مالية ومنابر إعلامية وحتى عسكرية كي تُشعل نارا داخلية إثر كنس الإرهاب المعولم من معظم الجغرافيا السورية. ونقصد بذكر الجغرافيا فقط لأن الديمغرافيا تعاني وجود احتقانات رهنت نفسها للعدو، وهنا ليس المقصود أل كر-صهاينة فقط.
ألا يكفي هذا ليكف كثيراً ممن يدعون للسورنة/ات سواء عن جهل أو رشوة؟
إعادة تصنيع هويات وتجميع أشلاء أخريات:
دائماً لكل نظام سياسي طبقي مثقفيه العضويين، بل مدارسه ومفكريه وأكاديمييه وعملائه بالطبع. لذا، ليست الحروب التي قررتها الإمبريالية وأنظمة وقوى الدين السياسي وحدها هي التي تقوم بتصنيع قطع غيار لهذه العصبيات والهويات التي فتك بها تقادم الزمن وبعثرها مما جعل تجميعها أصعب من تجميع أزوريس لقطع جسد إيزيس. بل إلى جانبها وفي خدمتها محلياً شرائح أو حتى مجموعات كمبرادورية في إثنيات محلية يُهيَىء لبسطاء هذه الإثنيات أنهم قوة عظمى ما، فينتحرون تحت أحذية زمن العولمة القاسي. ذلك لأنهم يرون قوتهم من قوة السيد الذي يعظهم بالفردية القصوى، والتفتت اللانهائي، بينما تعمل كتل العولمة الكبرى لنفسها على تكتل أوسع!
على المستوى النظري لعل المدرسة الأهم في تصنيع الهويات الجديدة وتجديد هويات ماتت هي مدرسة فرانكفورت التي خدمت متطلبات الإمبريالية والعولمة معاً كما لو كانت المستوى التنظيري الفكري للصهيونية “اليسارية” حيث تبدو في مظهرها يسارية، بغض النظر عن الأكثرية اليهودية فيها، لكنها صهيونية من جهة وأمريكية من جهة ثانية. فهي في أغلب أطروحات روادها تكاد تكون مدرسة محصورة في الفاشية أو بكائية على الهلوكوست وأوشفيتس مما جعلها، وربما أرادت، خادمة للصهيونية ولذا ليس غريباً أن من احتضنها كانت الإمبريالية الأمريكية. هذا من جهة ومن جهة ثانية، فقد كانت في أحسن أحوالها مركزانية أوروبية أو حتى صهيونية إذ لم تتعاطى مع الكولونيالية وكأن الكولونيالية الأوروبية كانت تحدث في كوكب آخر! وهذا طبيعي لأن الكيان الصهيوني هو المثال الأقبح على الكولونيالية الاستيطانية وربما هذا كان ما يربكها ويبعدها عن أي تعاطْ مع الكولونيالية. إنها على العموم مثابة قصيدة مليئة بالنواح على اليهود، وعلى اليهود فقط. كان أعظم إحراج لهذه المدرسة ما أبدعه سيزيز وفانون بان الفاشية ليست سوى الكولونيالية وقد أُعيدت إلى أوروبا.
نؤشر إليها هنا أي في هذا المعرِض، نظراً لتركيز هذه المدرسة على تناسل الهويات وردها إلى أصغر منزلة عشرية وتوليد هويات إما ماتت وإما لم تكن فهي وصفة إمبريالية في منتهى الخطورة لأنها تنوب عن الاستعمار العسكري المباشر في تفتيت المحيط ومن ثم تخليد دونيته وتبعيته للاستعمار في طورَيْ رأس المال الإمبريالي والمعولم.
