التبعية لخطاب الانتخاب الصهيوني … رؤية معاقة، عادل سمارة

تُجرى اليوم انتخابات الكنيست الصهيوني والتي تابعتها مؤسسات عربية وخاصة الإعلامية منها. وإلى حد كبير كان التركيز على: كيفية فشل أو إفشال نتنياهو. ولا شك ان ذلك امر مهم.

ولكن، كل هذا ليس سوى نصف أو جزء من المعادلة. لأن المطلوب دائما: ما العمل؟

والتركيز ضد نتنياهو يعيد إلى الذاكرة ، القريبة على اية حال، ما  قام به كثير من الفلسطينيين والعرب بدعم بيرس ورابين وإيهود باراك ضد بيجن او ضد نتنياهو. وهذا الدعم أو “الانحياز” هو سقطات هائلة لأنها تعني، ولو دون قصد، أن المشكلة مع راس سلطة العدو وليست مع اغتصاب وطن. كما تعني هذه السقطة غياب استراتيجية ضد الكيان مما سمح له بجر هؤلاء العرب إلى المربع الذي يريد أي “يسار” الكيان ويمين الكيان مما يؤكد وقوع هؤلاء العرب في فخ الاعتراف بالعدو كجار طبيعي، أو كأن الأمر تحليل بارد حول فوز بوتين أو زيجانوف في روسيا!

وللأسف لم يكن هناك موقف وشغل ضد المشاركة في التصويت والترشح للكنيست سوى من قطاع رافض من فلسطينيين من المحتل 48 ، حركتي ابناء البلد وكفاح ومناضلات ومناضلين مستقلين ايضا.

كما كان لافتاً قيام بعض الفضائيات بإجراء مقابلات بين رافضي ومؤيدي المشاركة في هذه الانتخابات. مقابلات على نفس المستوى وكأن العدو طبيعي وبأن بعضنا معه وبعضنا ضده.

وبدل أن تقوم الحركة الوطنية في المحتل 1967 بالتحريض ضد المشاركة في هذه الانتخابات، ساد صمت رهيب!

ليس ما نقصده إهمال الوضع الانتخابي في الكيان، ولكن كان ويجب ان يبقى الاهتمام بما هو موقفنا وماذا علينا ان نعمل انطلاقا من وارتكازاً على أن الصراع هو دائم وتناحري.

ورغم تصريحات نتنياهو بضم الجولان والضفة الغربية ناهيك عن “قانون القومية” إلا أن كل هذا لم يتم استخدامه كذخيرة للعمل على مقاطعة هذه الكنيست والكيان. وهذا ينم عن تبعية لسياسة وخطاب الكيان، وهي التبعية الأخطر. إنه حالة اليُتم في إبداع موقف تتوفر مختلف الظروف الموضوعية لإنتاجه!

هناك عامل إضافي للتركيز على المقاطعة وهو أن قوى في الكيان كانت في السابق تحاول الاستفادة من أعضاء الكنيست العرب إضافة إلى استفادتها الأساسية من الصوت الانتخابي الذي كثيرا ما أفادها. ففي عام 1992 استفاد رابين من ذلك كثيرا، ولاحقاً استفاد باراك الذي عام 1996 دعمه عزمي بشارة بشكل علني في مواجهة الليكود باعتبار باراك لدى بشارة والحزب الشيوعي راكاح “حمامة سلام”!.

هذا مع العلم أن مجرد وجود مرشحين عرباً هو دعم لوجود الكيان اي للاغتصاب!

أما لدى القائمتين الصهيونيتين المتنافستين اليوم فكلتاهما أهملتا اي تقاطع أو خطب وُد القائمتين العربيتين في برنامجيهما. 

وبالمقابل، كان تنافس الطرفين الصهيونيين على المخزونات الأخرى من حيث :

  • الصوت الانتخابي
  • ومن حيث الدعم من خارج الصوت الانتخابي

من حيث الصوت الانتخابي، هنك مخزون اليمين المكون من :الحريديم، والمتدينين  والمستوطنين والشرقيين، وهذا غالبا في صالح نتنياهو. وهناك الهستدروت حيث استمال فريق أزرق أبيض رئيسها  آفي نيسانكورن. وهناك مخزون الجيش الذي ايضا حاول أزرق ابيض بجنرالاته الثلاثة الاعتماد عليه ، هذا رغم أن صورة الجيش لم تعد لامعة كما كانت قبيل حروب 2006 و 2008، و 2014، حيث لم يحقق الجيش اي نصر على المقاومة اللبنانية والفلسطينية بل . كما استفاد نتنياهو من المخزون الأكثر فاشية  مثل جماعة كهانا، وكذلك من مجموعة “المعهد لاستراتيجية صهيونية” حيث اجتذب رئيسه هندل. وعلى العموم فإن المعسكرين يستفيدان من مجرد المشاركة العربية في الانتخابات.

أما من حيث الدعم او المخزون الخارجي فكان لصالح نتنياهو سواء الدعم الأمريكي بشان القدس والجولان وحتى الضفة الغربية، والدعم الروسي فيما يخص الجندي القتيل، والأخطر الدعم التطبيعي من مختلف الأنظمة العربية المعترفة بالكيان وخاصة موجة الهرولة النفطية.

من اللافت في هيكيلة الانتخابات الصهيونية متغيرات تتكرر دائما وهي:

  • بروز مفاجىء لتيار وسطي يتمكن من اكتساح الساحة كما حصل مع كاديما مثلا، وهذا ما يحاوله تيار ازرق أبيض، ولكن كما يبدو الحظوظ متساوية مع الليكود.
  • وبروز أحزاب انتخابية صغيرة تبرز ويظهر غيرها أو تبقى ضعيفة وعلى حافة الحسم، مثل حزب كلنا ل كحلون، وإسرائيل بيتنا ل ليبرمان، والبيت اليهودي ل رافي بيرتس وغيشر ل اورلي ليفي او كسيسن …الخ

وإذا جاز لنا تسمية يسار صهيوني، فهذا هو المعسكر الذي يعاني من ضعف مميت. فحزب العمل الذي كان لعقود في المقدمة لا يتوقع له اكثر من 8 مقاعد، وحزب ميرتس ربما اقل. وبالطبع هما حزبا الإشكنازية الأساسيين مما يعني أن الناخب في الكيان يذهب أكثر وأكثر إلى طبيعته الأساسية وهي فاشية أكثر ويمينية أكثر وبشكل لا محدود، وهذا ما يؤكد وجوب العمل أكثر لمقاطعة الانتخاب والترشح.

وأخيرا، فإن عدم وجود استراتيجية فلسطينية/عربية/محور المقاومة  ضد التطبيع والاعتراف تعني أن العدو يحدد الميدان بنفسه بحيث لا يتم اللعب إلا حسب شروطه، سواء كانت مخفية أو فاقعة!

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.