يختلف المثقف المشتبك عن كافة مدارس الثقافة فما بالك بالأنظمة. فجميل بالطبع أن لا يعرف المثقف باب أي سلطان، ، اي نوع من السلاطين. جميل لأنه حر حتى وهو في الزنازين وحت (الإكسات X). يجوع دوما، فيرفع راسه لأنه لم يقبض.
قد تكون مفارقة شديدة الطرافة، أن يكون “التواصل الاجتماعي-الفيس بوك” هو الموقع الإمبريالي الذي يوفر لنا أن ننشر. أما أنت يا سماحة السيد فلك الميادين من ميادين طهران إلى ميادين لبنان.
نرد عليك، ليس لأن تقولاتك مفاجئة لنا. بل بالعكس أكدت المؤكد. نرد لكي نساهم في تقويم إعوجاجاً ما لدى بعضنا كي يصح الموقف على أننا وإيران الآن، وفي بعض المواقع حلفاء لا عملاء، وفي مواقع أخرى أعداء.
هذه هي السياسة، وأنت فيك منها ومن الكياسة ما يغنيك عن السؤال والاستيضاح.
كان خطابك مثابة برنامج إشهار لولاية الفقيه والسلطة القومية الايرانية ولم يكن الإسلام، وكالعادة/ سوى غلافاً. ولسنا ضد ان تتطور إيران، فهذا حقها، كما لسنا ضد “وطنية” إيران التي وضعتها أنت بدل “القومية”. ولسنا ضد القومية الفارسية فهي قومية موجودة وطبيعي الانتماء إليها.
كنا في السابق على شك بأن الفقيه يطلب منك أموراً لا تليق بموقعك ولو حتى من باب التكتيك، وخاصة ما يتعلق بابتعادك عن العروبة. وكنت أحياناً تقارب طلباته بالحديث عن محور المقاومة أو بنقدك الجيد للعملاء العرب في الحكم. لكنك هذه المرة ذهبت متحمساً ربما إلى ما هو أبعد من قائمة المطلوبات.
نحن لا نرى في ولاية الفقيه سوى مدرسة مذهبية تجذب من يبحث عن وكيل لله في الدنيا. ولا أخفيك، ماذا يعني القول ” قُدِّس سره”؟ هل به سر من الله أم خلق لنفسه سراً خاصاً؟ وما معنى : “آية الله”؟ فآيات الله هي في متن القرآن الكريم فقط. وما معنى “روح الله”؟ ما هذا الامتداد بالله كما يفعل سُكارى المتصوفة!
نحن نرى الحياة على الأرض هي الهدف ونترك لكل امرىء رؤيته للسماء شريطة أن لا يتحكم بنا في الأرض باسم السماء. ذلك لأننا نعتقد ان لا وجود للإنسان ، ايا كان، أي تواصل مع الله كشخص. لكن تكرار مديحك لولي الفقيه أمر لافت، تمنينا أن تكون أعلى من الموضع الذي وضعت نفسك فيه، ولذا، نتأسى على البسطاء الذين يلتهمون كل ما تقول.
لا تنسى يا سماحة السيد، بأن ولي الفقيه لا يُطعم الفقراء، ولا يؤمن بالاشتراكية، وهذا عوار خطير، وبأن عقيدته الأرضية راسمالية تماما، ولا شك أنك تعرف هذا جيداً على الأقل بعد تظاهرت العام الماضي في إيران. قلت وتقول أن ذلك بسبب الحصار الاقتصادي الغربي. هذا صحيح، ولكن لماذا لم يتظاهر البرجوازيون في إيران؟ وخاصة البرجوازيون من الايات؟ وهل ما وقع على إيران الغنية أشد مما وقع على كويا الفقيرة والتي تقف في جفن الوحش:
“وقفت وما في الموت شك لواقفٍ…كأنك في جفن الردى وهو نائمُ”
(المتنبي)
هذا ناهيك عن كوريا الديمقرطية الشيوعية التي أعطت إيران و حزب الله كافة إبداعاتها في المقاومة تكتيكا وسلاحاً وهي تعلم أنها تعطي ولاية الفقيه.
نحن نحترم النهضة العلمية في إيران، لكن طبيعة عرضك لها وكأن إيران بدأت من الصفر وهذا منطق غيبي لا تاريخي وخاصة بمفهوم الوقت الراهن.
لم نرض لك الافتخار بأن ولاية الفقيه ساعدت الإرهاب الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي حيث كانت يداً بيد مع الإمبريالية الأمريكية. ألا يعيبك هذا التحالف؟ ألا يعيبك أن حزب الله نفسه أرسل مقاتلين إلى كوسوفو ضد يوغسلافيا لإسقاط النظام الإشتراكي ولخلق ولاية امريكية تعيش على خدمة جيش الناتو وعلى بيع أجساد النساء! هل توافقنا القول بأن الحزب قد تدنس من هذا الدور؟
لعل حجر الرحى في خطابك هذا هو قولك: “… حرب امريكية على الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنها دولة مستقلة وصاحبة قرارها”.