في مستوى آخر، كان الصهيوني برنارد لويس أشهر من نظَّر لتفكيك الوطن العربي وخاصة المشرق منه حيث اعتبره مجموعة فسيفساء يجب تفتيتها بدل الإقرار بأنها تنوع إيجابي تم تداخله وانصهاره في العروبة. وكانت London School of Economics هي مركز دعوته وأبحاثه هذا إضافة إلى انخراطه في سلك المخابرات البريطانية ورحيله لاحقا إلى المركز الإمبريالي الولايات المتحدة، وهو الذي اخرج عدة سيناريوهات لتفكيك الوطن العربي.
من هذين المصدرين الصهيونيين والمعاديين للعروبة يستقي دُعاة السوْرنة الخلفيات النظرية والسياسية لأطروحاتهم مع متابعة ما يجد عليها في المراكز الغربية الراسمالية المعادية.
وتناسل الهويات، أو استلال هويات من بقايا غبار التاريخ أكثر ما يهدف إليه اليوم هو تفتيت الوطن العربي وهذا ما نلاحظ تجاوبا معه في سوريا من كثيرين ربما معظمهم لا يعرف عن ماذا يتحدث.
الحرب هذه المرة على سوريا وبإسم سوريا:
على مدار السنوات الثماني من الحرب على سوريا، بدأت وها هي تتسع حرب من سوريين على سوريا حيث وصل بعضهم إلى رفع عقيرته ب “تحرير” سوريا من العرب، من قريش! ومن يدري اين قريش الآن! (أنظر الملحق) وهو شعار شاء هؤلاء أو ابوا هو أغلى ما تطلبه الصهيونية لأن نكران عروبة سوريا يعني أن القضية الفلسطينية ليست سورية بل تخص عرب الجزيرة فقط لأن هؤلاء المدعين بانهم هم سوريا يرون العرب فقط في الجزيرة! هذا كي يوصلوا فلسطين لتخص الفلسطينيين وحدهم. وهم يعرفون في دخيلتهم بان العدو الحقيقي للصهيونية هي العروبة، وليسوا هم قطعا وتأكيداً.
وهذا يطرح السؤال إليهم/ن بتنويعاتهم/ن : هل فلسطين جزء أُقتطع من سوريا؟ فمنهم من يرى سوريا في جميع تمفصلات سايكس-بيكو (سوريا الحالية والأردن وفلسطين ولبنان) ومنهم من يضيف إليها العراق، ومنهم من يتعاطى معها بتفكيك وتركيب قطع ليجو. كان الراحل ناهض حتر مثلاً، ضد الفلسطينيين وهو أردني، وحين أدرك أن ضياع سوريا يعني فناء الأردن قرر توسيع الفرجار فأصبح سورياً.
وبعيدا عن فلسطين، يبدو أن السوريين الجدد يطالبون بأصغر بكثير من كل هذه الحيزات الجغرافية، فسوريو ما بعد المجزرة يدعوننا إلى سوريا المفرزة التي تضع كل من هو في سوريا في مختبر ليفصل العربي عن السوري وكل سوري عن كل سوري آخر، مسلم مسيحي، كردي، درزي علوي سني شيعي سرياني ارثوذكسي آرامي…الخ. ولا شك بأن ماكينة الفرز هذه هي تصنيع صهيو-امريكي.
ورغم أن هؤلاء هم اليوم تلامذة/ادوات الغرب وخاصة المستوطنات الراسمالية البيضاء، أي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني فإنهم لا يرون أن كلتي الدولتين الإستيطانيتين مكونتان من تجميعات واستجلابات بشرية مُحدَثة من مختلف قوميات الكوكب لم يتم الحسم بتعايشها الداخلي/الذاتي مقارنة بالعيش العروبي منذ خمس عشرة قرناً. تكفي الإشارة إلى وجود حركات شعبية كبرى في ولايات الجنوب كاليفورنيا وتكساس تطالب بالانفصال عن واشنطن، ناهيك عن قلق البيض من التزايد العددي للمكسيكان وغيرهم من غير البيض الأوروبيي الأصل.
