ملاحظة من “كنعان”
ننشر هذه لدراسة للزميل د. عادل سمارة في جزئين.
يتضمن الجزء الأول:
1) مقدمة
2) سوريا والأنظمة
3) هَزَمت البارود فيجب ان لا تغرق بالنفط
أما الجزء الثاني فيحتوي على الفقرات التالية:
4) سوريا والإحزب المتسللة
5) سوريا والإعلام
6) سوريا والمثقفون
7)غياب النقد
■ ■ ■
الجزء الأول
يخال المرء أن مجتمعنا/مجتمعاتنا العربية 400 مليون جُلُّهم من الملوك ما من وجود لرعايا قط. فهمنا أن هناك حكاما يرفضون النقد وحتى النصائح، وأنظمة تفتقر لبرلمانات وأنظمة أخرى ببرلمانات شكلية وتخلو من الحزبية بالمطلق أو تسمح بأحزاب على مقاس السلطة، لكن من الصعب مجرد تخيُّل مدى تعمق “ثقافة” عدم نقد الذات والاعتذار والأخطر القبول الجماهيري مجدداً بالمتورطين والمتساقطين وحتى الخونة وكأن شيئا لم يكن!
هذا المناخ الذي يرفض النقد ويُغريه التدليس والتواطؤ مناخ يُبيح طعن وخذلان العام والوطن ويحمي الفرد أو الحزب أو النظام من النقد والمحاكمة في حالة الخيانة والاصطفاف في صف الأعداء. هذا “التحصُّن والتحصين” من النقد والمواجهة أفرز حالة غريبة فريدة في سلبيتها مفادها: المهم قداستي “أنا” وبعيداً عني تصرف بكل شيء حتى الوطن كما يحلو لك.
هذا المناخ هو توليد مِنْ، وفي الوقت نفسه مُوَلِّد:
- الثورة المضادة بثلاثيتها: المركز الإمبريالي الثلاثي طبعا: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي واليابان.
- والأنظمة العربية القطرية التابعة (الرأسمالية الكمبرادورية والطفيلية والريعية) بمن فيها انظمة وقوى الدين السياسي والاتجاهات الضد-عروبية بمختلف ارتباطاتها
- وطبعاً الكيان الصهيوني.
وهذا ولَّد تنويعات من الأحزاب والمثقفين في الوطن العربي تكيَّفوا مع الثورة المضادة وتوزعت ولاءاتهم طبقاً لعلاقاهم ومصالحهم وبالطبع يقبلون إصدار، ويصدرون، أحكاماً عامة ضد العرب وثقافتهم وتاريخهم وحاضرهم والتنبؤ المقيت بمستقبلهم، لكنهم يرفضون أي مستوى من النقد الذي يُطال مواقفهم اياً كانت ومهما كان مصدرها! إنه التكفير بالعام حماية وتغطية على التقصير الخاص الحزبي حتى الفردي.
هذا التواطؤ الذاتي مع العوامل والقوى السلبية استغلته أنظمة عربية كانت علانية في مقدمة العدوان على سوريا، ومثقفين وأحزاباً كذلك لهم نفس الموقف المضاد لسوريا، وها هم يتدفقون اليوم إلى دمشق دون الحد الأدنى من نقد الذات مما أتاح للكثيرين بالتحول إلى مغرمين بسوريا بعدما ولغوا في دمها. وهذا بالطبع ما يوجب النقد.
صحيح أن هذه الآفات كشفت عن نفسها تماماً في تجربة الحروب ضد سوريا، ولكن لها أسسها في الهجمات المتواصلة ضد تراث الثورة المصرية/الناصرية، والتواطؤ بل والسباق على دعم احتلال العراق وليبيا وتدميرهما، وعياناً الان تدمير سوريا واليمن.
