التبعية الفساد الاستبداد العلاقة الجدلية ومفاعيلها في دول المحيط، المبادرة الوطنية الأردنية

في سياق تطور النظام الرأسمالي العالمي، وعبر تقسيم العمل، تشكل مركز ومحيط، مركز يسيطر على المحيط ويستحلب ثرواته وموارده ومقدراته ، نشأت علاقة تبعية تؤبد حجز إمكانية التطور الطبيعي لدول ومجتمعات المحيط، وبدلاً من التطور الطبيعي لهذه الدول يتم إحداث تطور مشوه.

تكمن مصلحة المركز الرأسمالي في ديمومة تبعية دول ومجتمعات المحيط له، وتقوم مراكز الدراسات والأبحاث التابعة، بتقديم التوصيات والتقديرات والأفكار والأساليب والآليات لأصحاب القرار في المركز الرأسمالي العالمي، من أجل تأبيد التبعية على كافة الصعد: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والتعليمة والإعلامية…الخ.  

ففهم التبعية، ومفاعيلها في دول ومجتمعات المحيط، هي قاعدة ارتكاز أساسي وضرورة موضوعية، لفهم آلية هيمنة المركز على المحيط ، والنضال من أجل الانفكاك من هذه العلاقة، من أجل صياغة مشروع النضال الوطني التحرري، من قبل الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة وممثليها، لإحداث التغيير المنشود لصالح هذه الشرائح والمجتمع والدولة.

فهم علاقة التابع بالمتبوع، التي  تحتكم إلى قانون التبعية، ومن ثم فهم تداعيات هذه العلاقة على بنية  ووظيفة الدولة والمجتمع التابعين، هي شرط أساس لإحداث التغيير.

هذه المقدمة ضرورية لكافة المعنيين في النضال الوطني العام والمعنيين في الحراك اليومي، من أجل صياغة المشروع الوطني وأولوياته وآليات إنفاذه، ومن أجل تحديد أصحاب المصلحة الحقيقية في إنفاذ هذا المشروع- مشروع التحرر الوطني –  الذين هم بالواقع الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، وصغار الموظفين وصغار التجار وصغار المزارعين ومربي المواشي، وكافة المعذبين والمهمشين.

ضمان هيمنة المركز وتبعية المحيط تعتمد آليات وتفرض شروط، من أهمها:

1: الهيمنة على ثروات ومقدرات وإمكانات دولة ومجتمع المحيط التابع، والسيطرة على القرار السيادي لهذه الدول والمجتمعات، مما يحجز إمكانية التطور الطبيعي لهذه الدول والمجتمعات.

2: الهيمنة على القرار الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي والإداري ، الذي يحدد شكل تطور البني التحتية والفوقية، وبالتالي التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية المشوهة القائمة بالفعل وفي الواقع، لهذه الدول والمجتمعات.

3: الهيمنة على التعليم والإعلام من أجل إنفاذ أحد أهم شروط الهيمنة ” صناعة القبول وثقافة القطيع” حيث يتم تشكيل الرأي العام وتوجيهه وتزيفه لكي ينصاع طوعاً للهيمنة.

4: والأهم في هذه المعادلة هي بناء قوى تابعة في قلب هذه المجتمعات والدول: قوى تابعة في الحكم وفي السوق وفي صفوف النخب تحمل على كاهلها مهمة إنفاذ مشروع الهيمنة، لكي يبدو وكأن التناقض الرئيسي هو مع هذه القوى وليس مع المركز المهيمن، لا بد من الاعتراف بأن هذا التكتيك ينطلي على كثير من القوى والفعاليات، حيث تصبح الأدوات وكأنها صاحبة القرار أمام هذه القوى والفعاليات.

5: الفساد والإفساد هي آلية الحكم في الدول التابعة، وذلك نتيجة غياب القاعدة الاجتماعية لقوى التبعية في الحكم، ليتم شراء قاعدة عبر الفساد.

6: العمل المثابر على احتواء / إجهاض التحركات بكافة صورها: الوطنية و المطلبية وإنتاج حالة من الإحباط واليأس من هذه الحراكات.

7: التركيز على “الإصلاح” وشعاراته البراقة ضمن التبعية بديلاً عن التغيير لكسر التبعية، وفتح الآفاق الفعلية لتحقيق الاستقلال الناجز، للتحرر وبناء الاقتصاد الوطني المستقل الذي يضمن القرار الوطني المستقل.

بالمقابل ليس هناك من بديل لكسر التبعية من:

تبني مشروع التحرر الوطني من قبل الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة صاحبة المصلحة الحقيقية في إنجاز المشروع وبناء الحامل الاجتماعي لهذا المشروع لأنها الضمانة الأساس لتحقيق الانتصار النهائي:

كسر التبعية وتحرير الإرادة السياسية وتحرير الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية وإنفاذ تنمية متمحورة حول الذات الوطنية وبناء دولة الأمة.

 

“كلكم للوطن والوطن لكم ”   

17 يناير 2019  

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.