قد يستغرب البعض وصف ما حصل في بيروت بانه تطبيع. هذا مع أن هذا المؤتمر هو الأخطر في كامل طريق التطبيع منذ كامب ديفيد على الأقل.
لن احصر هذه الكمات القليلة في التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم أنه فرَّاخة كافة أنواع التطبيع.
وراء هذه القمة امين عام الجامعة العربية الذي هو نفسه من سعى بين السلطة المصرية والسلطة الصهيونية والسلطات العربية أكثر من السعي بين الصفا والمروة، ومع ذلك يتحدث بلسان طويل ب “أنه لم يكن الأمين العام حين جرت مقاطعة سوريا”، ولكن هل طالب بوقف تلك المقاطعة أو مثلا، وهذا بعيد، هل طالب بمقاطعة الأنظمة التي حاربت سوريا؟ ولكن، لأن القمة تطبيعية، لم يرمه أحد بحذاء.
ومع ذلك، ليس هدفنا هنا التركيز على سوريا التي لها ننحاز بلا تردد. ولكن هذا التجميع التكاذبي هو جوهريا تطبيع للمواطن العربي كي يقبل أخطر حرب جرت ضد العروبة، حروب عرب الدين السياسي، التكفير والتبعية والكمبردور ضد الدول العربية ذات التوجهات الوطنية والقومية. اي حروب ضد كل من يقطن الوطن العربي كجزء من تاريخ وحضارة وجغرافيا وثقافات ولغات هذا الوطن.
إنه تطبيع المواطن العربي على رؤية نظام عربي يحارب شعبا عربيا علانية ولصالح الإمبريالية والصهيونية، بهدف أن يبدو هذا العدوان أمراً عادياً وكأنه ضد عدو. فهل هناك أخطر من هذا الإهلاك للوعي والمشترك العربي؟ هذا النمط من التطبيع هو تفتيت الوعي الجمعي وتخديره باللاوعي وال لا إبالية والتنعيج.
هذا التطبيع هو المقتل الذي يتم توجيهه ضد استنهاض الشارع العربي وتحريكه. إنه تبرير بل حتى تعظيم انظمة وقوى الدين السياسي وجيوش التكفير التي ذبحت وشردت الملايين. فهل اخطر من مشروع يجعل تدمير بلدان عربية بايدي عربية امراً عادياً جداً، لا عقوبة ضده؟
حين يكون أطول لسان في المؤتمر لوزير للنظام السعودي ولرجل دين سلفي يكذب على الملأ ناقدا الدول التي اعتدت على دول عربية وبأن “الربيع العربي ربيع مسموم”. ولكن السُم جرى تصنيعه ونشره في كل الوطن العربي من النظام السعودي نفسه! نظام لم يترك شبرا في الوطن العربي إلا حاول حرقه. ومع ذلك يجلس بوزن بغل على كرسي يئن من تحت مؤخرته ويرتدي الكوفية الطائفية ويتحدث بالإسلام! وما من أحد صفعه على قفاه!
وهل غير التطبيع حين يكون الوحيد الذي سمحت له الولايات المتحدة بدخول بيروت هو الذي أنفق أبوه وعمه وهو نفسه 137 مليار دولار لتدمير سوريا؟ ويتم استقباله على سجادة حمراء وأمام شهداء وأحياء المقاومة؟ ومع ذلك يثرثر اللبناني عن صندوق عربي لإعمار البلدان التي تدفقت إليها الملايين لجوءاً! وهل يُعقل أن يقوم القاتل بإحياء القتيل!
هل يكذب الرئيس اللبناني على نفسه أم على شعبه حين يدعو لإنشاء صندوق عربي لإعمال البلدان العربية المتضررة التي اصابها الدمار؟
نعم، هناك صندوق لكنه ليس عربياً بل لتدمير الوطن العربي. فمعظم الذين أمامك أنفقوا أقراط النساء لذبح ليبيا وسوريا واليمن والعراق ولن يتوقفوا . أليست هذه دعوة سوريالية؟
هل يُعقل أنك لا تعرف أن هؤلاء ينتظرون من واشنطن أوامر العمل اليومي؟ يكفي أنهم أطاعوا الأوامر فلم يحضروا وأنابوا عنهم بعضهم؟
قمة تطبيع ضد كل اشكال المقاومة، ضد كل الشعوب العربية، ضد العروبة. خلال سنوات ثمانٍ كان هدف هؤلاء أن يسيروا اليوم في جنازة المقاومة، جنازة سوريا، لكن القتيل عنقاء لا تموت.
_______
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.