إن ما يشغل الساحة اليوم هي الحرب على الجمهوريات العربية بدءا من العراق فليبيا فسوريا فاليمن وحتى مصر، وهي حرب/حروب تشنها:
- انظمة وقوى الدين السياسي كجزء من الثورة المضادة هدفها القضاء على المشروع العروبي. وهذه القوى موزعة بين الولاء للوهابية والعثمانية، تتفق وتختلف في هذه القضية أو تلك لكنها دائمة العداء للعروبة. ولعل أوضح مثال على تلاعبات هذا التيار ما قامت به حركة النهضة التونسية التي أسست لما سُمي “اصدقاء سوريا” والذي عقد أول مؤتمر له في تونس تحت شعار إسقاط النظام ، بل الدولة السورية ، وإذا بها ترتد اليوم على نفسها داعية للتصالح مع سوريا بزعم حماية شعبها! وهذا إن كانت تسميه السياسة برجماتية، ليس في جوهره سوى كذب من طراز غريب، واحتقار لعقل الناس!
- يتقاطع في الطرف الآخر التيار الذي ارتبط بالتحليل السوفييتي للأمة العربية بأنها “أمة في طور التكوين” بينما اعترف بالكيان الصهيوني الذي هو تجميع استجلابي من قرابة مئة امة. ورغم قرن على المواجهة مع هذا الكيان وصولا إلى إعلانه، اي الكيان، ما يسمى “قانون القومية” لم يُعلن هؤلاء نقدًا لموقفهم. كما ان بعض تمفصلات هذا التيار تدفع باتجاه تجريد سوريا من عروبتها!
- وهناك التيارات المتورطة في تناسل الهويات وتصاغرها سواء الأكاديمية أو ما بعد الحداثية أو الإثنية والطائفية…الخ وهي ايضا ضد العروبة وبلا مواربة. وهذا غالباً من توليدات حقبة العولمة التي عملت على توليد “موجة قومية ثالثة” في العالم بهدف تفكيك الدول والمجتمعات التي لم تنخرط تحت عباءة الغرب الراسمالي ومن ضحاياها الاتحاد السوفييتي السابق، الاتحاد اليوغسلافي، الوطن العربي :السودان، العراق، ليبيا، سوريا…الخ. هذه التيارات ساهمت في نقل استراتيجية الثلاثي الإمبريالي من استراتجية “فرق –تسد” إلى “تفرق كي أسُد”.
(حول هذه التيارات أنظر مقالتتا الأولى في هذا السياق:) سوريا…المفرزة أخطر من المجزرة: السَوْرنة… الانتحار الذاتي، عادل سمارة ، نشرة كنعان الإلكترونية رقم 4938 بتاريخ 27 ديسمبر 2018 على الرابط التالي:
هذا المناخ الذي تعيشه الأمة العربية اليوم يؤكد بأن المستوى السياسي والإيديولوجي والثقافي والانتمائي/الهوياتي تحديداً ينقسم إلى فريقين:
- العروبيون
- ومضادو العروبة
أما والحرب العسكرية قد استنفذت دورها، في سوريا على الأقل، فإن الثورة المضادة تعجم اليوم عيدانها الثقافية والفكرية إن جاز التقدير مما يعني أن على المثقفين العروبيين خوض حرب غوار الثقافة. نعم، فإذا كان الغواري يكمن او يتمترس خلف بندقيته، فالمثقف الثوري المشتبك يتمترس بالضرورة خلف وعيه فموقفه.
وهذا يقتضي التصدي لكتابات هؤلاء وعلاقاتهم بمن يرتبطون به، لأن المعركة الثقافية/الفكرية اليوم مفصلية وخاصة بعد حرب البنادق والإرهاب. فيمكننا القول بأن الجيش العربي السوري وحلفائه بدءاً من حزب الله إلى إيران وروسيا والقومي السوري والحرس القومي العربي وغيرهم، على سبيل المثال قد شارفوا على إنجاز مهمة النصر العسكري، وهذا يعني أن علينا دخول معترك الحرب الثقافية، حرب غوار الثقافة والتي من مقتضياتها منازلة سلوك وارتباطات وأطروحات هؤلاء.
