مقدمة:
شارك “نَتِنْ ياهو”، رئيس وزراء العدو، نهاية العام 2018، في حفل تنصيب “جايير بولسونارو” رئيسًا للبرازيل، في غياب معظم قادة الدول الأوروبيّة وأميركا الجنوبية، بسبب المواقف اليمينيّة المُتطرفة للرئيس البرازيلي الجديد، وتصريحاته العديدة التي تُمَجِّدُ الدّكتاتوريات العسكرية، ومن بينها تلك التي حكمت البرازيل طيلة ربع قرن، وعدد من بلدان أمريكا الجنوبية الأخرى، وتصريحاته العنصرية ضد الشعوب الأصلية لأمريكا الجنوبية والبرازيل، وضد النساء والأقليات وغيرهم، وكان “بولسونارو”، المُعْجَب بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، قد وَعَدَ نظيره الصهيوني بنقل سفارة البرازيل إلى القُدْس، غير أن اعتراضات من قادة الجيش ومن أرباب العمل، جَمّدت القرار، ربما مُؤَقّتًا، لأن ارتباط الرئيس البرازيلي بالصهيونية قديم، ووَرّثَهُ لأبنائه، المعجبين بأجهزة الجيش والمخابرات الصهيونية، ونشرت الصّحُف صُورًا لابْنَيْهِ، سنة 2016، أثناء تواجدهما في زيارة، ليست الأولى، لفلسطين المحتلة، وهما يرتديان سترتين تُمَجِّدان “مَحَاسِن” جيش الإحتلال وأجهزة المخابرات الصهيونية، ويُشكّل احتلاله مقعد الرئاسة تحولا في موقف البرازيل من القضايا العربية، والعالمية، وتَقْوِيضًا لمجموعة “بريكس” التي تنتمي لها البرازيل، والتي تأسّست كمشروع للإستقلال عن سياسات الإمبريالية الأمريكية، وأدواتها، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي…
حل الرئيس اليميني المتطرف “جايير بولسونارو” بفلسطين المحتلة، يوم الأحد 31/03/2019، في زيارة رسمية تدوم ثلاثة أيام، غداة ذكرى يوم الأرض (30 آذار/مارس 1976)، وقبل أسبوع واحد من انتخابات الكنيست الصهيوني، في ثاني زيارة خارجية له (كَرئيس أكبر دولة في أمريكا الجنوبية)، بعد الولايات المتحدة، مما يُعتبر دَعْمًا مباشرًا ل”نَتِنْ ياهو”، واضطر الرئيس البرازيلي للتراجع عن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، لصالح فتح مكتب تجاري، وحلَّ مرفوقًا بوفد هام، من عشرات رجال الأعمال ونواب البرلمان وأجهزة الأمن والجيش ووُزراء، من بينهم الخارجية والدفاع والفلاحة والبُنى التّحتيّة، للتوقيع على اتفاقيات ذات صبغة عسكرية وأمْنِيّة، واتفاقيّات تكنولوجيّة وشراء طائرات مسيّرة وأخرى بدون طيّار، مُصَمّمة لاستخدام الشرطة، واتفاقيات تبادل المعلومات والخبرات في مجال المُراقبة الدّاخلية للمواطنين، والتجسس الخارجي…
يعود سبب تأجيل نقل سفارة البرازيل من تل أبيب إلى القدس، إلى مُعارضة قسم هام من السكان لهذا التحول الإيديولوجي، وإلى معارضة المُشرفين على القطاع الفلاحي في البرازيل (بالإضافة إلى بعض قيادات الجيش وبعض الوزراء)، لأن نقل السفارة يهدد صادرات اللحوم البرازيلية إلى دول المشرق العربي، التي قد يَسكت حكامها، ولكن الشعوب قادرة على مقاطعتها، وبَلَغَ حجم التبادل التجاري بين البرازيل والدول العربية سنة 2018، عشرين مليار دولارا، فيما بلغ حجم التبادل التجاري للبرازيل مع الكيان الصهيوني سنة 2016 (آخر بيانات متوفِّرة) 1,12 مليار دولارا…
الخَلْفِيّة العقائدِيّة للرئيس “بولسونارو”:
عبَّرَ الرئيس اليميني المتطرف “جايير بولسونارو”، وهو ضابط مُتقاعد، خلال الحملة الإنتخابية، عن إعجابه بنظام الحكم العسكري الذي عانى منه البرازيليون من 31/03/1964 إلى 1985، وأمَر وزارة الدفاع (يوم الإثنين 25/03/2019) بالإحتفال بذكرى الإنقلاب العسكري، يوم 31/03/2019، و”بإقامة الاحتفالات اللازمة لإحياء الذكرى” الخامسة والخمسين للانقلاب العسكري الذي جرى في 31 مارس 1964، ضد الرئيس “جواو غولارت”، وأرسى ديكتاتورية عسكرية استمرت 21 عاماً.
