“كنعان” تتابع نشر كتاب “التعاونيات/الحماية الشعبية: إصلاح أم تقويض للرأسمالية”، تأليف د. عادل سمارة، (الحلقة الخامسة)

في هذه الحلقة: الفصل الثالث (١)

في خصوصية الأرض المحتلة

منمقوماتنجاحايعملشعبييجدربالمبادرينلهأنيأخذوابالاعتبارالأولوالمباشرالواقعالذيقررواالنشاطفيهوبالتاليأخذخصوصياتهبالاعتبارمقارنةمعالمعيارالعامللنشاطاتالمشابهةبماهوأيالمعيارالعامينطبقأويتقاطعكثيراًمععديدتجاربالمجتمعات.

فبينما التجارب التعاونية في مختلف البلدان غير المستعمَرة تهدف فيما تهدفإلى عمل إصلاحي لتخفيف الفقر والاستغلال أو تجاوز العمل المأجور، وفي البلدان الاشتراكية يهدف التعاون بما هو نشاط مشترك بين المواطنين والسلطة، إلى الوصول للإشتراكية، فإنه في الأرض الفلسطينية المحتلة هو حالة مقاومة لتثبيت الأرض نفسها والناس عليها وحمايتها ومن ثم الانتقال إلى الأهداف المألوفة عالمياً.

فالعمل التعاوني في الأرض المحتلة وخاصة في الزراعة بما هي القطاع الإنتاجي المؤهل لاحتضان العمل التعاوني، هو عمل مقاوم لمجرد التفكير والبدء به. ولذا، فإن العدو لا يألوا جهدا لتقويضه وبلا مواربة.

ومما يزيد تعقيد فرض النجاح، وحتى مجرد البدء بالعمل التعاوني في الأرض المحتلة غياب  مفهوم تنموي حقيقي لدى سلطة الحكم الذاتي وهو من موروثات م.ت.ف، وغياب ذلك عن أجندة القوى السياسية ايضا واختراق العمل القاعدي الجماهيري من منظمات الأنجزة وتحويله إلى رفاه فردي مما أحلَّ هذا الرفاه والثراء محل التعاون والتنمية كل هذا ناهيك عن تغلغل المال الفاسد في شرايين قطاعات شعبية ومن ثم اقتصادية واسعة مما جعل البلد حالة من الاقتصاد السياسي للفساد وخاصة بالريع الموجه سياسياً والآتي من أعداء بالمفاهيم الإنسانية والقومية والطبقية.

من هنا، فالتعاون والحماية الشعبية هي حالة مقاومة مُرَّة لا حالة فانتازيا ورفاه.

يتضح كم الأمر صعباً حين تتحدث عن التنمية في الأرض المحتلة  منظمات الأنجزة والمؤسسات الأجنبية والمصرف الدولي وفراخه وهم الأبعد عن اي تنمية أو تعاون حقيقيين لا سيما وأن ارتكاز السلطة من حيث نفقاتها هو على الريع الأجنبي الذي هدفه أن نكون هنا سكاناً مقيمين لا مواطنين يعملون وينتجون، لأن هدف هذه المؤسسات أن تكون الأرض للعدو ونكون نحن مقيمين عليها ما يعني ان بقائنا فيه هو إلى حين! ويزيد الأمر كارثية انتقال سياسات سلطة الحكم الذاتي من السياسة اللبرالية والانفتاح إلى اللبرالية الجديدة ولعل أخطر تجلياتها في تجليس نظام ضريبي يلاحق الموتى باثر رحعي.

ولكي لا نبتعد كثيراً، يجب التأكيد أن العامل الحاسم والمقرر في الأرض المحتلة رغم غشاء الحكم الذاتي هي العدو. فقرار وسياسات العدو هي “قانون الحركة المادي في الأرض المحتلة وعليه تتراكب المستويات جميعاً، الاقتصاد والسياسة والثقافة والنفس…الخ.

