قراءة لإجتماع رام الله في ضوء مواجهات القدس وغلاف غزة، محمد العبد الله *

   ليس جديداً أن تشهد غرف مبنى المقاطعة لقاءات واجتماعات بين قيادة السلطة، وأحزاب وشخصيات وهيئات ، يهودية / صهيونية، قادمة من داخل الجزء المحتل من وطننا عام 1948. فقد تابع شعبنا بالصوت والصورة غالبية تلك اللقاءات، وتأكد لديه بكل مرة من خلال ماسمعه وشاهده، أن قيادة السلطة مستمرة في تقديم التنازلات للعدو المحتل، تحت دعاوي ” السلام ” مما يزيد من تغول حكومات العدو في تنفيذ مخططاتها القائمة على المزيد من مصادرة الأراضي والاعتقالات وعمليات القتل وهدم البيوت واستباحة ممتلكات المواطنين أصحاب الأرض الأصليين.

  لقاءات تُعمق حفرة التنازلات

 في الاجتماع السري الأخير (الإثنين 12 / 8 / 2019 )الذي أعلنت عنه القناة 13 العبرية و حضره رئيس السلطة وممثلون عن “حزب المعسكر الديمقراطي” الذي تشكل على أعتاب انتخابات الكنيست التي ستجري في الشهر القادم، بتحالف حزب ” اسرائيل ديمقراطية “بقيادة المجرم إيهود باراك، وحزب “ميرتس”. وعلى الرغم من الاعتذار الذي قدمه ” باراك ” لشعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948 على تحمله نتائج المجزرة التي ارتكبتها قوات الشرطة والجيش بحق المتظاهرين، عندما كان رئيس حكومة العدو عام 2000، الذين سقط منهم 13 شهيداً وعشرات الجرحى أثناء ” هبة شهر أكتوبر 2000 ” في حراك شعبي عارم دعماً وإسناداً لأبناء شعبهم في انتفاضته المجيدة . يعتبر “باراك ” أحد أبرز قادة جيش العدو الفاشيين، الذين لن أتوقف عند دوره السياسي، بمقدار مايجب الإشارة إليه لدوره القيادي في تنفيذ العملية الإجرامية المشتركة التي نفذها الموساد بتنسيق كامل مع الجيش في بيروت تاريخ 10 / 4 / 1973 و أدت لاستشهاد القادة الفلسطينيين “كمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر” وعشرات المقاتلين الذين اشتبكوا مع الوحدات المتسللة للمدينة من البحر. استشهد ” كمال ناصر” بعد أن نفذ قائد العملية المقدم “باراك” الذي تنكر بملابس نسائية عملية قتله بطلقات مسدسه بفمه ووجهه ومن ثم صلبه . وإذا كان المشهد داخل مبنى المقاطعة قد غاب عنه “باراك” فإنه قد اكتمل بوجه نسائي” نوعمان روتمان “حفيدة أحد قادة الإجرام العسكري والسياسي الصهيوني “اسحاق رابين” التي غمرها رئيس السلطة بدفء وحميمية أعادت للذاكرة قسوة المذابح وتكسير عظام أطفال الانتفاضة التي قمعها بوحشية ” الجد … رابين “.

   جاء هذا الاجتماع بعد أسابيع قليلة على هدم عشرات الشقق السكنية في وادي الحمص في حي صور باهر بالقدس المحتلة في واحدة من أحدث عمليات الاقتلاع البشري، وهو ما أشار إليه “خليل تفكجي” الخبير في الاستيطان ومدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة في حوار مع وكالة فلسطين اليوم الإخبارية  (المعركة في الضفة المحتلة والمدن المحتلة عام 1948 الآن هي “معركة الديمغرافيا”، مشيراً إلى أنَّ ما حصل في وادي الحمص جزء من تلك السياسية التي وضعت عام 1973 ضمن مخرجات “لجنة جفيني” التي دعت إلى مواجهة الديمغرافيا الفلسطينية في مقابل جلب “الإسرائيليين” إلى تلك المناطق، واقامة مشروع القدس الكبرى التي تعادل حوالي 10% من مساحة الضفة المحتلة).

    الشعب متمسك بالمقاومة

   كما أن اللافت في توقيت اللقاء، إنعقاده بعد أيام على المجزرة التي ارتكبها جيش العدو في باحات المسجد الأقصى في أول أيام عيد الأضحى المبارك، بحق المصلين، في استخفاف عنصري وفاشي بهذه المناسبة وبعشرات الآلاف ممن يؤدون صلاة العيد الذين تجاوز عددهم المائة ألف، والذين توحدوا كتفاً بكتف في مواجهة عصابات المستعمرين التي أرادت استباحة المسجد للاحتفال بطقوس “دينية” استفزازية في هذا اليوم المبارك. وقد أعاد المقدسيون ومعهم الآلاف من أبناء المناطق الفلسطينية الذين قدموا للصلاة في المسجد، مواقف التحدي والبطولة التي واجههوا فيها “تموز/يوليو”2017 البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة،واستطاعوا بوحدة الموقف الشعبي: الوطني والسياسي، والدماء التي نزفت في المواجهات مع قوات الأمن والجيش للعدو المحتل من رفع البوابات والكاميرات. لهذا فإن دروس الانتصار التي تحققت عند بوابة الأسباط: صلابة الموقف ووحدة الأداة الشعبية في المواجهة، المُلتزمة بهدف محدد لاتنازل عنه، ولامساومات تجري حوله: سحب البوابات ورفع الكاميرات. هذه الدروس كانت حاضرة في الموقف الذي حصل في المعارك اللاحقة: هبة باب الرحمة بفتح المصلى في 22/2/2019 ، وفي مواجهات صلاة عيد الأضحى قبل أيام.

