في جبهة الأعداء، المُحافظون الجُدُد من خلال وثائقهم، الطاهر المعز
يتمتع مُجَمّع الصّناعات العسكرية الأمريكية بدعم قيادات الحزبَيْن اللذَيْن يتداولان الحُكم في الولايات المتحدة، لكن الإرتباطَ عُضْويٌّ بين المُجمّع وتيار “المحافظين الجدد”، الذين يُعتبر الرُّؤساءُ “رونالد ريغن” و”بوش الإبن” و”دونالد ترامب” من رُموزِهم في منصب الرئاسة، وللمحافظين الجُدُد روابط إيديولوجية قوية بالصهيونية كعقيدة، وروابط سياسية بالحركة الصهيونية والكيان الصهيوني، في مجالات السياسة الخارجية، والحرب، ومشاريع الهيمنة، والرؤية والبرامج الإستراتيجية، مما يُفسِّر اندماج المصالح بين الطرفَيْن ضد الوطن العربي، وضد إيران، ومما يُفسّر الدّعم العسكري غير المحدود الذي يتلقاه الكيان الصهيوني والدعم السياسي (في الأمم المتحدة وفي السياسة الخارجية الأمريكية) والدعم المالي ب3,8 مليارات دولارا سنويا من الحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى التبرعات السنوية التي يفوق معدّلها ثلاثة مليارات دولارا سنويا، والتي تجمعها المنظمات الداعمة للكيان الصهيوني، فيما تصادر الولايات المتحدة على الحسابات التي تتهم أصحابها (بدون حُجَج) بدعم “حماس” أو حزب الله” أو غيرهما من المنظمات التي تعتبرها الولايات المتحدة (حقًّا أو باطلا) “مُعادية” للكيان الصهيوني، وينطلق “المحافظون الجُدُد” من نظرية استعمارية كلاسيكية، تتمثل في “واجب الدُّول المتحضّرة نَشر الحضارة في المناطق المتخلفة، غير المتحضرة” (وفق عبارة رئيس المجلس (الحكومة) الفرنسي “جول فيري”، سنة 1881، أمام مجلس النواب، لتبرير قرار احتلال تونس)، وحولها المحافظون الجدد، بعد قَرْن من الزّمن، إلى “من حق، بل من واجب، ومن مسؤولية الولايات المتحدة، استخدام القُوّة العسكرية والاقتصادية لإعادة تشكيل العالم بما يخدم القِيَم ومصالح الأمريكية…”، ويرى المُحافظون الجُدُد “القِيم الأمريكية” مُتجسّمَةً في الكيان الصهيوني، ولذلك يحظى بدعمهم غير المحدود لتحقيق الأهداف الأمريكية في الهيمنة على منطقة تتجاوز “من النِّيل إلى الفُرات”، وتمتد من أفغانستان إلى موريتانيا، أو ما يُسميه “المُحافظون الجدد”، وقبلهم الزعيم الصهيوني المُجرم شمعون بيريس “الشرق الأوسط الجديد” (أو الكبير، وفق بعضهم )، وتقف وراء المُحافظين الجدد أكبر شركات صناعة الأسلحة الأمريكية (مثل شركة “بوينغ”)، التي تدْفَعُ الحكومة والنّواب نحو مزيد من الإنفاق العسكري، وشن الحُروب (وجميع الحُرُوب الأمريكية، بدون أي استثناء في تاريخها، عُدْوانية) ويمثل عدد من أعضاء مجلس النواب، وبعض الوزراء، المصالح المُباشرة لهذه الشركات (ديك تشيني ودونالد رامفسيلد وبول وولفوفيتش وجون بولتون…)، وخصوصا وُزاء الحرب والخارجية، وممثلو أمريكا في الأمم المتحدة، ومُستشارو الأمن القومي، والرؤساء، ومُديرو مؤسسات المخابرات، و”خبراء” مراكز الدراسات والبحث، ورؤساء وأعضاء لجان المجالس النيابية…
أنتج المُحافظون الجدد بالتعاون مع المراكز الصهيونية عددًا من الوثائق التي تُساعدنا على فهم خطورة مخططاتهم ضدّنا كعرب، وكشعوب مُضْطَهَدَة، وتعتبرنا هذه الوثائق أعداء (وهذا صحيح)، ووجب القضاء علينا بقوة السلاح، واحتلال أراضينا، في العراق وسوريا ولبنان، من قِبَل العدو الصهيوني، بالتعاون مع الولايات المتحدة (1)، وتدعو هذه الوثائق إلى “إعادة العراق وسوريا (وربما مصر) عقودا أو قُرونا إلى الوراء”، وهو ما أكّده قادة أمريكا بشأن العراق، وما يحصل حاليا في قطاع غزة المحتل، وفي سوريا وليبيا، واستخدام القوة العسكرية (الأمريكية، والصهيونية أيضًا، عند الضّرورة) لزعزعة استقرار هذه البلدان وتغيير أنظِمتها (2)، وتستخدم العديد من المنظمات الصهيونية ومنظمات تيار المحافظين الجدد مجموعات من الدراسات والبُحُوث الأكاديمية، للحث على زيادة قيمة ميزانية وزارة الحرب الأمريكية، وتبرير هذه الزيادات المُسْتمرّة بذريعة “ضرورة اكتساب القُدرة على شنّ عدة حروب في عدد من مناطق العالم، وبصورة متزامنة، للحفاظ على التفوق العسكري والإستراتيجي”…