وهذا يطرح السؤال، ما هو نمط الإنتاج المهيمن في الأرض المحتلة وما طبيعة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية فيها؟

حصلت بالطبع اجتهادات كثيرة في تحديد هذه الأسئلة وفي قياس الحالة على النظريات المتعلقة بالتشكيلات وأنماط الإنتاج، وأعتقد أن تغييب العامل المقرر والحاسم كان وراء ضياع كثير من التحليلات حسنة النية. والعامل المقرر والحاسم في هذه الحالة هو عامل سياسي استراتيجي تكمن خلفه العوامل الاقتصادية والإيديولوجية والنفسية والثقافية والبعد الإمبريالي  بل والثورة المضادة.

بكلام آخرـ ليست البلد هي التي تقرر مسار حياتها في حالة هذا الاستعمار الاستيطاني. وهذا يعني ان نمط الإنتاج المهيمن هو الرأسمالية المحيطية التابعة. فعلاقات الإنتاج هي نفس علاقات الإنتاج الرأسمالية في دولة المركز ، في الحالة المعطاة، اي الكيان الصهيوني بل وفي النظام العالمي القائم. وهي علاقات إنتاج محكومة بالسقف الذي تسمح به السياسات الاقتصادية للكيان الصهيوني. هناك إذن سيطرة كولونيالية، ولكن لا يوجد ما يسمى نمط الإنتاج الكولونيالي[1]بمعنى انفكاكه/اختلافه عن نمط انتاج الرأسمالي إذا كان المقصود به تفريقه عن نمط الإنتاج الراسمالي الكلاسيكي المألوف.

قاد هذا العامل الحاسم إلى توليد علاقات مع الأرض المحتلة من سماتها الإلحاق الاقتصادي، وإلحاق مصالح الطبقات الاجتماعية، كل طبقة بطريقة وأسباب وإرغام ما. ولعل أوضجها التعاقد من الباطن كسياسة تعمق التبعية وتقوض إمكانات توليد اقتصاد يذهب باتجاه فك الارتباط كأحد أدوات التحرير.

ومن توليدات هذه العلاقة اقتلاع القلب الاقتصادي للمناطق المحتلة وربطها فرادى بالقلب الاقتصادي للعدو، مدينة مدينة ومنطقة منطقة مما جعل نعتها ب مستعمرات داخلية أمر ممكن ونعت مجموع مناطق السلطة بنفس النعت ايضاً.

لقد اشتغل العدو في الإلحاق الاقتصادي على تقويض مواقع الإنتاج المحلية سواء بإغراق سوقها المفتوح وعدم فتح سوقه بالمقابل لمنتجات هذه المناطق والتحكم بالاستيراد والتصدير، وتقليل رخص الاستثمار صناعيا وزراعيا ومن ثم التهام فائض قوة العمل المحلية في قطاعات إنتاجه السوداء، أو طرد جزء منها إلى الخارج مما جعل رحيلها أكثر سهولة. وقد ترتب على هذه السياسات إنكسار معادلة عمل-رأسمال محلياً، اي عجز  رأ س المال المحلي عن تشغيل قوة العمل المحلية مما يؤكد تشوه البنية الاقتصادية للبلد.

وحين يكون اقتصاداً مضروبا بكل هذه السياسات التي تم تطبيقها، وليس فقط التخطيط لها، فقد حال ذلك دون وجود سوق محلية طبيعية والتي زاد انكماش المساحة التي تشغلها المنتجات المحلية لصالح المنتجات الصهيونية أو المسموح استيرادها من دول عربية غارقة في التطبيع مع الكيان الصهيوني أو دول إسلامية عدوة للعروبة مثل تركيا أو دول غربية هي من بُناة الكيان الصهيوني وحُماته أيضاً.

