في المثلية الجنسية واستعمار استيطاني اقتلاعي، عادل سمارة

سألني صديق لماذا لم أكتب عن قيام شرطة الحكم الذاتي في نابلس  بمنع مؤتمر لجماعة تحمل تسمية “هوامش” أو “قوس” بزعم ان ذلك حرية شخصية.

نعم لم اكتب عن جماعة قوس ربما لكثرة مشاغلي ولا أفضل الكتابة في أمور لم اتابعها كما يجب فالكلمة مسؤولية وتعهد.

أذكر في عام 2003 قبل ايام من العدوان الأمريكي واحتلال العراق كنت في مؤتمر في فانكوفر في كندا عن حق العودة. في إحدى الأمسيات كنت اجلس على طاولة في مقهى وبجانبي مجموعة من شباب وشابات على طاولة مجاورة وكان حديثهم في هذا الأمر ومن بينهم شاب اسمه مغير الهندي إبن سامي الهندي أحد قدماء حركة القوميين العرب وأمه الصديقة نهيل عويضة وهي كذلك من نفس الحركة حينها.  

استدار مغير وسألني ما رأيك في ما نناقش؟ قلت عن ماذا؟ قال مش معقول مش سامعنا! قلت له باختصار أنتم تناقشون لغة الجسم وانا أؤمن بلغة الجسد. الجسم حضور مادي والجسد حضور ثقافي، اي أعلى من الجسم كملكية مادية وقابل للاستخدام بالمعنى الفيزيائي وطبعاً اللذي جنسياً، ومع ذلك الجسم ملكية شخصية وليس ملكية خاصة بمعنى أن الملكية الخاصة يمكن إلغائها لصالح الملكية العامة كالأرض والأبنية والمصنع…الخ أما الشخصية فهي أقرب إلى تكوين المرء البيولوجي.

ولأنه، أي الجسم ملكية شخصية، فمن الخطأ مطالبة الآخرين بالقبول بتعميمه وجعله من الأمور التي يلتزم بها الجمهور. وليس من حقها إيذاء الجمهور. مثلا كأن تقول امرأة جميلة للمارة في الشارع: اكتبوا لي موافقتكم على أنني الأجمل. أو رياضي ليقول أقروا بأنني البطل.

هذا الأمر كونه شخصي يجب أن يبقى بين المرء وذاته، لا أن يُطالَب الجمهور  بإعطائه لا راي ولا تقدير ولا هجوما فيه او عليه.

لذا، من لديه هذه الرغبة فليحتفظ بها لنفسه ولمن يتعاطى معه ذلك ولا داع لعلنيتها لأنها ظاهرة موجودة تاريخيا بين البشر وبين البشر والاستبدال حتى بالحيوانات. أي أن إشهارها ليس من الضرورة بمكان. وحين لا يتم إشهارها، يُعفى المجتمع من مهمة ليس من واجبه الانشغال بها حتى لو لم يكن مجتمعا تحت استعمار استيطاني اقتلاعي. ولا يخفى عليك اننا مجتمع بلا وطن ، بل في الهواء، وبلا اقتصاد بل تحت الرحمة الريعية، وبلا ديمقراطية حتى مشوهة حيث لا مجلس نيابي…الخ مع انني اساسا ضد انتخابات تحت احتلال.

قرأت في مجلة مونثلي ريفيو  Monthly Review  ان صحفيا إيطاليا زار كاسترو ، كما أعتقد قبل 30 سنة. استضافه كاسترو في بيته وطبخ له بيده معكرونة. كان أول سؤال وجهه لكاسترو: لماذا أنت ضد المثليين. أجابه كاسترو: وهل هذا أهم ما أتيت لتسألني عنه؟

الحالات المثلية بتنوعاتها قديمة في المجتمعات، ولكنها دائما مخفية لأنها شخصية، فلماذا يجب إشغال الناس بها؟

وإذا كان إشهارها مؤذيا للقيم العامة فلماذا يتم إشهارها؟ اي هي موقف أقلية ضد اكثرية ساحقة.

