عولمة السودان: محاور العملاء بعد الشرفاء وتحدٍ للشيوعي، عادل سمارة

نعم نحن في عصر الانحطاط الثاني. 

في حقبة النهوض العروبي مع بدء الخمسينات  التي ما أكثر من لم يفهموها، كان التناقض بين محاور القاهرة، الشام، العراق اي الناصريين والبعثيين والشيوعيين. كانوا استقلاليين وبنوا اقتصادات التنمية وحتى الاشتراكية وخاصة القطاع العام والإصلاح الزراعي، أي طريق اشتراكي لم نراه مكتملا ولكنه في الطريق الصحيح. خانهم وعيهم العروبي فوقعوا في إشكالية القُطرية رغم محاولاتهم الوحدوية بل إن ما هتك محاولات الوحدة هو تمحوراتهم ضد بعضهم.  وقاتلوا لتحرير فلسطين. أي وقفوا في صف الثورة عولميا ضد الثورة المضادة لأن معيار الثورية عربيا هو القتال ضد الكيان الصهيوني.

هذه سمات المنحى القومي التقدمي في الوطن العربي حينها، وهو المنحى الذي عملت الثورة المضادة على تصفيته بأي ثمن. وكانت آخر جولات الحرب والاستهداف هي “الربيع الع/غ/ربي”

كان المنحى الثاني هو المشيخات والممالك المرتبطة بالاستعمار وجودا وبنيويا وثقافة، ولذا لم تعمل لا من أجل الوحدة ولا التنمية ولا التحرير بل تخندقت ضد المنحى الأول. وحيت حصلت الطفرة النفطية في اوائل السبعينات تمتع معظم هذا المحور وخاصة الخليج بإمكانات وظفها في خدمة الإمبريالية وليس لخدمة حتى بلدانه. لم تقاتل انظمة هذا المنحى ضد الكيان أبدا، حتى لو ارسل بعضها حفنة جنود، بل تآمرت على العروبة سرا، ومع الربيع العربي أعلنت ولائها للصهيونية بأمر الإمبريالية وتحولت هي وقوى الدين السياسي إلى الجيش الأمريكي الثالث .

نتيجة هذه التطورات الخطيرة تصدر المشهد العربي بشكل خاص محور العملاء من قوى الدين السياسي:

محور السلفية الوهابية ممثلاً في السعودية والإمارات والسودان (البشير) وتذيلت له مصر (هنا أقصد الأنظمة)

ومحور الإخوان المسلمين ممثلة في مختلف تنظيمات الإخوان في الوطن العربي والعالم وخاصة النظام التركي.

أما بقية الأنظمة العربية فبين من يخوض حرب الوجود اي سوريا والجزائر وبين من يتذبب هنا وهناك.

كلا المحورين مرجعيتهما الولايات المتحدة وبريطانيا خاصة ومعيار مصداقية عمالتهما هو الانخراط لصالح الكيان الصهيوني.وهو انخراط تمثل في مرحلتين:

  • تدمير الجمهوريات العربية وخاصة جيوشها
  • الانضمام عدوانيا للكيان الصهيوني ضد القضية الفلسطينية لتحطيم الجامع العروبي.

السودان:

في اللحظة تقتتل هذه التوابع وجميعها قوى دين سياسي  في السودان.

يرتبط المحور الاول بالولايات المتحدة ويرتبط الثاني كذلك. أي نتحدث عن محاور من العملاء في خدمة الأصلاء.وهذا جوهر ما قصدناه بالانحطاط.

لذا يتقاطر جميع هؤلاء اي السعودي والإماراتي والقطري والمصري والتركي إلى السودان لرشوة جنرالات البشير الذين يناورون بشكل ثعالبي مع الحراك الشعبي. فالعسكر يطبقون التكتيك الميداني في الصراع مع المدنيين الذين هم تجمع هلامي وخاصة لأن مطلبهم حكومة مدنية دون تحديد جوهر اجتماعي طبقي لها وخاصة الحديث عن تكنوقراط. والتكنوقراط يمكن امتطائه يمينا ويسارا وخاصة يميناً وخارجياً.

