ربما أفضل خدمة يجب تقديمها للمشاهد/ة والقارىء والمستمع للإعلام “الناطق” بالعربية وخاصة الفضائيات، وأقول الناطق، لأن كثيرا من الإعلام العربي هو لا عروبة فيه سوى استخدام اللغة العربية بينما يخدم أهدافا خطيرة خارجية هدفها توسيع استعمار الوعي.
بعض الإعلام، يسقط في هذا الشرَك نظراً للفقر الثقافي/الفكري/السياسي والذي كما يبدو ليس من شروط التوظيف بمعنى أن الشرط الرئيس والمقرِّر والذي ربما لا يُكتب ولكن على الموظف أن يفهمه ضمناً، وتوفر هذا الفهم هو أساس نجاح ومن ثم قبوله/ها، وهو التقيد الحرفي بسياسة المؤسسة، اي لا شخصية لك طالما انت على ذمة الموقع، وهنا تتشابه مؤسسات الإعلام مع الأنظمة السياسية وخاصة في دائرتي المخابرات والدبلوماسية حيث الولاء المطلق لسياسة النظام. وطبعاً لا عجب حصول هذا التشابه خاصة وأنه ما من إعلام قادر على تمويل نفسه ذاتياً حتى Play Boy. وربما هذا وفر للناس بعض الرحمة بوسائل التواصل/والتسافل الاجتماعي.
بعد المحددات الرئيسية يأتي الشكل ومخارج الكَلِمْ …الخ.
من هنا نجد الإعلامي إما يتقيد بقائمة أسئلة أُعدت له سلفاً، أو يفتح المجال لمحلل هو من تجار الكلام حيث يقول في كل موقع ما يطلبه الموقع، لأن الموقع يعبِّىء فمه وجيبه. وهنا يحضرني قول احدهم في أحد أواخر الخلفاء العباسيين بعد انتهاء الحكم العربي للسلاجقة وقد تهالك موقعه:
خلفيةٌ في قفص……بين وصيفِ وبَغى
يقول ما قالوا له…. كما تقول الببَّغا”
مثلا، محلل يقول “والله احنا بدنا مصلحة تركيا” . وتركيا لم تتراجع عن حروبها ضد الأمة العربية بأجمعها وتحتل “بالإنابة” إدلب! طبعاً لا يمكنك تذكير هذا بالإسكندرون ولا بوجوب اعتذار تركيا على استعمار الوطن العربي لأطول وأبشع اربعماية سنة في التاريخ.
أو قول آخر” صداقة ترامب وبن سلمان، أو كيرشنر وبن سلمان، أو مرسي “الوفي” وبيرس”…الخ. وطبعاً اشك أن الغربيين هؤلاء يقولون بأنهم اصدقاء لهذا أو ذاك، وحتى لو قيلت فهي من قبيل الخطاب الاستعماري الخبيث. بيت القصيد ليس فقط ان لا صداقة في السياسة، بل أن الغربي يتعالى على أن يكون صديقا لتابعه. فالحديث عن هذه العلاقة التابعة بأنها صداقة هو حديث تنظيف العدو الغربي وبالتالي لإهلاك الوعي الجمعي العربي.
أو مثلا” لدى اردوغان موقف شخصي من السيسي”! قد لا يحصل استمزاج شخصي من شخص لآخر، ولكن السياسة لا تُقرأ هكذا. وحتى لو وُجد أمر شخصي، فسياسة الدولة تمنع تحوله إلى اساس لسياستها. وبالطبع كلا الرجلين توابع لأمريكا طبقاً لتقسيم العمل الأمريكي بينهما، ووجوب أن يقتتلا. ولكن المشكلة أن السيسي يعرض مصر للتبعية والاستئجار، وأردوغان يرى في نفسه قادر على ذلك. أردوغان دخل في مؤامرة كبرى قامت على مرتكزين من الدين السياسي: المحافظية الجديدة في امريكا والدين السياسي الإسلامي (تركي عربي) ووصلت الأمور حافة إعادة الاستعمار التركي إلى الوطن العربي تماما تحت راية الدين السياسي، وأفشلت سوريا ذلك ومن ثم مصر. مع فارق أن سوريا افشلته باتجاه عروبي بينما النظام المصري أفشله باتجاه قول الجارية للسيد الأمريكي “مولاي، ما زلت قادرة على المهام، ولم يتخلى عني جمالي”. والبون شاسع. بل إن نظام مصر، حتى يستجدي البنابن (بن سلمان، بن زايد…الخ).