إذن منذ بداية العدوان بتمفصلاته الداخلية وليس الخارجية فقط بدأ مشروع تفكيك الانتماء لسوريا ، عبر تأجيج حقد ثأري متخلف هدفه رفض عروبة سوريا. تأجيج يزعم أن العرب هم فقط حكام الخليج بوجههم الدموي المتخلف والوحشي التابع، ولا يرى دور الإمبريالية بل الغرب باجمعه ضد سوريا والعروبة، ولا يرى الدور الصهيوني، وإن زعم رؤيته لهما فذلك لذر الرماد في العيون. إنه تقديس سوريا عبر تمرير المشروع الغربي القديم في تفكيكها من داخلها وهو تفكيك هذه المرة ليس فقط بالحّيِز الجغرافي بل بتفكيك البشر/السكان. كيف سيتم هذا!
اتخذت هذه الموجة أشكالا عدة منها ثرثرة بسطاء ومنها كتابات عشوائية ومنها تأليف تاريخ لم يحصل، ومنها بكائيات تنسب الحرب التي تُدار ضد سوريا إلى عرب بينما تتجاهل بقصد أن كل ما يُدار ضد سوريا هو من الغرب الذي يرتبط به كثير ممن يزعمون الدفاع عن سوريا ومحبتها….الخ.
وهكذا، بدل أن تكون آثار الحرب توسيعاً للذهنية الجمعية السورية نجد تكاثرا للذهنية النكوصية إلى حد محاولة حصر سوريا وفكها عن عروبتها من جهة وتفكيكها من الداخل وهو تفكيك يؤدي إلى جعلها خليطاً بشرياً لا تشكيلة اجتماعية اقتصادية، بل أقرب إلى ما قبل تكوين الأمم ومن ثم الدول.
وهذا سبيل لا يتوقف عند جغرافيا سوريا بل إن مآله الطبيعي أن ينخر المجتمع السوري نفسه لتفريخ هويات صغيرة في سوريا على شكل الطوائفية اللبنانية واقل كثيراً.
فالذين يدعون إلى فك سوريا عن العرب وبعضهم يعود إلى ما يسميه الاحتلال القرشي لسوريا، لم يقل لنا مثلا: ما هو أصل عشرات إن لم نقل مآت ألاف السوريين الذين استقبلوا وانخرطوا في الإرهاب ضد سوريا هل هم من بقايا قريش؟ هل هم من نجد، من الحجاز، من الأحساء! هل هم عرب، سنة شيعة، هل هم مسلمون، مسيحيون، شيوعيون، قوميون، سريان، أرمن، شركس كرد…الخ أم هم من كل هؤلاء.
وهل غير العرب الذين استجلبهم الاستعمار العثماني لتدمير سوريا بل وإسقاطها، هل هم عرباً؟ لقد أتى هؤلاء باسم الإسلام، فهل يعني هذا أن الإسلام عدو لسوريا “غير العربية” التي يدعون؟ وإذا كان الإسلام عدوا لسوريا، فهل المسيحية الغربية التي خططت وقادت كل هذا الدمار صديقة لسوريا؟ أليس بين الإرهابيين وقادتهم مسيحيين سوريين ايضا؟ هذا إن لم نقل بأن المسيحية الغربية قد احتلت المسيحية الأصلية الشرقية وحولتها إلى أداة في خدمةرأس المال، أي أنها رسملت المسيحية.
وحيث يرفض هؤلاء قريش سواء ك “غزو أو دين إسلامي” فهل السوريين “الحقيقيين” هم فقط المسيحيين؟ هذا دون أن نسأل ما هو أصل مسيحيي سوريا الذين كما نعتقد أتى كثير منهم اصلا قبل المسيحية من الجزيرة العربية.
