منذ عقود والعدو الغربي الرأسمالي يُشغل العالم باللاسامية ومن ثم دحش ال لا صهيونية في خض/عرك الماء وصولاً إلى استخراج زُبدة مسمومة هي أشمل تعمية للبشرية . تزايد هذا الخطاب المحموم مؤخراً إثر محاولات المقاطعة للكيان الصهيوني ولذا نراه بشكل يومي على صفحات كبريات الصحف الغربية خاصة حيث يتم عرضه ضمن نطاق: “حق الأمة اليهودية في تقرير المصير”.
إن مجرد إقتران المصطلحين معاً ومجرد ذكرهما وخاصة تحت غلاف “حق الأمة اليهودية في حق تقرير المصير” هو موقف عنصري معاد للفلسطينيين والعرب من جهة، وكذب هائل على البشرية وخاصة لتقويض بدايات الصحوة الشعبية عالمياً تجاه فزاعات وأكاذيب الصهيونية عن فلسطين . ذلك لأن هذا النقاش او الجدل ينطلق من أساس كاذب وخطير رغم أنه واضح، وذلك لأسباب ثلاثة أساسية:
الأول:أنه لا توجد لا أرض/وطن لليهود في فلسطين. إن لهم قطع ارض /شُقف/كِسر في مئة بلد في العالم حيث كانوا يعيشون وبعضهم لا يزال يعيش ومن بينهم يهود فلسطين “اليهود الوطنيون”. أما فلسطين فهي مغتصبة من الحركة الصهيونية والغرب العدو بمجموعه. وكل ما تمكنت من شرائه عبر بعض الإقطاعيين والرأسماليين العرب والفلسطينيين هو 5.7 بالمئة من فلسطين ناهيك عن ان كثيرا من هذه البيوعات كانت بالخداع مقابل الجهل السياسي.
والثاني:أصبح الزعم بقومية أو أمة يهودية مفبركة واعتماد اليهود وخاصة الحركة الصهيونية على الرواية/ الخرافات الدينية اليوم مثلبة وعاراً ومثار هزء في نظر الوعي الجمعي الإنساني الذي يعتمد الرواية التاريخية.
وعليه، اي نقاش متعلق بتقرير المصير لا ينطبق سوى على شعوب أو إثنيات هي شريكة في وطن ما ولا ينطبق على الكيان الصهيوني. وأي نقاش يبتعد عن هذا الجوهر هو عدواني وتضليلي بقصد.
إن جدل كل هؤلاء الدُعاة مقصود به تصوير الكيان وكأنه على أرضه وبأن الفلسطينيين والعرب يعتدون على هذا “البلد الآمن والمسكين”!
والثالث:إن تقرير المصير هو من حق اقليات في أوطانها، وبالتالي لا ينطبق هذا الحق على الكيان الصهيوني لأن اليهود ليسوا قومية ولا أمة وليسوا من هذا المكان، هم من مئة مكان في العالم.
ولكن، إن أخطر خدمة قدمها فلسطينيون وعرب وغيرهم للصهيونية هو التطبيع والاعتراف بالكيان على المحتل 1948 .هذا قدَّم ركيزة خطيرة لجميع داعمي الكيان وبرَّر لهم غمط الحق الفلسطيني وصولا إلى تصوير شعبنا كمعتدٍ على “”جار”!
أذكر في عام 2003 في محاضرة لي في جامعة ماك ماستر في كندا بدعوة من الصديق د. عاطف قبرصي أن سالني طالب: “لماذا لا يلعب الشباب الفلسطيني كرة قدم بدل ان يضربوا حجارة على اليهود”؟ طبعاً اساس السؤال هو فشل عرض قضيتنا على العالم وليس ضعف ثقافة الطالب.
وعليه، فإن معركتنا الرئيسية والصعبة مع المطبعين والمعترفين هي في إعادة تركيز الوعي الشعبي الإنساني عامة أي أن مشروعنا هو إعادة إيقاف الصراع العربي الصهيوني على قدميه بأن جوهره هو تحرير فلسطين وليس دويلة في الضفة والقطاع او بعضهما. أي أن مشروعنا هو التحرير وليس الاستدوال. وهذا امر في منتهى الصعوبة بعد كل ما قام به مستدخلو الهزيمة من أنظمة وقوى سياسية وطابور سادس ثقافي منذ حزيران 1967 من تطبيع أظهر الكيان الصهيوني وكأنه طبيعي في وطننا!
لذا، فإن البرجوازيات العربية الحاكمة التي ركعت بعد عدوان 1967 وحصرت الحديث في العمل على “إزالة آثار العدوان” قد اسست خدمة هائلة لجميع داعمي الكيان على الصعيد العالمي وهو أن أية قراءة للصراع العربي الصهيوني ، تبدأ ما بعد عدوان حزيران 1967، وهذا كمن يبدأ أبجدية من حرفها الأخير.
إرتكازاً على طرحنا هذا، ومن أجل دقة الإمساك بالبوصلة، فإن كل ما قيل ويُقال عن اللاسامية لا يعنينا قطعياً لأننا كفلسطينيين وعرب لسنا شركاء:
- لا في تاريخ اليهود في السمسرة والربا والمال (المصارف وصناديق التحوط والمضاربات) .
