هل العبرة في موت سجين سياسي أم في تاريخه، عادل سمارة
توفي الرئيس المصري السابق محمد مرسي في قاعة المحكمة وانشغل الجميع تقريباً في محاكمة الحدث سياسيا وإيديولوجيا بل تم إشباع الحدث بين جدال ومديح وشتم…الخ.
وفاة الرئيس مرسي كافية لشرح اين وصلت مصر السلطة، الأحزاب، الشعب، او بكلام آخر: خراب المحروسة.
وإذا كان لكل كاتب حقه في التناول، فإنني سأتناول بعض الخطاب الذي جرى استخدامه.
كتب كثيرون إدانة للحدث من باب ان الرئيس مرسي هو أول رئيس منتخب في مصر. وهذا خطاب مضمخ بثقافة التبعية للخطاب الغربي الراسمالي المخادِع والخبيث والتخريبي.
صحيح ان الرجل تم انتخابه، ولكن صحيح ايضا أن من كانوا ضده لم يكونوا أفضل منه، بمعنى أن الشعب الذي ثار في 25 يناير لم يجد الممثل المناسب له فاختار احد الخيارات التي لم تكن سوى حالة إمتداد لما قبل مرسي. وهذا يعني ان صندوق الانتخابات هو مرآة يشوبها الغباش أكثر من الوضوح. هي صندوق كثيرا ما يتم فيه حشر الناس في صندوق لدورة انتخابية ليُفلتوا ليوم واحد قبل الدورة الثانية. والطريف أن استخدام أو الاتكاء على صندوق الانتخاب لا يتم سوى في الهجوم على الجمهوريات القومية بينما لا يُذكر قط حين الحديث عن عالم النفطيات، محاق التاريخ!
قد يغضب اللبراليون وجماعة الدين السياسي إذا قلنا بان عبد الناصر كان ضابطا ووصل للسلطة بثورة يراها البعض انقلابا، ولكنه أحيا مصر والعروبة من القاهرة للجزائر لعدن لصنعاء…الخ. كانت له أخطاء بلا شك، ولكنه كان افضل من أي رئيس منتخب. وبالمناسبة في عهده قُتل الشيوعي البارز شهدي عطية الشافعي وتم إعدام سيد قطب التكفيري ، ولكن هذه الأخطاء هي أقل بكثير من احتفاظه بألغام هدمت مصر منها بقاء السادات وعبد الحكيم عامر وعدم السماح بالحزبية الثورية. لذا بقي عبد الناصر شامخاً ولم ينل الرحيل من قامته.
نعم الراحل مرسي تم انتخابه، ولكنه لم يكن افضل من مبارك تجاه الكيان الصهيوني، وكلنا يعرف برقية “الوفي” إلى شمعون بيرس، ووقوفه العدواني ضد الدولة السورية وليس فقط ضد الرئيس الأسد، اي وقوفه عمليا ضد العروبة
ومن أجل من؟ من أجل استرجاع الاستعمار العثماني! ولو كان على حدود سوريا لكان أخطر من أردوغان!لقد كان الرجل نموذجا واضحا للدين السياسي وتسبيقه على الوطن والأمة. وهذا ما يشكل أشد الخطر على إعادة بناء المشروع العروبي.
كان وصول جماعة الدين السياسي اي الإخوان إلى سدة السلطة تجربة فاشلة بالعديد من المعاني. وحين نحاكم هذه التجربة من باب التطبيع مع الكيان الصهيوني، فليس ذلك من باب كوننا فلسطينيين، بل من باب أن بوابة كشف الزيف من الحقيقة هي فلسطين لأن الكيان الصهيوني لم ولن يحصر عدوانه في فلسطين بما هو نفسه قاعدة من العبيد للمركز الراسمالي الغربي العدو لأمتنا بالتمام والكمال.
لا يستطيع انصار الرجل الدفاع عن برقيته المعلنة إلى شمعون بيريز. ولا يمكنهم إقناعنا بعدم وجود برقيات سرية. ولن نذهب هنا إلى ما كُتب كثيرا عن علاقة تنظيم الدين السياسي هذا بالغرب، ولكن تجربة رئاسة الرجل وإصراره على عدم المساس بكامب ديفيد وحدها تكفي.
كما أن موقفه ضد سوريا يكفي، وموقف حماس ضد سوريا يكفي، هي وقائع لا يمكن دحضها.
