رسالة إلى المُطَبِّعِين العرب، الطاهر المعز

أعلن رئيس حكومة العدو الصهيوني منذ 2017 ارتفاع عدد الزيارات المتبادلة مع دول عربية، بفعل المصالح المُشتركة بين الطرفيْن، وخصوصًا بين الكيان الصهيوني ودُوَيْلات الخليج، في ظل اضمحلال منظمة التحرير الفلسطينية وعودة العلاقات الصهيونية الإفريقية، وتجسم التقارب الصهيوني الخليجي في افتتاح سفارة صهيونية في الإمارات تحت غطاء “الطاقة المتجددة”، مع تزايد عدد اللقاءات السعودية- الصهيونية (كبيرُهُم السعودي عَلَّمَهم التّطبيع )، ثم أصبح الوزراء الصهاينة يرتَعُون علنًا في مساجد وشوارع الإمارات والبحرين وعُمان وقَطَر، وربما السعودية بِتَسَتُّر، وارتفع علم الإحتلال في أكثر من عاصمة خليجية، وفاقت وقاحة شُيُوخ الخليج، أنظمة التطبيع الرّسْمي (سلطة أوسلو ومصر والأردن)، خصوصًا بعد استقبال سلطان عُمان (يوم 25 تشرين الأول/اكتوبر 2018) رئيس حكومة العدو، في مَسْقَط، وبعد لقاء وزير خارجيته (يوسف بن عَلَوِي بن عبد الله) بنفس المُجْرِم الصهيوني، في مؤتمر وارسو التّطبيعي، (13/02/2019)، والهادف تصفية القضية الفلسطينية، نهائيًّا، وصرّح رئيس الوزراء الصهيوني “إن دولاً عربية عديدة تتواصل مع إسرائيل ولكن بشكل غير علني”، وبعد أقل من شهرَيْن، صرح وزير خارجية سلطنة عُمَان، يوم 06 نيسان/ابريل 2019: “على العرب أن يقوموا بمبادرات وإجراءات، مثل عقد اتفاقيات مع إسرائيل، لتبديد مخاوفها، بشأن وُجُودِها… علينا وعلى الفلسطينيِّين مساعدة الإسرائيليِّين للشعور بالطمأنِينَة”

هل نَسِيَ بن عَلَوِي أو تناسى وطنًا إسمه فلسطين، وشعبا فلسطينيًّا يعيش جزءٌ منه تحت الإحتلال، مجرّدًا من الأرض والمياه وأسباب الحياة، وحرّية الحركة والتّنقل في وطنه، والجزء الآخر مُشرّدا في المُخيّمات والمنافِي… 

يقوم الإعلام الغربي المُهَيْمِن بحصار مُطْبَق على الإحتجاجات الأسبوعية في غزة، وعلى عمليات القتل التي ينفذها جنود الإحتلال يوميّا، وعلى القمع اليومي لنضالات الشعب الفلسطيني، في الأراضي المحتلة سنة 1948 أو سنة 1967، وأصبحت​​ وسائل الإعلام الخليجي (الأقوى عربيًّا) تجبر المواطن العربي على الإصْغاء للدعاية الصهيونية، عبر تصريحات الناطقين العسكريين باسم الإحتلال، في محاولة لتطبيع العُقُول، بينما يدعو أحرار العالم لمقاطعة الكيان الصهيوني تجاريا ورياضيًّا وثقافيًّا، في عملية دعم لمقاومة الشعب الفلسطيني… 

على النقيض من المُطَبِّعِين العرب، أجبرت مقاومة الشعب الفلسطيني، بعض الصهاينة على إعادة النّظر في قناعاتهم الإيديولوجية الصهيونية، واقتنع بعض الصهاينة (وهم قلّة قليلة جدًّا، تُحفظ ولا يُقاس عليْها) بضرورة وضع حدٍّ للمَظْلَمَة التي تعرّض لها الفلسطينيون، بعض هؤلاء، بقي صهيونيًّا، رغم ادّعائه العكس (مثل نوعام تشومسكي وأبراهام بورغ وإيلان بابيه ومايكل نيومان…) حيث يُعارضون حق عودة اللاجئين الفلسطينيين (رغم وجود القرار 194 – الأمم المتحدة)، والبعض الآخر (داخل هذه الأقلية المكروسكوبية) يرفض تأسيس دولة باسم الديانة اليهودية، ويرفض الصهيونية من منطلقات دينية بحتة، مثل مجموعة “ناتوري كارطا” الدينية، والقلة القليلة جدًّا، من منطلقات سياسية وقناعات مناهضة للإستعمار، مثل يسرائيل شاحاك، و”نورمان فينكلشتاين”، مؤلّف كتاب ”صناعة الهولوكوست ·· القوة الخارقة التي يتمتع بها اللوبي الصهيوني”، على الأقل في مرحلة من حياته، كما هاجر العديد من الأشخاص، للعيش في أمريكا أو بريطانيا، لأسباب سياسية، ولكنهم لا يُناضلون ضمن مجموعات مناهضة للكيان الصهيوني أو للعقيدة الصهيونية… 