وهذا يفرض على المثقف العروبي أن يكون مثقفاً مشتبكا وليس ثوريا أو نقديا وحسب، لأن المثقف المشتبك لا يكتفي بالثقافة الواسعة ولا يقف محايدا، بل يصطف في المواجهة ويبادر بالممارسة. فقد يكون المثقف ثورياً في الطرح وليس مشتبكا في ميدان الرد والصد والانتظام والتخندق والمواجهة والقتال إن تطلبت الظروف ذلك.
من هنا ضرورة أن نتصدى للفريق الآخر، الطابور السادس الثقافي بتنوعاته من أتباع إبن تيمية إلى أتباع فوكو ياما وهنتجتون وميشيل فوكو ومدرسة فرانكفورت. وأن لا يركن أحدنا لجهد الآخر، لأن هذا فرض عين لا فرض كفاية.
ليست هذه المقالة استراتيجية للمثقفين العروبيين، كما أن هذا الأمر ليس من حق شخص فرد أن يُمليه على الآخرين بل كل ما نقصده هو التحشيد وحمل الواجب كلٌ بطريقته وتخصصه وظروفه وصولاً إلى صيغة نضالية عروبية أكثر ثباتا ووعياً وتماسكاً.
لذا، حين كتبت بأن المثقف الذي يقف ضد الدولة العربية السورية يمكن أن يتورط في دور الجاسوسية للكيان الصهيوني مما أثار البعض لا زلت أقصد ما قلت. وإلا ما معنى المشاركة في تصفية دولة عربية إلى جانب قوى الثورة المضادة مجتمعة ضمن قرابة مئة دولة معتدية ناهيك عن التنظيمات؟ وهي دولة تم اقتطاع فلسطين منها. وحتى لو تعلق الأمر بتصفية دولة بعيدة عن فلسطين، اليمن مثلاً، أليست خيانة أن يقف اي مثقف، طالما نتحدث عن المثقفين، مع حرب الثورة المضادة ضد الشعب العربي اليمني! بل هي الخيانة والتي تستوجب حكم الشعب.
في هذا السياق يجب أن لا نُهادن في أمرين مفصليين كي لا يتلطى وراءهما الطابور السادس الثقافي:
- أن ما حصل في سوريا ، ضد سوريا، كلف الكثير من الضحايا ولم يعد الأمر ملتبساً. فقد دافع الجيش والقيادة السورية عن البلد وعن نفسيهما أمام هذه
الحرب المعولمة ليتأكد أن بقاء سوريا هو خيار يستحق التضحيات لأن البديل هو إنتهاء سوريا. وعليه، لا معنى لقبول التلطي ممن خان سوريا اختياراً.
- والثانية، ما موقفنا من سوريا بعد الانتصار العسكري، ونعتقد هنا أن علينا أن نكون نقديين للسلطة في سوريا في أية خطوة لا تتناسب مع عروبة سوريا وحق الطبقات الشعبية في الحياة الكريمة كمقدمة على طريق الحرية والوحدة والاشتراكية.
رغم تقاطعنا مع السلطة، لكننا لن نكون مصفقين لصالح كل ما تفعل، لن نكون ملحقين بالسلطة، ولكن دون أن نتورط في الدور الخياني كمثقفي الطابور السادس الثقافي. اي ان المطلوب تيار ثقافي سياسي عروبي غير ملتحق بالسلطة، اية سلطة لتكن له حرية الموقف والرأي.
وهذا هو الفارق الأساس بين السياسي/الرسمي والمثقف. فليس المفترض أن يكون المثقف المشتبك كما يريده السلطان ولا السلطان الثوري ميَّالا لتحويل المثقف إلى كومبارس.
