خاص ب”كنعان”، نشرة الاقتصاد السياسي عدد 488
أزمة أم حالة مُستمرة، مرتبطة بالتطور غير المتكافئ؟ إن عبارة “أزمة” تُشِير إلى حالة طارئة أو استثنائية، قد تزول بسرعة نسبية، لكن وضع الفقراء (أفراد ومجموعات وبلدان) مُستمر بالتّدَهْوُر، ولذا، من الخَطَأ تسمية هذا الوضع بالأزمة، أي بالوضع المؤقت والعابر، فكل الدّلائل تُشير إن الفَقْر مشكل هيكلي، وليس عابر…
على مستوى البلدان، انطلقت أزمة 2008 عند انفجار “الفقاعة العقارية”، جراء جشع القطاع المالي والمَصْرفي، وانطلقت (كما أزمة 1929) في الولايات المتحدة، رائدة الرأسمالية في مرحلة الإمبريالية ومرحلة هيمنة الإحتكارات، وفي حقبة العولمة (وإن كانت “العولمة” مُرافقة للمرحلة الإستعمارية، منذ القرن التاسع عشر)، وتَضرّرت من هذه الأزمة بلدان لا ناقة لها ولا جمل في عمليات المضاربة التي أدّت إلى انفجار الأزمة، ولكن علاقات التبعية، أو الترابط بين اقتصاد كافة الدّول، جعلت هذه البلدان تتضرر، ويصاب اقتصاد ست دول بما يُسمّيه تقرير الأمم المتحدة “إجْهاد مالي”، بين 2009 و 2018، أما في الدول الرأسمالية المتطورة، فعمدت الحكومات إلى ضَخّ المال العام بكميات ضخمة، “لإنقاذ القطاع المالي” وشركات صناعة السيارات والتجهيزات، وغيرها من الشركات الإحتكارية، فتضخّم حجم المصارف الكبرى بعد الأزمة المالية، بفضل المال الذي حُرِمَ مِنْهُ الفَقراءُ والعاملُونَ، وفاق حجم أعمال المصارف الكبرى، سنة 2018، ضعْفَيْ حجم الإقتصاد العالمي، وبلغ نحو 160 تريليون دولارا (160 ألف مليار دولار)…
على المستوى العالمي، في مستوى الدّول، هاجرت الأموال مؤقتًا إلى بعض ما يُسَمّى “الأسواق الناشئة”، التي ارتفعت بها نسبة الفائدة على إيداع الأموال والإقتراض، خلافًا للدول الرأسمالية المتطورة التي انخفضت فيها نسبة الفائدة والإقراض، بهدف مساعدة الشركات والمصارف على الإستفادة من المال بدون فائدة تقريبًا (في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان)، ولكن هذه الأموال (الإستثمارات المالية) هاجرت بسرعة، حالما بدأت المصارف المركزية في أوروبا وأمريكا الشمالية ترفع معدّلات الفائدة، فتضررت من هذه الهجرة (هجرة الأموال) اقتصادات عدة دول، من بينها الأرجنتين والبرازيل والهند وأندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، ويشكّل اقتصادها نحو 9,3% من مجمل الناتج العالمي، كما تضررت دول غير مُصنّعة، مثل مصر من انخفاض تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، التي كانت تعوّل عليها لزيادة احتياطي العملة الأجنبية، ولتمويل برنامج “إعادة هيكلة الدّيون”، ولكن الولايات المتحدة تقود العالم الرأسمالي، وتُخْضِعُ وتيرته لمصالحها ومصالح شركاتها ومجمع صناعاتها العسكرية، ولم تَنْجُ سوى البلدان التي كانت أقل ارتباطًا بالنظام المالي العالمي، وبالولايات المتحدة، لكن الإمبريالية الأمريكية تفرض عقوباتٍ وحظرًا اقتصاديًّا على البلدان التي تختلف مع حكوماتها أو تنافسُها، وأطلقت حربا تجارية على وعقوبات على روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا ويتواصَلُ حصار كوبا منذ نحو 58 سنة، أما البلدان التي لم تستهدفها العقوبات فتضررت من انخفاض أسعار النفط (فنزويلا والبرازيل وإيران وروسيا وبلدان مجموعة “أوبك”)، ومن انخفاض أسعار المواد الأولية (البرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا)، ومن الحرب التجارية، ومن التغيير التدريجي لسياسة “التّيْسِير الكمِّي” (أي ضخ المال العام في المصارف والشركات بنسبة فائدة ضعيفة)، وأدّت الحرب التجارية، وارتفاع سعر الدولار، منذ بداية سنة 2018، إلى انخفاض صافي تدفّقات رأس المال في البلدان الستة (الأرجنتين والبرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا ) من 24 مليار دولار في الربع الأول من سنة 2018، إلى 14 مليار في الربع الثاني من سنة 2018…
لا يمكن وضع حدّ للهيمنة الأمريكية بدون مقاطعة الدولار وفرض حصار على الولايات المتحدة، ومقاطعتها على صعيد عالمي، كمرحلة أولى، في طريق إرساء نظام عالمي بديل عن هذه الهيمنة الإمبريالية الأمريكية، التي تعتمد على القوة العسكرية وعلى الدولار… عن موقع منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” (بتصرف) 14/04/2019
فَجْوَة تقنية: أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (34 دولة غنية) تقريرها السّنوي الخاص ب”العَمالة” (القُوى العاملة، أو العاملين) حذرت فيه من ارتفاع الأثَرِ السّلْبِي ل”المَكْنَنَة” و”الْأَتْمَتَة” واستخدام “الرُّوبُوتَات”، أو ما يُسمّى “الرَّقْمَنَة”، على الوظائف في الدول الغنية، ويُقَدِّرُ مُعِدُّو التَّقْرِير، إن نسبة 14% من حَجْم العاملين مهددة حاليا، بالفعل، من نتائج هذا التطور التكنولوجي، وهناك نسبة 32% معرّضة لتحول جذري محتمل على حياتها المهنية، على مدى متوسّط، وقد يُهدّدُ هذا التطور التّقني واستخدام الروبو في المزيد من الأعمال، نحو 46% من الوظائف، على مدى أبْعَد، وينطلق التّقْرِير من انتشار الروبوتات في خطوط إنتاج التجميع الصناعي، ولا سيما السيارات، قبل نحو ثلاثة عُقُود، ثم اجتياحُها، تدريجيًّا، قطاعات أخرى، ومن بينها تقديم نشرات دعائية أو إعلانية أو إرشادية، ونشرات الأخبار التلفزيونية، وعادة ما تدّعي الشركات إن ما يلغى من وظائف سيقابله خلق وظائف من نوع جديد، مما لا يجعل نسبة البطالة محدودة، لكن هذه التكنولوجيا (التي تمتلكها البلدان الغنية) تُعمّق الفوارق بين الدول الغنية والدول الفقيرة، كما تُعمق الهُوّة، بين ذوي الخبرات والتّقَنِيِّين والمُهندسين، من جهة، والعُمال والمزارعين، غير الحاصلين على مؤهلات تقنية، والعاملين بمِهن مُهدّدَة بالإندثار (عُمّال الصناعات والمناجم، والإنشاء، والسّائقين…)، من جهة ثانية، في ظل خصخصة التّعليم، وارتفاع رُسُوم الترسيم في الجامعات، مما يجعل التعليم واكتساب المهارات والخبرات، مقتصر على أبناء الأثرياء والشرائح العُلْيا من الفئات متوسّطة الدّخل…
أدّى انتشار الآلات في قطاع الصناعة إلى تراجع الوظائف في هذا القطاع، بين سَنَتَيْ 1995 و2015، بنسبة 20%، في الدول الرأسمالية المتطورة، وصَدّرَتْ الشركات صناعاتها المُلَوِّثَة، والمُضِرّة بالمُحيط، والمياه، والتي تتطلب “عَمالَةً” كثيفة، إلى الدول الفقيرة، خصوصًا في جنوب آسيا، فيما توَسَّع قطاع البحث العلمي، والتكنولوجيا في البلدان الرأسمالية المتطورة، وهو ميدان يُحَقِّقُ قيمة زائدة مُرْتَفِعَة، ويتحكّم في نتائج البحوث وفي مستقبل كافة القطاعات الإقتصادية، كما تَوسَّعَ قطاع الخَدَمات والمؤسسات المالية، حيث ارتفع حجم الوظائف في قطاع الخدمات (في الدول الرأسمالية المتطورة) خلال نفي الفترة، أي خلال عِقْدَيْن من 1995 إلى 2015، بنسبة 27%، وهي نسبة تفوق حجم الوظائف المفقودة في قطاع الصّناعة، لكن طبيعة الوظائف مختلفة، بالإضافة إلى الهشاشة والعُقُود الوَقْتِية (محدودة المُدّة)، والعمل بدوام جُزئي، وظروف العمل السَّيِّئَة، وتتوقع النقابات (التي انخفض عدد منتَسِبِيها في كافة أرجاء العالم) أن يزيد التّطَوُّر التكنولوجي، من معاناة العمال، الذين لا يُمَكّنُهُم مستواهم التّعْلِيمي من التأقلم مع الواقع التكنولوجي المتطور، ويؤكد التقرير السنوي لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، أن نسبة 56% من العاملين في الدول الغنية والصناعية المنضوية في عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا تمتلك سوى معلومات أولية وضَحْلَة عن التكنولوجيا الحديثة، فضلاً عن جَهْل جزء كبير من هؤلاء العاملين، بشأن التقنيات العالية، و”المُعقّدَة”، ويتميز