كان “بولسونارو” ضابطاً في الجيش أثناء حكم العسكر، ولذلك عيّن نصف وزراء حكومته من العسكريين، ولم يخف يوماً حنينه لعهد الديكتاتورية، ولا إعجابه بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، أو بالزعماء الصهاينة، لكن القضاء البرازيلي مَنَعَ (يوم الجمعة 29/03/2019) القوات المسلحة من الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والخمسين للإنقلاب العسكري، لأنها “تنتهك مبْدأ الشرعية”، وفقا للقاضي “إيفاني سيلفا دا لوز” من محكمة “برازيليا”، الذي نَظَر في قضية مُسْتعجلة، قدّمتها “اللجنة الوطنية للحقيقة”، التي تُوثِّقُ ما حصل أثناء فترة الدكتاتورية العسكرية، من فَرْضِ رَقابةٍ على وسائل الإعلام، ومن اغتيالات واعتقالات، وشهدت تلك الفترة تعذيب المعارضين، وقتل أو “اختفاء” 434 شخصا، وفق ما توصّلت اللجنة إلى إحصائه بالوثائق…
في المقابل، أحيا بضعة آلاف من البرازيليين، في العاصمة “برازيليا”، ذكرى ضحايا الديكتاتورية العسكرية، يوم الأحد 31 آذار/مارس 2019، الذي يوافق ذكرى الانقلاب الذي أسّس الديكتاتورية، سنة 1964، وحمل المتظاهرون صُور مئات الضحايا من أقاربهم، أو أصدقائهم، أو رفاقهم، ورفعوا لافتات حملت عبارات تعترض على “عودة الديكتاتورية “، في إشارة إلى الرئيس الحالي، الذي كان ضابطًا في قوات المظلِّيِّين، المعروف بتصريحاته اليمينية المتطرفة، والتصريحات المتعصبة والعنصرية، والمناهضة للنساء والسود والشعوب الأصلية لأمريكا الجنوبية، واعتبر “إن أحداث سنة 1964 ليست انقلابا، بل كانت لحظة تَوَحَّدَ فيها الجيش مع المدنيِّين من أجل إعادة البلاد إلى المسار الصحيح”…
الدّعم الأمريكي للتّيّارات الإنقلابية اليمينية:
كان “جواو غولارت” نائبًا للرئيس، وأصبح رئيسًا للبرازيل، إثر استقالة الرئيس “جواو كوادروس”، في السابع من أيلول/سبتمبر 1961، وهو من أُسْرة ثرية، تمتلك أراضي شاسعة، ولكنه كان من أنصار اليسار، يؤمن بالعدالة الإجتماعية، ويدافع عن ضرورة تأميم الأراضي، وإعادة توزيعها، ولذلك دَعَمَهُ اليسار (حزب العمال) وبعض القطاعات النقابية، لأنه عندما كان وزيرًا سنة 1953، في حكومة “فارغاس”، اتخذ قرارًا بمضاعفة الأجر الأدْنى، وارتفعت شعبيته لدى الأُجَراء والفُقَراء في البلاد، بعد إجراءات تأميم الأراضي، والإجراءات التقدمية الأخرى، عندما أصبح رئيسًا، ولكن تحالف الكنيسة وكبار ملاكي الأرض وقيادات الجيش، مع الولايات المتحدة، أطاح بالرئيس، يوم 31 آذار/مارس 1964، ودعمت الولايات المتحدة ومخابراتها (سي آي إيه) والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، الإنقلاب العسكري، ماليًّا وإعلاميا وسياسيا، كما مَوَّلَت الولايات المتحدة نشاط القوى اليمينية، خلال حملة الإنتخابات المحلّيّة، سنة 1962، باعتراف السفير الأمريكي الأسبق “لينكولن غوردون”، وتأكّد الدّعم الأمريكي، بعد رفع السرية في الثاني من نيسان/ابريل 2014، عن قِسم هام من وثائق الأمن الأمريكي ( National Security Archive – N.S.A )، وأَوْرَدَ “إريك توسّان” في أطروحة دكتوراه سنة 2004 (جامعة “لياج” ببلجيكا، وجامعة باريس 8)، مجموعة من الوثائق والبراهين، تُبْرِزُ الدعم الأمريكي (متعدد الأشكال) للقوى اليمينية البرازيلية، قبل وبعد الإنقلاب، و”إريك تُوسّان”، هو مؤسس “اللجنة من أجل إلغاء دُيُون العالم الثالث”، ومقرها بروكسل، عاصمة بلجيكا…