سوريا والأنظمة
بقدرة قادر أعارت سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، في النصف الثاني من عام 2011 دورها في ترؤس جامعة الدول العربية لإمارة قطر كي تمارس الأخيرة تطبيق متطلبات الارتباط بالثورة المضادة ضد سوريا وخاصة الأوامر الأمريكية وفصل سوريا من جامعة الدول العربية. وفي شهر ديسمبر 2012 (ربما في 7-12-2012) قررت جامعة الدول العربية فصل سوريا من عضويتها. وبالطبع لم تكن هناك قيمة لتحفُّظ دولة أو أخرى حيث لم يردع ذلك الأكثرية المضادة للعروبة، كما أن التحفظ لا يرقى إلى ما هو مطلوب حين يتعلق الأمر بتصفية قطر عربي حتى لو صغيراً.
كان من السهولة بمكان عدوان هذه الجامعة ضد سوريا، كيف لا ولها تاريخ طويل في دورها التبهيتي للعروبة والذي وصل تحولها إلى مثابة “قوَّادة” لتدمير أكثر من قطر عربي قبل وصولها إلى المدى الأشد وقاحة واحتقاراً للأمة بما فعلته ضد سوريا. نفس الجامعة كانت قد طلبت من الأمم المتحدة غزو العراق بعد استعادته الكويت 1990 حيث تقدم بالطلب امينها العام عمرو موسى (بالمناسبة عمرو موسى الذي كان وزير خارجية نظام مبارك هو مع الاعتراف بالكيان بالمطلق وبدل أن تحاكمه مصر إثر إسقاط مبارك ترشح لرئاسة الجمهورية!!!) ، كما طلبت نفس هذه الجامعة من مجلس الأمن غزو ليبيا حيث تقدم بالطلب نبيل العربي أمين عام الجامعة حينها.
إذن اتفقت معظم الأنظمة العربية على فصل سوريا من الجامعة العربية، بينما وقف بعضها موقف المتحفظ الخجول وليس الرافض وهو موقف لا يرتقي عن الموقف العدواني للطرف الأول مهما حاول المرء تجميله. ولأن بنية وارتباطات الأنظمة المتحفظة أضعف من أن تذهب باتجاه إقامة جامعة للشعوب العربية، كان بوسعها على الأقل أن تجمد عضويتها في هذه المؤسسة.
لذا “تنمَّرت” إمارة قطر حيث قال وزير خارجيتها حينها حمد بن جاسم لوزير خارجية الجزائر “دوركم جاي” وللأسف يبدو ان الوزير الجزائري هو من تمفصلات “الحراكيين-عملاء فرنسا من الجزائريين” وليس من تمفصلات الثورة الجزائرية”. كما تواقح حمد مع وزير خارجية روسيا الاتحادية الذي أجابه بما يكفي ويزيد.
كان التنمُّر القطري مدعوما ب:
- الأمر بل المخطط والوعد الأمريكي لتصفية سوريا كنظام ودولة ووطن (كتب برهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني لسوريا الثورة المضادة معبرا عن مرارته من ما أسماه إهمال أمريكا لهم (وهو أول رئيس لما سمي بـ«المجلس الوطني» الذي خصص مقاله المنشور في صحيفة «العربي الجديد- صحيفة عزمي بشارة» يوم الأحد 30/12/2018، ليعلن عام 2018 «عاماً للتحرر من الوهم الأمريكي»)
- التنسيق مع الكيان الصهيوني عبر مكتب الكيان هناك ودور عزمي بشارة في تأسيس ذلك.
- الدور الإخواني بقيادة تركيا والذي روَّج كما غيره بان سوريا ثمرة جاهزة للسقوط في اسابيع أو اشهر. وهو ما أغرى حركة حماس لتطعن سوريا وهي في ضيافتها.
- أطروحات عزمي بشارة (عن القوميين والناصريين والعلمانيين) الذي كانت معظم المعارضة السورية تحج إليه لتلقي التعليمات (برهان غليون، حسن عبد العظيم، هيثم مناع، ….الخ)
- وفتاوى يوسف القرضاوي (عن انظمة وقوى الدين السياسي)
لم تكن الخطورة في هذه المواقف السياسية، بل في ما ترتبت عليها من قرارات وتنفيذ تلك القرارات متمظهرة في الاصطفاف المعادي عسكريا، وإرهابا وحصار اقتصادي وإعلام معادٍ وشراء أقلام وصولا إلى اختراق الدين بتجنيد مجاهدات النكاح.