باختصار، إن قراءة المجتمع السوري على خلفية الهويات سيُوْدي، بل يودي قصداً بسوريا إلى هاوية تفكيك هوياتي، عربي وغير عربي، مسلم ومسيحي، سرياني وعربي، سني وعلوي، ارثوذكسي وإنجيلي وصولا إلى توصيل كل من هؤلاء ليكون دولة بذاته، وهو ما يُحال حصوله مما يكشف ان الهدف منه إعاقة نهوض سوريا وبالتالي استخدام دُعاة السورنة/ات كمطايا مؤقتة أو عِصيَّا في الدواليب، تُحرق لاحقاً بعد انتهاء، اي فشل دورها، وتُرمى في مزبلة التاريخ، بعد أن خدموا الأعداء سواء الغرب او الصهيونية او الوهابية أو العثمانية.
وهذه في الحقيقة هي استراتيجية الإمبريالية في توليد الموجة القومية الثالثة على صعيد عالمي وخاصة في الوطن العربي اي التفتيت الشامل لكل قطر عربي عبر تخليق هويات إثنية وطائفية متناقضة ومحتربة.
تقاطعات تفريخ الهويات تفريخات كولونيالية:
قبيل حقبة العولمة، جرت أكثر من محاولة من العدو الغربي لتخليق كيانات هوياتية اصغر حتى من سايكس بيكو. لم يكتفِ الغرب وخاصة فرنسا بتقسيم سوريا إلى أربعة قطع بل حاولت تقسيمها مجددا إثر الاحتلال الفرنسي لها. حينها كان في سوريا زعماء عظام من مختلف الطبقات الاجتماعية السورية فمات مشروع غورو قبل أن يموت هو.
لم تتعظ من هذا وجاهات الموارنة في لبنان فحاولوا تقليد الكيان الصهيوني ليخلقوا جيبا فرنسيا فرانكفونيا صهيونيا في لبنان، فرد عليهم سيدهم أن : لا جيبا مريضا هنا سوى الكيان الصهيوني. والمثير للسخرية أكثر أنه حين ثرثرت م.ت.ف عن تخليق تايوان في الضفة والقطاع، قيل لها، لا تايوان هنا غير تايوان الصهيونية.
لكن حقبة العولمة وجوهرها النيولبرالي جددت اللعبة لتخليق هويات متصاغرة شريطة أن لا تقوى اي هوية منها على الوقوف بذاتها حيث شرط إثارتها هو التبعية والتخريب والتفكيك فقط. فمن شروط الهويات الكبرى توليد أو تصنيع/تخليق هويات صغيرة ملحقة بها يحملن لها الطيب والبخور أو كريه الروائح. لذا أشعلت الولايات المتحدة مسالة “حماية الأديان” لتضرب وحدة المجتمع المصري. كان ذلك قبل ضرب أي بلد عربي آخر من داخله في حقبة العولمة . ذلك لأن مصر هي أكثر بنية وتشكيلة مكتملة في الوطن العربي. التهم هذا الطعم بعض المصريين لكن المؤامرة لم تفلح، فجيء بقوى الدين السياسي كي تكملها متحالفة مع التروتسك!
إن الدرس الذي لم يفهمه دُعاة تصاغر الهويات، هذا إن كانت جميعها موجودة، أو يمكن تجميع الواحدة منها في ما لا يزيد عن ملىء مدينة أو حتى قرية، بأن الهوية الصغيرة المسموح تخليقها هي “هوية” الصهاينة فقط، أما الهويات المختلقة الأخرى، فهن جواري يحففن بالكيان الصهيوني ويغنين له.
ولا يجب ان يغرب عن البال ان من يدعون بنقاء “سوري” ضد عربي وما قبل عربي، إنما يكررون المعزوفة االصهيونية عن امتداد يهودي أو “دولة إسرائيل” منذ ثلاثة آلاف عام. ويبدو أن هذه أل “إسرائيل” كانت في ثلاجة التاريخ من حينها إلى اليوم ليتم إنعاشها بدفيئة تحت حرارة نفط الخليج.
