حال العرب خلال “الحقبة السعودية” الجيش الأمريكي في “بلاد الحَرَمَيْن”، الطاهر المعز
“الحقبة السعودية”، هي في واقع الأمر، حقبة الهيمنة الأمريكية الكاملة على الوطن العربي (وغيره)، وتزامنت مع هيمنة آل سعود على القرار العربي، وعلى الجامعة العربية (العِبْرِيّة؟)، ولكنها هيمنة شاملة، سياسية وعسكرية واقتصادية، عبر السيطرة على نفط العرب، وعبر حُكّام عُمَلاء، كَرّسُوا إيرادات النفط لتخريب الوطن العربي، خصُوصًا منذ العدوان الأمريكي والأوروبي على العراق، سنة 1991، بدعم من الأنظمة العربية، بزعامة السعودية ومصر، ويتزامن تاريخ هذا العدوان مع انهيار الإتحاد السوفييتي، وعربدَة الولايات المتحدة، بدون ضوابط، وبدون مُعارضة دَوْلِية…
سبق لوسائل إعلام أمريكية، منذ شَهْرَيْ آذار/مارس ونيسان/ابريل 2019، أن أشارت إلى بعض التّحوّلات في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، إذ أعلن “باراك أوباما” و”هيلاري كلينتون” إن الخطر الرئيسي يأتي من الصين ومن روسيا، وبالتالي وجب تحويل مركز ثقل الجيش الأمريكي نحو آسيا، ومحاصرة الصين، وشرق أوروبا (وآسيا الوُسْطى) لمحاصرة روسيا، مُباشرةً، وعبر حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وادّعى قسم من القيادات العسكرية الأمريكية إن هذه الإستراتيجية “أضعَفَتْ مواقع الولايات المتحدة العسكرية في الشرق الأوسط”، مع الإشارة إن الولايات المتحدة تُضايق وتُهدّد البلدان الواقعة على بُعد آلاف الأمْيال من أمريكا، ويتحرّش الجيش الأمريكي بهذه البلدان على حُدودِها، ثم تَدّعِي أن روسيا أو الصين أو إيران، تُشكّل تهديدًا للجيش الأمريكي !!! كما أشارت نفس التقارير الصحفية، منذ شهر نيسان/ابريل 2019، إلى وجود تقارير من قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي (في البَحْرَيْن)، يُطالب من خلالها “تعزيز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج”، اعتمادًا على تقارير المُخابرات العسكرية التي تَدّعِي “زيادة الخطر الإيراني على العسكريين الأمريكيين، على بُعْد سبعة ىلاف كيلومتر من الساحل الشرقي للولايات المتحدة…
أعلنت وسائل إعلام أمريكية، خلال الأسبوع الثالث من شهر تموز/يوليو 2019، أي قبل حوالي أسبوعَيْن من موسم الحج، وبعد مظاهر التّطبيع العلني لمَشْيخات الخليج مع الكيان الصهيوني، وبعد أيام قليلة من قمّة البحرين للتطبيع، تحت عنوان “صفقة القَرْن”، إرسال أكثر من خمسمائة من الجُنُود والضّبّاط الأمريكيين، إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية، قرب الرياض، عاصمة السعودية كفَوْجٍ أَوَّلٍ من قُوّة عسكرية أمريكية أَضْخَمَ، “لضمان حُرِّيّة الملاحة في الخليج، وللتصدّي لتهديدات إيران”، وتقع هذه القاعدة العسكرية الجوية على بعد قرابة 150 كم جنوب غربي الرياض، واستخدمتها القوات الأمريكية عَلَنًا، لقصف واحتلال العراق، سنة 2003، وأعلنت وزارة الحرب الأمريكية إنها أغلقتها، بعد استخدامها، سنة 2003، كقاعدة رئيسية للعمليات العدوانية الجوية، وبررت وزارة الحرب “إعادة استخدامها “للتصدّي لتهديدات إيران”، بحسب تصريح ناطق باسم القيادة العسكرية المركزية الأمريكية، من الرياض، وأعلن عن تنسيق عسكري بين قوات حلف شمال الأطلسي (والخليج بعيد جدّا عن أمريكا وعن المحيط الأطلسي ) وأعلنت بريطانيا، واليابان، إرسال سُفُنٍ عسكرية إلى الخليج، مما جعل وزير خارجية إيران يُعلّق “إن هذا الإزدحام سوف يكون سَبَبًا في ارتفاع عدد الحوادث البحرية”، كما سَبَقَ أن اعلن ناطق باسم البيت الأبيض، في حزيران/يونيو 2019، عن خطة إرسال أَلْف جُنْدِي إضافي إلى ما تُسمّيه أمريكا “الشرق الأوسط”، وعلل المتحدّث هذا القرار “بالوضع المتوتر مع إيران”، ونشرت محطات تلفزيونية أمريكية صورًا التقطتها الأقمار الاصطناعية مؤخرا، لنشاط غير اعتيادي، في قاعدة “الأمير سلطان” الجوية (قريبًا من مدينة “الرياض”، شرقي السعودية) ويتضمن هذا النشاط عمليات بناء وتوسيع، لاستقبال الجنود الأمريكيين وعتادهم، “لمكافحة المخاطر الصادرة عن إيران وحلفائها الإقليميين”، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” (19/07/2019)، التي نقلَتْ تأكيدات “مسؤولين أمريكيين” لما بَثّتْهُ شبكة “سي إن إن”، ولما نشَرَتْهُ الصّحُف والمواقع، عن إرسال مئات