- ولا في إختراق يهود ، وخاصة بعد تشكيل الحركة الصهيونية، لأنظمة عديدة في العالم والتأثير بل السيطرة عليها كما في الغرب ، استمع للرابط القصير والمترجم والموجز التالي، مدهش
https://www.facebook.com/kenzarobinson/videos/2374875312534781/?t=2
ولا في اضطهاد الوحشية الأوروبية لهم بغض النظر عن مستوياتها بين قومية أوروبية وأخرى ضد اليهود.
اللاسامية نتاج الوحشية الغربية، هذا دون أن نُعيد الرشح بأننا الساميون الحقيقيون على الأقل كوننا في المكان الذي يخصنا من اليمن حتى موريتانيا، فإن بوسعنا بل ويجب ان نناقش الصهيونية دون ذكر اللاسامية لأن دحشها في النقاش مقصود به تمييعه وأخذه إلى اتجاه مضاد وسلبي.
ما مدى مصداقية من لا يعتبر الصهيونية عنصرية وهي تغتصب وطناً وترفض الوجود الفيزيائي لأهله حتى حطابين وسقائين تحت سيطرتها! حركة اصبحت دولة تصر على دولة يهودية بحتة في أرض الغير! هنا لا معنى لنقاش اللاسامية، بل الأهم التركيز ضد الصهيونية. لا شأن لنا باللاسامية التي ملخصها قيام العنصرية الرأسمالية الغربية بذبح اليهود وتجميع بقاياهم في فلسطين على شكل كيان عميل للغرب نفسه ، ثم مواصلة الحديث عن حقوق الإنسان وعن حق تقرير المصير لليهود! ومن الذي يطالب؟ إنه قاتل اليهود ومن قام بتجميعهم في فلسطين كي يَقتُلوا ويُقتَلوا، فأية مفارقة هذه التي لا يطيق القيام بها سوى الغربي الرأسمالي والعنصري بالطبع.
إن أي عربي او فلسطيني يجبُن عن التمسك بهذا الأساس ، هو في الحقيقة عدو لشعبه لأنه يُقوِّض منطق الجدل الخاص بحق شعبنا.
إن فك الربط المصطنع والخبيث بين اللاسامية والصهيونية أمر حتمي وجزء من تحطيم الخطاب المركزاني الأوربي و/أو الأنجلو ساكسوني الذي هيمن على الإعلام والثقافة عالمياً.
لا يمكن بدء الانتصار دون البدء من حقيقة أن وجود الكيان مرفوض وأن اي اعتراف به حتى لو قدم المعترفون شهداء، ذات وقت، فهم أصبحوا في الصف الآخر فاعلين أو معطلين أو خلايا نائمة.
صار لا بد من التصدي لبلاغة الكذب واستغفال العقل البشري من الصهاينة أمثال ديفيد هاريس رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، في السنة الماضية، ” إن إنكار حق تقرير المصير للشعب اليهودي أسوة بما هو حق لمختلف شعوب الأرض، هو بالتأكيد تمييز”، أنظر:
Debunking the myth that anti-Zionism is anti-Semitic, by Peter Beinart. Published in Forward
هناك كثير من الشعوب والإثنيات التي لم تتمكن من إقامة دولتها الخاصة، أو لم يحقق حق تقرير المصير وهي حالات يحاول البعض تبسيطاً مقارنة اوضاع تلك الإثنيات بالمستوطنين اليهود في فلسطين على اعتبار أن المستوطنين اليهود يحق لهم وحققوا تقرير المصير، ومن هذه الإثنيات:
“…الكرد والباسك، والكتالونيين، والكوتش والكشميريين، والتيبتيين، والأبخاز، والأوستينس، واللمبارديين، والإيجبو، والأروميون، والتاميل، والكيبكيين… وغيرهم”.
لكن المهم هنا، أن جميع هذه الشعوب والإثنيات مختلفة بالمطلق عن اليهود. جميعهم في أوطانهم يخضعون لقوميات الأكثرية في كل بلد وبلد. جميعهم في أرضهم، بينما اليهود لهم في مئة بلد أرضا، ولكن ليس لهم في فلسطين باستثناء العدد الضئيل للغاية أي ما نسميهم “اليهود الوطنيين” . جميع هذه الشعوب والإثنيات لم تغتصب أرض غيرها بل هي أُغتصبت أو قُمعت.
ومن هنا أهمية كشف كذب وخبث دُعاة “حق” تقرير المصير لليهود في دولة في فلسطين لأنهم يعرفون حقيقة أن اليهود اغتصبوا فلسطين ويزعمون بأننا نعمل على منعهم من تقرير المصير.
الأمر الأكثر سوءا وقبحاً، أن تقرأ لفلسطيني أو عربي يجادل في مستويين يثيران التقزز:
الأول: حق اليهود في تقرير المصير في فلسطين، أسوة بنا نحن الفلسطينيين
والثاني: مطالبة الفلسطينيين بأن يعترفوا بهذا “الحق” المزعوم!
ننهي بالإشارة إلى أن التورط في الجدل البيزنطي والخبيث في إقران اللاسامية بالصهيونية والمجادلة في أن رفض الصهيونية هو لا سامية، هو تورط يليق بالإغبياء.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.