أما البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي فقد جَمّدا لفترة ثلاث سنوات (من 1961 إلى 1964) قُروضًا، وقع الإتفاق عليها وعلى شروطها، مع حكومة البرازيل المُنتخبة ديمقراطيًّا، وعادت قُروض المؤسستيْن (البنك والصّندوق)، بشروط مُيَسّرة لحكومة الإنقلاب العسكري في البرازيل (مثلما حصل في تشيلي ودول أخرى، خضعت للحكم الدكتاتوري أو العسكري)، وسبق أن دعمت شرائح عريضة من الشعب البرازيلي، الرئيس “جوسلينو كوبيتشاك” (كان رئيسًا من كانون الثاني/يناير 1956 – كانون الثاني 1961)، عندما رَفَضَ، سنة 1958، الشروط المُجْحِفَة لصندوق النقد الدولي، الذي وافق على قَرْضٍ لحكومة البرازيل بقيمة ثلاثمائة مليون دولار، ووَاصل خَلَفُهُ “جواو كوادروس”، ثم “جواو غولارت” رَفْضَ شُرُوط صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة، وعندما أصبح “غولارت” رئيسًا، أعلن تنفيذ إصلاح زراعي عميق، وتأميم معامل تكرير النّفط، مما يَضُرُّ بمصالح كبار الملاكين العقاريين، وأصحاب المزارع الكُبْرى، وشركات النفط الأمريكية، التي كانت تستغل نفط البرازيل، ولهذه الأسباب ساهمت الولايات المتحدة وشركاتها في الإعداد للإنقلاب العسكري، ودعمِهِ، دون إثارة مواضيع الديمقراطية وحقوق الإنسان التي أصبحت حاليا بمثابة “قميص عثمان”، فتراجع الحكم العسكري عن الإجراءات الإقتصادية السابقة (التي تضرب مصالح كبار المزارعين ومصالح الشركات الأمريكية) وكان هذا التراجع، من القرارات الأولى للمجلس العسكري المُنْقَلِب على الرئيس “غولارت”، وادّعت تقارير البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، إن اقتصاد البرازيل استعاد عافيته، إثر الإنقلاب، وبفَضْلِ عودَةِ قُرُوض الصندوق، لكن الوقائع تُشِير إلى إفلاس وإغلاق آلاف الشركات الصغيرة، وتسريح آلاف العُمّال، وانخفاض حجم الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7%، سنة 1965، وأَقرّت سلطات الحكم العسكري جملة من الإجراءات، من بينها حَظْر الإضرابات وحل النقابات وخفض الرواتب وإلغاء الإنتخابات المباشرة، وكانت هذه القرارات مرفُوقةً بحملة قمع واسعة، مع ممارسة التعذيب الوحشي، حدّ القتل، وادّعى “روبرت ماكْنَمارا” (رئيس البنك العالمي) سنة 1968، وكذلك تقارير البنك خلال السنوات اللاحقة، نجاح الحكم العسكري في “تضيِيق الفوارق” الطبقية، وأعلن “ماكْنَمارا” غياب أي بديل لسياسة الجيش (الحاكم) في البرازيل، وارتفعت قيمة قُروض صندوق النقد الدّولي من صفر دولار خلال سنة 1963 (السنة السابقة للإنقلاب ) إلى 73 مليون دولارا سنويا حتى سنة 1970، ثم 500 مليون دولارا سنويا، خلال منتصف عقد السبعينات من القرن العشرين، بضمانات أمريكية، وأوروبية، ويابانية، ولم يستفد العمال والمزارعون والأُجراء والفُقراء من هذه القُرُوض، بل استفاد منها أصحاب المزارع الكُبْرى والأثرياء (الدّاعموان للدكتاتورية العسكرية)، عبر القُروض المصرفية الرخيصة، خلال خمسة عشر سنة، إلى أن أصبحت المصارفُ الخاصةُ، مَصْدَرًا لديون الطُّغمة العسكرية…