بالضبط يا سماحة السيد الحصيف. انت هنا تقترب من مدرسة النظام العالمي الماركسية World System التي تركز على أن الإمبريالية/المركز تصر على احتجاز تطور المحيط. كان هذا رأيي منذ عشرات السنين بأن الغرب يرفض دخول اي شريك او منافس له في السوق العالمي وبالطبع الإقليمي. ذلك لأن الراسمالية تنافسية تناحرية احتكارية استقطابية على الصعيد العالمي وطبقية على الصعيد القومي. الرأسماليون، كل الراسماليين لصوص، ولذا يقتتلون كثيرا ويتحالفون قليلاً.
وعليه، فأمريكا تعلم أن إيران لن تقاتل في فلسطين. ولا نريد لها ذلك. وأمريكا تساعد سوريا لأن سقوط سوريا سيقود لسقوط إيران، أو كي لا تغضب، سيقود لمحاولة إسقاط إيران. لا سيما وان التعاون الأمريكي الإيراني قد أنهى العراق فلم تعد حاجزاً أمام غزو أمريكي لإيران بعد سوريا.
أنت تعلم أكثر مني أن حكام العراق جلبتهم أمريكا وتتحكم إيران بالكثيرين منهم ، فهم بين بريمر والفقيه. ايهما الأكثر فقاهة؟ ومع ذلك ورغم عيوبهم التي تفيض على الكوكب، تتجاهل ذكرهم مما يوقعك في موقع طائفي نربأ بك ذلك. فمثلا، هل نوري المالكي والعبادي والنجفي وعلاوي والضاري سكان المنطقة الخضراء، أنظف من الذي أكل لحم الخاشقجي حياً؟ بن سلمان، ناهيك عن بن حمد وبن زايد، وابناء غير آبائهم؟
هل يجرؤ اي مسؤول عراقي اليوم أن يقول: “العراق عربي”! حاشا لله.
لكن الاقتصاد الإيراني ، وإن حقق نمواً، فإنه لن ينجز تنمية. لأن التنمية بالمعنى الفعلي هي باتجاه الاشتراكية، والاقتصاد الإيراني “راسمالي” يحاول، للأسف اللحاق، وهو الهدف الذي هلك في سبيله كثير من الأنظمة. سيحقق اللحاق الطبقي وفي أرقى أحواله سيكون مثل روسيا والصين ولكن لن يكون للطبقات الشعبية. ولأنه منخرط في السوق العالمية كان الحصار موجعاً لأن لإيران في حضن السوق العالمية المعادية للشعوب بمن فيها الشعب الإيراني نفسه.
هذا يفتح على المسألة الأهم وهي أن موقف إيران من فلسطين ليس هو السبب الرئيس الدافع للعداء الأمريكي ضد إيران. لذا، نرجو أن لا تضع هذا السبب في قمة الأسباب كما حصل كثيراً في خطاباتك.
نحن لا ننكر دعم إيران للمقاومة، ومشكورة على ذلك، ونتأسى على كثير من التنظيمات الفلسطينية التي تقبل إيران على علاتها لأنها مضطرة لتلقي المساعدات. لعل مما يثير الضحك أن تسمع إيراني يقول: “أعطني بلدا غير إيران اعطى المقاومة رصاصة” ! يا للإنتهازية والتغوُّل! العراق وليبيا وسوريا قبل الحرب فعلت كل هذا، وحتى السوفييت والصين. هذا النكران هو نتاج عقل لا تاريخي.
لكننا لا نقبل ان تستخدم إيران دعمها للمقاومة والإسلام كمعبر للهيمنة ومن ثم السيطرة على الوطن العربي.
حينما انتصرت الثورة في إيران فرحنا جميعاً. ولكن الإمام الخميني، وكان في حماسة عالية، أخذ في الدعوة لنشر الطبعة الإيرانية للثورة الإسلامية بقيادة إيران في الوطن العربي. وهو الأمر الخلل الذي ادركه لاحقاً الساسة في إيران فلجأوا إلى التغلغل الناعم سواء عبر دعم المقاومة أو الدعوة لاتحاد الدول الإسلامية ومؤخراً التركيز على محور المقاومة.
وبصراحة مضمون حديثكم هذه المرة خاصة وتخصيصا ينم عن أن هناك مشروع استشراقي/استعرابي إيراني جوهره قومي وتحت عمامة ولي الفقيه، موقف قومي.