وحين تكون السوق المحلية بكل هذا الخلل والوهن نظراً لضعف مواقع الإنتاج وبالطبع ضعف التعامل الاستهلاكي الشعبي معها، لا تعود هناك فرصة لخلق “قانون قيمة وطني”، الأمر الذي وضع المستهلك في هذه الأرض المحتلة في مِقلاة  “قانون القيمة العالمي” . وهذا وضع المواطن المحلي في مأزق الاضطرار لأي عمل كان كي يغطي كلف حاجاته الأساسية.

من جانب آخر، فقد لعب الجيل الثالث من الكمبرادور الفلسطيني دورا خطيراً في إغراق السوق المحلية بالمنتجات الصهيونية والأجنبية مما حاصر اكثر نظيراتها المحلية وعمَّق النزعة الاستهلاكية لدى الشرائح عالية الدخل وهو ما أدى إلى تمتين الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاقتصاد المحلي وخاصة بمعنى تحويل أعلى نسبة من الفائض المحلي إلى اقتصاد العدو والاقتصادات المرتبط بها.

واقترن بهذا دور الجهاز المصرفي سواء المصارف المحلية أو الأجنبية في تسهيل نزيف الفائض إما لرصدها في مصارف أجنبية طمعا في فوائد أعلى أو تسهيل الإقراض المحلي لقروض غير إنتاجية بل إستهلاكية بلا مواربة كشراء السيارات الثمينة والشقق الفارهة أو الاستثمار في شراء اراض لبيعها في سوق العقارت الملتهب…الخ مما جعل الاستهلاكية إيديولوجيا سوق شبه شاملة للمجتمع بأسره. وكل هذا مضاد للتعاون من جهة، وفرملة للكفاح الوطني من جهة ثانية.

وقد يسأل سائل، ولكن: إذا كانت مواقع الإنتاج ضعيفة وتزداد ضعفاً، فمن أين تاتي الأموال التي يتم الاستهلاك بها؟

وهو سؤال مشروع بالطبع طالما المداخيل من العملية الإنتاجية والخدماتية المحلية لا تغطي كلف الحياة الاستهلاكية على الأقل. وهذا يفتح على عدة عوامل بل  ومسببات لهذا التشوه المخطط له من قبل العدو والمسكوت عنه من قبل م.ت.ف سابقاً وسلطة الحكم الذاتي حالياً.

فقبيل اتفاقات أوسلو كان يتم سد فجوة الميزان التجاري للمناطق المحتلة من مصدرها الأهم وهو تشغيل عشرات آلاف العمال في اقتصاد العدو حيث وصل العدد إلى 140 ألفاً في ذروته أي حسنما كان هذا العدد قرابة اربعين بالمئة من قوة العمل المحلية في الضفة والقطاع المحتلين. وهذا التشغيل ظاهرة تشوه بالطبع، ولكنها مفروضة من جهة وهي مقابل عمل يقوم على استغلالين طبقي وقومي وحتى نفسي من جهة ثانية.

وهناك مصادر دخل ريعية سواء تحويلات الأهل في المهاجر والمغتربات، ولاحقاً لعام 1967 هناك تحويلات ريعية مالية من بعض الأنظمة العربية بمقدار ما تسمح لها سلطات العدو ولاحقاً بدأت تحويلات منظمات الأنجزة والمؤسسات الأجنبية الرسمية …الخ والتي بدورها خلقت شريحة أقرب إلى البرجوازية الصغيرة، أو  من مثقفي الطابور السادس الثقافي  اي الشريحة الدنيا من “الطبقة الوسطى” التي تعتمد على “العائدات غير المنظورة” والتي تواصلت حتى اليوم.

