يلاحظ المتتبع لما يكتبه كثير ممن ينسبون أنفسهم لليسار والاشتراكية والشيوعية أنهم يمتدحون الصين الشعبية الحالية إلى حد شبيه بما كان يحصل تجاه الاتحاد السوفييتي السابق. أقصد إطراء الصين وفقط. وهذا واضح خاصة من كتابات من دُعوا من الحزب الحاكم في الصين لمؤتمرات الحزب. ومن يراقب طبيعة المدعوين يجد كثيراً من اليمينيين الحقيقيين بينهم.هذا ناهيك عن وجود يساريين يُطرون الصين بلا ضوابط.
لا شك أن الصين دولة صاعدة وهي تباري الولايات المتحدة فيما يخص حصتها من حجم الإنتاج العالمي، وتدخل حروبا اقتصادية تجارية تفرضها عليها واشنطن، كما تطور قواها العسكرية وبالطبع تتمتع بمعدل نمو سنوي يتجاوز 5% ويصل 8% ويردد ويجدد رئيسها الحالي شعارات ماركسية…الخ.
ولا شك بأن هذا الدور الصيني ولا سيما في السياسة الدولية جذاب لنا ولا سيما مشاركة روسيا في الفيتو لصالح سوريا، وإن كانت مثل روسيا لم تستخدم الفيتو ضد غزو وتدمير لا العراق ولا ليبيا.
حتى الآن، فإن الصين الحالية، التي هي صين دينغ هيساو بينج وليست صين ماوتسي تونغ، جيدة سياستها تجاه العرب، ولكنها تحتفظ بعلاقات عميقة مع الكيان الصهيوني، وهذا في النهاية جزء من مصالحها كدولة وكدولة عظمى.
لكن هناك ما يتعلق بالماركسيين العرب الذين أصبح، للأسف ، من تراثهم الاتكاء والتبعية لمركز “شيوعي” وقد لا يكون شيوعياً، مع تشابه تبعية الكمبرادور العربي لرأسمالية هي جوهريا رأسمالية. لذا يُطرون الصين ويحجون “شيوعيا-يساريا” إليها. وهذا أمر خطير تربوياً على الحركة الشيوعية العربية التي لن تحفر لنفسها جذورا في البنية المجتمعية العربية ما لم يكن لها تحليلها ورؤيتها واستقلاليتها على الأقل في :
- فهم الواقع العربي
- وفهم الشيوعية العالمية.
ما أود توضيحه أن الصين، وإن كانت تعيش صراعاً طبقياً وإن ليس بشكل فاقع، فهي نظام راسمالي جوهريا، رغم وجود قطاع دولاني. كما أنها تعيش مرحلة التراكيم/التركيم الراسمالي والذي يعني حسب ماركس:
“…إن تراكم راس المال يفترض او يشترط مسبقاً وجود القيمة الزائدة، وتفترض القيمة الزائدة الانتاج الراسمالي، ويفترض الانتاج الراسمالي وجودا مسبقا لكميات من راس المال وقوة العمل في ايدي منتجي السلع … انه تراكم لم يَنتج عن نمط الانتاج الرأسمالي بل هو نقطة بدايته. وعليه فالتراكم الأولي ليس سوى عملية تاريخية جوهرها طلاق بين المنتج ووسائل الانتاج”.
فإذا كان هناك ذلك الطلاق بين المنتِج، اي العامل الذي يُنتج القيمة وبين الرأسمالي الذي يملك أدوات الإنتاج، فإن عملية التراكم أو القفزات الاقتصادية الصينية هي رأسمالية جوهرياً ، هذا دون أن نتحدث عن الاستغلال المكثف للعمال هناك من حيث ساعات العمل الطويلة وتدني الأجور وتحويل القيمة المجسدة في السلع المصنوعة في الصين إلى المركز الراسمالي الذي تملأ شركاته الصين، فإننا نتحدث عن بلد رأسمالي فعلاً، ويُنتج للتصدير.
فهل يجوز أن لا يُشير معظم أو كثير من اليساريين والشيوعيين الذين يزورون الصين إلى هذا حيث يقدمونها للقارىء العربي كدولة اشتراكية؟
هدفنا هو بالتحديد، بأننا يجب أن لا نقع مجدداً في تبعية فكرية نظرية تجعل منا كمبرادور فكري كما كان كثير من الشيوعيين العرب سابقاً مما أفقدهم القدرة على إنتاج تحليل للبيئة كما هي.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.