ميشال ثامر، وعودة سياسة التّبَعِيّة:
كان ميشال ثامر نائبًا للرئيسة “ديلما روسيف”، في إطار تحالف بين أحزاب شكّلت مَعًا أغلبيةً برلمانيةً، تدعمُ حكومةً عَدّتها الولايات المتحدة من “اليسار” المُعادِي لسياساتها في العالم، خصوصًا بعد تشكيل مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وتنزعج الولايات المتحدة من الحكومات التي تُعيد توزيع الثروة، عبر الإستثمار في التعليم والصحة والسّكن والنقل الجماعي، وتعتبرها “شيوعية” (زُرًا وبُهْتانًا)، خصوصًا إذا كانت هذه الحكومات في أمريكا الجنوبية، التي تُشكل البرازيل أكبر دولة بها، بحكم ارتفاع عدد سكانها (أكثر من 200 مليون نسمة)، وبحكم حجم الناتج المحلي الإجمالي…
بعد انخفاض أسعار النفط والمواد الأولية (أهم مصدر لموارد الدولة)، في الأسواق العالمية، سنة 2014، ظهرت صعوبات اقتصادية عرقلت تنفيذ برامج “حزب العمال” الذي تنتمي له الرئيسة “ديلما روسيف”، مما خلق خلافات داخل التحالف الحاكم، واستغل الحليف المؤقت، “ميشال ثامر” وحزبُهُ، هذا الوضع، للإطاحة بالرئيسةِ وحزبِها، ضمن حملةِ تشويهٍ إعلاميةٍ، تتهم الرئيسةَ بالفسادِ، والواقع إن حكومتَها أجّلت احتساب بعض الأرقام، من سنة مالية إلى السنة التي تليها، وهو إجراء تقوم به كافة حُكومات العالم، وتمت الإطاحة بها، ضمن “انقلاب دستوري”، بدعم من الولايات المتحدة ومن مؤسسات “بريتن وودز” ( مثلما حصل في هندوراس سنة 2009 وفي باراغواي سنة 2012…)، وتمَكَّنَ اليمينُ، بفضل هذا “الإنقلاب الدستوري” من العودةِ إلى الحكم، دون انتخاب، بعد هزائم انتخابية متتالية، من 2002 إلى 2014، وقاد الإنقلاب (إلى جانب ميشال ثامر) رئيس مجلس النواب “إدواردو كُونْهَا” المتورط في عدد كبير من قضايا الفساد، وأفلت من العقاب، إلى أن أصدر القضاء (المُرْتَشي في معظمه) يوم 30 آذار/مارس 2017 حُكْمًا بحبْسِه خمسة عشر سنة، بعد ثُبُوت تهم الفساد والإرتشاء وغسيل الأموال، والتهرب الضريبي، والمتاجرة غير المشروعة بالعملات الأجنبية…
أصبح النائب “ميشال ثامر” رئيسًا غير منتخب (بداية من 01/09/2016)، لأكبر قوة اقتصادية في أمريكا الجنوبية، وثامن أكبر القُوى الإقتصادية في العالم، وهو الذي اشتهر بالفساد والسّرقة والرّشوة، فتحالف مع الضباط الأكثر رجْعِيّةً في الجيش، ورفع الميزانيات الأمنية والعسكرية، وازداد حضور الجيش في الحياة السياسية، خصوصًا منذ سنة 2015، عندما اشتدّت الحملة السياسية والإعلامية ضد حزب العُمّال وضد الرئيسة “ديلما روسيف”، بإشراف أمريكي مُباشر، وبمشاركة معظم وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، فضلاً عن وسائل الإعلام المَحلِّية، التي يمتلكُ مُعْظَمَها رأسُ المالِ المحلِّي، أو المُختلط (محلي وأجنبي)، واتخذ ميشال ثامر قرارات رجعية، مُناصرة للشركات الكبرى ولأصحاب رأس المال، ومن بينها خفض الإنفاق الحكومي، وتقليص ميزانيات التعليم والصحة والسكن، وخفض الضريبة على الثروة، وغيرها من الإجراءات التي لا تخدم سوى مصالح الأثرياء…