وإن كان دُعاة أصغر سوريا ممكنة قد إستأنسوا بتجميع بشري من اربعة أرجاء الأرض باسم اليهودية، وليس اليهودية الحقة ، فإن تجميع هؤلاءلم يكن إلا استهدافاً للعروبة التي ليس دُعاة “السوْرنة/ات” سوى خدماً لهذا الاستهداف يُرمى بهم على قارعة الموت بعد تنفيذ ما أوكل إليهم. وهل من شاهدٍ أوضح على هذا أكثر من التلويح لكرد العراق ثم ركلهم، واليوم ركل كرد سوريا حتى وإن حُقنوا بدم النفط السعودي الإماراتي. ولن يكون دُعاة السورنة سوى نسخة كئيبة عن الكر-صهاينة، وحينها ….سيعودوا عرباً من طراز نفطي!
فإذا كان أصل السريان ليس عربيا وبقوا كما هم حتى اليوم، وإذا كان العرب الذين فتحوا الشام بقوا كما كانوا أي قرشيين تماماً، فلماذا إذن لا تكون حقيقة تلك الخرافة الصهيونية عن امتداد اسرائيل 3000 سنة؟ إن زعم “النقاء” السوري، وفرزه عن العروبة ليس سوى خدمة لما يسمى “النقاء” اليهودي ومن ثم تشريع اغتصابه لفلسطين التي تؤكد الدراسات الأركيولوجية أن مملكة يهودا لم تكن في فلسطين.
إلى جانب التأثير الصهيوني في دعاة “السورنة”، نجد التأثير الوهابي /آل سعود بمستويين:
· احتلال العروبة بالنفط من قبل الوهابية وتقاطعه مع دُعاة التفكيك والتفجير الداخلي الذي يطنطن له فريق السورنة لتفجير سوريا من الداخل وتصغيرها إلى أصغر وإلى أدنى منزلة عشرية.
· وتشويه العروبة بالوحشية الداعشية بل وحشية كافة انظمة وقوى الدين السياسي مما يشجع دعاة السورنة على كراهية العرب على اعتبار أن آل سعود هم العرب.
وعليه، إذا كان دعاة السورنة قد صُدموا بدموية الوهابية وقوى وأنظمة الدين السياسي، فإنهم في هجمتهم ضد العرب يُسدون لها خدمة هائلة لأن هذه الأسلمة إنما هدفها نفي القومية العربية والدعوة إلى أمة إسلامية. هذا مع العلم أن مختلف قوى الدين السياسي في عالم الإسلام لا تعادي قومياتها مما يحصر عداء قوى الدين السياسي ضد قوميتها فقط في قوى الدين السياسي العربية!
وهذا بدوره يتقاطع مع المشروع الإمبريالي لتفتيت الوطن العربي. وهنا أيضا تجد السورنة مقعدا مريحا لها ضد العروبة، وبالطبع هو مقعد في آخر الصف دوره التصفيق لانتحاره الذاتي.
إن ترف الهويات الأكاديمي في الغرب الرأسمالي ليس سوى تمارينا رياضية في بلدان اكتمل تطورها مما جعل هذا الترف مجرد طقوس تماما كالذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد قبل أو بعد أن قام كجندي بالقتل بدم بارد في العراق أو أفغانستان…الخ، ، بينما في وطننا العربي يشكل ترف تصاغر الهويات مدخلا للزوال.
السورنة وحكمة الاقتصاد السياسي من زنوبيا حتى الصين:
ماذا لو لم تكن مملكة زنوبيا مجرد مدينة؟
هذا ما تداعي لي وأنا اقرأ دُعاة يقولون قُلْ” أنا سوري” “هويتك سورية لا عربية”.
فلو كانت تدمر امبراطورية، هل كان للرومان أن يهزموها؟
العبرة اليوم عبر فهم الاقتصاد السياسي الذي يفرض نفسه على الكوكب بأجمعه بمعنى أن بُغاث الدول حتى لو كانت ثرية لن تصمد دون الاحتماء بالأكبر كما أشرنا في البداية. أي ان صغار الدول بل الكيانات لن تكون سوى جواري عند سادة العالم، اي لدى الدول الكبرى جغرافيا وبشريا واقتصاديا وعسكريا.