تندرج “الحرب التجارية” التي أعلنها “دونالد ترامب”، ضد الصين، والدول الأخرى، ويندرج حصار الصين، الذي بدأه الرئيس “باراك أوباما”، ويواصله خَلَفُهُ “دونالد ترامب”، وضد روسيا، والتحرش ضد إيران، وغيرها، ضمن عقيدة “ضرورة المحافظة على التّفوق الأمريكي”، التي لخّصَتْها وثيقة بعنوان “مخطط للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة العالمي” (3) وتدعو هذه الوثيقة إلى الضغط على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتشكيل “نظام دولي جديد”، يخدم المصالح الأمريكي، ولإصدار عقوبات استباقية (وقائية) لردع أي منافس محتمل للولايات المتحدة، التي تُروج الإشاعات ضد المنافسين، بالتوازي مع محاولة حصار وخنق اقتصاد أي دولة تطمح لتكون منافسًا جدّيًّا للولايات المتحدة، وتُبرِّرُ مجمل هذه الوثائق شن الحُروب العدوانية على الدول الأخرى (وليس الدفاع عن الأراضي الأمريكية)، وتعتبره “حقًّا مَشْرُوعًا”، لكنه حق حَصْرِي تتمتع به الولايات المتحدة، أكبر قوة عسكرية في العالم، خاصة بعد أحداث أيلول 2001، التي استغلّها المحافظون الجدد (بدعم من العديد من نواب وزعماء الحزب الديمقراطي) ومُجمّع الصناعات العسكرية لزيادة ميزانية الحرب بقيمة 435 مليار دولارا، بين 2001 و 2011 (من 287 مليار إلى 722 مليار دولارا)، ولئن كانت ذريعة “محاربة الإرهاب” قديمة، فإن المحافظين الجُدُد أعادوا صياغة الدّعاية السياسية والإيديولوجيا اليمينة الأمريكية، لتتجاوز “الحرب على الإرهاب” المجموعات والأفراد، إلى الدّول والحكومات، بدعوى “دَعْم الإرهاب”، ووردت في وثائق “مشروع القرن الأمريكي الجديد”، منذ 2002، دعوة إلى وتحريض على الحرب ضد ما “أبعد من تنظيم القاعدة”، و “اجتثاث الإرهاب من أساسه”، عبر شن الحرب ضد “إيران وسوريا والعراق” (وأُضيفت سلطة أوسلو ولبنان وحزب الله، في وثائق أخرى حديثة)، بالتوازي مع إغراق الإعلام بأخبار زائفة وتحليلات ودراسات تصب جميعها في اتجاه “ضرورة” الحرب واستخدام القوة، وعَسْكَرَة السياسة الخارجية الأمريكية (والأوروبية) والتّخلِّي تدريجيًّا عن الوسائل الدبلوماسية، لحل الخلافات (بما في ذلك الخلافات التجارية) بين الدّول، وروجت الولايات المتحدة (قبل عدوان 1991) ثم قبل احتلال العراق سنة 2003، وثائق مُزيّفة عن شراء حكومة العراق اليورانيوم من حكومة النيجر، مع العلم أن فرنسا تستغل اليورانيوم في هذا البلد، ونظمت المخابرات العسكرية الفرنسية انقلابًا ضد رئيس حاول التفاوض مع شركة صينية لاستغلال اليورانيوم…
سيطر المحافظون الجدد ومُجَمّع الصّناعات العسكرية، على مَفاصل الإدارة الأمريكية، خلال فترة حُكْم “دونالد ترامب”، ومن بينهم “جون بولتون” و”مايك بومبيو”، و”ستيف بانون”، وكان هذا الأخير مستشارًا في البيت الأبيض، قبل أن يستقيل ويفتتح مكتب استشارات في بروكسل، بهدف تصميم دعاية اليمين المتطرف في أوروبا، ودعمه للإستيلاء على السلطة، والتنسيق مع الكيان الصهيوني، في شؤون الحرب والسياسة الخارجية في حوض البحر الأبيض المتوسط، أي ضد البلدان والشعوب العربية (الضفة الجنوبية للمتوسط)… لذا نحن مُستهدفون وموجودون في الصف الأمامي، في مُواجهة الإمبريالية الأمريكية، ولا خيار لنا سوى المُقاوَمة، غير إننا ابتُلينا بعدو داخلي، لا يكتفي بتنفيذ مخططات الإمبريالية (تخريب البلدان العربية)، بل يُسَدّدُ تكلفتها من مال النفط العربي، ويُشارك في تصفية القضية الفلسطينية، عبر “صفقة القرن”، لذا فالعدو مُتعدّد الوُجُوه، وثُلاثِيُّ الأضلاع: الإمبريالية والصهيونية والأنظمة العربية…
مصادر المعلومات:
(1) وثيقة نشرتها مؤسسة الدراسات السياسية والإستراتيجية المتقدمة – وثيقة مُشتركة بين المحافظين الجدد وحزب ليكود الصهيوني 1997
(2) بحث نشره “مشروع القرن الأمريكي الجديد”، سنة 1999، بعنوان “إعادة بناء دفاعات أمريكا: الإستراتيجيات والقوات والموارد لقرن جديد”
(3) دونالد كاغان (كاتب) و”غاري شميت” (مستشار سابق في وزارة الحرب الأمريكية) و”جيزل دونلي” (مدير سابق لمجموعة صناعة الأسلحة “لوكهيد- مارتن”)، وثيقة بعنوان: “مخطط للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة العالمي”
عن موقع “إنفستيغ أكسيون” (بلجيكا) + “مشروع القرن الأمريكي الجديد” + “مؤسسة الدراسات السياسية والإستراتيجية المتقدمة” (مركز أمريكي صهيوني)
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.