جزء هام من الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتطورة بنقص فادح في المعرفة بميادين الاتصالات والمعلوماتية، مما يزيد من عُمْقِ الفجوة المعرفية والتقنية، داخل البلدان الرأسمالية، من جهة، وبينها والبلدان الفقيرة، من جهة أخرى، مما يرفع من نسبة البطالة، لأن مُعْظَمَ الوظائف المُحْدَثَة (في “سوق العَمل”، كما ورَد في التّقرير) سوف يقتصِرُ على متخصصين، دوي كفاءات تقنية عالية، وقادرين على التّأَقْلُم السّريع مع التكنولوجيا، ويُؤَثِّر هذا الوضع الجديد، بالسّلْب، على المنظمات النّقابية، وعلى هامش المناورة، أثناء المفاوضات مع أرباب العمل (تراجع الحوار بين الطبقات منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وترفض الشركات الحوار والتفاوض)، مما خَفض الإنتساب للنقابات، بين الأُجَراء، بمختلف أصنافهم، في الدول الصناعية، من مُعدّل 30% بنهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين، إلى 16% حاليًّا، وقد لا يزيد عن 5% في بعض البلدان الصناعية، وتُهَدّدُ مخططات الشركات الكبرى وجودَ النقابات وهياكل الحوار، أي إن الشركات أصبحت ترفض “الوفاق الطّبَقِي”، وتريد فَرْضَ مُخطّطاتها، دون نقاش، ويُقدّر التقرير المذكور ارتفاع مبيعات “الروبوتات” الصناعية من 390 ألفاً سنة 2018، إلى 630 ألفاً سنة 2021، بناء على إحصائية أظْهرت أن المبيعات السنوية لم تكن تتجاوز المائة ألف قبل عشر سنوات، وتَضمّن التقرير مجموعة إحصائيات ومُقارنات، من بينها إن عدد الروبوتات العاملة في ألمانيا يعادل 191 روبوتاً “عاملاً” مقابل كل 10 آلاف أجير (عامل وموظف)، بينما تبلغ النّسبة في الولايات المتحدة 117 روبوتا لكل 10 آلاف أجير… عن التقرير السَّنَوِي لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية 25/04/2019
اقتصاد عالمي – أزمة مُستمرة: يُفْتَرَضُ إن الأزمات – بطبيعتها – حالة طارئة ومحدودة زمنيا (راجع الفقرة الأولى من هذا العدد)، لكن يبدو إن الأزمة التي أُعْلِن عنها سنة 2008، على إنها أزمة مالية، وليست اقتصادية، لا تزال مُستمرة، بعد أكثر من عشر سنوات، مما يُلْغِي عنها صِفَة “الأزمة”، لأن حضورَها أصبح قاعدة، وغيابَها استثناء، وتشير بيانات “معهد التمويل الدولي” (مؤسسة تابعة لمجموعة “البنك العالمي”) إلى ارتفاع مستوى دُيُون الحكومات والشركات والأفراد، في كافة دول العالم، إلى أكثر من ثلاثة أمثال إجمالي حجم الناتج المحلي للاقتصاد العالمي، ووصل إجمالي الديون العالمية خلال الربع الثالث من العام 2018 إلى 244 تريليون دولار بزيادة نسبتها 12% عن العام 2016، أو ما يُعادل 318% من إجمالي الناتج المحلي لدول العالم، وبلغ إجمالي دُيُون الشركات 66 تريليون دولارا، وإجمالي الديون الاستهلاكية في العالم 46 تريليون دولارا، خلال الربع الثالث من العام 2018، بزيادة نسبتها 30% عن 2016، وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى بلوغ معدّل نسبة الديون الحكومية في الدول الرأسمالية المتطورة، نحو 102,8% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 50,4% (كمُتوسّط) في الدول “الصاعدة” و”النامية”، التي زادت من إصدار السندات وأدوات الدّيْن الأخرى، أي إنها باعت ممتلكات الدولة، وممتلكات الشعوب، وأصْدَرت الحكومات العربية سنة 2018، صُكوكًا وسندات بقيمة 84 مليار دولارا، ويُتوقع أن ترتفع قيمتها سنة 2019، وتتهدّد الدول المُسمّاة “نامية” (أي الفقيرة)، مخاطر تجعلها مُعَرَّضَة التخلف عن سداد الديون، بسبب هشاشة اقتصادها، رغم الحجم المرتفع لاحتياطي الدول النفطية، إلاّ أن تورّط دُويلات الخليج في عدد من الحُرُوب العدوانية، على الشعوب العربية بشكل خاص، بيابة عن الولايات المتحدة، يجعلها ترفع الإنفاق على السلاح، لتُصبح مُعَرّضَة لبعض المخاطر، في ظل عدم استقرار أسعار النّفط… رويترز + وكالة “فيتش” لإدارة الأصول + “فايننشال تايمز” 29 و 30/04/2019
تجارة القَتْل، وعَسْكَرَة العلاقات الدّولية: ارتفع الإنفاق الحربي العالمي بين سنتي 1998 و 2018 بنسبة 76%، ليتجاوز سنة 2018، مستوى 1,822 تريليون دولارا، بزيادة 2,6% عن سنة 2017، أو ما يعادل 2,1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو 239 دولارا لكل فرد من سكان العالم، وهو أعلى مستوى منذ “الحرب الباردة”، أو منذ 1988، وخلافًا لادّعاءات الولايات المتحدة، فإن روسيا لم تكن ضمن الدول الخمس الأكثر إنْفَاقًا، وانخفض إنفاقها العسكري بنسبة 3,5%، مقارنة بسنة 2017، وبلغ سنة 2018، نحو 61,4 مليار دولارا، وشكّل إنفاق خمس دول (الولايات المتحدة والصين والسعودية والهند وفرنسا ) نحو 60% من إجمالي الإنفاق الحربي العالمي، وارتفع الإنفاق العسكري الأمريكي (المُعْلَن) بنسبة 4,6% ليصل إلى 649 مليار دولار، بنسبة 36% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، أو ما يعادل الإنفاق الإجمالي للدول الثمانية التي تليها في ترتيب الإنفاق العسكري، إذ بلغ إنفاق الصين 250 مليار دولار، واحتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة لكن بفارق كبير، ويعادل إنفاقها نحو 14% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي…
يشمل الإنفاق العسكري مجموع الإنفاق الحكومي لكل دولة على قواتها وأنشطتها العسكرية، والرواتب والمنح المالية ونفقات التشغيل ومشتريات السلاح والمعدات والإنشاءات العسكرية والأبحاث والتطوير والإدارة المركزية والقيادة والدعم، في المجالات العسكرية والأمْنِيّة، وتُعْتَبَرُ الولايات المتحدة الدولة الأكثر إنفاقا على الجيش وعلى برامج اقتناء الأسلحة، فيما يُعْتَبَر النمو في الإنفاق العسكري الصيني مُتَناسِبًا مع النمو الاقتصادي للبلاد، وتخصص الحكومة الصينية نسبة 1,9% من الناتج المحلي الإجمالي، للإنفاق العسكري، كل سنة منذ 2013، أما السعودية فاحتلت المرتبة الثالثة، وأنفقت 67,6 مليار دولارا، على التسلح سنة 2018، قبل الهند وفرنسا وبريطانيا، وغيرها من الدول الصناعية المتطورة، ولم تَخُض السعودية أي حرب ضد أعداء الأمة العربية، واستخدمت السلاح ضد البلدان العربية، منذ تأسيسها (ضد اليمن منذ ثلاثينات القرن العشرين إلى الآن)…
تَمَيّزَت الولايات المتحدة بعَسْكَرَةِ السياسة الخارجية، وبالمكانة التي تحتلها شركات صناعة الأسلحة في تحديد سياسة الولايات المتحدة، الدّاخلية (محاربة العدُوّ الداخلي، أي الفُقراء والمُعارضين والنّقابيين…) والخارجية، لبيع أكبر قدر من السلاح، وإحلال الحرب محل الدبلوماسية، لحل القضايا الدّولية، المتعلقة بالخلافات التجارية أو السياسية، ويفتخر زعماء أمريكا وفرنسا، على سبيل المثال بقدرة سلاحهم على الفتْك بالبشر وبالمُحيط، وبِزيادة إيرادات مبيعات الأسلحة، فيما تَدْفَعُ شركات صناعة الأسلحة إلى زيادة ميزانيات الحرب وشراء الأسلحة الجديدة، وشن مزيد من الحروب، ومن المُحبّذ أن تكون في قارة أخرى، بعيدًا عن الحدود، لكي لا يراها المواطنون، سوى المشاهد التي تختارها قيادات الجيش، لِتُبَثّ على شاشات التلفزيون، وباعت الولايات المتحدة سنة 2018 أسلحةً لثلاث وتسعين دولة، وتُشكل مبيعات أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا 75% من إجمالي الصادرات العالمية للأسلحة… عن معهد ستوكهولم الدّولي لأبحاث السلام (سيبري) – بتصرف 29/04/2019
