نور الدين عواد -رسالة هافانا: في الولايات المتحدة أيضاً، “قانون هيلمز-بيرتون” هو قانون غير شرعي، خوسيه لويس توليدو سانتاندير
ولا حتى المنظومة القانونية نفسها في هذا البلد (امريكا) تحترم “قانون هيلمز-بيرتون”، الذي أعمى التصميم على تدمير الثورة الكوبية بصيرة عرّابيه، وذلك انطلاقاً من غايتهم في هزم وتركيع شعب واجههم وقاوم اعتداءاتهم دفاعاً عن حريّته واستقلاله وسيادته، بشهادة أمم العالم كلّها.
استعدادُ الحكومة الكوبية لإيجاد حلّ، من خلال حوار حضاري وعلى أساس الاحترام والمساواة بالسيادة بين الدول، لموضوع التعويض عن الممتلكات المؤممة تم التأكيد عليه في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 1996، لدى اعتماد القانون رقم 80، “قانون الكرامة والسيادة الكوبيّتين”، حيث، وبعد إعلان عدم شرعيّة “قانون هيلمز-بيرتون”، غير القابل للتطبيق وعديم القيمة والأثر القانوني في بلدنا، طرح هذا القانون جوانب ذات أهميَة خاصّة، مثل:
اعتبار كل مُطالبة يتم عرضها بموجبه لاغٍ، بغض النظر عن مواطنيّة صاحبها.
تجديد التأكيد على استعداد حكومة جمهورية كوبا، المعبَّر عنه في قوانين التأميم، في ما يتعلّق بدفع تعويض عادل عن الممتلكات المؤممة العائدة للأشخاص الطبيعيّين أو الاعتباريّين الذي كانوا يحملون جنسيّة الولايات المتحدة في تلك اللحظة.
أن تلك التعويضات عن الممتلكات المؤمَّمَة العائدة لأمريكيين يمكن أن تشكّل جزءاً من عملية تفاوضيّة بين حكومتي الولايات المتحدة وكوبا.
المطالب بالتعويض يجب أن يتم بحثُها مقرونة بالتعويضات التي هي من حق الدولة والشعب الكوبيين، وذلك عن الخسائر والأضرار التي منيا بها جرّاء الحصار والاعتداءات من كل نوع، وتقع مسؤوليتها على كاهل حكومة الولايات المتحدة.
يُستثنى من هذه المفاوضات المستقبليَّة والمُحتمَلَة أي شخص أمريكي، طبيعي أو اعتباري، يستخدم الإجراءات التي ينص عليها “قانون هيلمز-بيرتون” أو يعتمدها أو يحاول استعمالها لإنزال الضّرر بآخرين.
من المناسب التنويه إلى أن “قانون هيلمز-بيرتون” يعترف برفع دعاوى قضائيّة استناداً إليه في محاكم الولايات المتحدة لأشخاص لم يكونوا مواطنين أمريكيين عندما جرى التأميم، والذين حصلوا على هذه الجنسيّة في وقت لاحق لها.
من الجوانب الأخرى التي يستحق الأمر إبرازها يأتي البند السادس من مادته 302، الذي ينص صراحة على أن “أي محكمة أمريكية لن تستحضر ’مبدأ تصرُّف الدولة‘ لكي تمتنع عن إصدار قرارها حول خلفية دعوى تم الشروع بها…”.
نتساءل إلى أين انتهى الأمر باستقلاليّة السلطة القضائية في هذا البلد. أهو جليٌّ أم لا أننا بحضور تدخّل جليّ من قبل السلطة التشريعيّة في مجالات هي من اختصاص السلطة القضائية على حساب استقلاليتها بالتصرف، وأن كل ذلك يشكّل بدون أدنى شك انتهاكاً للنظام الدستوري لهذه الدولة، ولجوهر نظامها المؤسسي بحد ذاته، ولفصل السلطات ولما يُسمّى “checks and balances” القائم على فكرة أساسها أنه لا يكفي فصل السلطات وضمان استقلالها، وإنما توفير الوسائل لها لكي تدافع عن صلاحياتها ذاتها من تدخّلات سلطة أخرى؟
التصميم على التدمير يعمي بصيرتهم
يُضحي ملائماً هنا استحضار جيمس ميديسون، الذي يعتبر واحداً من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ودستورها، في قوله:
“إلى أي رئيس سابق أو أسبق سنلجأ إذن لكي نحافظ عمليّاً على التقسيم الضروري للسلطة بين مختلف الدوائر والوزارات، تماماً كما يؤسِّس له الدستور؟ الإجابة الوحيدة التي يتّسع لها المجال هي أنه باعتبار أن جميع التحوّطات ذات الطابع الخارجي قد أثبتت عدم ملاءمتها، فإن الثغرة يجب سدُّها عند تصميم الهيكل الداخلي للحكومة، على نحو يستطيع مختلف الأطراف التأسيسية، وبالنظر إلى العلاقات المتبادلة فيما بينها، أن تتحول إلى وسائل محافظة بعض على بعض كل في مكانه”.
بل وأن “قانون هيلمز-بيرتون” يتنافى مع إجراءات قضائية موضوعة من قبل محاكم هذا البلد، والتي تنص، وفقاً لنظامه القانوني، على تصرُّفها في حل الخلافات التي يبلغها أمرها.
