فلسطين المحتلة: محاورة حول حركة القوميين العرب، عادل سمارة


ضمن اللقاءات الشهرية لجمعية أصدقاء المجتمع، تحدثت يوم الأحد 5 ايار 2019 عن حركة القوميين العرب عرضاً وتقييماً ونقاشا من الحضور وذلك ضمن نضاطا في الجمعية لقراءة ما كان وما يجب ان يكون. وشمل الطرح النقاط التالية: 


بما انني بدأت حياتي في هذه الحركة، فربما يتداخل العام والشخصي، لا سيما أنني تعرفت من الحركة على البعد العروبي وبقيت كذلك وخاصة بعد التعرف إلى الفكر الماركسي-اللينيني حيث توصلت إلى حل إشكالية الزعم بأن القومية والماركسية نقيضين، وبأن ما كتبه ماركس عن كون القومية أداة في يد البرجوازية ينطبق على أوروبا الاستعمارية في حينه، بينما في العالم الثالث وخاصة الوطن العربي، فالقومية هي جزء من حركة التحرر الوطني. يمكن قراءة رؤية ماركس للمسألة القومية الثورية في الصفحات الأولى من البيان الشيوعي. وهذا ينفي القرءات السطحية والشعاراتية من ماركسيين يتفاخرون بأنهم ضد العروبة.

لا يمكننا تجاهل مكونات المسالة القومية من حيث اللغة، التاريخ الجغرافيا ، الثقافة والتطلعات، ولكن لا بد من قراءة القومية من مدخل المصلحة المادية للطبقات الشعبية في الوحدة والاشتراكية. وهي ما اسميه القومية الكامنة في مقابل القومية الحاكمة أي قومية طبقة الكمبرادور المتخارجة والتابعة والمضادة للتنمية والوحدة وطبعا الاشتراكية. 

في المسألة القومية، كمرحلة تاريخية وكل مرحلة متغيرة، الوصول إليها بمفهومها المعاصر ارتبط بالانتقال إلى الراسمالية، حسب كل بلد. واليوم تواجهنا معضلة الخلط المقصود بين القومية والشعبوية والعنصرية، وهذه هجمة جديدة اليوم.
هناك فاريق بين قومية المركز وقومية المحيط، وبين قومية الطبقات الشعبية وقومية البرجوازية التابعة.

يرى مؤرخون أن الأمم موجودة منذ القدم، الأمة الصينية، الهندية، العربية، الفارسية…الخ ولكن ارتبطت المسألة القومية/الوحدة القومية بانتقال اوروبا الغربية إلى مرحلة الراسمالية حيث السوق القومي هو الجامع، وعليه زعمت المركزانية الأوروبية أن ما تطور لديها ينسحب على العالم،بينما كانت موجة القومية الثانية في بلدان المحيط المستعمرات في منتصف القرن العشرين وضمنها كان المد القومي العربي، البعث، القوميون العرب، الناصرية…الخ.

كانت بدايات التوجه القومي العربي في اواخر فترة الاستعمار العثماني.
تولدت حركة القوميين العرب بعد اغتصاب فلسطين وكان المكون الفلسطيني اساسي فيها، ولكن كان دافع بقية العرب هو الانتماء القومي.

ارتكز فكر الحركة على المضمون الثقافي، العروبة الثقافية ،وخاصة كتابات ساطع الحصري وقسطنطين زريق. واعتمدت تسمية حركة لا حزباً من أجل المرونة الداخلية.

كان التثقيف مفتوحا ولكن كان في القومية ثقافيا 

لم تكن هناك مادة فكرية رسمية باسم الحركة باستثناء التعميمات عن الساحات
ولذا، اختلف مستوى التطور الفكري بين إقليم وآخر. مثلا، لم تكن الماركسية مطروحة في الأردن بينما في بيروت كانت مجلة الحرية تناقش قضايا في الاشتراكية والماركسية. لذا، بعد 1965 بدأت تململات ماركسية في الحركة، لكنها كانت تواجه بتشدد من القيادة.

مع منتصف الستينات بدأت تدخل مفاهيم او تبني الاشتراكية في الحركة، ولكن بمضمون فضفاض أو الاشتراكية العربية. 
كان من اشد التحديات للحركة هي الموقف من القومية العربية:
• العداء الغربي الراسمالي والاستهداف الدائم ضد الوطن العربي
• موقف قوى الدين السياسي ضد القومية العربية
• موقف الكتلة الاشتراكية ضد القومية العربية واعتبار الأمة العربية “أمة في طور التكوين” دون رؤية أنها قيد الاستهداف الدائم من الإمبريالية.
• موقف الكثير من الأحزاب الشيوعية العربية ضد القومية العربية، وبشكل خاص الموقف العدائي من جانب الحركة التروتسكية وحتى اليوم.
كانت في الحركة تنظيما أجهزة: سياسي ، نضالي، فدائي، عسكري، نسائي، نقابي، طلابي. 

