في ذكرى استشهاد القائد الثوري أبو علي مصطفى 1) لن ننسى ..، محمد العبد الله 2) مصطفى الزبري: إنه وداع وعهد، د. عادل سمارة
لن ننسى ..
في مثل هذا اليوم 27 / 8 / 2001 إغتالت قوات الغزو الصهيوني بصواريخ الطائرات بمدينة رام الله ،القائد الثوري ، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ” أبو علي مصطفى ” وهو في مكتبه… تناثر الجسد لكن المبادىء والأفكار التي استشهد من أجل تحقيقها ، باقية وتتجذر في تراب الوطن ، لتُزهر وتتفتح ، وعياً وبنادق .
محمد العبد الله
من أقوال الشهيد :
“أنا مقتنع قناعة تامة، ودون مزايدة على أحد أنّ الصراع بيننا وبين العدو الصهيوني هو صراع مصيري تناحري ولا يمكن إزالته إلاّ ذا امتلكنا قوة وطاقة الفعل الوطني على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقتالية،ولابد أن نفكر تفكيراً أشمل، فالاستراتيجية – كما نراها -لا تنبني على ركيزة واحدة، بل على مرتكزات سياسية برنامجية سليمة، ومرتكزات اقتصادية متينة قادرة على إدامة الصراع، ومرتكزات مجتمعية تنظيمية جيدة، وعلى مرتكزات امتلاك الحق في مقاومة الاحتلال. من قال أنّ هناك شعبا في العالم يقع تحت الاحتلال، ويريد أنّ يعالج قضيته بتطييب الخواطر؟ هذا لا يحدث أبداً”.
■ ■ ■
مصطفى الزبري: إنه وداع وعهد
د. عادل سمارة
مركز المشرق العامل للدراسات الثقافية والتنموية – رام الله- فلسطين المحتلة
30 اب / اغسطس 2001
يا… مصطفى علي الزبري! الآن، يمكنني الكلام، فأنت مِلكٌ للشهادة وحدها. لزمتني حفنة أيام حتى اتمثل المشهد المنقوع بالدم والبارود والعنصرية ورأس المال. المشهد لك، والمجد لك.
أنت مشروع شهادة تعرفته اولاً في نيسان 1964 عندما التقينا في بيتكم العتيق في عرابة والشهيد الحاج فايز جابر. كنت قد عدت من غزوة للجيتو، وكان الدم ينزف من قدميك. هذا النزف كان مؤشرا على اشواك المسار الذي صلبت عليه حتى لحظة ترجلت ورحلت. كنت مشروع شهادة بعدها بعام في سجن المحطة عندما هاجمتك الزائدة الدودية ولم يستدع لك السجان طبيبا من المساء الى الصباح. لا زال صوتك يناديني في العنبر المجاور، ولا زلت كاللحظة هذه لا استطيع ان اصنع شيئاً أترى كم هو قاس هذا الزمن!.
ذهبت بنا الايام مذاهب شتى، ومنذ ان حملتك الايام الى عمان في 17-12-1967 وحملتني الى معتقلات المستوطنة التي في وطني لم نلتق حتى عند عودتك عام 1999. وزرتنا في سجن السلطة الفلسطينية في أريحا احمد قطامش وعبد الستار قاسم وأنا. عاتبتني بالقول: “أهكذا لم نراك إلا في المعتقل! إبتسمت لأنني أحبك حقا وقلت ويدي تشير الى المخابرات الفلسطينية: “عندما يعتقلك الشباب سازورك هنا…فهنا لا يحول بيننا جدار أوسلو” ضحكت وضحك الجميع. ولم تمتد الزيارة طويلاً. فهي زيارة سجن. أما وهي الشهادة، فلن يقوم بيننا أي جدار.
كنت مشروع شهيد في ايلول وأحراش جرش، وحتى لحظة الاستشهاد. ورحلت… فماذا نصنع نحن، هل نتابع المشهد متلقين متفجعين، أم نتابع المشهد ونعيد صياغته ومن ثم إنتاجه؟. واختصارا، هل نتجاوز المشهد بالموقف؟
لكن الامر صعب ومر. فمن الذي يجرؤ على تقييم الموقف في لحظة الاستشهاد. من يجرؤ على إعمال العقل في حمأة الدم؟. دعنا نحاول، وأنت لم تعد مِلكاً إلا للشهادة.
يقول رواة فلسطينيون وعرب، انهم غدروا بك وخرقوا الاتفاقات!. وأنا اقول كما قالت العرب، لم يغدروا بك، “فالحرب خدعة وسجال”. فمن يُعوزه السجال تكن الخدعة. ولا عتب. اذا اعوزتك الخدعة فليكن السجال. فلنتجاوز التفجع، لنرتقي الى لحظة التقييم، ولنرفع اللغة والقول الى مقام الشهادة، ولنستثمر الشهادة في مشروع مصير الامة العربية، أمك الكبرى التي حرمتها كثير من اماكن التأبين ان تحتضنك فتفردت بك قلة اقليمية هنا وعصبوية هناك.
بين التفجع والتحليل يتبين الفارق بين الصمود وبين الحزن، بين التفجع الممرور، وبين قرار صنع المستقبل.
هو يا سيدي صراع مديد، في الزمان وفي الجغرافيا. وإذا كان هناك صراع في مكان في العالم يمثل حقا حقيقة النظام العالمي في حقبة العولمة، فهو الصراع العربي-الصهيوني الراسمالي. من هنا تشعر انت براحة افضل راحة ارقى. هذا صراع طويل لن ينتهي إلا بسقوط راس المال. انت تعرف ذلك الآن اكثر مما كنت فينا، لان للشهداء مرتبة الكشف، ولنا طاقة التحليل والتنبؤ. لن يلقي راس المال فكيه ولن يخلع مخالبه. وهكذا، لن تدخل المستوطنة الاشكنازية البيضاء باحة السلام. لا مكان لها هناك قط. في هذه المستوطنة فقط، وليس في أي مكان في الكون يكون الناس على يمين الحاكم! عندما يَقتل، يتسابقون على الولغ في دم الضحية.
اما نحن، فلن نفقد موقعنا الانساني، نضال مستمر من بغداد الى القدس الى الدار البيضاء. نحن أمة الأمم. لن ندخل بوابة أوسلو التي ارادها لنا النظام الراسمالي بقيادة الدولة الامريكية. دولة مشروعها إبادة أمم بأكملها. لم يحصل كهذا في التاريخ قط. وأحد مخالبها المستوطنة الاشكنازية في الوطن العربي.
مشروع حرب طويلة، حرب الشعب، لا حرب الجيوش، مشروع نهضة أمة بالحماية الشعبية لا بمساومات الحكام. مشروع يجب ان يهدم المشهد الراسمالي القائم من أجل مشهد امة اشتراكية موحدة، سيكون لليهود فيها مكانا، لا مقبرة. فنحن ورثة وصايا ابو بكر لقواته الفاتحة والعهدة العمرية وتعالي صلاح الدين على الحقد. نحن المشروع الاشتراكي المقبل في هذا العالم. أما الحركة الصهيونية فلن تعافى، كما لم تعافى الفاشية ولا النازية ولا راس المال.
لا ادري إن كنت مضيت مبكرا، او متأخراً، لكنك ذهبت. فهنيئا لمجتمع الشهداء بك، فلا بد لمجتمع الشهداء ان يتكامل، فتية شهداء في ميعة الصبا، وشهداء في عمق النضوج. لك الوداع، لك الخلود، وللوطن الكبير جولة أخرى.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.