كان سباق صيد طراد مقدس بين هذه الأنظمة العربية خاصة والعديد من أنظمة وقوى سياسية في العالم باتجاه المشاركة في تدمير سوريا. وهذا يكشف بوضوح كم هي الثورة المضادة ضاربة عميقاً في النظام العالمي. لقد عبر عن ذلك وزير خارجية قطر السابق بتسمية سوريا “صيدة فلتت” منهم رغم انفاق 137 مليار دولار وذلك في 27 تشرين اول 2018.
كان الشريك الأكبر في هذا العدوان المعولم هو الاستعمار العثماني المأخوذ بحُمَّى العودة لاستعمار الوطن العربي نيابة عن سيده الإمبريالي أي ضمن المراتبية المعولمة ل سيد عبد وعبد العبد…الخ. لذا فتحت تركيا مطاراتها وفنادقها ومعسكراتها ومن ثم حدودها لتصريف الإرهابيين/ات إلى سوريا وتمت إقامة مخيمات للاجئين المحتملين أو الذين سيتم جلبهم قسرا إلى تركيا قبل اشتعال الحرب على سوريا، ولاحقاً شاركت تركيا كل من الأردن ولبنان في استقبال اللاجئين وتوريد الإرهابيين. هذا إلى جانب التسليح وتوفير الخدمات اللوجستية الغربية والتمويل الخليجي. أما الأمر اللافت بشكل فاقع فهو أن بلدان الخليج التي انفقت المليارات وأرسلت عشرات آلاف الإرهابيين إلى سوريا لم تستقبل لاجئا سوريا واحداً باستثناء فريق من العملاء تحت تسمية منصة الرياض.
وبغض النظر عن النبرة السياسية الإعلامية لهذه الدولة أو تلك، يمكننا القول بأن قرابة مئة دولة شاركت في هذا العدوان بغض النظر عن طبيعة المشاركة أي عسكريا، إرهابيا، تسليحيا ، ماليا، نفسيا، إعلاميا وحتى جنسياً. هذا ناهيك عن إتاحة الفرصة لقوى وتنظيمات سياسية وإرهابية من مختلف بلدان العالم.
إمتد هذا العدوان المعولم من ديسمبر 2012 إلى ديسمير 2018، ولم يتوقف بالطبع من معظم هذه الأنظمة والتنظيمات على الرغم من هرولة معظم الأنظمة العربية إلى دمشق هذه الأيام، وكأن شيئا لم يكن مما يسمح بالاستنتاج بأن ما يجري من مصالحات مع سوريا هي حلقة جديدة مختلفة من العدوان. وهذا برسم القيادة السورية ومحور المقاومة كيف ستواجه هذا الشكل الجديد من العدوان والذي لم يتوقف تماما عن الحرب العسكرية والإرهابية بعد.
هَزَمت البارود فيجب ان لا تغرق بالنفط
بعد محاولات حرق سوريا حربيا وعسكريا، تندلق الكيانات النفطية على سوريا بهدف حرقها نفطياً. وبعيدا عن المساحة أو المدى التي تسمح بها الولايات المتحدة لهذه الحكومات بالتحرك في النطاق الداخلي فإن تحركها عربيا ولا سيما باتجاه سوريا هو بناء على تخطيط امريكو-صهيوني وأوروبي طبعاً.