لعل التغير الأساس في مسألة تغطية العجز في الميزان التجاري، بل زيادة العجز بقصد زيادة التغطية وزيادة التشوه كان بإدخال المناطق المحتلة في المصيدة الريعية. كيف كان هذا؟

تضمنت اتفاقات أوسلو إقامة سلطة حكم ذاتي في المحتل 1967 على أن يتم تمويل هذه السلطة بالريع من ما تسمى الدول المانحة. أي أن العامود الفقري لقيام وبققاء هذه السلطة ليس الإنتاج المحلي بل الريع الأجنبي. وهو ريع متأتي من أعداء الشعب الفلسطيني. اقتضى هذا خلق جهاز بيروقراطي هائل تم تغطية رواتبه من الريع. خلق فرص وظائف لا فرص عمل. وهذا قلص عدد العمال داخل اقتصاد الاحتلال، وذلك رغم أن بروتوكول باريس نص على تشغيل الاحتلال ل 100 الف عامل من المحتل 1967 ولم يحصل ذلك بالفعل، بل بشكل نسبي مع أن هذا التشغيل هو تثبيت للتبعية.

المهم أن سد عجز الميزان التجاري للمحتل 1967 أصبح آت من الريع الآتي من الخارج، وهذا أخطر انواع الاعتماد على الريوع لأنه ليس ريعا من البلد، نفط مثلاً. وقد تبين أن هذا الريع مقصود به شراء الذمم سياسياً لتثبيت اتفاقات أوسلو، اي مال مقابل تمرير مشروع سياسي.

انكشفت خطورة هذا التمويل الريعي في محطتين لافتتين:

الأولى: حينما حصلت انتخابات 2006 لمجلس الحكم الذاتي وفازت بها حماس، غضب “المانحون” وأوقفوا الضخ المالي، فبلغت القلوب الحناجر وانكشف هدف التمويل المسموم.

والثانية: بعد أن صار على إمارات النفط أن تعلن التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني الإمارات البريطانية المتحدة وقطر والسعودية والكويت والبحرين ومن تحت ستار عُمان،  ورفد ذلك بصفقة القرن وإعلان  ترامب القدس عاصمة للكيان لم يتمكن الفلسطينيون في “دولتي غزة ورام الله” من الاعتراض على هذه السياسات والمواقف، وإلا “راحت لفلوس”! وأخذت القيادات الفلسطينية تلوك الكلام! إنه لزوم نفقات الاستدوال.

لقد ألقت اتفاقات أوسلو الضوء المناسب على هذه المسألة حيث لم تقدم ما يخالف سياسات وتحكُّم الكيان في المناطق المحتلة قبل اوسلو عن ما بعد أوسلو. ولم تكن الصلاحيات الإدارية والمالية والبوليسية لسلطة الحكم الذاتي سوى تفويض من مركز السلطة في تل ابيب لسلطة الحكم الذاتي في أمور هي أسهل على المركز من أن ينشغل بها طالما هي تنسجم مع ما فرضه عليها. بل هي مثابة تسريع لعملية ضم هذه المناطق للإحتلال ولا يبطئها سوى قلق الاحتلال في كيفية التخلص من الناس.

إن تواصل مصادرة الأرض وإلحاق الاقتصاد المحلي باقتصاد الاحتلال، وانسجام أو تكيف قطاعات شعبية كثيرة مع سياسات الاحتلال وخاصة رأس المال الخاص، وتقويض مواقع الإنتاج ذات الطابع الإكتفائي، وتقوية القطاعات أو الأنشطة المتكيفة مع ما يفرضه او تفرضه التبعية يبين بأن وضعية المناطق المحتلة آيلة إلى حالة الاستعمار الداخلي كما اشرنا اعلاه.

وهذايؤكدبأنماحصلليسسلاماشجاعاًولاسلامالشجعانبلسلامراسالمال[2]حيثتسارع”الرأسمالية” المحليةفيدمجنفسهابالبنيةالاقتصاديةللكيانكتابعصغيريعملمايُناطبهولايبادربمايجبالقيامبه.وبهذاتجاوزتتبعيةالسلطةالسياسيةبفراسخ[3].

 ولاشكبأنماتسمى”الدولالمانحة” غربيةوعربيةوالمؤسساتالماليةالدوليةوخاصةالصندوقوالمصرفالدوليينقدسهلتعلىالكيانتحقيقكافةماحققمنأهدفالتهامكاملالوطنالفلسطيني.