امام هذا التدفق والاشتباك اضطر الروسي والامريكي ايضا للذهاب الى السودان لترتيب معسكريهما. لا نضع روسيا وأمريكا في نفس المستوى، فالوحش الأمريكي مرفوض بالمطلق، أما الروسي كدولة عظمى وكذلك الصين لهما مصالحهما ومحاولاتهما اقتطاع اجزاء من العلاقات الدولية من ايدي الإمبرياليات الغربية مما يوجب علينا ايضا الحذر منه لا معاداته.

ويبقى الفيصل هنا في مدى استقلالية او تبعية هذا النظام أو ذاك. فلا براءة في العلاقات الدولية وخاصة في عقل الدول العظمى. أي المعيار مدى قابلية هذا النظام او ذاك للاستعمار كما كتب مالك بن نبي في زمانه. لذا، على الحراك السوداني تحديد وجهه الاستقلالي هذا إذا كسب المعركة.

هذا  الحراك السوداني الذي كما يبدو يهدف تغيير كامل النظام وهو أمر ضروري ولا تراجع عنه. ولكن السؤال المترتب: ما طبيعة النظام المرتجى؟

فمطلب حكومة مدنية هو مطلب زَلِق إلى حد كبير! فليست مشكلة اي بلد في حكم المدني او العسكري. صحيح بأن تاريخ حكم العسكر قمعي في الوطن العربي، ولكن كثير من العسكر لم يكونوا عملاء بل وطنيين وقوميين ويساريين وحاولوا الوحدة والتنمية ومواجهة الإمبريالية والصهيونية.وبالمقابل، فإن تاريخ الأنظمة المدنية في أغلبها عميلة للغرب بل وجرى تنصيبها على يد الاستعمار والإمبريالية وهي ضد شعوبها ومتصالحة مع الصهيونية سواء في السر او العلن.

لذا، الحكم المدني لا يعني أية ميزة إلا إذا كانت اهدافه واضحة وعلنية على الملأ أي في الشارع:

  • استقلال حقيقي للسودان اقتصاديا وسياسيا
  • العمل الشعبي والتقدمي لاستعادة وحدة السودان او تآخي جزئيه على الأقل
  • التخلي عن نظام الشريعة 
  • وقف كافة أشكال الحروب الداخلية في البلاد وخاصة تجاه دارفور
  • عدم التبعية لأي معسكر عربي عميل للغرب وخاصة معسكرَيْ الدين السياسي
  • إسترجاع فوري  للجيش السعودي من اليمن
  • اقتلاع القواعد والامتيازات الاستراتيجية لأية دولة في السودان
  • اعتماد سياسة القطاع العام والتعاوني في البلاد
  • عدم التبعية لأية دولة عظمى وإطلاع الشعب على أية اتفاقية مع اية دولة وخاصة الدول العظمى وأخص ذلك الغرب كعدو استعماري. 

الشيوعي والإخواني: إن أحداث السودان هي تحدٍ لكل من تياري الإخوان المسلمين (الدين السياسي) والشيوعيين.  وكما يبدو فإن تجمع المهنيين هو جسم مرن وربما غير متماسك ومن الدلائل هو الحديث عن حكم مدني، وحكومة تكنوقراط مؤقتة…الخ

لكن المفترض أن يلعب الشيوعي دورا جذريا شعبيا  كما أشرنا في النقاط أعلاه. وسيكون الامتحان الرئيسي للشيوعيين في التمسك ب:

  • سحب الجيش السوداني المترتزق من اليمن
  • العمل على استعادة وحدة السودان
  • إعلان رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني
  • تبني سياسة اقتصادية تنموية 
  • عدم التبعية لا لمحاور العملاء ولا للغرب او الشرق.

بغير هذا يكون حراك السودان هو تغيير النظام بمثيله.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.