تمكن ميشال ثامر من إرشاء نواب البرلمان، ليُنَفِّذَ انقلابَهُ، ومن إرشاء القُضاة الذين بَرّؤُوه من تهم الفساد والسرقة، وبرّؤُوهُ من التهرب من تسديد الضرائب، و”غَسَلُوا ذُنوبَهُ” الإقتصادية، مؤقّتًا، لكن هذه القضايا عادت إلى الواجهة، بعد انتهاء دَوْرِهِ الوظيفي، وبعد انخفاض شعبيته إلى درجة لم يسبقه إليها أحد، وأخيرًا تم اعتقالُه يوم 21 آذار/مارس 2019، بتهم الفساد، بعد ثلاثة أشهر، لا غير، من تنحِيَتِهِ، وانتهاء دَوْرِهِ، ولا يزال القضاء يُلاحقُهُ، ويُحقق في عشر قضايا أخرى، بشأن الفساد والإستحواذ على أكثر من أربعمائة مليون دولار، من المال العام، بالإضافة إلى استفادته من عدد من الرشاوى، بين سنتيْ 2014 و 2018، مقابل إقرار قوانين ضد العُمال، لصالح أرباب العمل والشركات…
خاتمة:
شكلت الفترة التي قضاها ميشال ثامر في منصب الرئاسة مرحلة انتقالية، من حكم حزب العُمال، الذي اعتمد على تنمية الإقتصاد، عبر تشجيع الطلب والإستهلاك المَحلِّي (وهي نظَرِيّة “كينزية”، لا علاقة لها ب”اليسار” أو “الإشتراكية”)، وعبر إعادة توزيع الدّولة لجُزْءٍ من ريع صادرات النفط والمعادن والإنتاج الزراعي، لانتشال الملايين من الفَقْر، ليس بدافع القضاء على الفقر، وإنما بهدف تحويل الفُقراء من منتظرين للدعم، إلى مُستهلكين للإنتاج الزراعي والصناعي، مما يحرّك عجلة الإقتصاد، وتمكّن “ميشال ثامر”، خلال فترة وجيزة، من تحويل الإقتصاد المُوَجّه، إلى اقتصاد ليبرالي رأسمالي، يعادي الفُقراء والعُمّال والمُنْتِجِين، وهو حُكْمٌ مدْعُوم من الأثرياء، ومن الولايات المتحدة ومن البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وأظهرت هذه السّرعة في تَحَوّل الإقتصاد، هشاشة البرنامج الإقتصادي والإجتماعي لحزب العُمّال، ولهذا الصّنف من اليسار، الذي لا يستهدف تغيير ملكية وسائل الإنتاج، ولا طبيعة المجتمع…
يُمثل انتخاب “جايير بولسونارو”، في أعقاب فترة “الرئيس بالنيابة” (ميشال ثامر)، تَتْويجًا لسلسلة من التراجعات في أمريكا الجنوبية، وفي البرازيل، لأن اليسار الذي حَكَم في بعض بلدان أمريكا الجنوبية، أبْقَى على هيمنة كبار الرأسماليين، على الملكيات الشاسعة للأراضي الزراعية، وعلى أدوات الإنتاج، وأبقى على هيمنة الكنيسة والشركات الرأسمالية على قطاعات الإعلام، والتعليم، وتجارة التّجْزِئة، وغيرها من القطاعات المُؤثرة في الحياة اليومية للسكان، وورد في ورقة أصدرها البنك العالمي (يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2018)، بمناسبة الإنتخابات الرئاسية في البرازيل، تحذير من التراجع عن برنامج التقشف الذي بدأه “ميشال ثامر”، مع كَيْل المَديح للرئيس اليميني المتطرف، بعد أقل من شَهْرٍ على انتخابه ( في 28/10/2018) والإشادة بمخططه القاضي بزيادة الضرائب على الرواتب وخفضها على الثروات، وخفض حقوق المتقاعدين والعُمال، والتضييق على العمل النقابي.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.