كي لا تسقط الجمهورية الأخيرة، د. عادل سمارة

بعد ان عجزت المعارضات الجزائرية عن الإجماع على مرشح قبل عودة بوتفليقة من سويسرا تلطت وراء الشعب بالقول هذا ما يريده الشعب، دون توضيح ماذا يقصدون بذلك ودون ان يخولهم الشعب بذلك. كما ان تسمية من في الشارع ب الشعب ليست تسمية دقيقة لأن الذين في الشارع هم جزء من الشعب وإن كانت الأكثرية من الشباب فهذا لا يعني أنهم اكثرية الشباب. كما أن المناداة بإعطاء دور للشباب قد تكون مناداة خبيثة لكسب أصواتهم علاوة على أن السلطة الحقيقية هي بمشروعها وليست بأعمارها. 

 بل يمكن القول بأن موقف هذا الشارع نفسه موقف متحرك  يتوزع بين ثلاثة مشاهد:

  • مشهد حراك يُقال عنه بالآلاف وبمآت الألاف وبالملايين حيث لا يعطي أحد للمشاهد الصورة الحقيقية عن الكم، هذا إن لم نقل الكلمة الأساس وهي ماذا يريد الشارع، بل إن تعريف الشارع ايضا أمر ملتبس؟ على ماذا يتمحور مطلبه؟ وهل مختلف فئاته على انسجام ومن أجل ماذا؟والسؤال خاصة إلى الشباب بمعنى: ماذا يريدون؟ هل المطلوب سلطة أخرى دون تحديد دون معالم دون رؤية اجتماعية اقتصادية سياسية جذرية؟ حتى مطالبتهم بالشغل، هل فكر الشباب بأن الشغل ليس الحل وإنما طبيعة الشغل؟ فهناك فارق بين اقتصاد رأسمالي تابع وبين اقتصاد مستقل تعاوني وتنموي وقطاع عام واقتصاد اشتراكي وهذا بعيد. المهم ان يكون الشغل دون تحكم عتاة راس المال بجهد العاملين. هل هناك حركة أو قيادة إذن توجه الشباب هكذا؟ أم أن هناك من يُثيرون حماسة الشباب كي يتم إسقاط النظام وحينها يمكنهم الانقضاض على السلطة سواء بانتخابات يكسب فيها الأقدر على التضليل سواء باسم الله أو باسم الديمقراطية أو باسم فلسطين ليسمي ذلك الشرعية المنتخبة!

 

  • والمشهد الثاني: لم يربط حراك الشارع نفسه بالمعارضة وإن دخلت في صفوفه وحاولت تبنيه.
  • والمشهد الثالث: لم يربط حراك الشارع نفسه بالسلطة وأحزابها وإن حاولت هذه ايضا دخول الحراك وتبنيه .

إنتقلت أحزاب المعارضة من محاولة التهام الشارع إلى محاولة تحييد الجيش. والمعارضة ربما تقصد فك العلاقة بين الدولة العميقة والجيش بما هو ضمانة البلد. وهنا نقصد قوى الدين السياسي المعارضة التي هي توليدات ملطفة لخالقي العشرية السوداء. ذلك لأن الفساد الذي ساد السلطة أضعف جبهة التحرير والتحالف الحاكم وبقرطها، الأمر الذي قد يُحدث فرصة لقوى الدين السياسي للانقضاض على السلطة مجدداً وبالتالي إنهاء آخر الجمهوريات العربية لصالح تيارات الدين السياسي التي تهمها السلطة اي لا الوطن ولا الاستقلال الاقتصادي، ناهيك عن القطاع العام أو التعاوني او الاشتراكية.

 

هذا المديح الهائل من المعارضات للشارع والجيش من جهة وتدحرج مطالبها من إنهاء عهدة الرئيس إلى تغيير كامل النظام تنبىء عن شبق للسلطة باي ثمن.

ذلك لأن السؤال: ما هي آليات رحيل النظام، كامل مؤسسات النظام؟ هل هذا ممكن بغير الفوضى؟. 

فرفض تولي رئيس البرلمان سلطة مؤقتة حتى الانتخابات يتم بمبررات بانه يحمل جنسية مغربية (وهذا خطاب قطري مقيت) أو انه من فريق النظام، هذا مع أن برلمانيي هذه المعارضات كانوا تحت قبة نفس البرلمان الذي يتراسه هذا الرجل لأكثر من عهدة؟ 

كما أن المعارضات وهي تغازل الجيش تطالبه بأن لا يتخذ أية مبادرة حتى لو وسطية، وهذا ما اتضح من عدم رضى اطراف منها، وخاصة قوى الدين السياسي عن اقتراح الجيش اعتماد المادة 102 من الدستور لأنها تنهي عهدة الرئيس، حيث انتقل هؤلاء إلى المطالبة بكنس كامل مؤسسات الدولة، وهذه المطالبة يمكن أن يتم سحبها على الجيش نفسه أي إبعاده عن أي دور وهذا يعني ان المعارضة قد وضعت نفسها في السلطة وقررت  تحييد الجيش لصالح السياسة وهذا شبيه بمحاولات جوايدو في فنزويلا.