من يحاسب قادة أمريكا؟ تتصرّف حكومة الولايات المتحدة كحاكم مُطْلَق للعالم، دون قيود، ودون مُحاسَبَة، فتَعْتَدِي، وتحتل وتقتل، وتفرض الحظْر والعُقُوبات على الشعوب، لأسباب سياسية، ولأن لحكومات هذه الدّول رأي مُخالف لنظرة أمريكا للكون، ولم تفرض الولايات المتحدة حَظْرًا على النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وعلى الدكتاتوريات العسكرية في تشيلي أو البرازيل أو غيرها من بلدان أمريكا الجنوبية، بل دعمت كافة الأنظمة العسكرية والدكتاتورية، وبالمُقابل، فرضت الولايات المتحدة حَظْرًا وحصارًا على كوبا منذ 1961، وعلى إيران منذ 1979، وعلى كوريا الشمالية منذ 1953، وتعددت قرارات العقوبات فشملت روسيا وسوريا والصين وفنزويلا، وغيرها من بلدان العالم، وشددت خلال الأسابيع الماضية الحصار على “فنزويلا”، لكن من يحاسب الولايات المتحدة على الجرائم التي ارتكبها المستوطنون الأوروبيون ضد الشعوب الاصلية لأمريكا الشمالية، وضد سكان إفريقيا الذين استعبدهم المُستوطنون، قبل أن تبدأ الولايات المتحدة، سنة 1798، بالتوسع في الخارج وشن الحُروب العدوانية على شعوب العالم (مرحلة الإحتكارات والإمبريالية)، فمن يُدِين حكومات الولايات المتحدة بارتكاب المذابح والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، والقتل الانتقائي (على الهوية)، وتدمير الدول الديمقراطية، وانتهاك سيادة الدّول، في جميع أنحاء العالم، طيلة أكثر من قَرْنَيْن…
رعت الولايات المتحدة خلال تاريخها القَصِير (مقارنة بتاريخ الصين أو بالهند أو العرب) 319 من أصل 322 انقلابا في أمريكا الجنوبية، في القرن العشرين، وأثارت الفوضى والفساد في 21 دولة، عبر “فِرَق الموت”، ومجموعات الجريمة المُنَظَّمَة، وتوسّع نفوذ الولايات المتحدة، عبر الأساطيل الحربية، والإحتلال العسكري لبلدان منطقة البحر الكاريبي سنة 1798، وعبر 45 عدوان عسكري، منذ ذلك التاريخ، ضد شعوب ودول العالم، وقدّر موقع “نيوز فرونت” عدد القتلى العراقيين، جراء العدوان والإحتلال الأمريكي والبريطاني سنة 2003 بنحو 2,4 مليون شخص، وعدد ضحايا التدخلات العسكرية الأمريكية في بلدان أخرى بما لا يقل عن مليونَيْن، بين سنَتَيْ 1992 و 2012 (من يوغسلافيا إلى أفغانستان والصّومال وغيرها)، وقدّرت مجلة “كاونتر بانش” الأمريكية عدد ضحايا الحروب الأمريكية والعدوان والإغتيال بين عشرة ملايين وخمسة عشر مليون شخص، منذ “حرب كوريا”، مرورًا بالعدوان على فيتنام وكمبوديا ولاوس (حيث قُتِل في هذه البلدان نحو 7,8 مليون مَدَنِي) والعراق، وأشرفت أمريكا على الإنقلابات والحروب في أكثر من ثلاثين بلد في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية، ناهيك عن قتل نحو 250 ألف ياباني، بواسطة القنابل النّوَوِية في “هيروشيما” و”ناغاساكي” (اليابان) بين السادس والتاسع من آب/أغسطس 1945، وأَمَر الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” (بعد التشاور مع رئيس الحكومة البريطانية “تشرشل”) بالتخلص من أكثر من 600 لاجئ من جرحى الحرب، في أوروبا، وألقت الطائرات الأمريكية نحو 700 ألف قنبلة فُسْفُورِيّة على مدينة “درسدن” الألمانية، بعد استسلام القادة النّازِيِّين، بنهاية الحرب العالمية الثانية، وقُدّر عدد ضحايا القنابل الأمريكية، خلال الحرب العالمية الثانية، بنحو نصف مليون شخص…
في سوريا، نشرت بوّابَة “غلوبل جيو نيوز” يوم 17 نيسان/ابريل 2019، مقالاً للصحافي الفرنسي “مكسيم شيكس” ( Maxime Chaix )، مُؤلِّف كتاب “حرب الظِّل في سوريا”، يؤكّد ما ذكرناه سابقًا في نشرة الإقتصاد السياسي، عن دَعم الإستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” والبريطانية “إم آي 6″، للمجموعات الإرهابية في سوريا، منذ شهر تشرين الأول/اكتوبر 2011، وأطلقت المخابرات على عملية شراء ونقل الأسلحة وتدريب الإرهابيين على استخدامها، الإسم الرّمْزِي المُشَفَّر ( Timber Sycamore )، وتضمّنت العملية إنشاء شبكة لتزويد الإرهابيين في سوريا بالأسلحة من ليبيا، عبر تركيا والأردن ولبنان، والعراق، بالتعاون مع أجهزة المخابرات في السعودية وقَطَر وتركيا، ولم يوقّع الرئيس “باراك أوباما” على المرسوم، سوى في ربيع 2012، ثم أشرفت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) على ربط العلاقة بين أجهزة قَطر والسعودية وتركيا، بعدد من مصانع الأسلحة في أوروبا الوُسْطى، في دول البلقان (بلغاريا ورومانيا وصربيا وكرواتيا إلخ ) ويدعم حلف شمال الأطلسي عملية شراء وشحن الأسلحة والذّخيرة، ووسائل الإتصال وتحديد مواقع الجيش السّوري، وتدريب الإرهابيين على استخدامها، وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كتبت مقالا بهذا الشأن، في تشرين الأول/أكتوبر 2012، بشأن ما أسمَتْهُ الصحيفة “التجارة الضخمة للأسلحة، التي ترعاها وكالة المخابرات المركزية، والمخابرات البريطانية والفرنسية لدعم الجماعات الجهادية في سوريا”، في حين شدّدت الولايات المتحدة الحصار على التجارة بين سوريا وجيرانها، ونَسّقت المخابرات الأمريكية عمل خمسة عشر جهاز، لفرض الحصار على تجارة الغذاء والدواء نحو سوريا، وكتبت صحف أمريكية وبريطانية (حزيران/يونيو 2014) مقالات عن “عشرات الآلاف من أطنان الأسلحة وملايين طلقات الذخيرة” التي دخلت سرًّا إلى سوريا، وأشرفت أجهزة المخابرات على توزيعها على المجموعات الإرهابية، بما فيها الميليشيات الإرهابية “القاعدة” (النُّصْرَة لاحقًا) أو التي أطْلقَت على نفسها إسم وصفة “الدولة الإسلامية” في حزيران/يونيو 2014، واعترف “بن رودس”، كبير مستشاري الرئيس “باراك أوباما” في البيت الأبيض، من 2009 إلى 2017، “إن هذه المليشيات كانت تُشكّل العمود الفقري للمعارضة المُناهضة للنظام السّورِي” (نيويورك تايمز منتصف حزيران/يونيو 2018 )، كما كتبت نفس الصحيفة، وكذلك صحيفة “واشنطن بوست” (كانون الثاني/يناير 2016) “أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على تجارة الأسلحة وشحنها وتوزيعها في سوريا، كما أشرفت على إحدى أكبر العمليات السرية، للإطاحة ببشار الأسد، ضمن حملة مَوّلَتْها السعودية ودول الخليج”، بدأت منذ 2011، واعترف رئيس وزراء قَطَر السابق، سنة 2017، بمشاركة أجهزة استخبارات دول “غربية” وعربية عديدة، بدعم من شركات متعددة الجنسية، في دعم المجموعات الإرهابية، ومحاولات الإطاحة بالرئيس بشّار الأسَد… عن صحيفة “تِيمْبُو” (الأرجنتين) + صحيفة “ريبليون” (ترجمة تقريبية من اللغة الإسبانية – بتصرّف) 21 و 27/04/2019
المغرب 1: قدّمت وزارة الفلاحة تقريرًا خلال الملتقى الدولي للفلاحة بمدينة “مكناس”، وردَ ضمن هذا التقرير إن القطاع الفلاحي يُشَغِّلُ حوالي 300 ألف عامل قار، وبلغت حِصّتُهُ من الناتج الإجمالي المحلي 17,3% سنة 2018، وبلغت الاستثمارات الإجمالية في قطاع الزراعة المغربي، خلال السنوات 2008 – 2018 نحو 108 مليارات درهم (11,5 مليار دولار)، وبلغت حصّة الحكومة 38% والقطاع الخاص 62%، وأعلنت حكومة الإخوان المسلمين عملية خصخصة واسعة، بدأتها بمَنْح القطاع الخاص حوالي 440 ألف هكتار من أراضي الدّولة، لتُخَصَّصَ هذا الأراضي إلى إنتاج المحاصيل الزارعية القابلة للتصدير نحو أوروبا، مما يعني ضمنيًّا إهمال قطاع الحبوب، الذي يمثل أحد مقومات الأمن الغذائي، وتشجيع غِرَاسة الأشجار المُثْمرَة، بسبب ارتفاع المردود المالي، ولا يُغَطِّي إنتاج الحُبُوب سوى 65% من الإستهلاك المحلي، ويستورد المغرب الحبوب من أوروبا ومن أمريكا الشمالية، إذ انخفضت محاصيل الحبوب الأساسية (القمح والشعير) بنحو 40,8% في الموسم الحالي (2018/2019)، مقارنة مع الموسم السابق، بسبب الجفاف في بعض مناطق البلاد وانخفاض حجم مياه الأمطار بنسبة 11% عن معدل العقود الثلاثة الماضية، وبسبب دعم الحكومة لزراعات أخرى، بدل الحبوب التي بلغت مساحة زراعتها 4,7 مليون هكتارًا، بزيادة 4,4%، لكن المحصول المتوقع سوف ينخفض من 10,3 ملايين طن إلى 6,1 ملايين طن، مع انخفاض كبير في محصول القمح (اللّيِّن والصّلْب) والشّعير، مما يُؤَثِّرُ بالسّلْب على نسبة نمو الناتج المحلّي الإجمالي، وعلى الدّخل السّنَوِي لصغار المُزارعين، وسكان المناطق الريفية، بشكل عام… عن موقع وزارة الفلاحة + موقع “هسبرس” من 20 إلى 27/04/2019