الجنود الأمريكيين إلى “بلاد الحَرَمَيْن”، ليس بهَدَفِ الحج، وإنما بهدف التحضير لعُدْوان جديد ضد “شعب مُسْلِم شقيق”، وأعلنت شبكة “سي إن إن” إن عددًا محدُودًا من العسكريين والفَنِّيِّين (العسكريين) كان موجودًا منذ مُدّة، من بينهم طواقم الهندسة العسكرية، يُنفذون الأعمال التّحضيرية لتثبيت نظام دفاع جوي من طراز “باتريوت”، وتوسيع وصيانة مدرج ومطار قاعدة الأمير سلطان الجوية، ومآوى خاصة بطائرات استطلاع مأهولة وغير مأهولة (طائرات آلية)، ومروحيات، ” بالإضافة إلى تعديلات لكي تتمكن طائرات مقاتلة، ومن بينها مقاتلات الجيل الخامس من طراز “إف 22” و مقاتلات أخرى من التحليق والهبوط في القاعدة، وفق مَسْؤُولَيْن من وزارة الحرب الأمريكية، لم تذكر أسماءَهُما، وأعلنت وزارة الحرب الأمريكية إن انتشار الجيش الأمريكي لن يقتصر على السّعودية، مما حَدَا بشبكة “سي إن إن إلى استنتاج إن “تعزيزات الجيش الأمريكي سوف تشمل السعودية وقَطَر والبَحْرَيْن والعراق”، وأعلنت الشبكة أيضًا إن التعزيزات وصلت منذ شهر حزيران/يونيو 2019، ولم تُعْلن السعودية ولا وسائل إعلامها العديدة في الخارج، عن هذه الأخبار، وكأنها غير مَعْنِيّة بالأمر، كما لم يتم إخْطار “الكونغرس” الأمريكي بشكل رسمي…
لم تقتصر هذه التّعزيزات على الجيش الأمريكي، كما أشرنا سابقًا، بل شملت أقرب حُلفاء الإمبريالية الأمريكية، وأرسلت البحرية البريطانية والبحرية اليابانية سُفُنًا حربية إلى الخليج…
أرسلت اليابان (التي تستضيف بعض أكبر القواعد الأمريكية في العالم)، “للمشاركة في تحالف تقوده واشنطن لضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز، وضمان إمدادات النفط”، بذريعة إن حوالي 80 % من السفن التي تحمل النفط إلى اليابان تمر عبر مضيق هرمز، وفق أنصار المشاركة في التدخل العسكري، من الحزب الحاكم، والحكومة التي يقودها رئيس الوزراء اليميني جدًّان “آبي”، رغم عدم الحَسْم، داخِلِيًّا، في مسألة الانضمام إلى التحالف الأمريكي في الخليج، ويمنع القانون الياباني إرسال قوات للمشاركة في صراع محتمل بالخارج، لكن رئيس الحكومة (وريث التّيّار الإستعماري، الفاشي، الذي وَرَّطَ اليابان في الحرب العالمية الثانية) يُريد تعزيز نفوذ اليابان في العالم من خلال الاعتماد على القوة العسكرية، مما يزيد دعم القوى الأكثر يمينية للحكومة وحزبها…
من جهتها، أعلنت حكومة روسيا، على لسان وزير الخارجية “سيرغي لافروف”، في تصريح يوم الإربعاء 17/07/2019، أن السياسة الإستفزازية الأمريكية ورَفْع حدّة التّوتّر في الخليج قد تؤدّي إلى كارثة في المنطقة، وتتحمّل الولايات المتحدة وحْدَها مسؤولية جرّ المنطقة نحو الإشتعال، لأن حكومة إيران تُؤَكِّدُ باستمرار رغبتها إرساء الاستقرار الإقليمي، عبر الحوار مع كل الدول العربية المُجاوِرَة… في روسيا أيضًا، كتبت صحيفة “سوفوبودنايا بريسا” (الصحافة الحرّة)، يوم 17 تموز/يوليو 2019، مقالاً حول مخاطر انتقال الحرب في حال اندلاعها في إيران إلى منطقة بحر قزوين، وبالتالي إلى روسيا، وإن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يلعب بالنّار من أجل الفوز بالانتخابات، حيث عَمد إلى حل المشاكل السياسية الداخلية، عبر التصعيد المَقْصُود للنزاعات الدولية، والتّهديد بالحرب، وتحاول الولايات المتحدة عرقلة برامج تطوير منطقة بحر قزوين، والقوقاز، التي تعتبرها روسيا مُهِمّة في العلاقات الأوروبية الآسيوية، أو ما يُسمّى “أوراسيا الكُبرى”، الرابطة بين الصين وأوروبا، عبر دول آسيا الوسطى وروسيا، ودول الإتحاد السّوفييتي السّابق، وتعتبر الولايات المتحدة إن هذا المشروع يمثل تحديا وجوديا لها ولحلف شمال الأطلسي، وترجَمَت ذلك بمحاصرة روسيا اقتصاديًّا وعسكريا، وتحريض أوروبا ضد روسيا…
في طهران، أشار وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، يوم 18 تموز/يوليو 2019 إلى المسافة الكبيرة التي تفْصِل الولايات المتحدة عن منطقة الخليج، وأعلن إن الولايات المتحدة هي مصدر الخَطَر الحقيقي على شُعوب الخليج…
مصادر الأخبار: “معهد ميديلبوري للدراسات الدولية” + شبكة “سي إن إن” + “وول ستريت جورنال” 18 و 19/07/2019 + (أخبار من مصادر أخرى، بين آذار/مارس و تموز/يوليو 2019)
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.