وإذا كان الغرب الراسمالي هو مؤسس وحاضن وراعي الكيان الصهيوني، أي هو المتروبول الواسع من لندن حتى واشنطن وصولا إلى ستوكهولم، فإن التوابع العرب عبر التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني قد مكَّنت هذا الكيان من تحقيق هدفه في الاندماج المهيمن[4]على معظم الوطن العربي، وهذا يضع النضال الوطني والتعاوني الفلسطيني أمام مصاعب جمة. ولكن، لا بد من صنعا وإن طال السفر.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

[1]أنظر كتاب الاقتصاد السياسي والطبقة، منشورات دار فضاءات عمان الطبعة الثانية  2017 عادل سمارة

[2]سلام رأس المال:هذا وصف حقيقي لجوهر اتفاق أوسلو وبروتوكول باريسبينمنظمةالتحريرالفلسطينيةوالكيانالصهيوني. فهذهالاتفاقاتلمتأخذقطبالاعتبارحقوقالشعبالفلسطينيفيالمحتل1948 لأنهاتؤكداعترافمنظمةالتحريربأنَّالمحتل1948 هو”إسرائيل” وليستثلاثةأرباعفلسطين. كماأنَّهذهالاتفاقاتقدأبقتعلىسيطرةالكيانعلىالمحتل1967 فيمستوىالأرضوالسيادة. فلمتأخذسلطةالحكمالذاتيسيادةحقيقيةعلىالمحتل1967 حيثأُعيدانتشارجيشالعدوفيهادونأنينسحبمنها،واحتفظالكيانبمايسمى”حقالمطاردةالساخنة” أيأنْيدخلهذهالمناطقمتىوجدذلكفيمصلحتهكييطاردالمقاومين. وحتىالإشرافالإداريلسلطةالحكمالذاتيفهوفقطعلىمنطقةأفقطأيمسطحاتالمدنولايشملمناطقبوج. وبشكلخاصلاإشرافلهمعلىمنطقةجوهي60 بالمئةمنمساحةالضفةالغربيةأيالمساحةالأكبرمنالأرض.

كان استنتاجي مبكراً أنَّ هذا “السلام” ليس سلام الشجعان كما وصفه ياسر عرفات، بل سلام رأس المال؛ لأن المستفيد الوحيد من الفلسطينيين هي الشرائح الرأسمالية الثلاث: الرأسمالية البيروقراطية ممثلة في قيادة منظمة التحرير وهي التي تحولت إلى رأسمالية خلال 40 سنة من وضع يدها على تحويل ضرائب فرضتها كيانات النفط على الفلسطينيين العاملين هناك كي تذهب لصالح اليمين في تلك القيادة، هذا إضافة إلى وضع يدها على مختلف مصادر تمويل منظمة التحرير وهو ما حول هذه القيادة إلى فريق رأسمالي، ثم شريحة الرأسمالية الفلسطينية في الشتات وخاصة التي في الخليج العربي، وهي يمكن تسميتها رأسمالية مالية، والثالثة الجزء الأكبر من الرأسمالية الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخاصة الكمبرادور منها. هذه الشرائح الثلاث هي التي أيّدت هذه التسوية أو السلام، وهي التي استفادت منه وليس الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد بالطبع استفاد منه رأس المال الصهيوني بشكل خاص، من هنا أتت التسمية.