إنه عالم الكتل الكبرى، فما الحكمة في تصغير سوريا إلى مجموعة من الشراذم؟
ماذا وراء هوس صغائر الكيانات غير ارتباط نخبتها/قشرتها بدوائر الإمبريالية والصهيونية كما ترتبط قيادات الطوائف حيث تعيش هي على ظهور مطاياها من بني طائفتها.
ما قيمة أن تكون سوريا جائعا وفقيرا إلى جانب سوري ملياردير كما هو حال الطائفيين في لبنان ومجدداً العراق.
إن الذين يدعون لنفي عروبة سوريا متكشين على ما كان من فساد واتباع سياسة السوق الاجتماعي أو الدردرية إن صح التعبير إنما يدعون إلى مشروع تكون سوريا ما قبل العدوان جنة الله على الأرض مقارنة بما يدعون له. إضافة إلى ارتباط هؤلاء بالثورة المضادة، هم يتعاطون مع نصف التحليل الطبقي لأن التعاطي مع كامل التحليل الطبقي يعني وجوب تصفيتهم. هم يعرفون مصالحهم الطبقية بما هم كمبرادور وطفيليون ويغطون هذا بزعيق هوياتي وطائفي كي لا يُدرك اتباعهم من الفقراء بأن سوريا الغد هي سوريا الطبقات الشعبية وسوريا المقاتلين دفاعا عنها.
تحوي الطوائف بنى طبقية يُحال دون تلاقي فقرائها ببعضهم بينما تتلاقى قيادات الطوائف وتتقاسم دم فقرائها إلى حد مشارفة لبنان على الغرق دون أن تتزحزح قبضات كمبرادور الطوائف عن اقتصاد الفقراء. إن إحلال الهوية الطائفية أو الإثنية محل الهوية الطبقة والهوية العروبية هو استبدال السرديات الكبرى سواء القومية أو الطبقية الاشتراكية بسرديات التبعية حد العمالة.
إن توجهات السورنة بعد حرب المذبحة ضد سوريا بهدف نقلها إلى مفرزة بقايا فتات إثنيات يتم تبادلهن في مخادع العدو الغربي والصهيوني، بدل نقلها إلى التنمية بالحماية الشعبية، وإلى التبادل المتجه شرقاً، هي توجهات تكشف أن استهداف الأنظمة التي قادها عروبيون في مصر وسوريا والعراق كان مقدمة لما يدعو له هؤلاء وامثالهم في مختلف أقطار المشرق والمغرب.
وإذا كان المركز الراسمالي الغربي قد خلق الكيان الصهيوني ليحميه، فقد خلق فتنة الإثنيات والطوائف ليمتطيها مؤبداً.
■ ■ ■
ملحق:
المقصود دُعاة عدم عروبة سوريا وخاصة النص أدناه والذي أورده ونقده على صفحته الرفيق د. بهجت سليمان .
▪ النّصّ المقصود صادر عن ”موقع سلسلة الوعي” [ المزعوم ] بعنوان ” سوريّون حول العالم – سوريا ليست عربيّة ” .. ، ويقول هذا النّصّ بِحَرْفِيَّتِهِ :
[ “عزيزنا العروبي #السوري، لا تعجب، بل تواضع لسوريتك وتعلَّم..