المغرب 2: انشغلت وسائل الإعلام والنقابات والأحزاب بزيادة الحد الأدنى للرواتب (يوم الخميس 25/04/2019)، مما جعلها تتجاهل تقارير خطيرة الفوارق الطبقية وعن القرارات الحكومية التي تُحابِي الأثرياء والشركات الكبرى، عبر السياسة الجبائية التي يستفيد منها الأثرياء، في مُقابل الأضْرار التي تَلْحَقُ الأُجراء والعُمّال والفُقراء، وأدّت هذه السياسة الطّبَقِيّة المُنحازة للأغنياء إلى ارتفاع عدد الإحتجاجات والإضرابات، وآخرها إضرابات قطاع الصحة وقطاع التعليم…
قبل بضعة أيام من اليوم العالمي للعُمّال (01 أيار/مايو)، وقعت الحكومة ونقابة أرباب العمل، وثلاث نقابات تُمثل الأُجراء، اتفاقًا يتضمن عددًا من الإلتزامات، وركزت وسائل الإعلام على نقطة واحدة، متمثّلة في الرفع من الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات (حوالي 2500 درهم شهريا) والفلاحة (حوالي 1800 درهم شهريا، لحوالي 60 ساعة عمل أسبوعيا)، بنسبة 10% لكنها موزّعة على سنَتَيْن، (أي حوالي 5% كل سنة)، واعتبر ممثلو الفلاّحين (وهم عادةً من كبار الفلاحين ومن مُصدِّري الإنتاج الزراعي إلى أوروبا) إنهم غير معنِيِّين بهذا القرار، أما نقابة الأُجَراء “الكنفدرالية الديمقراطية للشغل”، فقد انسحبت من حفل التوقيع، بسبب “تجاهل الحكومة لبعض الملاحظات المتعلقة بشأن الضمان الإجتماعي وحجم الزيادات وتاريخ تطبيقها…”، واتهمت الحكومةَ (إخوان مسلمين) بعدم تطبيق بعض بنود الإتفاق السابق (نيسان 2011)، وقدّمت النقابة عددًا من الملاحظات بشأن الضريبة على الدخل، التي يتضرر منها الأجراء، وطالبت بتحسين دخل الموظفين والأجراء، عبر مراجعة الضريبة على الدخل، وإعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة في مشروع قانون المالية المقبل…
من جهتها تطالب جمعية رجال الأعمال (الاتحاد العام لمقاولات المغرب)، بخفض حجم الضريبة، وبمراقبة القطاع الموازي (الذي لا يُسَدّدُ ضرائب)، ويعتبر أصحاب المقاولات والوَرَشَات الصغيرة إن النظام الجبائي في المغرب يخدم بعض الفئات، خاصة أصحاب المزارع والشركات الكبيرة، وبشأن الضرائب في المغرب، اعتبرت منظمة “أوكسفام” إن السياسة الجبائية غير عادلة، ومُنحازة لِصَفِّ قلة من الأشخاص الأكثر ثراءً، وتمنح الحكومة امتيازات كثيرة (غير مُبَرَّرَة اقتصاديًّا واجتماعيًّا) للشركات متعددة الجنسيات، خصوصًا في المناطق الصناعية “الحُرّة” (مثل شركة “رينو” الفرنسية لصناعة السيارات، وشركات تجميع أجزاء الطائرات والآلات)، ولأثرى الأَثْرِياء، بدل تحويل الضريبة إلى “أداة لتقليص الفواق”، واعتبر تقرير المنظمة بعنوان “مغرب العدالة، ضريبة عادلة”، إن المغرب يُعَدُّ من بين أكثر البلدان التي تعمّقت بها الفجوة الطبقية، وبلغت ثروة ثلاثة مليارديرات 4,5 مليارات دولارا، بنهاية سنة 2018، لكن 1,6 مليون مواطن (من إجمالي 35 مليون نسمة) من الفقر المدقع، وأعلنت “أوكسفام” في تقرير سابق “إن ثروة 10% من الأغنياء تُعادل 12 ضعفًا ل10% من المواطنين من الفئات الفقيرة، وما انفكّت الفَوارق تتعمّق ولم تنخفض منذ سنة 1990، وقدّرت المنظمة إن الضرائب المُوَظَّفَة على دخل الأُجَراء، تشكل نحو 75% من الموارد الجبائية للدولة، وتحرم الدولة خزينتها من حوالي 30% من الموارد المُمْكِنة، بسبب الحوافز والإعفاءات التي تُمتِّعُ بها الأثرياء والشركات، بدون أي التزام أو مقابل لهذه الحوافز والإعفاءات الجبائية، وتدّعي 72% من الشركات إنها خاسرة، لكن أصحابها يشترون سيارات فاخرة ويُشيدون عمارات وقصورًا في المغرب أو في الخارج، وهي مُؤشرات على تحقيق شركاتهم أرباحًا مُرْتَفِعَة… ( دولار أمريكي = 9,65 درهم مغربي يوم 29/04/2019 ) عن منظمة “أوكسفام” + أ.ف.ب + رويترز 29/04/2019
مصر، في ذكرى الثلاثين من حزيران/يونيو 2013:
استغلت قيادات الجيش المصري غَضَبَ الشّعب ضد الإخوان المسلمين، لتُنَفِّذَ انقلابًا على الإخوان المسلمين وعلى إرادة ومطالب أغلبية الشعب المصري، بداية من 30 حزيران/يونيو 2013، بدعم من عشرات الآلاف من المخْدُوعِين، وبدعم واعي ومَدْرُوس من وسائل الإعلام، وشكلت سنة 2013، سنة عودة رجال حسني مبارك (كما عودة رجال بن علي في تونس)، وتراجع مستوى عيش العُمال والأُجَراء والفُقراء، وتراجع هامش الحُرّيات الفردية والجماعية، ولم توافق وزارة الدّاخلية على مظاهرة واحدة، منذ ذلك التاريخ، إلاَّ إذا كانت مُؤَيِّدَة لحكومة الجيش ورجال الأعمال، كما وقع تَلْجِيم كافة الأحزاب، وسجن قياداتها، وأصبحت وزارة الدّاخلية (والجيش) تُعدّ قائمات المُرَشّحين للإنتخابات النيابية والمحلّية والمهَنية، وقائمة الفائزين، مُسبقًا…
كانت حكومة الإخوان المسلمين تُكَذِّب أخبارًا مُتَدَاوَلَة عن محادثات مع صندوق النّقد الدّولي، بشأن قَرْضٍ كبير، يتَضَمّنُ شرُوطًا مُجْحِفة (كما مجْمل قَرُوض الصندوق وأمثاله من الدّائنين)، ولكن خَفْضَ قيمة الجُنَيْه بأكثر من 20% أمام الدولار الأميركي، وزيادة أسعار بعض المواد الإستهلاكية، ومنها أسعار السجائر، ومنتجات التّبْغ، أطْلَقَتْ موجة من الإحتجاجات ضد حكم الإخوان المسلمين (والرئيس محمد مرسي)…
بعد سِتِّ سنوات من استيلاء الجيش ورجال الأعمال ورجال حُسْنِي مبارك، بقيادة “عبد الفتاح السِّيسِي”، انخفضت قيمة العُمْلَة المَصْرِية (الجُنَيْه) بنسبة 100%، بعد “تحرير” أسعار الصّرف و”تعويم” الجُنَيْه، ورفَعَتْ حُكومته الضرائب أكثر من ثماني مرات (خاصة الضرائب غير المباشرة) لتتضاعف قيمتها مرات عديدة، ورفع أسعار النقل العام والوقود والكهرباء، وخفض الإنفاق الحكومي، وتًمثل هذه الإجراءات تنفيذًا “للإتفاق” (أو شروط) مع صندوق النقد الدولي، في أي مكان من العالم، ومع أي حكومة، ولا تزال زيادات الضرائب والأسعار مطروحة على جدول أعمال الحكومة، خلال السنة الحالية والسنوات القادمة، لكن حكومة الجيش ورجال الأعمال، بقيادة الجنرال “عبد الفتاح السِّيسي” فاقت حكومات السادات وحسني مبارك، في شدّة القَمْع، خصوصًا منذ 2015، وقدّرت المنظمات الحقوقية عدد ضحايا الفترة 2013 – 2018 بنحو ثلاثة آلاف قتيل، وأصبحت سياسة تكميم الأفواه والإقصاء والإعتقال من نصيب كافة أصْناف المعارضين (الناصريين والليبراليين واليساريين، إضافة إلى أحزاب الدّين السياسي..)، مع فَرْضِ تعديلات الدّستور، وتمديد فترات حُكم الرئيس الجنرال، ومات الرئيس المنتخَب “محمد مرسي” في السّجن، بينما يحتفل حسني مبارك بعيد ميلاده الواحد والتّسْعين، حُرًّا طليقًا (وكذلك كافة أفراد أسرته والمُسْتفيدين من فترة حكمه، منذ 1982)، وبرّأه القضاء (بتدخّل سافر من الرئيس الحالي)، من كافة الجرائم السياسية والإقتصادية، التي ارتكبها، طيلة ثلاثة عُقُود، في حين تمّ توجيه تهمة الفساد، أو “التّمَرّد على سلطة الدولة”، لبعض زعماء المعارضة “المُعْتَدِلَة”…
يُشارك النظام المصري في مخططات العدوان والتخريب التي تُنَفِّذها الأُسر الحاكمة في السعودية والإمارات، وهي أُسَر عميلة، وتنفذ مخططات أمريكية في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا، وضد الشعب الفلسطيني، وَوَقَّعَت الدولة المصرية صفقات سلاح بقيمة فاقت ثلاثين مليار دولارا، سدّدت السعودية بعضًا منها، وارتفعت قيمة شراء الأسلحة بنسبة 250%، خلال خمس سنوات، لتتَصَدَّر مصر مرتبة مُتقدّمة، ضمن اكبر الدول المُستوردة للسلاح، من أوروبا وأمريكا وروسيا، بدل توجيه هذه المبالغ لإنتاج الغذاء، فمصر أكبر مُستورد عالمي للقمح، منذ سنوات طويلة، كما تحتل مصر مرتبة مُتقدّمة ضمن الدول المُصدّرة للمهاجرين، النظاميين وغير النظاميين…