(2)
قبل الطائرة…لماذا امريكا هناك؟
بل لماذا أمريكا في كل مكان؟ هذا الأمر لم يحير العسكريين بل وحتى الأكاديميين والاقتصاديين في العالم وخاصة الذين استسلموا لتعبير “الإمبراطورية” مثلا، “هاردت ونيجري”. وكأن ذلك القدر. كان أقرب إلى القدر، لكن ذلك انتهى. المهم، إن وجود امريكا هناك هو عدوان اساساً فهي ليست احدى الدول المتشاطئة في الخليج، هل هو عربي أم فارسي، يختلف الطرفان في ذلك عتصرياً حتى في ذلك!!! أما امريكا فتراه أمريكياً ولا تنطق بذلك. هذا دون ان نقول بأن العدوان الاقتصادي الأمريكي ضد إيران هو حرب حقيقية. لماذا تعتدي على إيران وسوريا وكوبا وكوريا الديمقراطية…الخ.
لذا، ضرب الطائرة الأمريكية حتى لو بعيدة عن الشولطىء الإيرانية هو واجب وضروي. وقد يكون أحد أهداف إرسالها هو اختبار لصالح عدوان صهيوني لقراءة النتائج. وعليه، فالدول الخليجية المتشاطئة هناك وهي تنضح بالعسكر الأمريكي هي عدوة لشعبها في بلادها وللشعب الإيراني وللعروبة عامة، وخاصة لفلسطين. فمن يجلب عدو شعبه وقوميته وجيرانه إلى أرضه هو عدو موصوف ومعلن. وحين تقول امريكا بانها هناك لحماية تجارة النفط، فهذا يعني أن امريكا تعتبر النفط نفطها، وإلا فهل هي محسن كريم؟ امريكا ليست هناك لحماية ابن هذا او ذاك، وإلا لكانت اعتدت لحماية الشاه، وهناك حالات كثيرة مشابهة. في الاكاديميا في لندن قرأنا قولهم: “كيف حصل ان نفطنا وُجد في أرضهم” واضح! أليست امريكا هناك منذ إسقاط حكومة محمد مصدق؟ وبعدها بقيت هناك رغم أن كل الخليج كان تابع لأمريكا. فرساً وعرباً. هل تحمي امريكا قطر والإمارات والكويت والسعودية…الخ من احتلال إيراني؟ لا يجد المرء ما يقنع في هذا. فالجزر الثلاث بيعت لإيران. كما ان تجربة إيران منذ بداية الثورة والاندفاع باتجاه تصدير الثورة وتجربة الحرب مع العراق، دون أن نخوض في من بدأ وفي من رغب وفي من كانت لديه النية، وبدون تزلفات عرب لإيران ساسة ومثقفين، وهم بالمناسبة يتكاثرون وخاصة بالمال، بدون مناقشة هذا وتجريم صدام او الخميني، فإن إيران اليوم على قناعة بأن العلاقة بالعرب، غير العملاء، يجب ان تكون تكامل إقليمي لا احتراب إقليمي . فقيام دولة باحتلال ارض دولة أخرى في هذا العصر صار من الأمور صعبة التخيُّل فما بالك التصديق. ولكن، حين تكون أنظمة لحمها وسُداها التبعية ومعاداة شعبها، وتُدين بوجودها للعدو الغربي باكمله، فمن الطبيعي أن طلب الحماية المؤقتة إلى حين نضوب النفط! وبعيدا عن التحليل، هل سترد أمريكا؟ إذا كانت بداية هذه الكلمات ان وجود امريكا هو اعتداء، فمعنى ذلك ان ايران دافعت عن نفسها، وشكرا لها. ومع ذلك قد تضرب امريكا في سوريا عبر الكيان، أو عبر غرفة “موك” أو بدفع تركيا عميقا في سوريا، وقد تضر مباشرة. أما إلى العقول الكسولة التي تحب معرفة النتائج سلفا دون أن تتعب، فأعتقد ان الرد على سؤالها هو: نحن في حرب مستدامة، ومن يحرص على وطنه عليه توقع الحرب في كل لحظة. لا حاجة للنوم.
