تونس- خبر وتعليق: وفاة الباجي قائد السبسي، الطاهر المعز

توفي يوم 25 تموز/يوليو 2019، رئيس الجمهورية التونسية، الباجي قائد السبسي، عن 93 سنة.

يعود أَصْلُ أُسْرته إلى جزيرة “سردينيا” الإيطالية، وجاء جدّه إلى تونس سنة 1814، بعد أن اختطفَهُ القراصنة، وتوارث الذّكور من أُسْرَتِهِ خدمة حُكّام البلاد، في بلاط “البايات” والعمل في جيش الدّولة الحُسَيْنِيّة (أصبح أحد أجداده وزيرًا للحرب)، الخاضعة للدولة العثمانية، حتى احتلال تونس سنة 1881، ثم الخاضعة للإستعمار الفرنسي، من 1881 حتى 1956، ووقع إعلان النظام الجمهوري في الخامس والعشرين من تموز/يوليو 1957، وصادَفَتْ ذكرى هذا اليوم، وفاة الباجي قائد السبسي…

أصبحت أسرة الرئيس المُتَوفِّي ثرية، إقطاعية، بفضل خدمة السّلطة، وعلاقات المُصاهرة معها، لذا فإن الأصل الطّبَقي للباجي قائد السبسي، هو إقطاعي، ارستقراطي، مَنَحَ “باياتُ” الدولةِ الحُسَيْنِيّةِ أسرتَهُ أراضِيَ زراعيةً خصبةً، وَوَرث الباجي قائد السبسي بعضًا من هذه الأراضي الثّمِينةَ في المناطق المُحيطة بالعاصمة، من الجنوب ومن الغرب، وبعضها مزروعة عنبًا، تَتَحوّل ثمارُها إلى نبيذ في معصَرَة الأُسْرة، ووُلِدَ ويَقْطَن ضاحية “سيدي أبو سعيد” شمال العاصمة، على البحر الأبيض المتوسط، والتي لا تزال أرستقراطية، ومُنتجعًا للأثرياء وللسائحين الأجانب…

واصل الباجي قائد السبسي، الذي دَرَسَ الحقوق في فرنسا وأصبح يمتلك ويُدير مكتبا للمحاماة، “التّقليد العائلي”، وموالاة الحُكْم القائم، من الولاء للأسرة المَلَكِيّة إلى الولاء لبورقيبة وحزبه (الدّستور)، وشغل مناصب هامة منها مهام القَمْع، من إدارة الأمن، إلى وزارة الدّاخلية، طيلة أربعة عشر سنة، وأظهر كفاءة عالية في قمع المُعارِضِين، قبل تولِّي ووزارة الخارجية، ومناصب أخرى عديدة، وتولى خلال فترة حُكْم الجنرال “زين العابدين بن علي” رئاسة مجلس النواب (غير المُنْتَخَب)، وإثرَ الإنتفاضة، وفرار الجنرال “بن علي”، تولّى “فؤاد المُبزّع” (رئيس مجلس النواب، غير المُنْتَخَبِين بصورة ديمقراطية) الرئاسة المؤقتة، وكلّف ابن خالته “الباجي قائد السبسي”، صاحب مكتب محاماة واستشارات للشركات الأجنبية التي تستثمر في تونس، برئاسة الحكومة، في انتظار إجراء الإنتخابات، لذا يمكن القول إن الصّدفة وعلاقات القرابة، جعلت من الباجي قائد السبسي رئيسًا، بعد الإطاحة برأس النظام الذي خَدَمَهُ الباجي، في نُسخته الأولى (بورقيبة) والثانية (بن علي)، وكان، في منصب الرئاسة، مسؤولاً بشكل مباشر، على إعادة تدوير العُملاء، عبر الحزب الذي أسَّسَهُ معهم (نداء تونس)، وعبر مجلس النواب، والحكومة، بدعم وبمشاركة من الإخوان المسلمين (النهضة)، وبدعم بعض اليسار، وبتمويل ودعم إماراتي (بهدف خلق توازن مع إخوان “النّهضة”، المدعومة تُركيًّا وقَطَريًّا) وعيّن ابنَه على رأس هذا الحزب، وصهرَه على رأس الحكومة…

أنتج التحالف بين الدساترة الجُدُد بقيادة الباجي قائد السبسي والإخوان المسلمين (النهضة)، ركودًا اقتصاديا، وارتفاعًا في نسب البطالة والفقر والدّيون الخارجية والعجز التجاري والمالي، وإغراق البلاد بالدّيون الخارجية، وزيادة التبعية تجاه الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وبَيْع ما تبقى من القطاع العام، وعاد رموز فترة “بن علي” إلى المشهد السياسي والإقتصادي…

تورطت حكومات ما بعد الإنتفاضة في دعم الفصائل الإرهابية ضد الدولة في سوريا، وتواصل الأمر من رئاسة “المنصف المرزوقي” (دُمْيَة الإخوان وقَطَر) إلى الباجي قائد السبسي (بدأ الباجي منذ تولى رئاسة الحكومة سنة 2011) وأصبحت جزيرة جربة السياحية قاعدة عسكرية، استخدمها الجيش والأمريكي ومخابراته، وكذلك جيوش الحلف الأطلسي، لقصف ليبيا، منذ 2011، كما أصبحت تونس قاعدة لتجميع عناصر المجموعات الإرهابية (بتمويل خليجي)، في انتظار عبور الحدود نحو ليبيا، ووَعَدَت مشيخات الخليج وبعض دول الإتحاد الأوروبي، بمنح حكومة تونس بعض المال، ولكن يبدو أن الوعد، لم يتجاوزْ حدود الوعد، ولم يتحوّلْ إلى عَمل، بل تأثرت البلاد سَلْبًا بالعُدْوان على ليبيا، فانخرط مئات، بل آلاف الشّبان في المنظمات الإرهابية في سوريا وفي ليبيا وفي العراق، ونَفّذ بعضهم عمليات إرهابية في تونس…

كان الباجي قائد السبسي “ناكرًا للجميل”، إذ نعت بعضَ رُمُوز اليسار، الذين دعموه، بذريعة دعم العلمانية ضد الظلامية، وأقاموا معه تحالفًا، سمّاه بعضُهُم “تقاطُعًا”، نَعتَ الباجي هؤلاء “بالفُسْق”، في إحدى مداخلاته التلفزيونية، سنة 2017، وسبق أن نعَت اليسار بتخريب البلاد، سنة 2011، عندما كان رئيسًا للحكومة…  

هذا ما استحضَرَتْهُ ذاكِرَتِي بخصوص سياسة الرئيس التونسي المُتوفي “بعد عُمْرٍ مديدٍ”… 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.