السودان، المواضيع المُؤَجَّلَة: كان حجم تدفّق الإستثمارات الأجنبية كبيرًا في السودان، قبل توقيع اتفاقية انفصال الجنوب (2005)، والتي طُبِّقَت بالفعل في تموز/يوليو 2011، لتستحوذ دولة الجنوب الناشئة على 75% من نفط البلاد (حوالي 340 ألف برميل يوميا)، وكانت إيرادات النفط تُشكّل نحو 50% من إيرادات ميزانية الدولة، ونحو 80% من العُملات الأجنبية، قبل الإنفصال، لكن نظام تحالف الجيش والإخوان (بقيادة عمر البشير الذي يحكم منذ انقلاب 1989) اختار المحافظة على نظامه (بعد أن سلّم المقاوم الأُمَمِي “كارلوس راميريز” إلى الحكومة الفرنسية، سنة 1994)، بدل المحافظة على وِحْدَة الوطن، ولكن الولايات المتحدة أَبْقَت على السودان ضمن قائمة “الدّول الرّاعية للإرهاب”، وبعد رفع الحظْر نَظَرِيًّا (شباط/فبراير 2017)، أبقَت الولايات المتحدة على السودان ضمن قائمة “رُعاة الإرهاب”، وبقيت أُصول السودان مُجَمّدة في الولايات المتحدة، منذ عِقْدَيْن، مما رَدَعَ الشركات الأجنبية والمصارف عن الإستثمار أو تحويل الأموال إلى السودان، وبَقِيَ تأثير العقوبات القاسية، بدون تَغْيِير، ولئن لم يَسْتَفِد الشعب السّوداني من عائدات النفط، قبل الإنفصال، فإن الأسعار كانت مُسْتَقِرّة، ونسبة التّضَخُّم ضعيفة، وبلغت نسبة التّضَخُّم أوْجَها سنة 2018، ببلوغها 70% في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، ووعدت حكومة عمر البشير آنذاك بخفضها إلى 27% خلال سنة 2019، وفق ما وَرَدَ في موازنة الدولة (2019)، فيما انخفض السعر الرّسمي للجُنَيْه السوداني من ستة جنيهات إلى 18 جنيها، مقابل الدّولار سنة 2018، وفاق سعر الدّولار 47 جنيها في السّوق المُوازية، وفاقت قيمة الدّيون العمومية (مع خدمة الدّيون التي فاقت أَصْل الدّيْن) خمسين مليار دولارا بنهاية سنة 2018، ويتوقع أن تتجاوز 57 مليار دولارا بنهاية سنة 2019…
تراكمت العوامل السّلْبِية لترتفع الأسعار سنة 2018، خصوصًا بعد خفض أو إلغاء دعم الدولة للوقود والطّحين (الدّقيق) والمواد الأساسية، فارتفع سعر النقل وامتدّت الطوابير أمام محطات الوقود، وأمام المَخابز، وعاشت البلاد أزمة سُيُولة، جعلت المصارف عاجزة عن تلبية رغبة المُدّخِرِين في سَحْبِ مُدّخَراتهم، وارتفعت قيمة ونسبة العجز في الميزانية، رغم خَفْضِ الإنفاق الحكومي، وزيادة الضرائب…
يتمتع السودان بثروات طبيعية هائلة، من بينها الذهب (105 أطنان سنة 2018، وفق تقارير الحكومة)، والأراضي الزراعية الخصبة، هي الأكبر في الوطن العربي، ولكن المساحة المُسْتَغَلّة لا تصل إلى نصف المساحة الصالحة للزراعة، والغابات، والمَراعي الشاسعة، والمعدل السنوي المرتفع لهطول الأمطار، بالإضافة إلى مياه حوض النّيل، مما ساعد على تنمية الثروة الحيوانية (أكثر من مائة مليون رأس ماشِيَة)، وغيرها من الثروات الطبيعية التي لم تستغلها الحكومات المتعاقبة منذ الإستقلال (1956) لتحسين ظروف عَيْش المواطنين، الذين يضطرّون إلى الهجرة، بسبب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، فيما انتشر الفساد والرشوة ونهب المال العام وممتلكات الدولة (والشعب)…
أدّت السياسات الإقتصادية للحكومة، وارتفاع سعر الخُبز (من جنيه واحد إلى خمسة جُنَيْهات)، وارتفاع سعر الوقود، إلى سلسلة من الإحتجاجات، منذ أواخر سنة 2017، وبداية سنة 2018، وجابه النظام كافة الإحتجاجات والإضرابات والتّظاهرات بالقمع، وكانت “مسيرات الخلاص”، في بداية 2018، أكثر تنظيمًا وأوْسَعَ انتشارًا من سابقاتها، لأسباب اقتصادية بحْتَة، بعد تضاعُفِ نسبة التضخم، خلال شهْرٍ واحد، من 25% في كانون الأول/ديسمبر 2017، إلى 50% في كانون الثاني/يناير 2018، وتَضاعف أسعار الخبز، وأسعار المواد الأساسية بنسبة 300%، دفعة واحدة…
أدّى تراكم المشاكل والإحتجاجات، من 2017 حتى 2019، إلى إسقاط رمز النظام المُتمثّل في رأسه الظّاهر للعيان، أي الرئيس عُمر البشير، الذي قاد انقلابًا عسكريًّا سنة 1989، وبقي في الحكم طيلة ثلاثة عُقود، ليُصْبح نظامه رمْزًا للفساد والقمع، فيما تعدّدت الحركات الإنفصالية، والتدخلات الخارجية، فتدعم فرنسا (عبر تشاد) حركة انفصالية غربي البلاد، ويدعم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حركات أخرى، فيما استغلت تركيا حاجة البلاد للإستثمار، لتستحوذ على جزيرة وميناء على البحر الأحمر، واستغلت السعودية والإمارات فَقْر السّودانِيِّين لتجنيد مُرتزقة فُقراء، يحاربون فُقراء مثلهم، في اليمن، منذ العدوان السعودي والإماراتي في آذار/مارس 2015، أما الوضع الإقتصادي فيَسِير من سيِّءٍ إلى أَسْوَأ، بسبب بقاء السودان ضمن قائمة الدول “الرّاعية للإرهاب”، بحسب التّصْنِيف الأمريكي، وبسبب ارتفاع قيمة الدّيون التي عجزت الدولة عن تسديدها، مما جعل بعض المثقفين السوداننين يُطالبون بشطب السودان من قائمة “رُعاة الإرهاب” وبشطب الديون الخارجية، وخصوصًا ديون البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ومجموعة “نادي باريس”، إذ لا يزيد أصل ديون السودان عن عشرين مليار دولارا، فيما بلغت خدمة الديون حوالي ضِعْفَ هذا المبلغ لتقارب قيمة أصل الدّين وخدمتها 58 مليار دولارا، سنة 2019، بحسب آخر البيانات الحكومية، وأعلنت الأُسَرُ الحاكمة في السعودية والإمارات (يوم 21/04/2019) استعدادها لإقراض السودان بقيمة ثلاثة مليارات دولارا، مما أثار ردود فعل المتظاهرين الذين رفعوا يافطات ترفض “دَعْم” مصر والإمارات والسعودية (وهي القوى المتورطة في العدوان على اليمن) وتدعوها إلى عدم التدخل في شؤون السّودان، بعد توريطه في اليمن…
رحل رمز النظام، وربما ترحل معه بعض الرُّموز الأخرى، ولكن الأزمة الإقتصادية، وصعوبات المواطنين باقية على حالها، إن لم تتفاقَمْ، خاصة وإن النظام يعمل على تجديد نفسه، ولم تُعْلِنْ أحزاب المعارضة برنامجًا بديلاً، سواء على مدى عاجل (أو برامج قصيرة المدى) يُعالج مشاكل البطالة والفقر وغلاء الأسعار والتّضخّم، وغير ذلك من القضايا التي تُؤَثِّرُ في الحياة اليومية للمواطنين، أو برامج متوسطة وبعيدة المدى، لاستغلال ثروات البلاد (ومن بينها الزراعة وتعدين الذهب…) وتشغيل المواطنين، لإنتاج ما تحتاجه البلاد من غذاء ومواد أساسية، وتشجيع المهاجرين السودانيين لتحويل مدّخراتهم إلى السودان، عبر منحهم حوافز، يكون مردودها أفْضَل من قروض صندوق النقد الدّولي، المَشْرُوطَة بمُلحقات مُدَمِّرَة لاقتصاد البلاد…
اقتصرت وسائل الإعلام على ذكر مطلب “حُكومة مدنية”، وَوَجَبَ التّذْكِير إن الأزمة الإقتصادية وارتفاع الأسعار وانهيار سعر العُملة المَحَلِّية، كانت السبب المباشر في انطلاق الإحتجاجات والإطاحة ببعض رُموز النظام، فقد أدّى انخفاض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار، إلى ارتفاع الأسعار، وبلوغ التضخم أعلى مستوياته التاريخية، كما ارتفعت قيمة الدّيون الخارجية المُقَوّمة بالدولار إلى 45 مليار دولارا (منها حوالي 30 مليار دولارا، بعنوان خدمة الدّيْن، بسبب توقف السودان عن سداد الدّيون)، سنة 2016، وورد في تقرير للبنك العالمي إن قيمة الديون الخارجية فاقت 54 مليار دولارا بنهاية 2018، وقدّر البنك العالمي نسبة الديون الخارجية بنحو 166% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تفتقد البلاد للعملات الأجنبية، مع خسارة عائدات النفط، وبالتالي انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وقُدِّرت خسائر النظام المصرفي السوداني بنحو تسعة مليارات دولارا، خلال خمسة عشر سنة…