وعلى هامش تنفيذ الدور المناط بها من قيادة الثورة المضادة، فإن هذه الأنظمة معنية فيما يخصها على الصعيد المحلي والعربي بأمور أهمها:
الأول: لقد تمتعت هذه الأنظمة بعد هزيمة 1967 بتوقف النقد الحاد لها من قبل القوى القومية وخاصة من مصر الناصرية، بغض النظر عن النقد على طريقة أحمد سعيد في تعرية هذه الأنظمة، فقد كانت فائدة ذلك النقد واضحة وشعبية جدا اقل ما يقال فيها هي قدرته على إفهام المواطن العربي أن هذه الأنظمة خائنة وتابعة وبالتالي عدوة وهذا خدم إلى درجة كبيرة في ضرورة وجدوى فك الشعبي عن الرسمي. (على الهامش يتحذلق كثيرون في نقد تجربة أحمد سعيد الذي قام بدوره خير قيام، ذلك لأن الخلل كان في بينة السلطة وليس في دوره كإعلامي).
لقد كان إيصال هذه المسألة من أشد الأمور أهمية وتاثيراً وهذا خدم المد العروبي بشكل فعال حينها.
إثر هزيمة 1967 وتلعثم الكثير من المثقفين القوميين والاشتراكيين وتحوصلهم قُطْريا كما الأنظمة، وهرولة قسم آخر للانضواء تحت عباءة الأنظمة الرجعية، النفطية والمَلَكية،والتي لم تنل شرف محاولة القتال “وشرف حتى الهزيمة بشرف قتالي”،الأمر الذي نجمت عنه فترة هدنة لهذه الأنظمة إذ تمترست وراء الدين السياسي مما شكَّل جبهة انظمة وقوى الدين السياسي التي ملأت الفراغ القومي والاشتراكي وسوَّغت وإن لا مباشرة الخضوع والتبعية للغرب الراسمالي، وأعفت نفسها من الصدام مع الكيان الصهيوني مما سهل على الرأسمالية الكمبرادورية والطفيلية التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني وإنعاش المجموعات والاتجاهات القطرية والطائفية والإثنية…الخ .
يمكننا القول بأن هذه الفترة والتي امتدت لنصف قرن كانت مثابة الفرصة التاريخية لانتعاش هذه القوى دون خصم أو حتى معارضة. وقد استفحل دورها طبعا إثر تفكك الاتحاد السوفييتي حيث حقبة العولمة والسياسات النيولبرالية على صعيد عالمي وتفرد الولايات المتحدة كقطب عالمي واحد (رغم أن هذه الدولة هي مركز الثورة المضادة ولكن لا تعمل لوحدها) مقابل غياب قطب الثورة، أو لنقل انتصار-في حقبة وليس تاريخياً- راس المال على العمل.
لذا، يمكننا القول بأن هذا الأنظمة وخاصة انظمة الدين السياسي /الجناح السلفي الوهابي، تحاول تجميل وجهها والحفاظ على الهدنة التي حظيت بها عبر صمت أو تخاذل مثقفي الاتجاهات القومية والاشتراكية. وهي بهذا تحاول تغطية:
- انظمتها السياسية
- ومثقفيها العضويين من:
- المشايخ ورجال الإفتاء الذين إثر “الربيع العربي” كشفوا مضمونهم الخطر.
- واللبراليين والمابعد حداثيين
إنه القلق لدى كل هؤلاء على “الجمعة المشمشية” لتمديدها.
الثاني: تهدف هذه الأنظمة إلى خداع قوى المقاومة والثورة ومثقفيها كي يطمئنوا لاندلاقها إلى سوريا بل وربما جرّ البعض منهم أو ما أمكن للترويج لهذه “العودة” إلى سوريا العروبية، مما يضع هذه الأنظمة في أمان من تعريتها. هذا إلى جانب تمويل أي شراء ما أمكن من الطابور السادس الثقافي كي يروج لاندلاقها، كما روَّج لدورها العدواني،بعبارات مثل: “العودة إلى دمشق” : إعادة سوريا للجامعة” “المساهمة في إعمار سوريا” …الخ وهذا سيدفعها إلى فتح سوق شراء الألسن /في حالة المحللين على الفضائيات، وشراء الأقلام في حالة الصحف والكتاب.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.