[ “ مشروع #الإحتلال_العربي_القرشي الذي أسَّسته الإمبراطوريات الحاكمة قبل 1400 سنة في #سوريا، وبقي وتمدَّد حتى تبدَّد، لا يعني أن #سوريا_عربية، فجميعنا نعلم أن سوريا حضارة قبل أن تكون دولة، وأنها كانت قبل أن يكون فيها شيءٌ إسمه عرب بآلاف السنين.. كوننا نتحدث #العربية اليوم مع سوريين عرَّبهم الإحتلال العربي القرشي، وصاروا لا يجيدون التحدُّث إلا بلغته العربية، فذلك لا يعني أن سوريا عربية.. سوريا كلمة ليست عربية، #دمشق كلمة ليست عربية، #حلب و #حمص و #حماة و #تدمر و #اللاذقية و #طرطوس و #درعا، إلى آخر أسماء #الحواضر_السورية، جميعها كلمات تشهد صارخة أن سوريا ليست عربية.. عزيزنا العروبي السوري، سوريا تشهد بكل ما فيها أنها ليست عربية..
[ “ #العروبة مشروع سياسي عسكري، حاكم بالقوة والقهر والقتل والإغتصاب، مع شعاراتٍ إلهية وثقافية وأخلاقية مزيَّفة، أسَّسته روما وفارس في سوريا قبل 1400 سنة، بقي وتمدَّد حتى تبدَّد، ثم أعادت إنتاجه #بريطانيا في جزيرة العرب قبل حوالي مائة سنة، وتمدَّد، ثم حمله #جمال_عبد_الناصر في #مصر، وتمدَّد، ثم تنازع عليه #حافظ_الأسد في سوريا، و #صدام_حسين في #العراق، حتى تبدَّد.. فشل المشروع العروبي وتبدَّد، لأنه ببساطة مزيَّف، حمله المستعربون لصالح إمبراطوريات، وحاربه العرب لصالح إمبراطوريات مضادَّة.. لا يجوز للسوريين الإستمرار في مشروعٍ مزيَّف، وهدر مقدَّراتهم الوجدانية والحضارية والإقتصادية في محاولاتٍ عبثية خاسرة لإحيائه وهو رميم.
[ “ #العرب قومية من القوميات التي إستوطنت سوريا، لا مانع لدى سوريا أن يحملوا هويتها السورية، فيكونون عرب سوريين،طالما كانوا يحملون قيم حضارتها، ويشاركون بقية القوميات السورية في بنيانها،ولكن لا يجوز للعرب إغتصاب #هوية_سوريا وجعلها زوراً عربية، كما لا يجوز لغيرهم من القوميات التي إستوطنت سوريا إغتصاب هويتها لصالح أيِّ قوميةٍ من قومياتهم..
[ “ بالمناسبة، #أمريكا تتحدث #الإنكليزية ولا تحمل الهوية الإنكليزية ولا القومية الإنكليزية، كذلك #سويسرا تتحدث #الفرنسية ولا تحمل الهوية الفرنسية ولا القومية الفرنسية.. وإذا كان في سوريا من هو مصِرٌّ على تعريب سوريا فهو ببساطة مزيِّف وطائفي قومي، وهو بذلك لا يختلف عن زيف وطائفية #داعش الإجرامية..
[ “ عزيزنا العروبي السوري، ما دمت ضد الطائفية فآمن بالهوية السورية، ولا تروِّج لعروبة سوريا، يمكنك أن تكون عربياً تحت مظلة #الهوية_السورية، ولا يمكنك أن تجعل سوريا عربية، فسوريا أكبر منك ومن كل العرب.. كلمة العربية في إسم الجمهورية هي كلمة تزييف وتمزيق لهوية سوريا ونسيجها الوطني والإجتماعي والحضاري، وهي جهر وقح بالطائفية، هي خطيئة منتنة لا يكفِّرها إلا نزعها.. إنها سوريا أيها السوري، فخامة إسمها وحضارتها تكفيك شرفاً وفخراً وتزيد، وهويتها السورية وحدها لا شريك لها هي المظلَّة الجامعة لقوميتك ولكلِّ القوميات التي إستوطنت أرضها منذ آلاف السنين” ] .
[ “السوريون حول العالم” ] .
( انتهى ” النّصّ” ) .
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.