كيف يمكن لأي حكومة مقبلة حل مشكلة انعدام التوازن بين الإنفاق الذي ارتفع والإيرادات التي انخفضت، إذ انخفض الناتج الإجمالي المحلّي، وانتهجت الحكومة سياسة تقشّف صارمة منذ 2012، تجسّمت في إلغاء الدعم على مراحل، منذ حزيران/يونيو 2012، ثم أيلول/سبتمبر 2013، وكانون الأول/ديسمبر 2014، وتواصل إلغاء الدعم تدريجيا، إلى أن أعلنت الحكومة، منتصف سنة 2018، إلغاء دعم الوقود، مما أدى إلى ارتفاع قياسي للأسعار، وبالخصوص أسعار المواد الغذائية بنسبة 71% والوقود، في بلد يُعدّ من أفقر دول وفق تقرير البنك العالمي (أيلول/سبتمبر 2018)، فيما يُقدّر صندوق النقد الدولي معدل بطالة الشباب بنحو 23%، خلال الربع الثالث من سنة 2018، وأظهرت إحصاءات الحكومة التي تعود إلى 2014، ارتفاع نسبة الفقر إلى 36,1%، ويعيش نحو 25% من المواطنين تحت خط الفقر… عن موقع “ميدل إيست آي” (بريطانيا) + موقع “إيكونوميست” (بتصرف) – متابعة من 23 إلى 28/04/2019
فلسطين – من نتائج اتفاقيات أُوسْلُو: سَمَحت اتفاقيات أوسلو للإحتلال الصهيوني بالتَّنَصُّل من الإتفاقيات الدّولية التي تُلزمه (كقوة احتلال) بإدارة شؤون الفلسطينيين الواقعين تحت الإحتلال، وأصبح ما يُسمّى “المجتمع الدّولي” يُمَوِّلُ متطلبات إدارة شؤون الأراضي المحتلة سنة 1967، بدلا من الإحتلال، فيما تنازلت قيادات فتح ومنظمة التحرير عن حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948، وحق عودة اللاجئين (إضافة إلى التعويض)، وبعد ربع قرن من التّمويل الذي أدّى إلى نَسْف قواعد الإقتصاد المحلي وإلى خلق قوة أمنية فلسطينية تسهر على راحة المستوطنين، أعلنت الولايات المتحدة إيقاف التمويل، وتَبَنّت الإيديولوجيا الصهيونية بحذافيرها، مُدّعِيَةً إن كافة الأراضي المحتلة، هي جزء من “إسرائيل الكبرى”، ولا وجود لشعب فلسطيني، فيما رفض الكيان الصهيوني إعادة أموال الضرائب إلى سلطة الحكم الذاتي الإداري (سلطة أوسلو)، مما خلق أزمة مالية كبيرة، جعلت سلطة أوسلو عاجزة عن تسديد رواتب موظفيها في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وحذرت الأمم المتحدة من انهيارها، بسبب الضائقة المالِيّة…
يُقَدَّرُ حجم الإيرادات السنوية لسلطة الحكم الذاتي الإداري بنحو أربعة مليارات دولار، وتشكل إيرادات الجمارك والضرائب نحو 70% من الإيرادات، أو حوالي 180 مليون دولار، شهريا، تَجْبِيها سُلُطات الإحتلال، وتبتز بواسطتها السلطة، وتتكفل الدول العربية بنحو 50% من الميزانية، وتُساهم “الدّول المانحة” في هذه الميزانية، بهدف دعم الدور الأمني الذي تقوم به السلطة، لحماية المُسْتَوْطِنِين، وبهدف القضاء على كافة أشكال مقاومة الإحتلال، وكلما انخفض الدّعم الخارجي، زادت السلطة من الضرائب على الإستهلاك، وعلى الدّخل، وقطعت رواتب الموظفين في غزة، خصوصًا بعد انخفاض حجم الإيرادات سنة 2018، إلى نحو ثلاثة مليارات دولار، مما أدّى إلى عجز يفوق 700 مليون دولار (لكن العجز بَدَأَ منذ سنة 2000، أي سنة الإنتفاضة الثانية، وهبّة اكتوبر في الأراضي المحتلة سنة 1948)، ويُقدّر بنفس الحجم تقريبا سنة 2019، بسبب امتناع الولايات المتحدة عن تسديد 500 مليون دولارا، وبسبب عدم التزام دول أخرى بوُعُودها، مع انخفاض “الدعم” العربي من 1,8 مليار دولارا، سنة 2008، إلى مليار دولار سنة 2010 وإلى أقل من مليار منذ سنة 2011، وعدم احترام مواعيد صرف المبالغ المُقرّرة، فيما يَسرق الكيان الصهيوني أجزاء كبيرة من أموال الضرائب، بذريعة “التعويض عن الأضرار التي تُسبِّبُها أعمال العنف الفلسطينية”… وتحتاج السطلة شهرياً إلى حوالي 1,05 مليار دولار، لرواتب الموظفين (حوالي 133 ألف موظف، معظمهم من الجهاز الأمني، الذي يحمي الإحتلال)، ومصاريف جهازها البيروقراطي المُتضخّم والفاسد، ومصاريف الوزارات، و”مُستحقات” مستشفيات العدو وغيرها من مصاريف “الإنفاق التطويري”…
لا تمتلك سلطة الحكم الذاتي الإداري أي سلطة على أي شبر من الأراضي، ولا يمكن لرئيسها أن يتنفس أو ينام أو يتحرك مترًا واحدًا، دون إذن من سُلُطات الإحتلال، ولم يستفد من اتفاقيات أوسلو سوى بعض العُملاء، وبعض قيادات المنظمات الفلسطينية وأُسَرِهم، أما الشعب الفلسطيني فقد ساءت حالته، وارتفع عدد المستوطنين من أقل من 100 ألف، قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، إلى أكثر من نصف مليون، بعد 25 سنة، وتخلص الإحتلال من التزاماته، مع زيادة مُصادرة الأراضي وزيادة عدد الاعتقالات في صفوف الأطفال والشباب، وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت السلطة الفاقدة لأي نوع من السلطة، مُدانة وبلغت ديونها 8,6 مليار دولارا، وتُسَدّد حوالي 2,1 مليار دولارا سنويا لشركات الكيان الصهيوني ثمنًا للكهرباء والوقود، ومبالغ هامة لمُستشفيات العدو…
تتخوف سلطات الإحتلال الصهيوني من انهيار سلطة محمود عباس وعصابته، وسَرّبت الأجهزة الأمنية الصهيونية بيانات عن التّأثير السلبي (على الإحتلال) للأزمة المالية للسلطة، ومن بينها احتمال إيقاف “التنسيق الأمني” (الذي يعتبره محمود عباس “مُقَدّس”) وانفجار الغضب في الضفة الغربية، وتعزيز شعبية القوى المعارضة لسلطة أوسلو، وفي إحدى قنوات تلفزيون العدو (القناة 12)، واحتد الخلاف، بين سلطات الإحتلال، وسلطة الحكم الذاتي الإداري في “رام الله”، منذ بداية سنة 2019، بشأن قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية إلى أسر القتلى والجرحى والأسرى… عن وكالة “وفا” (بتصرف وإضافات) من 27 إلى 30/04/2019
الأردن – ضغوطات أمريكية: تمارس الأنظمة العربية العميلة للولايات المتحدة حِصَارًا مُطْبقًا على سوريا، وكنا أَشَرْنا في عدد سابق إلى الحصار الذي يَفْرِضُهُ النظام المصري على مرور السُفُن المُحَمّلَة بالنّفط نحو سوريا، عبر قناة السويس والبحر الأحمر (إضافة إلى المبالغة في حصار الفلسطينيِّين في غزة)، وتُشرف الولايات المتحدة على إدارة تفاصيل شؤون لبنان الداخلية، وتمنع فتح الحدود مع سوريا، كما تمنع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو ما تفرضه على الأردن أيضًا حيث فَاوَضَت الحكومةُ الأردنيةُ الولاياتِ المتحدةَ، بشأن عودة اللاجئين السوريين، وبشأن عودة حركة التجارة عبر معبر “نصيب” الذي أعلنت الحكومة السورية فَتْحَهُ أمام حركة المسافرين والتجارة بين البلَدَيْن، منذ بداية سنة 2019، لكن الولايات المتحدة حَظَرَت المبادلات التجارية مع سوريا، بهدف خَلْق أزمة اقتصادية تؤدي إلى الإطاحة بالنظام الذي لم تتمكن من الإطاحة به عبر المنظمات الإرهابية وعبر مليشيات عشائر الأكراد والمُرتزقة من بلدان عديدة، وتراجعت حكومة الأردن عن اتفاق ثنائي مع حكومة سوريا، لفتْح معبر “نصيب”، بعد التّحْذِير الأمريكي، وألْغت وزارة التجارة والصناعة الأردنية كافة رُخَص الاستيراد والتصدير من وإلى سوريا، كما مَنَعت مُرُورَ الشاحنات السورية المُتّجِهَة نحو العراق، عبر الأردن، مما خَيَّبَ أَمل أصحاب الشركات والتّجّار الأردنيِّين… عن رويترز + “الغد” (بتصرف) 27 و 28/04/2019
الإمارات، بؤرة تطبيع: اعتبر رئيس حكومة الإحتلال مشاركة العدو الصهيوني في معرض “اكسبوا 2020” في دبي “تعبيراً آخر عن مكانة إسرائيل الصاعدة في العالم والمنطقة” !، بعد التّرحاب الذي لاقاه من صهاينة العرب في عُمان والبحرين وقطر، وكذلك في الإمارات، علنًا، أما في السّعودية فلا يزال طاقم الإفْتاء يدرس شكل تبرير التطبيع، وليس جَوْهَرَهُ…