الحرب بين العراق وإيران وحتى الان، ليس مؤكداً من الذي بدأ التحرشات المسلحة. في البداية كنت أنا نفسي من أول من كتبوا نقداً للعراق لأن الاعتقاد أو الحماسة أو شح الأخبار كانت باتجاه أن العراق هو المعتدي. وقد كتبت كراساً عن تلك الحرب. ولكن توفر فرصة الاطلاع بينت لي ما يلي:
أولاً: محاولات الخميني مد الثورة الإيرانية القومية باسم الإسلام إلى الوطن العربي وخاصة العراق.
ثانياً: إن إيران تحتل الأهواز (عربستان بالفارسية) وكانت هذه القضية هي سبب الصراع مع إيران الشاه. كان المفروض ، على الأقل، أن تصرح الثورة الإيرانية بأنها جاهزة للحوار حول الأهواز. ويا سيد، أنت تحدثت وكأن عرب الأهواز سعداء بالاحتلال الإيراني. كيف تقتنع بهذا؟
ثالثاً: كما اشرت، فإن إيران هي التي بدأت التحرشات.
ومع ذلك، دعنا نقول، بأنه طالما الأهواز محتلة فيجب تحريرها.
وطالما أننا الآن في هذه اللحظة، لم أجد مبرراً لاندلاق هجومك على الشهيد صدام حسين. لأن الصراع قومي وليس مع فرد. هل تعلم، ذكرني ب جورج بوش الأب الذي على عادة الإمبريالية تزعم ان الصراع مع شخص: مع ناصر، مع القذافي، مع الأسد، مع صدام. الفارق بين موقفك المحزن هذا وموقف بوش هو في لفظ الإسم (سادام هوسين). وللأمانة هذه جملتك: “…صدام حسين فارس العروبة والقادسية اداة صغيرة في يد امريكا”. هذا قول لا يليق بك، لكنك ارتضيته لنفسك كي تدغدغ فيالق من الطائفيين والشوفينيين منا ومنهم. ولكن، ألم تتسلح إيران من الكيان الصهيوني حينها؟ وحتى حلبجة ، أم تُشر كثير من التقارير بأن إيران هي التي ضربتها بالكيماوي؟ إسأل السيدة المحامية أميمة الخليل.
الرجل تم إعدامه من طائفيين عملاء لأمريكا وفي يوم الأضحى الذي هو عيد إسلامي إن كنت نسيت.
يقول شوقي:
ريمُ على القاع بين البان والعَلَمِ… أحل سفك دمي في الأشهر الحُرُمِِ”
فالمسلم الحقيقي لا يتشفى على الأقل في مسلم آخر. لو أنك فارسي لقلنا تشفي قومي! فكثير من منتسبي قوميات يفعلون ذلك.
كنت اود أن اراك أعلى من راقصي ما تسمى فضائيات المقاومة حيث البسملة لديهم هي شتم الشهيد صدام حسين، هذا ناهيك عن رجال حكومات بريمر.
نعم يا سماحة السيد، ما هكذا تورد الإبل.
هل تعلم، أن أخطر المثقفين هم المثقفون العرب والفلسطينيون الذين انتهوا مجرد عملاء لإيران. لماذا؟ لأنهم تحت غطاء دعم المقاومة يخونون المشروع العروبي ويلخصونه في حكام دُمى ودمويين معاً. بعضهم/ن يطالبننا إذا ما تحدثنا على قناة العالم أو المنار أن نمدح إيران!
عجيب، نحن لسنا طائفيين ولا شوفينيين. حين يكون هناك معنى نذكر إيران بالخير طبعاً، ولكن نأنف أن نردد مديحاً كما يفعل متلقو الأموال. هذا إلى جانب أن اية فضائية لا تدعو شخصا للحديث إلا وهي تعلم أنها مستفيدة منه. لذا، لا معنى لفضائية حين تنفش ريشها بأنها تدعو هذا أو ذاك.
بيننا وبين إيران محور المقاومة. أي محور مشترك من فرس وعرب، وليس من عرب في جيب الفرس. ليس تابع ومتبوع. لأن التبعية أمر بات مكشوفاً وشبع منه حتى التوابع.
ذكرت أكثر من مرة أنك صديق لإيران. جميل هذا، ولكن هذا المديح الرهيب، وتكرار التهجم على الشهيد صدام حسين لا يعني ان العلاقة صداقة، بل اقل كثيراً.
بقي أن أعيد إلى ذهنك أنه رغم استشهاد الحسين في صراع سياسي إلا أنه كان شهيد الدفاع عن الفقراء اي من ناحية طبقية، كان اشتراكياً فما علاقة أثرياء الفقيه بالحسين!
ضحكت تماما وكليا حين قلت أن “في إيران 250 حزبا”. لا يا سيد، في إيران فقط الفقيه والباقي تمفصلات له. فالدولة الدينية هي دولة دين سياسي. في مستوى الدين السياسي لا يختلف الفقيه عن سيد قطب، ولا إيران عن دولة بن سلمان.
معافى يا سماحة السيد، معافى.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.