ليس من حق أحد معاقبة هؤلاء، ولكن ليس من حقهم فرض نفسهم على المجتع ولعل بقاء هذه العلاقات محض سرية هو الأفضل في مطلق مجتمع . وفي هذا السياق يصبح واجب القانون تقنين هذه المسألة.

هناك جانب آخر، لا بد من ذكره. فالحديث عن هذه المسألة هو اساساً من تصنيع الغرب الراسمالي الذي استقرت سفينته ورست على الرفاه بعد أن امتص دماء البشرية بأجمعها. وفي مركز الاهتمام الغربي الراسمالي هذا هناك المكوِّن الصهيوني  الذي يركز على الأمور التي تقود إلى اشتباك او تحلل المجتمعات العالمثالثية وهذا يخدم راس المال ويحول نضال المجتمع من طبقي إلى فئوي شللي كتلوي…الخ، وهذه خدمة هائلة للراسمالية المعولمة.

لذا تجد في مقدمة البرامج السياسية للأحزاب في الغرب يسارها ويمينها التركيز على حقوق المثليين وهذا كذلك في الكيان الصهيوني. وأحد أهدافهم من هذا التركيز ليس حقوق المثليين بل كسب اصوات في الانتخابات! لاحظ أية ديمقراطية هذه التي يتم استغلالها وتتسع لذلك.

إذا كان من حق هؤلاء التصرف كل بجسمه فلماذا يكون من واجب المجتمع منحه التقدير والاحتواء والترويج العلني له؟ لماذا يجب إشراك الناس في جسمه ؟

باختصار، لا أرى أن إثارة هذا الأمر في ظروفنا سوى تأثر بمؤسسات الأنجزة التي تعمل على ترويج الثقافة اللبرالية الغربية التي تخدم الراسمالية المعولمة وتخلدها.

أذكر قبل سنوات عدة أنني حضرت ورشة أنجزة نسوية في جمعية إنعاش الأسرة في مدينة البيرة والورشة من ترتيب وتمويل مؤسسة سويدية. شعارها المعلن الاعتناء النفسي بالأمهات والزوجات الفاقدات اي اللواتي فُقد اي استشهد معيلهن أو أعتقل وحُكم…الخ.

من حيث الشكل الورشة إنسانية. ومن حيث الجوهر الورشة ضد المقاومة. وهذا ما كتبته عنها في حينه.

فليحتفظ كل بجسمه ويستخدمه كما يشاء، ولنحتفظ نحن بقداسة الجسد.

ملاحظة 1:

يقول البعض بأنه ضد هذا على اساس ديني. أنا لا أدري إن كان في اي من الأديان السماوية ما يبيح او يمنع هذه الأمور. ولا أدري بشأن الأديان الأرضية، او عدم وجود أديان كما هي الكنفوشوسية. لذا، فإن اعتماد الدين بما هو جزء من الثقافة هو اعتماد خاطىء لأن هذا يفتح باب حُكم الشريعة وهو حكم لا علاقة له بالإيمان لأن الإيمان شخصي بين الفرد وربه. اي أن فصل الدين عن الدولة أمر لا بد منه.

ولأن في المجتمعات من هو متدين، ومن هو مؤمن، ومن هو علماني، ومن هو ملحد…الخ، فأعتقد أن اعتماد الدين في هذه المسألة ليس مقبولا مع حق المتدينين في رفض الظاهرة ولكن وجوب خضوعهم للقانون الذي يجب أن يمثل مصلحة الأكثرية الشعبية وليس بالطبع مصلحة سلطة طبقية حاكمة ومالكة فقط.

ملاحظة 2:

“… في خضم العدوان ضد سوريا تطوعت مجموعة من المثليين الفرنسيين ضد الدولة السورية. واشتكى أحدهم لأن ال ” ثوار” مارسوا معه اللواط على غير رغبته”.

أنظر كتاب عادل سمارة: “جهاد النكاح ذكوري لا ديني”، سنة النشر: 2014

إقرأ النص الكامل للكتاب على الرابط التالي:

https://kanaanonline.org/2018/01/07/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%84-%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a7%d8%ad-%d8%b0%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%84%d8%a7

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.