تزامنت عملية تَسْرِيع وتيرة التّطبيع مع الإبتزاز الأمريكي، عبر فَرْضِ مزيد من “الرُّسُوم” على إيرادات الأُسَر المالكة لمشْيخات الخليج، “ثمنًا لحمايتها” (مِن شُعُوبها؟)، ورغم هذه “الحماية” الأمريكية، زادت نفقات دُويلات الخليج على شراء الأسلحة (الأمريكية)، ليس بغرض الدفاع عن أراضيها، وإنما لِتُسْتَخْدم الأسلحة ضد الشعوب العربية حَصْرًا، من سوريا إلى ليبيا، مرورًا باليمن والعراق، وتدرب الطيارون الإماراتيون مع زملائهم الصهاينة، على فُنون قَصْف العرب، وذلك أثناء مناورات مُشتركة، متعددة الأطراف، في الولايات المتحدة وفي اليونان… أما الإعلام الخليجي (العربية والجزيرة وأخواتها) فقد فتح قنواته المَرْئِيَّة والمكتوبة والمسموعة، للقادة العسكريين الصهاينة للدفاع عن احتلال فلسطين وعن العُدوان والحصار… موجز لمطالعات الصحف العربية يوم 30/04/2019
البرازيل: نظّم الآلاف من السّكّان الأصليين للبلاد اعتصامات صاخبة لمدة ثلاثة أيام في العاصمة “برازيليا”، تُوّجَتْ بمسيرة لمُمَثِّلِين عن أكثر من ثلاثمائة قبيلة، من قبائل السكان الأصليين، اتجهت نحو مكاتب الحكومة، يوم الجمعة 26 نيسان/ابريل 2019، احتجاجا على سياسات الرئيس اليميني جايير بولسونارو التي تهدد أراضيهم، ومستقبل وُجُودهم، في بلادهم التي استعمرها المُسْتَوْطِنُون الأوروبيون، وأبادُوا سُكانها، ويتضمّن البرنامج الإنتخابي للرئيس اليميني “بولسونارو” تحرير حيازة الأسلحة، وإزالة الغابات، والسماح للشركات الزراعية الكُبْرى بالقضاء على الغابات، والإستحواذ على أراضي ومياه السكان الأصليين، لتوسيع رقعة الأراضي الزراعية التي تستغلها هذه الشركات، بشكل مكثف، اعتمادًا على الجرافات والآلات والمُبيدات والبذور المُعدَّلَة وراثِيًّا، وبعد تولي “بولسونارو” منصبه، كان أحد أول قراراته، في أول العام الحالي 2019، حل الوكالة المعنية بشؤون السكان الأصليين (فوناي) وتكليف وزارة الفلاحة بإصدار قرارات ترسيم الأراضي، لصالح كبار المُزارعين والشركات، ورَفْضِ مطالب السّكّان، بالمحافظة على نمط استغلال الأراضي والمياه، الواقعة في المساحة التي يعيشون فيها، وتقع هذه الأراضي في الغابات، وتمثل نحو 13% من مساحة البلاد، فيما لا يمثل السكان الأصليون الذين أفلتوا من الإبادة (وعددهم حوالي 850 ألف) سوى أقل من 1% من عدد سكان البرازيل… رويترز 27/04/2019
تركيا، بين “عَنْتَرِيّات” أردوغان والوقائع بالأرقام: أوْصَى مصرف “جي بي مورغان” الأمريكي زبائنه من المُستثمرين، في بداية شهر آذار/مارس 2019، بِبَيْعِ الليرة التركية، وعدم الإحتفاظ بها، وذلك بعد تسريب وثيقة كانت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية قد أعدّتها عن الإقتصاد التّركي، ورصدت هذه الدّراسة اختفاء مبلغ بقيمة عشرين مليار دولارا من الحسابات الرّسمية للموجودات التركية بالعملات الأجنبية في المصرف المركزي، بعدما تَعَذَّرَ تفسير الانخفاض الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي، من خلال مقارنة المبالغ والحسابات، مما أحدث فجوة في المالية العامة للبلاد، حاولت الحكومة إخفاءها، خلال فترة حملة الإنتخابات المَحَلِّيّة في تركيا التي تعاني من أزمة مالية حادة منذ شهر آب/أغسطس 2018، تسببت في تدهور قيمة العملة (الليرة) وارتفاع نسبة التضخم…
بدأت الأزمة الاقتصادية في تركيا في بداية سنة 2018، وبلغت ذروتها في فَصْل الصيف، لكن مؤشرات الأزمة لا تزال ماثِلَة، إذ ارتفعت نسبة التضخم، خلال شهر آذار/مارس 2019، إلى 19,71%، بزيادة 1,03% عن شهر آذار 2018، وأثار الإرتفاع المُشِطّ لأسعار الغذاء والفاكهة والخُضار المُنْتَجَة مَحَلِّيًّا، غضَب المواطنين، كما ارتفعت نسبة البطالة خلال الربع الأول من سنة 2019، بنسبة 3,9%، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لتصل إلى 14,7%، وبلغ عدد العاطلين 4,668 ملايين عاطل، فيما ارتفعت نسبة البطالة لدى الشباب (من 15 إلى 24 سنة) إلى 26,7%، بسبب انخفاض التوظيف في معظم القطاعات، التي تعيش أزمة بدورها، فانخفض مؤشر الإنتاج الصناعي خلال شهر شباط/فبراير 2019، بنسبة 5,1%، مقارنَةً بنفس الشهر من العام 2018، وأدّت الأزمة إلى ارتفاع عدد الذين يُلاحقُهُم القضاء بسبب ديون بطاقات الائتمان الفردية بنسبة 15%، والملاحقين بسبب القُروض الشخصية، بنسبة 40% خلال الشهريْن الأوَّلَيْن من سنة 2019، مقارنة بنفس الفترة من السنة السابقة…
أظهرت بيانات رسمية للمصرف المركزي تَرَاجُعَ قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى تركيا، بنهاية سنة 2018، بنسبة 12,8% مقارنة بالسنة السابقة 2017، وبلغت 7,5 مليارات دولارا سنة 2017 وتراجعت إلى 6, 5 مليار دولارا سنة 2018، وكانت قد بلغت 12,6 مليار دولارا سنة 2016… أما العملة المَحَلِّيّة فقد انخفضت لمستويات متدنية وخسرت 47% من قيمتها بين بداية العام وشهر آب أغسطس 2018، وارتفعت ديون البلاد من 243,1 مليار ليرة بنهاية سنة 2012، إلى 876,5 مليارات ليرة بنهاية سنة 2017 وإلى نحو 1,1 تريليون ليرة (أو ما يعادل 220 مليار دولارا) بنهاية كانون الثاني/يناير 2019، بحسب بيانات وزير المالية والخزانة، وهو من أسرة بالغة الثّراء، وزوج ابنة أردوغان، وارتفعت ديون الشركات الكبرى، ومنها القديمة، بسبب حالة الركود، فارتفعت حالات الإفلاس… عن مؤسسة الإحصاء التركية الرّسمية + وكالة “بلومبرغ” 28/04/2019
موقع الصين في خارطة “العولمة” الإقتصادية الليبرالية 1: انطلق مشروع “مبادرة الحزام والطّري” أو “طريق الحرير الجديد، سنة 2013، وأعلنت الحكومة الصينية إنفاق أكثر من تسعين مليار دولارا، لإنجاز مشاريع ضمن المبادرة، ووافقت المصارف الصينية على قُرُوض، للدول المُشاركة في المبادرة، بقيمة بلغت 175 مليار دولارا، وقد تصل إلى 265 مليار دولارا…
انعقدت يوم الجمعة 26/04/2019، في بكين القمة الثانية لمبادرة “الحزام والطّريق”، بحضور رؤساء نحو 37 دولة وحكومة وممثلين لنحو 60 دولة أخرى، وأكد الرئيس الصيني، بالمناسبة دعم مشاريع “تتسم بالشفافية والإسْتِدامَة”، ردًّا على بعض الحكومات (الأوروبية والأمريكية) التي تتّهِم المشروع بعدم الشفافية (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان والهند…)، وبفخ للدول المُقْتَرِضَة، وتهدف المبادرة إلى تشييد بنى تحتية وسُدُود وموانئ ومحطات لتوليد الطاقة، في آسيا وأوروبا وإفريقيا، لتتمكن الصين من توسيع نطاق تجارتها في العالم، وقاطعت الولايات المتحدة هذا اللقاء، فيما حضر الرئيس الروسي، ورئيس الوزراء الإيطالي (انضمت إيطاليا إلى المشروع في آذار/مارس 2019) ورئيس الوزراء اليوناني، والرئيس السويسري، واكتفت غالبية دول أوروبا الغربية بإرسال وزراء لتمثيلها…
أكّد الرئيس الصيني خلال اليوم الثاني للندوة، يوم السبت 27/04/2019، إن مبادرة الطريق والحزام، تُمثِّلُ تعبيرًا عن رفض الحِمَائِيَّة، ولذلك سوف تَنْضَمُّ إليها دولٌ أُخْرى، في إشارة إلى معارضة شعار الرئيس الأميركي دونالد ترمب “أميركا أولا”، وانعقد لقاء “بكين” بشأن “الطريق والحزام”، بعد فترة قصيرة على صدور تقرير صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء 09 نيسان/ابريل 2019 بشأن توقعات نمو الإقتصاد العالمي لسنة 2019، حيث خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصادي العالمي سنة 2019، مُعلِّلاً هذا التّشاؤم بالحرب التجارية (الأمريكية ضد العالم، باستثناء الكيان الصهيوني)، والتّباطؤ التي سوف ينتج عن ما سمّاها الصندوق “التوترات التجارية”، وعن احتمال خروج مضطرب (أي بدون اتفاق) لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي المرة الثالثة التي يُخَفِّضُ فيها صندوق النقد الدّولي توقعاته الإقتصادية (خصوصًا في أوروبا)، منذ تشرين الأول/اكتوبر 2018، وتَوَقَّعَ أن يتراجع معدّل النمو الاقتصادي العالمي من 3,6% سنة 2018 إلى 3,3% سنة 2019، وقد يعود إلى حالته سنة 2020، ليحقق نمواً بنسبة 3,6%، بفضل استخدام الحكومة الصينية لمحفزات النمو، وزيادة حجم اقتصاد الصين والهند، وتحسن أداء اقتصاد بعض “الأسواق الناشئة”، بما في ذلك الأرجنتين وتركيا، رغم ارتباطهما باقتصادات الدول المتقدمة، رغم ارتفاع الدَّيْن العام في كثير من البلدان، ورغم التأثير السّلبي للحرب التجارية على الحركة التجارية والمالِيّة للأسواق… عن “شينخوا” + تقرير “توقعات الاقتصاد العالمي” – صندوق النقد الدّولي، ربيع 2019 (بتصرف) 27/04/2019