نشر مؤخرًا “ميكو بيليد” كتابًا تحت عنوان “ابن الجنرال”، فهو ابن الجنرال الصهيوني “ماتي بيليد”، أحد مؤسِّسي دولة الإحتلال، سنة 1948، وساهم في المجازر الجماعية وطرد السكان في منطقة “النّقب” (جنوب فلسطين)، وكان الإبن أيضًا “صهيونيا حدّ النّخاع”، وعضوا في “الوحدات الخاصة” لجيش الاحتلال، قبل شهر أيلول/سبتمبر سنة 1997، عندما قُتِلَت ابنة أخته المُراهِقَة في عملية فدائية بالقُدْس، فأصْبَح يتساءل عن الدّوافع التي جعلت شابَّيْن في مقتبل العُمُر ينفّذان عملية، كانا يعلمان مُسبقًا إنها ستؤدِّي إلى استشهادِهِما، وشكّل هذا “الحادث” تحوّلاً في حياة ونمط تفكير وعقيدة الضابط الصهيوني “ميكو بيليد”، ابن الجنرال الصهيوني “ماتي بيليد”، ويَصِفُ المُؤلِّف عمليّة تَحَوُّلِهِ من صهيوني متحمّس إلى أحد مناهضي الصهيونية، التي أرست حسب رأيه “نظاما عُنصريًّا”، وكان قد ألّفَ أيضًا كتاب “ظُلْم – قصّة الأرض المُقَدّسَة”، حيث تندمج حياته الشخصية والأُسَرِية بدولة الإحتلال الصهيوني، قبل أن يُهاجر، ليُدَرِّسَ في إحدى جامعات واشنطن، ويُصْبِح من المناضلين من أجل “إطلاق الاسم الصحيح على المكان وهو فلسطين وليس إسرائيل…”، وأصبح بيليد الإبن يشعر ب”معاناة الشعب الفلسطيني منذ إقامة دولة الاحتلال، في أرضه، وسفك دماء أبنائه ومصادرة ممتلكاته، وتقسيم من بقوا في وطنهم إلى دروز ومسلمين وبدو ومسيحيين، وما زال هذا الشعب يعاني في كل مرة يطلق اسم إسرائيل على أرض فلسطين”… 

تكتسب هذه التصريحات أهمية خاصة، في ظل التطبيع العربي المَجانِي، دون أي مقابل، ودون أي تنازل من الكيان الصهيوني، وفي ظل التعاون الأمني لسلطة “أوسلو” مع الأجهزة الأمنية للإحتلال، بهدف القضاء على كافة أشكال مقاومة الشعب الفلسطيني للإحتلال، سواء بواسطة الكتابة أو الشعارات أو التظاهر “السّلمي” أو عبر المقاومة المسلّحة المَشْرُوعة، أما في أوروبا وأمريكا، فإن مجموعات “المُساندة” تقتصر على الجانب الإنساني (مع انتقاء الأحداث)، وهي في مجملها صهيونية “مُعْتَدِلَة” (إذا كان للصهيونية وَجْهٌ معتدل) أو “ناعمة”، تطالب ب”إسرائيل ديمقراطية”، أقلَّ شراسةً وأقل عُنْفًا، وأقلَّ صَلَفًا، وتُساوي حركات “المُساندة” بين المُستعمِر (بكسر الميم) والمُسْتَعْمَر (بفتح الميم)، وجعلت من “السلام” شعارَها الرئيسي، أي سلام بدون عدالة، وبدون عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وبدون وضع حد لنظام الإستعمار الإستيطاني… أما “ميكو بيليد” فإنه يعتبر “إن العدالة تقتضي الإعتراف الكامل بحقوق ومعاناة الشعب الفلسطيني التي سببها الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية، ولا يجب اعتبار النقاش في مسألة الدولة أو الدّولتَيْن منطقيًّا، بل إن التعويض التاريخي للشعب الفلسطيني هو الحلّ، ولا يوجد حل آخر…”، ويُندّد مؤلف كتاب “ابن الجنرال” بالوضع المستمر منذ أكثر من سبعة عقود والمتمثل في “عيش الإسرائيلي، تحت الحراسة، في المستوطنات والتجمعات على أرض مسروقة، ويتمتّع المُسْتوْطن بالخدمات والترفيه، ويتم تلقينه من المستوطنين البيض الكبار أن الفلسطيني مجرم وقاتل بطبيعته”، بينما “يقتل جيش الإحتلال الفلسطينين، ويسلب أرضههم منذ أكثر من سبعة عقود”، وإزاء هذا الوضع لا يبقى للفلسطيني خيار، غير مقاومة نظام الإحتلال والميز العنصري…  

ما هو خيار الشعوب الواقعة تحت الإحتلال والهيمنة والإضطهاد، غير المُقاوَمة بكافة أشكالها؟ تتطلب المقاومة برنامجًا للتحرير الوطني وأهدافًا واضحة، وقيادة لا تُساوم، ولكن الإحتلال والإمبريالية والرجعية العربية نجحت في تحويل منظمة التحرير والمنظمات الفلسطينية، من منظمات مُقاومة (وليست ثورة)، إلى منظمات مُساومة، تعتبر جميعها (ربما مع بعض الإستثناءات) إن فلسطين هي الأراضي المحتلة سنة 1967، ونذكّر هؤلاء جميعًا بأن الشعب الفلسطيني يعيش في فلسطين التاريخية وفي مخيمات اللجوء وفي الشتات، في مختلف بلدان العالم، وتتطلب عملية التحرير، برنامجًا يُوحّد هذه الفئات، عبر تحديد التحرير الكامل، وإنشاء مجتمع عادل، كهدف للمقاومة… 

أوردت صحيفة “عرب 48″، الناطقة باسم حزب “التجمع”، مقتطفات من حوار مع “ميكو بيليد”، في عددها الصادر يوم 20/04/2019، و”التجمع الوطني الديمقراطي” هو حزب “إسرائيلي”، يُشارك، منذ تأسيسه سنة 1996 في انتخابات “الكنيست”، مجلس نواب العدو… 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.