كتب كثيرون بأن الراحل مرسي شهيد.ربما. ولكن من الذي بوسعه التمتع بجرأة القرار بان هذا شهيد وذاك لا؟ إن إطلاق هذا الوصف هو أمر سياسي لا علاقة له لا بالوطن ولا بالدين. وعلى العرب أن يقرؤوا كارثة إطلاق هذا اللقب في فلسطين، فكم من العملاء الفعليين وُصفوا ب “الشهداء”!
لعل الضحية الحقيقية هي الجماهير المصرية التي اختطفت وهج حراكها الثورة المضادة التي كانت تكمن تحت الجلد، جماعة الدين السياسي (الإخوان) إثر 25 يناير، وكانت تجربة سنة كاملة من الفشل والوقوع في وهم أن الدين السياسي كإيديولوجيا أهم من الوطن.
هذا إلى أن جاء من رحم الاتجاه نفسه من قال لمرسي: “ما هكذا تورد الإبل” فاختطف السيسي حراك 30 حزيران واقتلع مرسي، وكأنه يقول له، إذا كان لا بد من الإصرار على علاقة حميمة بكامب ديفيد/بالكيان الصهيوني وصولاً إلى الرضى الأمريكي، فليكن الأمر عبر أمريكا مباشرة. وإذا كان لا بد من حضن نظام دين سياسي، فحضن بن سعود، بن سلمان، بن زايد أوسع من حضن بن حمد وبن ارودغان.
لم يخرج السيسي عن ما تم قبله مما ارساه السادات ومبارك وطنطاوي ومرسي فيما يخص الغرب والكيان الصهيوني والموقف من سوريا، وإن كان السيسي اشد خبثاً وأقل عباطة.
وربما لهذا فضلته الثورة المضادة على مرسي وجماعته بعد أن وفرت لهم فرصة لم يتوقعوها ولم يتقنوها. وكان حظ مصر أنهم لم يتقنوها، وإلا لكان لدينا اليوم 50 مليون أنثى يلفها السواد دون اختيار ربما من أكثرهن.
هذا عن الخطاب المتمترس وراء فضُلات خطاب الغرب الراسمالي الخبيث. ولكن ماذا عن خطاب التخلف؟ اي أذكروا محاسن موتاكم. ذلك لأن الأحياء يُحاسبون الأحياء لا الأموات. هذا إلا إذا كان المقصود أن لا تحصروا الذكر في مساوىء موتاكم.
ولكن ما يجب قوله، بعيداً عن الرجل نفسه ووحده. قد يكون من أسباب الموت قلة العلاج سواء بقصد أو دون قصد محدد. فالنظام الذي يسحق أحياء شعب، لا يمكن ان يهتم بحياة السجناء. هذا مع العلم بأن السجين من ناحية إنسانية وديعة على النظام الحفاظ عليها على الأقل لأنه تحت الرقابة.
ولكن، ترى كم مواطن مصري عادي مات في السجن سواء تحت التعذيب أو عدم العلاج أو قلة العلاج أساساً؟ وعليه، اليس غريبا وممجوجاً ان لا يتم الحديث عن حق السجين سوى في حالة رجل سياسي!
السجن هو الدرجة الأولى للموت، التجربة الأولى للموت بعيداً عن تصنيف السجناء بين مناضلين ومدنيين…الخ. ولذا، وبما أن السجن درجة من الموت، فيجب ان تتساوى الناس في السجن كما الموت. وهذا ما لم ينطبق ، من حيث المقارنة، على حالتي مبارك ومرسي فما بالك عن حالة شاب معارض للنظام أو فلاح نوبي ربما كان يقضي حكماً لأنه احفق في دفع بعض النقود للدائن.
أختم، بما يُثير الضحك، اي إحدى تُهم مرسي بالتخابر مع دولة أجنبية هي قطر! بينما لم يُتهم الرجل بالمراسلة مع دولة عدوة هي الكيان. لكن هذه مقتضيات سايكس-بيكو من جهة، ولأن النظام الحالي قزّم مصر لتصبح وسيطاً بين العدو وبين الشعب العربي الفلسطيني.
لقد اصطفت مختلف اتجاهات الدين السياسي، حتى غير الإخواني وراء موت مرسي، لكن معظم قوى الاتجاهات القومية واليسارية اصطفت، إلى جانب قوى الدين السياسي بتنوعاتها، مع إعدام صدام حسين والتنكيل بالعقيد القذافي! فهل من عبرة؟
طويل الممر المظلم، ولكن، بلا شك في نهايته نور حقيقي.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.