 

لذا تلهج المعارضة بمطالبة الجيش بأن لا يتدخل في السياسة وأن يحمي مطالب الشعب دون شرح ما هي المطالب وبهذا تتصرف كما لو كانت السلطة قد اصبحت بيدها.

تطالب المعارضة بحكومة انتقالية من شخصيات مشهود لها، ولكن من اي طرف مشهود لها؟ من الذي يؤكد صدقية هذه الحكومة حين تكون بتسمية المعارضة وحدها او السلطة وحدها؟ لذا إطلاق تصريحات اثيرية هكذا أمر خطير.

من جهة ثانية، تتقدم المعارضة باتجاه رفض دور المجلس الدستوري الذي يلتزم الصمت على اعتبار أن امامه كامل شهر نيسان حتى يقرر. لكن المعارضة أيضا تعتبر المجلس الدستوري من دعائم السلطة الحالية، وهذا يعزز الريبة من دعوتها لكنس كامل بنية الدولة لإدخال البلد في الفراغ سياسيا ودستورياً.

هذا رغم ان المعارضة لم تتفق بعد على مرشح مشترك، ولن تتفق. 

فهي تنقسم على الأقل إلى اربع فئات:

  • قوى الدين السياسي (الإخوان) ويبدو انها الطرف الأقوى.
  • الاتجاه الشيوعي اي حزب العمال والذي يبدو انه مختلف عن التروتسكية في المشرق، اي اكثر وطنية وأقل تبعية للتروتسكية الدولية المضادة للثورة.
  • واللبراليون بتعددهم بمن فيهم المتفرنسين
  • وتيارات وطنية وقومية.

 

واضح أن الصوت الأعلى في المعارضة هو صوت عبد الله جاب الله بلباسه الباكستاني الذي يدل على عقليته  وهذا  أمر خطير. باختصار هناك فلتان لشبق السلطة عند المعارضة .

لكن كل هذا الفلتان والفوضى يرتد إلى حقيقة أن الجزائر بعد بومدين غادرت التوجه الاشتراكي وتبقرطت قيادات في جبهة التحرير، واختطف رأ سالمال الكمبرادوري كثيرا من مواقع ومنافع السلطة مما يدفع للتساؤل:

كيف يمكن لبلد مثل الجزائر بإمكاناتها أن تكون معتمدة على الريع النفطي؟ ومن الذي يجرؤ على مسامحة النظام الحالي على وصول البلد إلى هذا الحال؟ صحيح ان الشاذلي قد أعاد إلى الجزائر العدو الفرنسي من عدة أبواب وفتح الطريق لسيطرة قوى الدين السياسي في بلد كان يمكن ان يكون كوبا المغارب العربية، وصحيح ان الأمين زروال تعفف عن السلطة، لكن حين الواجب الوطني فإن التعفف هو موقف تطهري، وصحيح ان بوتفليقة انقذ البلاد من الفوضى، لكن كل هؤلاء بعد بومدين، لم ينقلوا البلاد إلى وضعية الاستقلال الاقتصادي الإنتاجي المتمحور على الذات مما يخلق درجة من عدالة توزيع الدخل بما في ذلك تشغيل بكرامة للجيل الشاب.

فمن العار ان يغرق الجزائري في البحر وهو هارب إلى العدو الفرنسي ليجد العيش الأفضل هناك؟

لكن المشكلة التي لا يبدو انها ستحلها المعارضات هي أن المعارضة الرئيسية أي قوى الدين السياسي هي رأسمالية التوجه بل بعقلية تجارية لا تنموية مما لن يعطي البلاد افضل مما كان، بل اشد قسوة وخاصىة على المرأة. 

 

نحن من بعيد، نحاول تكثيف الأزمة على النحو التالي:

  • حاولت أحزاب السلطة الاستفادة من سنة انتقالية كي ترمم بعض أخطائها، ولكي تستعيد جبهة التحرير بعض ألقها الذي للأسف تم تشويهه، وكل ذلك بهدف كسب الانتخابات المقبلة.
  • بينما تحاول المعارضات وخاصة قوى الدين السياسي اختطاف السلطة في لحظة ضعف النظام الحاكم . 

وعليه، فإن وصول الأمور كما يبدو مؤخرا إلى حالة الاحتباس والاستعصاء، فإن تحريش الشباب ومحاولات تحييد الجيش تنذر بفوضى معينة قد تسمح لأعداء الوطن بلعب الدور القيادي  إلى الفقدان:

  • محاولات اندساس القناصين إذا ما حصل اي عنف
  • فتح المجال لأمريكا وفرنسا والموساد ايضا 
  • دور خطير للنظامين المغربي والتونسي وكلاهما من قوى الثورة المضادة
  • تفعيل الساحة الليبية بما هي ساحة مليئة بالإرهاب المسلح
  • فتح الطريق لأنظمة الدين السياسي في الخليج بشقيه السلفي والإخواني.