(3)
هل نحن أرقى منهم؟
فحين الجد، يتم قمع المرأة بكل خسة ونذالة.هذا عضو برلمان يقمع سيدة محتجة كما يمسك فرخة من عنقها. في عام 1985 ، وكنت اشتغل على رسالتي في جامعة لندن، كنت احضر حلقات نقاش بين محاضرين كل 3 اشهر من جامعات: لندن، كيمبردج، أكسفورد ومانشستر.كنا جميعا نجلس في حلقة دائرية واسعة. كان د. عزيز العظمة (من سوريا)، و سامي زبيدة، ومايك كوين (هذا الرجل كان معجبا بالحكيم جورج حبش وبالقذافي) والراحل بندلي جلافانس، وروجر أوين…الخ. وما أن بدأت المرأة في الحديث وإذا ب دكتور آخر يضربها بمنفضة السجائر. مع ان الحديث اكاديمي. من هو الرجل؟ هو بيتر سلجليت زوجها. كنت الشخص الوقح الوحيد الذي ضحك بصوت عالٍ وبقصد. بعدها اقترح عليّ د. عزيز العظمة أن يكون بيتر ممتحني الخارجي، فرفضت. فقال : هل لأنه يهودي؟ قلت ليس شرطاً، لكنني لا أثق برجل يعتدي على المرأة هكذا. قال من تريد أن يمتحنك للماجستير؟ قلت: هنري برنستين (بالمناسبة يهودي من جنوب إفريقيا) أو تيري بايرز. قال هذين ستالينيين وصعبين ولن تنجح معهما. بالمناسبة بايرز لا يعترف حتى بشرعية النظام البريطاني وهو طبعا بريطاني.قلت لعزيز: مش مشكلة، أسقط معهما ولا أنجح مع بيتر، ولم أسقط. كثيرون منا لا يضربون المرأة، طبعا لسنا جميعاً، المهم أن المرأة يجب أن تحمي نفسها ونحن معها. لكن لنخلع الانبهار بهم.
Tory MP Mark Field attacks a female protester Longer version apparently showing Tory MP Mark Field attacks a protester you can see the woman apparently posing no immediate threat as she passes behind Mark Field. He marches her out of the room by her neck.
ربما للتفكير الهادىء خلال اشتداد الأزمات فائدة تُرجى، وقد تكون أكبر. لا يسع المرء الثقة بما يصدر عن أعدائه، العدو الأمريكي خاصة وفي هذا الوقت، سواء رسميا او من الإعلام التابع للسلطة ولا الممالىء لها ولا حتى المعارِض لها. فليست كل معارضة عميلة كما هي حال كثير من المعارضات في الوطن العربي.
تحدثت الناس عن سيناريوهات عديدة لعدوان أمريكي بعد إسقاط الطائرة الأمريكية. ولا أحد يعلم ايها الصحيح ولو نسبياً، لكن في الذهن أمور أخرى تتغذى من نسغ واقع ليس ببعيد.
لنقل هي مقارنة بين السياسات التي اتبعتها الثورة المضادة بقيادة أمريكية ممثلة وقائدة ل(الثلاثي: امريكا وأوروبا واليايان) والصهيونية والتوابع عربا وغير عرب، ضد الاتحاد السوفييتي وبين ما يتم ضد سوريا ومن ثم إيران وكوريا الشمالية وكوبا…الخ.
في الحالة الإيرانية، هناك شروطا متوفرة وأخرى غير متوفرة، أخطر الشروط هو العدوان/الحصار الاقتصادي ضد إيران، وتقاطع متفاوت لدول مع هذا الحصار. وقد يكون التعويل الأمريكي على تحقيق نصر على إيران من هذا المدخل وذلك على ضوء استخدام ترامب لهذا العامل، وهو رجل الأعمال الراسمالي الذي ربما يتقن هذه الحرب بخلاف أوباما الذي شن عديد الحروب وغلفها بخطاب يسميه كثيرون “الماركسية الثقافوية مسترشدا بحليفه جورج شورش Soros”. كما تحقق امريكا في عدوانها الاقتصادي على إيران عدوانا إضافيا ضد سوريا بمعنى تقليص الدعم الإيراني لسوريا لتأجيل التنظيف السوري لمناطق الاحتلال الكر-صهيوني وإدلب من الاحتلال العثماني بالإنابة.