   أجواء الحميمية الذي سادت اللقاء، خاصة، عناق محمود عباس وعناقه لحفيدة المجرم ” رابين”، إنعكس اشمئزازاً وغضباً لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني . لكن ما أحدثته العملية الفدائية في “غوش عتصيون” التي أدت لمقتل أحد جنود العدو، و مايشهده الحد الفاصل المصطنع شرق قطاع غزة من مواجهات مسلحة جريئة هي الدفء الحقيقي والحميمي والأزلي الذي يربط الشعب بأرضه وقضيته، إنها باختصار ، تباشير النهوض الجماعي القادم. في هذا السياق تبرز عملية الشهيد ” هاني أبو صلاح ” كإشارة البدء بعمليات فدائية  تبدو “مبادرات فردية” لكنها تنطلق من خطة عمل مدروسة ومنهجية في تطوير المواجهات “معارك بين الحروب” ، تتراوح مابين المسيرات الشعبية والبالونات الحرارية والعمليات “الفردية “، لتصيب العدو المحتل في إرباك شديد يجد تعبيراته في تصريحات وزير الخارجية في حكومة العدو “يسرائيل كاتس” عن “ضبط النفس في إطار محدودية الرد” بما يعني العجز عن  تدمير القطاع بمقاومته وشعبه ، نظراً ل”توازن الردع” كما ظهر في مواجهات الأشهر الأخيرة. وهذا ما يتأكد في كلامه “الآن، سياساتنا واضحة، نشدّد على الهدوء ونردّ على كل نشاط ” .

  تنامي العمليات الفردية

 في ظل هذا المشهد الكفاحي المتتالي، الذي يُراكم الخبرة ويُفجّر الغضب الفلسطيني . نقلت الأنباء من القدس المحتلة قبل ساعات، خبراً عن عملية فدائية جديدة نفذها الفتى الشهيد ” نسيم أبو رومي ” و الفتى الشهيد “حمودة الشيخ” ، بعد طعن أحد ضباط العدو في القدس القديمة بالقرب من باب السلسلة . هذا الفعل المقاوم والمتكرر يرى فيه الخبراء والمحللون العسكريون بدايات هبة شعبية واسعة، رغم حملات القمع والملاحقة والاعتقال والتصفيات/الإعدام التي يساعد على تحقيقها التنسيق الأمني بين السلطة والعدو المحتل. وفي تعليق على عملية ” غوش عتصيون” ، ذكر الموقع الإلكتروني للقناة التلفزيونية (12) “الإسرائيلية”، (أن مخاوف الأجهزة الأمنية تتمثل في تنفيذ عمليات أخرى، وأن تضرب موجة جديدة من العمليات مستلهمة من العملية الأخيرة)،وهذا ماتحقق قبل ساعات. وهذا مايؤكده أيضاً ” ألون بن دافيد” المحلل العسكري للقناة (13)، الذي رأى(أن الحافزية لتنفيذ عمليات متوفرة دائماً، بعضها من مجموعات تتبع التنظيمات، وبعضها على مستوى أفراد)، مشيراً (إلى أن الواقع في الضفة والاحتكاك بين ملايين الفلسطينيين ومئات ألوف المستوطنين يوفر فرصاً كثيرة لتنفيذ هذه العمليات).

  خاتمة

   في ظل المواجهات الشعبية الواسعة مع قوات الغزاة المحتلين في الضفة والقدس المحتلتين وغزة، وتتالي العمليات الفردية البطولية، انعقد اللقاء التطبيعي في مبنى المقاطعة كما وصفه التصريح الصحفي الصادر عن المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي لم يتوقف عند حدود الإدانة والشجب، بل ، وصف ماحصل بأنه استكمال لمسار” الاستمرار في إشاعة الأوهام وتقديم التنازلات المجانية والسير في نهجها التدميري الذي يلحق أشد الضرر بشعبنا وثوابته، ويُشكّل طعنة لتضحيات شهدائه وأسراه”.كما أكد التصريح / الموقف على أن هذا اللقاء يأتي ليؤكد على “أن استمرار النهج التقليدي المدمر على فتح مقر المقاطعة برام الله للقاءات الصهاينة يضرب مصداقية التوجهات التي أعلنها الرئيس محمود عباس حول وقف التعامل مع الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني كما تكشف زيف المواقف الرسمية المعلنة بكونها ليست سوى فقاعات في الهواء لم يرها شعبنا حقيقةً مترجمة على الأرض”.

أمام حالة “استهتار القيادة المتنفذة واستخفافها بالموقف الشعبي الرافض للقاءات التطبيعية مع الصهاينة المجرمين الذين يواصلون ارتكاب الجرائم اليومية بحق شعبنا وأمتنا” كما تقول الجبهة الشعبية ، أما آن الأوان للإعلان – الذي تتوفر ظروفه الموضوعية منذ سنوات – عن موقف سياسي وكفاحي تلتقي على برنامجه قوى المقاومة المسلحة والشعبية المدنية من أجل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الموحد على إدامة الاشتباك مع المحتل وحماية الوحدة الوطنية بين جماهير الشعب وقطع الطريق على كل محاولات إشاعة الأوهام وكي الوعي الثوري الفلسطيني.

 * كاتب فلسطيني

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.