 

يتعقد المشهد أكثر حيث تتم محاولات تحييد الجيش مما يعطي قوى الدين السياسي فرصة التحالف الخبيث مع أطراف الثورة المضادة أعلاه. وحينها سيتم سحق الشارع الشاب الذي لم يبلور لا خطة عمل ولا قيادة كفؤة. ولن يضير قوى الدين السياسي مسيل الدماء كما عودتنا. فقوى وأنظمة الدين السياسي ذات تواصل مع الإمبريالية بدءا من تجربة إخوان تركيا وقطر ومصر والجارة تونس.

ما يقلق جاب الله هو موقف الجيش، لذا يرسل إشارات تدل على نوايا يبدو ان الجيش لا يرغبها ربما لأن الجيش هو المؤسسة الأكثر كرها لفرنسا والغرب لأن الجيش هو حامل شرف الاستقلال.

اما الشباب فحبذا لو يعرفوا بأن احتجاجهم ضد البطالة والغلاء مشروع بالمطلق، ولكن عليهم أن يبحثوا عن معارضة بعيدة عن قوى الدين السياسي التي تحكمها افكار وثقافة ومشروع راسمالي متخلف وتابع مغطى بالقداسة الدينية مما قد يفتح على عشرية وأكثر. وأن يبتعدوا عن اجنحة في السلطة هي حقا فاسدة وراسمالية كمبرادورية بوضوح. مصالح الشباب هي في توجهات تنموية تعاونية اشتراكية، ولكن هل للشباب بنية قيادية تركز الجهد لتحقيق ذلك. إن لم يحصل هذا، فإن الشباب سيجدوا انفسهم وقد تم نقلهم من ايدي راسمالية تابعة لأخرى تابعة وربما تغطي نفسها بالدين مما يجعل اقتلاعها اصعب.

 

لا ياسف المرء على حزب حاكم أضاع تجربة كانت مرشحة لتكون مثالا لنهضة عروبية، لكن المرء يخشى قوى الدين السياسي التي تعشق السلطة والإمبريالي معا. 

هل سيتولد من الشارع ومن قواعد جبهة التحرير والقوى اليسارية تيار يفرض الشرعية الشعبية التقدمية على الأقل، وهي في هذه الحالة شرعية ثورية.

 غياب حركة ثورية حقيقية كان وراء هزيمة كميونة باريس 1870 ، والثورة الثقافية في الصين 1965 ثورة 1968 الطلابية في فرنسا، وانتفاضة 1987 في فلسطين.

في وصف قناة الدين السياسي /الميادين اليوم كان يقول المذيع/ة الآلاف في الشوارع. لكن طريقة عرض الميادين للحدث توضح انحيازها ضد النظام.  أما أحاديث احزاب المعارضة فتقول  الملايين في الشوراع. من هو الصحيح. ولا ننسى أن المذيعين/ات يتهيجوا احيانا فيقدمون فتاوى كما لو أن احدهم هو القائد الملهم أو الأمين العام لحركة ثورية! اي هزال هذا!

حتى يتكلم المجلس الدستوري، ستبقى الساحة معتكرة، ويشوبها القلق. هذا إذا لم تتم الإطاحة بهذا المجلس لأن المعارضة في عجلة من أمرها تثير الريبة مستغلة حراكا شبابيا لا يقدم مشروعا للتطبيق. فالحماسة والرقص في الشارع هي تعبير عن غضب لكن المشكلة في بلورة ذلك في مطالب واضحة من جهة ولا تصب في جيوب قوى الدين السياسي وراس المال اي الثورة المضادة.

اقتراح الجيش اعتماد المادة 102 من الدستور هو خطوة يتعادل فيها السلب والإيجاب:

إيجابياً: هي توفير مخرج تلافياً للفوضى والتدخل الإرهابي أو تنشُّط الإرهاب الكامن منذ العشرية السوداء.

وسلبيا: إذا اضطر او رغب الجيش في مسك السلطة حيث يمكن تكرار تجربة طنطاوي في مصر، مع الأخذ بالاعتبار أن بنية الجيش الجزائري ليست كالجيش المصري الذي اخترقته امريكا وكامب ديفيد.

ومع ذلك فأن ينتهي الحراك لقيادة الجيش للبلد أي إمساك السلطة، فهذا كارثة.

لسنا كمحبين لجزائر العروبة من يخطط لما يجب ان يحصل، ولكن، ربما قرار المجلس الدستوري بأن الرئيس عاجز عن أداء دوره، وتشكيل حكومة انتخابات يكون للجيش دور في تحديد شخوصها لإجراء أنتخابات في فترة لا تتجاوز ثلاثة شهور ويكون له دور في ضبط عدم التزوير الذي تتلطى ورائه المعارضات في الطعن بانتخابات على مدار عشرين سنة ومع ذلك كانوا وبقوا في برلمانات نتجت عن تلك الانتخابات “المزورة”!. وهذا قد يكون مدخلاً أفضل من  حالة ال لا مدخل وهذا اضعف الإيمان كي  لا تسقط الجمهورية الأخيرة.

ملاحظة: في الجزائر استخدام الله وفلسطين بين متاجرة الساسة وحماسة شباب: هل يعرفون ما يريدون؟ وماذا تقصد الميادين بالمبالغة بحراكهم.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.