موقع الصين في خارطة “العولمة” الإقتصادية الليبرالية 2
الحزام والطريق – الحرب بوسائل أخرى؟ يشرف الجيش الأمريكي على مناورات عسكرية ضخمة تدوم 16 يومًا، في مناطق قريبة من الصين، بمشاركة قوات برية وبحرية وجوية من 18 دولة من مجموعة رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة تحت إسم “آسيان” (عشر دول) إضافة إلى جيوش دول أخرى حليفة للولايات المتحدة في المنطقة، ومن بينها قوات من كوريا الجنوبية و”بروناي” وأستراليا واليابان وتايلاند وفيتنام، والهند وماليزيا والفلبين وسنغافورة، تحت إشراف وإدارة وقيادة أمريكية، وبدأت المناورات في كوريا الجنوبية يوم الأحد 28/04/2019 في مدينة “بوسان” الساحلية (جنوب سيول)، بحسب وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية، بذريعة “مكافحة الجريمة البحرية، والمعاملات غير المشروعة للأسلحة والمواد المحظورة الأخرى”، ويجري القسم الأول من المناورات في “بوسان” حتى يوم الخميس 04/05/2019، فيما يجري القسم الثاني في “سنغافورة” في الفترة من 9 إلى 13 أيار/مايو 2019، وتمكنت أمريكا من توسيع تحالفها العدواني (ضد الصين) وضَمِّ الهند وفيتنام…
تعمل الصين من ناحيتها على استباق الخطوات الأمريكية لخَنْقِها اقتصاديا، فكثفت من نشاطها لإنجاز مبادرة “الحزام والطريق”، وهي خطة استراتيجية، اقتصادية وتجارية بقيمة تريليون دولارا، بدأت سنة 2013، بهدف إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يَصِوُل الصين بإفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، وإذا كانت الولايات المتحدة قد ضَمّت الهند وفيتنام إلى صفها، فإن الصين كثّفت من مستوى التعاون مع باكستان، وسريلانكا، وماليزيا…
أشار جَدُّنا عبد الرحمان بن خلدون (1332 – 1406) في الفُصول الأخيرة (وفي الخاتمة) من كتابه “المقدّمة” إلى حُدُوث تغْيِير هام، وذي أبعاد استراتيجية، في موازين القوى الدّولية، بسبب سيطرة الأساطيل التجارية البحرية، من أوروبا (هولندا والبرتغال وإسبانيا) على التجارة، مما يُشِير (بحسب ابن خلدون) إلى تغيير كبير في العالم، وتحول لمراكز القوة من الشرق إلى الغرب، لكنه لم يتمكّن من تحليل هذا التّغْيِير، لأن التحول الحقيقي حَصَل بعد وفاته (1406)، عند اكتشاف البرتغاليين رأس الرجاء الصالح في أواخر القرن الخامس عشر (1487)، لينتهي دَوْرُ العرب الذي كان متمثلا في الوَساطة، بين الهند والصين، من ناحية وأوروبا من ناحية ثانية، وتزامنَ ذلك مع هيمنة جيوش المُرْتَزَقة الأتْراك (الذين قَدِمُوا من آسيا الوُسْطى) على البلدان العربية، ثم أوروبا الوُسْطى، وأصبحت السُّفُن الأوروبية الضخمة تتزوّد مباشرة من آسيا، دون حاجة لوساطة التّجّار العرب…
انعقدت في بكين “الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي” من 25 إلى 27 نيسان/أبريل 2019، بحضور 37 رئيس دولة ورئيس حكومة، واستقبل الرئيس الصيني في بكين، زَمِيلَهُ الباكستاني (عمران خان)، الذي يصحبه وفد هام في زيارة للصين تدوم أربعة أيام، للمشاركة في فعاليات منتدى الحزام والطريق التي شارك بها ممثلون عن 38 دولة، ويعود انضمام باكستان إلى هذا المشروع الصيني الضّخم، إلى سنة 2014، عندما وقّعت الحكومتان اتفاقية بقيمة 64 مليار دولار من أجل إنشاء ممر تجاري يربط إقليم تركستان الشرقية (شينغيانغ) ذي الأهمية الاستراتيجية شمال غربي الصين بميناء “غوادار”، جنوب غربي باكستان، عبر شبكة من الطرق وسكك الحديد وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز، وتطمح باكستان تحقيق باكستان مكاسب مالية من خدمات عُبُور السلع من وإلى الصين، ووقعت باكستان والصين يوم الأحد 28/04/2019 في بكين اتفاقا بشأن إقامة مشروع للسكك الحديدية، حيث سيتم وضع مسار مزدوج بين مدينتَيْ “بيشاور” و “كراتشي” لتبلغ سرعة القطار 160 كيلومترا في الساعة…
في ماليزيا، وبعد تجميد مشاريع ضخمة، بتمويل صيني، أعلن رئيس الوزراء “مهاتير محمد”، في بكين، يوم الأحد 28/04/2019، إن مبادرة الحزام والطريق “ليست بالضرورة خطة صينية للهيمنة على البلدان الأخرى”، وشارك رئيس وزراء ماليزيا في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، خلال زيارة رسمية إلى الصين، ويعتقد إن ماليزيا ستستفيد من مبادرة الحزام والطريق…
ألغى رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد”، بعد انتخابه، ثلاث مشاريع إقتصادية ضخمة، كانت مُدْرَجَة في إطار مبادرة “الطريق والحزام”، بسبب ارتفاع تكلفتها، وعدم حاجة البلاد لها في الوقت الراهن، وهي مشروع خط سكك حديدية بقيمة عشرين مليار دولار، ومَشْرُوعَيْ طاقة بقيمة 2,3 مليار دولار…
بلغ عدد الدول المشاركة في مبادرة “الحزام والطريق” 125 دولة، بعد توقيع حكومة “جامايكا” يوم الخميس 11 نيسان/أبريل 2019، على مذكرة تفاهم بشأن “بناء الحزام الإقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين”، وبلغ عدد الإتفاقيات 118 اتفاقية بين الصين ودول أخرى، وبادرت الصين إلى إقامة المصرف الآسيوى للاستثمار في البنية التحتية، بمشاركة 92 دولة، وبرأسمال بدأ بخمسين مليار دولار، ويطمح أن يصل إلى مائة مليار دولار، وقد تم تنفيذ نحو 28 مشروعا باستثمارات تعادل قيمتُها 5,4 مليار دولار، وأنجزت الصين، في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مشاريع بقيمة سبعين مليار دولارا، ومن بينها حوالي أربعة آلاف خط سكة حديدية، بين الصين ودول آسيا وأوروبا، ومَمَر تجاري في باكستان، يضم ميناء “غوادار”، أما في أوروبا، فاستحوذت الصين على ميناء “بيرايوس” (اليونان) عند خصخصته، بأمر من صندوق النقد الدّولي، وانضَمّت إيطاليا مُؤخّرًا للمبادرة، مما أثار نقد دول الإتحاد الأوروبي، وتمكنت الصين من خلال هذه المشاريع من رفع قيمة التجارة البينية بين الصين وهذه الدول إلى خمسة تريليونات دولار…
استغلّت الصين موقع الوطن العربي، في ملتقى الطرقات البحرية الرابطة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر بحر العرب، والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، كما استغلت الثروات المادية (الطاقة) والسوق الواسعة، خصوصًا في دويلات الخليج، حيث الدّخل مُرْتَفِع، بهدف تحقيق فائض تجاري هام لصالح الصين في ميزان التبادل التجاري، ورغم صادرات النفط الخليجية إلى الصين، بلغت صادرات الصين نحو الدول العربية 130 مليار دولارا، من إجمالي حجم المبادلات التجارية الصينية العربية، البالغ مائتَيْ مليار دولار، سنة 2017 (آخر إحصائيات مُتوَفِّرَة)، وتُصدّر الصين سلعًا استهلاكية، معظمها غير ضروري، ورديء الصنع، لكنه رخيص الثمن، وينافس الإنتاج المحلي، مما يُعَبّر عنه ب”الإغراق”، وتُصدّر الصين نحو الوطن العربي “كوفيات” من ألوان مختلفة (بدل الأسود والأبيض أو الأحمر والأبيض) وغير متقنة التّقليد، ومع ذلك راجت هذه الخِرَق من القماش الرديء، في فلسطين المحتلة وفي أرجاء الوطن العربي، ناهيك عن الدول الأخرى… عن رويترز + شينخوا + موقع “إندبندنت” (بتصرف) 28 و 29/04/2019
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.