“مبدأ تصرُّف الدولة” هو اليوم إجراء قضائي في الولايات المتحدة، وقد تم تطبيقه للمرة الأولى في قضية “أندرهيل ضد هيرنانديز” عام 1946، حيثُ جاء:
“كل دولة ذات سيادة تلتزم باحترام سيادة جميع الدول الأخرى على أراضيها، ولا يحق للمحاكم الأجنبية عقد جلسات لانتقاد قوانين الحكومات الأخرى التي تقوم بتنفيذها داخل أراضيها. التعويض عن الأضرار الناجمة عن هذه التصرّفات يجب الحصول عليها بالاعتماد على الوسائل التي تستطيع السلطات ذات السيادة استخدامها في إطار العلاقات القائمة فيما بينها”.
في 23 أيار/مايو 1964، لدى اطلاع المحكمة العليا في الولايات المتحدة على قضيّة “ساباتينو ضد البنك الوطني الكوبي”، حكمت:
“بالرغم من حجم الخسائر التي يلحقها نزع ملكية من هذا النوع برعايا هذا البلد وبالولايات التي يتكوّن منها، توصّلنا إلى الاستنتاج بأن من الأفضل التطلع إلى المصلحة القومية وإلى التقدّم نحو الهدف المتمثل في سواد القانون الدولي بين الدول على حدّ سواء، مع الإبقاء على مبدأ السلطة ذات السيادة على ما هو عليه لكي يحلّ تطبيقه في هذه الحالة”.
ولا حتى المنظومة القانونية نفسها في هذا البلد تحترم “قانون هيلمز-بيرتون”، الذي أعمى التصميم على تدمير الثورة الكوبية بصيرة عرّابيه، وذلك انطلاقاً من غايتهم في هزم وتركيع شعب واجههم وقاوم اعتداءاتهم دفاعاً عن حريّته واستقلاله وسيادته، بشهادة أمم العالم كلّها.
في وجه القانون الدولي
انتهاك الولايات المتحدة متعدد الأوجه للنظام القانوني الدولي يتجلى، بين أمور أخرى، في اصطدام موقفها المتعلّق بعمليات التأميم التي قامت بها الحكومة الكوبية مع القرارين 2625 (25) و1803 الصادرين عن الأمم المتحدة، حيث يشير هذا الأخير إلى أن:
“عمليّات التأميم أو نزع الملكيّة أو المُصادرة يجب أن تستند إلى أسباب أو موجبات ذات منفعَة عامّة أو أمنية أو لمصلحة قوميّة، والتي يُعترَف بها كأولويّات أسمى من مجرّد المصلحة الذاتيّة أو الخاصة، سواء كان في داخل البلد أو خارجه. في هذه الحالات، يُدفَع للمالِك التعويض المستحَق وفقاً للقوانين المعمول بها في الدّولة التي تتخذ هذه الإجراءات في ممارسةٍ منها لسيادتها وبما يتفق مع أعراف القانون الدولي. في أي حالة تتسبّب فيها مسألة التعويض في نشوء خلافات، يجب استنفاد الإجراءات القضائية الوطنية في الدولة التي تتخذ هذه الإجراءات.
غير أنه، وبالاتفاق فيما بين الدول ذات السيادة وأطراف أخرى معنيّة، يمكن حل الخلاف عبر تحكيم أو تسوية قضائيّة دولية”.
من ناحية ثانية، نيّتهم في تقييد استثمار الرأسمال الأجنبي هي انتهاك للنظام القانوني الدولي، باعتبار أن هذا الاستثمار يُصنَّفُ كوسيلة لتنمية الشعوب، وهو ما تتفق على الإقرار به أدوات الأمم المتحدة كما منظمة التجارة العالمية على حد سواء.
إذن، لا، لا تفاهُم بيننا
إن رفع كل الأشخاص الشرفاء وذوي النوايا الطيبة لصوتهم دائماً في وجه هذا التصرّف المختلّ وغير القانوني، والدعوة إلى تحكيم العقل، واحترام النظام القانوني للدول وللمجتمع الدولي، يفرض نفسه في هذه اللحظة التي تسود فيها، وبتركيز متكرر، وحدة شعبنا ووفاؤه.
ملاحظة توضيحية خارج النص الاصلي: “إذن، لا، لا تفاهُم بيننا” : في10 شباط عام 1878، وقَّعت قيادة جيش الاستعمار الاسباني في كوبا (الجنرال ارسينيو كامبوس) مع جزء من قيادة جيش التحرير الوطني الكوبي، على اتفاق “زانخون” [الاخدود الكبير] ( وهو ما اطلقت عليه اسم اتفاق اوسلو الكوبي، وبالعكس)، طبعا الجزء الاخر من الثوار رفض الاتفاق، فذهب القائد الاسباني الى حيث تم الاتفاق على اللقاء (تحت شجرة مانغا في باراغوآه) يوم 15 اذار 1878،مع قائد الثوار، الجنرال انطونيو ماسيو. هناك، وكانت تفصل بين الوفدين مسافة، همَّ القائد الاستعماري المنتفخ بانتصاره الدبلوماسي العسكري على جزء من الكوبيين، باخراج وثيقة نص الاتفاق لقراءته على الجنرال ماسيو ورفاقه، ليقنعه بضرورة التوقيع عليه، واحلال السلام (الاستسلام). هنا، قال له ماسيو: “احتفظ لنفسك بهذه الوثيقة التي لا نريد ان نعرف عنها شيئا!! فاجابه ” إذن لا تفاهم بيننا؟” فرد عليه الجنرال ماسيو ” لا، لا تفاهُم بيننا” ويوم23 ايار (1878) تنكسر الجرّة”! كناية عن استئناف القتال! وهكذا كان. الجدير بالذكر ان الجنرال ماسيو هو صاحب مقولة خالدة “الحقوق لا تُتَسوَّلُ بل بحدِّ السيف تُنتَزَعُ”!
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.