في إقليم فلسطين ركزت الحركة على الكفاح المسلح ولذا أنشأت منظمتي ابطال العودة وشباب الثار منذ عام 1964.

من حيث العلاقات بالقوى، كانت القوى السياسية في تلك الفترة في مختلف بلدان المشرق العربي في حالة صراعات حادة ولم يقد القمع هذه القوى إلى تحالف ما، جبهة وطنية، أو كتلة تاريخية. 

يمكن القول بأن عدم تحالف على الأقل القوى القومية مع بعضها هو نتاج شعارات قومية ولكن بمسلكات قطرية فكثير من القوميين كانوا قطريين.

كانت هزيمة 1967 مثابة ضربة قاصمة للحركة حيث جرى حلها بعد الحرب. وأعتقد أن هذا دليل ضعف لأن الهزيمة كان يجب أن تشحذ الحركة لمواصلة النضال التحرر العربي جماعيا بدل أن يتدبر كل إقليم نفسه في بلده.

هذا المناخ هو الذي ولد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبسبب موروث حل الحركة، اي تمييع البعد العروبي في البنية التنظيمية لم تتمكن الجبهة من إنجاز المهام التي ننتظرها حتى اليوم اي تكوين حزب عروبي شيوعي/ماركسي…الخ. 
يمكننا قراءة حل الحركة من جهة، ولاحقاً، تراجع كثير من القوى القومية والشيوعية عن مواقفها وخاصة بعد تفكك الكتلة الاشتراكية بأنه فتح الطريق واسعا أمام قوى الدين السياسي لتشغل المشهد ولكي تعمل على تقويض الجمهوريات العربية.

تلا الحديث مشاركة تفصيلية من الحضور تركز على :
• لماذا لم تنتشر الحركة في كل الوطن العربي؟
• هل تبني الماركسية من الجبهة الشعبية وغيرها بعد 1967 كان مثابة موضة أم تأصيل؟
• أليست هناك موجة قومية عربية قبل الأربعينات، اي منذ الحرب العالمية/الإمبريالية الأولى؟
• اعترض البعض على ما ورد في الحديث :” هناك إجماع لدى مفكري التنمية بأن الدول الصغيرة لا يمكن إلا ان تكون تابعة” مبررا ذلك بأن كوبا صغيرة وغير تابعة وكذلك الكيان الصهيوني. 

كان لا بد من التوضيح بأنه لا يوجد قانون مطلق، ومع ذلك كوبا ما ساعد على صمودها في البداية وجود الاتحاد السوفييتي وهي لا شك استثناء.اما الكيان الصهيوني فهو تابع بالمطلق سواء من بداية زرعه أو تلقيه دعما خارجيا يصل إلى 25-35 بالمئة من الدخل القومي الإجمالي ناهيك عن السلاح. وعليه، قوة الكيان هي في كونه يخدم مصالح الغرب الراسمالي مما يؤكد أنه كيان من العملاء من آذن المدرسة وحتى رئيس الوزراء. فقوته اساسا من الخارج كما وجوده.

باختصار، أعتقد اننا بحاجة لقراءة أفضل للعلاقة بين النظام الراسمالي العالمي والكيان حيث صراعنا اساسا مع المركز الراسمالي الذي مقدمته الكيان ذلك كي نعرف بأن هزائمنا ليست فقط لعوامل ذاتية داخلية. 

طُرحت ايضا مسألة القوميات الأخرى واثنيات في الوطن العربي وما تعرضت له من القمع والتمييز من الأنظمة الحاكمة، وهذا أمر صحيح، مع وجوب التمييز بين سلوك أنظمة ذات توجهات قومية وبين المسألة القومية نفسها. ناهيك عن ان تسمية وطن عربي لا تنفي القوميات الأخرى، إنما من الصعب صياغة تسمية موجزة تشمل الكل.

أما فيما يخص نزعات الانفصال لدى قيادات كردية وأمازيغية…الخ فهي ليست فقط نتيجة التعامل المتخلف من الأنظمة الحاكمة التي منعتتهم من استخدام لغاتهم وثقافاتهم…الخ بل ايضا لأن هناك دور للإمبريالية في إنتاج طبعة أوسع ل سايكس-بيكو. 

ومع ذلك، كان رايي الشخصي بأن وجود دولة عربية مركزية تقدمية على الأقل، يمكنها تركهم ينفصلوا كي يجدوا أن لا فرصة لهم بعيدا عن الدولة العربية المركزية. الاستعمار لا يُطعم أحدا وراس المال فقط يستغل.

ملاحظة: سوف تواصل الجمعية عقد هذه الحوارات مع أول يوم أحد من كل شهر.

 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.