بكلام آخر، قد لا تقوم أمريكا بعدوان مسلح ضد إيران تلافياً لدمار حتى لو محدود. ولنضع هذا في خانة توازن الرعب في الإقليم، وإن كنت لا ادعي معرفتي بقدرات إيران ، كما أنني لا أحب التزلفات العديدة من محللين عربا لإيران دون أن يعرفوا القدرة الإيرانية، هذا ناهيك عن مثفقين/ات هم مروجو إيديولويجيا حد العمالة.
كل هذا ليس محور الحديث، إنما لا شك أن بوسع إيران إيذاء امريكا جيدا.
ولذا، لا يمكننا تجاهل استخدام امريكا ضد إيران بعضا مما استخدمته ضد الاتحاد السوفييتي:
1- حيث أنابت العدوان الاقتصادي عن العدوان العسكري
2- وسخرت القوى الاقتصادية لحلفائها (اوروبا واليابان) وعملائها(السعودية ومختلف النفطيات العربية) للضغط الاقتصادي على الاتحاد السوفييتي ليس فقط بدور السعودية في تخفيض سعر برميل النفط (لعب دور المنتج المرجِّح) بل ايضا منع هذه الدول من الاستثمار في الاتحاد السوفييتي للتوجيه فوائضها إلى الاقتصادات والمصارف الغربية.
3- الشغل على اختراق القيادة السوفييتية برجال على الأغلب هم عملاء لأمريكا (جورباتشوف مثلا)
4- الشغل على تيار معين متغربن داخل الاتحاد السوفييتي، وهو قوي اليوم في روسيا الاتحادية.
لقد تجلى عجز الثورة المضادة عن هزيمة الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين الذي أنتجت الدولة في عهده سلاحا نوويا بشكل سريع بعد العدوان الوحشي الأمريكي على اليابان (وقد اسمت امريكا القنبلة النووية السوفييتية ب جو1 نسبة إلى جوزيف ستالين حقدا عليه بالطبع) مما لجم العدوان الغربي على هذا البلد المنهك من الحرب بعد أن خسر 27 مليون مواطن وتم تدمير 1700 مدينة و 7000 قرية على يد النازي (ورغم ذلك لا يتم الحديث سوى عن محرقة ضد اليهود) وكل ذلك تلاه الحصار الاقتصادي. وكما يبدو لا يوجد في القيادة الإيرانية ما يشير إلى وجود لا خروتشوف، الذي اختار طريق “التطور اللاراسمالي-اي مهادنة الراسمالية” ولا جورباتشوف الذي اختار الراسمالية إلى حد خيانة وطنه.
لقد تمكن جورباتشوف من تقويض الاتحاد السوفييتي معتمدا على صلاحياته كأمين عام للحزب الشيوعي السوفييتي ورئاسة الدولة اي قوة القلعة البيروقراطية التي يقبض عليها. وهذا يمكن مقارنته مع دور السيد خامينئي في إيران من حيث الصلاحيات، وليس بالطبع من حيث الوطنية.
فالموقع البيروقراطي يلجم المعارضة. وهذا إلى جانب الضعف الاقتصادي والعدوان الاقتصادي يؤدي إلى تحييد قوة السلاح في صراع مفتوح ومتعدد الجوانب.
وهنا، يبرز السؤال، هل ستتمكن الثورة المضادة من الاستفادة من تنوع عدوانها ضد إيران من تنشيط التيارات المتغربنة داخل إيران، والمعادية لدور إيران في محور المقاومة سواء كما حصل في انتخابات 2009، أو ما حصل إثر الإزمة الإقتصادية في العام الماضي؟
صحيح أن تغيير المنهج الاقتصادي أمر لا يتم في وقت قصير، ولكن اتباع سياسة إقناع الطبقات الشعبية بأن توجها أكثر لصالحها أمر قيد الحسبان والتنفيذ لا بد ان يلعب دوره في تماسك الجبهة الداخلية. وهذا يتطلب من القيادة في إيران :
– تصلب إقتصادي أكثر لصالح الفكاك او فك الارتباط بالسوق العالمية التي تسيطر عليها الثورة المضادة
– ومرونة أكثر لصالح القوى اليسارية لأن خطاً واحداً لا يكفي ولا تنحصر الوطنية فيه وحده.
لمعرفة ما بتجربة إسقاط الاتحاد السوفييتي يمكن الاطلاع على عادل سمارة: قراءة في كتاب”الاشتراكية المغدورة: ما وراء انهيار الاتحاد السوفييتي”، بتاريخ 16 أيّار (مايو) 2017، على الرابط التالي:
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.