قراءة في كتاب: “طبيب من يافا: حكاية مهجَّر فلسطيني”، تأليف د. ابراهيم لدعة، بقلم: د. عادل سمارة

قراءة في كتاب:

“طبيب من يافا: حكاية مهجَّر فلسطيني”

تأليف د. ابراهيم لدعة

بقلم: د. عادل سمارة

لا تكتفي بما أكتب.

إنه شكل آخر، أداة أخرى مختلفة عن الأشكال التقليدية لإيصال القضية الفلسطينية إلى العالم الشعبي بعيدا عن الرسمي. ليس كتابا في السياسة، ولكنه سياسي تماما، ليس خطابا وطنيا، ولكنه أبلغ من ثرثرات القيادات السياسية الفلسطينية المؤذية وخاصة ثرثرات قوى الانقسام البغيض.ليس مخصصاً لرفض  التطبيع، ولكنه كتاب في الرفض.

هذا كتاب الصديق د. إبراهيم لدعة الذي داهمه اللجوء من طفولته وعاش حتى الكهولة لاجئاً. شهد التشرد والتمييز والمقاومة والتطبيع الرسمي العربي والفلسطيني الموسع وبدرجة معيبة من الابتذال.

كان لا بد ان يكون بين يدي من يقرأ ومن ينشط إنسانيا وسياسياً أن يقرأ لونا جديدا من الدفاع عن فلسطين في إهاب مذكرات طبيب.

هل هناك من تنبه لوجوب الوصول إلى الراي العام الغربي بمدخل كهذا؟ أعتقد قلة. ولكن بناء راي عام متضامن مع كارثة شعبنا يحتاج هذا اللون من الكتابة، بهدوء وحقائق من حيث السرد ومن حيث الصور العائدة لبداية القرن العشرين. وقد يكون هذا التوجه من الكاتب بناء على تجربته التي يمكن تلخيصها في :

  • اللجوء
  • الاغتراب
  • ونصف العودة أي إلى المحتل 1967 فقط.

ولا شك أن غربته في المانيا، قد أضفت على الكتاب مسحة خاصة. المانيا التي خرج منها فاعلو المحرقة ليقوم من تبقى من تلك المحرقة بحفظ تراثها تماماً فيمارس محرقة ممتدة ضد فلسطين قياسا وتعلُّماً من المحرقة المشتدة ضد اليهود. 

ليس شرطاً أن يفهم هذا سريعاً الألماني العادي، لكن البعض سيفهم، ولا ننسى بأن هذا الصراع ليس مسالة ايام أو حتى سنوات، بل مديد وممتد.

المانيا التي تُكفِّر عن خطاياها بالمال حتى اليوم، إلى المستوطنة التي لا تفهم سوى لغة المال والقتل بالسلاح. فمن الأكثر خطورة النازية أم تلميذتها؟

حين تقرأ الكتاب، ترى بالتوثيق أن فلسطين لم تكن صحراء قبيل بداية موجات الاستيطان الصهيوني فيها. احتجنا ذات يوم إلى كتابات الكاتب الألماني ألكسندر شولشخ  ، لنعرف أو لنثبت للعالم بأن فلسطين لم تكن صحراء كي نرد على الصهاينة لنجد هذا الكتاب قد شرح ببساطة ان فلسطين  كانت تنتج البرتقال وتصدر القمح وتقيم دور السينما، وتلبس نسائها آخر الموضة، بلا أقنعة ولا خمار، وبأن فيها ورش تصليح السيارات والدراجات والمدارس والمشافي والفنادق…الخ.

حين كنت أقرا عن الحمضيات، تذكرت المناضل الحقيقي الراحل  بهجت ابو غربية، أبو سامي، حيث روى في ندوة في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية في عمان أن إمبراطور المانيا زار فلسطين قبيل الحرب الرأسمالية الغربية/الإمبريالية الأولى، ونام ليلة في مدينة الرملة في طريقه إلى القدس،  وحينما كتب إلى السلطان التركي قال له: “هذه الليلة نمت في الجنة” في إشارة منه إلى بيارات البرتقال حيث الخضرة ورائحة زهر البرتقال.

أمور كهذه ليست من باب السرد القصصي، بل هي الرد الهادىء على مزاعم الصهيونية. ومتى؟ في فترة صار بوسع الناس في العالم الوصول إلى المعلومة بسهولة بعد ان فاض تسونامي كذب الصهيونية على عموم الكوكب. حين تقرأ العرض المبسط عن الحياة في فلسطين في بداية القرن العشرين اي تماماً في الزمن الذي صدر فيه وعد بلفور كرسالة إلى ملكة بريطانيا المتوحشة رغم عيونها الزرقاء، تدرك بأن للكذب الصهيوني نهاية حتى لو تم تغيير الشورت والشباح والقبعة الإنجليزية بعباءة كيانات الخليج. لا تغطي مساحة العباءة على اتساعها تهافت هذه المرحلة.

صحيح أن الكاتب كرَّس التجربة على حقيقتها كما هي حيث هي تعرية وإدانة للكيان الصهيوني. لكنه قصد ام لا، فقد كشف بسهولة عيب استدخال الهزيمة من قبل الكثير من الأنظمة والمثقفين/ات عربا وفلسطينيين. فرغم أن بريطانيا هي التي أنجبت الكيان الصهيوني وكذلك كامل الغرب، إلا أن هؤلاء العرب والفلسطينيين لم يغيروا موقفهم من هؤلاء الأعداء فظلوا اصدقاء لأعداء الأمة.

لك ان تتخيل أن بريطانيا وهي تستجلب المستوطنين الصهاينة تقوم أثناء تشريد شعبنا من وطنه 1948 بتسهيل خروج الشعب الطريد من وكنه من بلده بدل أن تمنع كونها موكلة من عصبة الأمم ب “الانتداب على فلسطين”، ألا يكشف هذا بعض مخازي هؤلاء العرب والفلسطينيين؟

لو كان لي أن انهي للقارئة/رىء، أن أية زيادة مني سوف تُفسد عليك وعي ومتعة قراءة الكتاب.

  _________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.