 

[3]أنظر عادل سمارة، ليس اقتصادهم بمعجزة وليس اقتصادنا بعاجز، مجلة كنعان، العدد 130، تموز 2007  ص ص 42-56. وانظر، عادل سمارة،  العدد 131 تشرين الأول 2007 ص ص 15-30. من الشرعية إلى القداسة:دور اليابان في التطبيع،  ، في مجلة كنعان،

[4] الاندماجالمهيمنللكيانالصهيوني
نقصدهناتلكالخططوالمحاولاتمنالثورةالمضادةلجعلالكيانالصهيونيكياناً”طبيعيا” فيالوطنالعربي،ومنأجلذلكيتماعتمادالتطبيع،والتخليعنمقاطعةالكيانوعقداتفاقاتتسويةمعهوإشراكالكيانفيبنىتحتيةمعالأقطارالعربيةوخاصةالمحيطةبفلسطينالمحتلة(دولالطويق) مثلالكهرباءوالطرقوالاتصالات…الخ.
والاندماجالمهيمنيعنيالتوصلإلىاستسلامعربيتجاهالكيانأيالتخليعنحقالعودةوعنالمقاومةوعنشنأيّةحربتحريريةلتحريرفلسطين. 
وفي حين أن من الطبيعي أن يكون هذا مخطط الكيان والمركز الرأسمالي المعولم من أجل هذا الاندماج، فإن الآليات الخطرة في تنفيذ هذا المخطط هي:
• الأنظمة العربية الحاكمة والتابعة والتي هي جزء من الثورة المضادة. 
• القوى السياسية التي اعترفت وتدعو للاعتراف بالكيان الصهيوني وهي:
o كثير من التنظيمات الشيوعية العربية بجناحيها الموسكوفي والتروتسكي.
o كثير من القوى والمثقفين اللبراليين المتغربنين والمتخارجين.
o الكثير من قوى الدين السياسي، وهذه مستجدة على الأمر مثل حزب النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر وليبيا…الخ.
• البرجوازية الكمبرادورية والطفيلية في الوطن العربي.
تقصد الصهيونية من تحقيق هذا الاندماج، أن تصبح دولة طبيعية في الوطن العربي لكي تتغلغل اقتصادياً في الأسواق العربية فتصبح هي القوة الأقوى عسكرياً واقتصادياً وخاصة تكنولوجياً في الوطن العربي.
لكن تطورات المقاومة والممانعة سحبت من الكيان تفرُّده وسيطرته الحربية، فلم يعد قادراً على إشعال الحرب أنَّى شاء، ولذا، يزيد تركيزه بدعم من المركز الرأسمالي المعولم على التغلغل الاقتصادي عبر متاجرة واستثمارات مشتركة مع أكثر عدد من البلدان العربية. 
إنَّ مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي صممته الولايات المتحدة 1994، ولاحقاً تحوله إلى الشرق الأوسط الجديد والكبير هي آليات لتحقيق هذا الاندماج المهيمن. ولعل أوضح مثال على ذلك اتفاقات ال كويزQIZ التي عقدتها الولايات المتحدة مع مصر والأردن بحيث تستقبل الولايات المتحدة منتجات من هذه الدول شريطة أن تحتوي ما لا يقل عن 10 بالمئة من مكونات صادراتها إلى الولايات المتحدة من الكيان الصهيوني.
تهدف سياسة أو مخطط الاندماج المهيمن إلى خلق واقع يشتمل على تشارك مصالح قاعدية مع الكيان الصهيوني بحيث فيما لو قُطعت تتضرر قطاعات مجتمعية مما يدفعها إلى الاعتراض على وقف هذه المصالح المشتركة. فإقامة شركات كهرباء مشتركة أو خطوط اتصالات يقود وقفها في حالة تجدد وجدِّية الصراع إلى احتجاج المتضررين.
إن الهدف من الاندماج المهيمن في التحليل الأخير هو شطب حق العودة، واعتراف العرب بالكيان وكل ذلك لإبقاء السيطرة الرأسمالية الغربية على هذا الوطن وبقائه مجزّأً وبقاء الكيان الصهيوني حارساً لتأبيد هذه التجزئة.

(من ملحق كتابي عن “الربيع العربي” بعنوان “ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة” 2012 عن دار فضاءات في عمان وعن بيسان في رام الله.أعيد نشره بمناسبة هرولة الدشاديش الغارقة بالنفط إلى تل أبيب…آه على أعواد الكبريت”