القُرُوض الصّغيرة، استغلال فاحش للفَقْر والبُؤْس، الطاهر المعز

تقديم: أعلنت الأكاديمية السويدية، سنة 2006، منح جائزة “نوبل” للدكتور “محمد يونس”، من بنغلادش، مؤسّس مصرف “غرامن”، وعَلَّلت الأكاديمية السّوَيْدِيّة قرارها: “لأنه أثبت أن الفقر يمكن هزيمته وقهره، عبر مساعدة الفُقراء على إنجاز مشاريعهم، ومنحهم قُرُوضًا صغيرة”…

انطلق “محمد يونس” (وهو باحث ومُدَرّس جامعي) من كارثة المجاعة التي عرفها سُكان “بنغلادش”، خلال سَنَتَيْ 1974 و 1975، بعد حرب الإنفصال عن باكستان (1971)، وخلال زيارته لقرية قريبة من جامعة “شيتاكونغ” التي كان يُدَرِّسُ بها، استَنْتَجَ أن جميع النّساء الفَلاّحات اللاتي تُعانين الفقر، تبحثن عن قليل من المال لتمويل نشاط صغير، يُحسّن وضْعَهُنّ قليلاً، لكن النّظام المصرفي السّائد، في بنغلادش، وفي العالم، لا يُوافق على قُروض صغيرة جدًّا، بالإضافة إلى شروط مُجحفة لضمان استرداد القُروض والفوائض…

أدّى تفكير “محمد يونس” في هذا الموضوع إلى إنشاء “مصرف غرامن”، وقدّمه بِبَراعة فائقة في المُغالطة، وأَظْهَرَ قُدْرَةً استثنائية في الإعلام والإتصال، وصياغة وتَقْدِيم الإشهار الزائف، بشكل “إيجابي” وجَذّاب، وادّعى إن “مصرف الفُقراء” (غرامن بنك) سوف “يمْنَحُ” الفُقراء من المزارعين والحرفيين والعمال، ومن ذوي الدّخل الضّعيف، تمويلاً محدوداً لفتراتِ سدادٍ قصيرةٍ (بمعدّل 12 شهرًا)، بفوائد رمزيّة، أو ربما بدون فوائد، ويمكن لكل مُقترض الحُصُول على قَرْض جديد، كلما انتهت فترة السّداد، ليستطيع الفُقراء، بعد مُدة، قد لا تَطُول كثيرًا، الخُرُوج من دائرة الفقر، أي إن المهمة الرئيسية للسيد “محمد يونس” ومصرفه (غرامن بنك) هي “مُساعدة الفُقراء على تأسيس وتطوير المشاريع، ليحصلوا على دخل مُستقر، يُخْرِجُهُم من دائرة الفَقْر”، بل وجَمْع ثروة خاصة (رأس مال)، يُغني الفُقَراءَ عن اللجوء للإقتراض، وادّعى مؤسس “غرامن بنك” أنه يُريد إبعاد الفُقراء عن جَشَعِ المُرابِينَ، وعن نظرة الإحتقار التي يُواجَهُ الفُقراءُ بها في  المصارف التقليدية، التي ترفض إقراضَهم، بسبب عدم قدرة الفُقراء على توفير الضّمانات…

انطلق “مصرف غرامن” كمؤسسة مختصّة في تمويل المشاريع الصّغيرة، في بنغلادش، سنة 1976، ثم في شبه القارة الهندية، وأصبح مصرفًا مُستقلاًّ سنة 1983، وتوسع نشاطه في العالم، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية ومن البنك العالمي وعدد من المُؤسسات الرسمية، ووكالات التعاون الدّولي للدول الرأسمالية الإمبريالية، مما ساعده على اكتساب شُهْرَة، والحصول على جائزة نوبل للسلام، سنة 2006، وحَظِي بإشهار واسع جدًّا، واتفقت المؤسسات الرأسمالية الكُبْرى (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ووكالات التنمية الحُكومية) على اعتبار “غرامن بنك” مُؤسسة (تكاد تكون خَيْرِيّة) تُوَجِّهُ القُروض نحو التنمية الحقيقية ونحو إدماج الفقراء والمهمّشين…

بلغ عدد فُروع “غرامن بنك” أكثر من ثلاثمائة، في بنغلادش سنة 1987، وبلغ عدد زبائنة في بنغلادش نحو 250 ألف مُقترِض، من الفُقراء، خلال عقد واحد، وَوَرَدَ في تقرير المصرف سنة 1998، إن حجم القُروض بلغ مليارَيْ دولار، وبلغ عدد الزبائن نحو 2,5 مليون فقير، أو فقيرة (96% من زبائن المصرف نساء)، ولم تتجاوزْ نسبة التخلف عن السداد 2% من إجمالي المبالغ المُقْتَرَضَة، عَوّضَتْها بشكل عريض الفوائدُ التي جناها المصرف…

مؤسسات الإقراضمتناهي الصغر“، بين الدعاية الإشهارية، والواقع:

أوردت وسائل الإعلام في الهند، سنة 2010، انتحار مئات صغار المُزارعين الفُقراء، وجميعهم ممن اقترضوا مبالغ صغيرة من مؤسسات، مثل “غرامن بنك”، واكتشف هؤلاء المُزارعون الفُقراء، ومعظمهم أُمِّيُّونَ، إن فوائد هذه القُروض أعلى بكثير من قروض الإستهلاك، مما أدّى إلى تعثّرهم في سدادها وإلى تراكُم الديون، ولم يتحمّلوا الضغوط والإهانات التي استهدفتهم من قِبَل مؤسسات الإقراض، ولم تكن حوادث العجز عن التسديد والإنتحار جديدة، ولكن ارتفاع العدد خلال ثلاثة أو أربع سنوات، لفت الإنتباه، وأدّى إلى نَشْرِ الصحف الهندية، ثم بعض الصّحُف العالمية، بعضَ هذه الأخبار التي تتعلّقُ بالفُقراء المَنْسِيِّين من الإعلام، عادةً، وأدّى كل ذلك إلى التّساؤل عن حقيقة هذه المُؤَسّسات، التي كانت في نَظَرِ الجمهور بمثابة المؤسسات الخيرية، بما إنها “غير ربحية”، كما تَدّعِي…

تُعَرّفُ النَشَرات الإشهارية لمؤسّسات “الإقراض الصّغير ومُتَناهي الصّغَر” أو “مكْرُو كريدي” (أقل من ثلاثة آلاف دولار للقرض الواحد) إنها مؤسّسات غير ربحية، أو لا يحق لها إعادة توزيع الأرباح على المُساهمين، بل وجب إعادة ضخّها في رأس مال المُؤسّسة، وتتميز (عن المصارف التقليدية) بطابعها “الإنساني، ومساهمتها في النشاط الإقتصادي والتّنْمَوِي والإجتماعي والثقافي” في مناطق نشاطها، في الأرياف وفي الأحياء الفَقِيرة للمدُن، وبمساهمتها في تحسين ظروف عيش الفُقراء كأفراد، وكمجموعات، كما تميزت هذه المؤسسات باستهداف النساء الفقيرات، وبلغت نسبتهن أكثر من 70% من زبائن هذه المؤسسات المالية، في العالم، من صغار المُزارعين والعُمّال والحِرَفِيِّين الفُقراء، الذين يمتلك بعضهم مهارات، ولكنهم يفتقرون إلى مبالغ صغيرة من المال، تُمكّنُهُم من إطْلاق مشاريع، لا تجعلهم أثرياء، ولا حتّى “مَيْسُورِين”، وإنما قد تُمكّنُهم من البقاء على قيد الحياة…

يشمل التّمويل مشاريع الإنتاج الزراعي أو الحِرَفِي (نسيج، نجارة، صناعات تقليدية، صيانة تجهيزات…) أو مشاريع تقديم خَدَمات بمقابل، ويُقَدَّمُ التّمْوِيلُ لأشخاص محدودِي الدّخل، أو يعانون من البطالة أو الفَقْر، وترفُضُ المَصارف التقليدية إقْراضَهُم، بسبب غياب الضّمانات، أما الحكومات فتقَوّم هذه المشاريع من زاوية تأثيرها “الإيجابي” في الحدّ من البطالة والفَقْر المُدْقَع، وإدماج المستفيدين من هذه القُرُوض في الدّورة الإقتصادية الرسمية (رأسمالية الطابع والهوية) وشَطْبِهم من سجلاّت الفقر والبطالة، ومن ميزانية “المُساعدات”، وتستخدم كافة التقارير والبحوث، سواء كانت صادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، أو عن مؤسسات الإقْراض، بأن هذه القُروض تستهدف “التّخْفِيف من حدّة الفَقْر”، وليس القضاء على الفَقْر، ونادرًا ما تَذْكُر هذه المُؤسّسات الشُّرُوط المجحفة التي تفرضها على الفُقراء، والأموال التي تجنيها من الفوائد وخدمة الدُّيُون، في وقت قياسي…      

ويعتمد التمويل متناهي الصغر على الاتصال الشخصي والمباشر بين مؤسسات التمويل والزّبائن، بهدف تيْسِير الرقابة المُستمرّة، ومتابعة مراحل إنجاز المشاريع، وكيفية إنفاق المبالغ (الصغيرة) المُقْتَرَضَة، بذريعة خلق علاقات مُميّزة بين المصالح المُتناقضة بين الطرفين، أو بذريعة “النّصْح والإِرْشاد”، وهي نفس الطّرق التي ينتهجها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، للضّغط على المُقْتَرِضِين، ودَعَمَ البنك العالمي هذه المؤسسات (“مصارف الفُقراء”)، في الوطن العربي (على سبيل المثال) بهدف إدماج ما لا يقل عن 40% من المواطنين الرّاشدين، “المحرومين من الخدمات المصرفية”، لأنهم لا يمتلكون حسابًا مصرفيًّا، أما من لا يمتلكون بطاقات ائتمان، فنسبتُهم أعْلى بكثير، ولذلك يدعم الإتحاد الأوروبي (وهو تَكتُّل رأسمالي احتكاري) وكذلك دول رأسمالية متقدّمة، مثل سويسرا وكندا واليابان وبريطانيا ودنمارك وألمانيا، وغيرها، مُؤسسات التمويل مُتناهي الصّغر، العاملة في البلدان العربية، سواء بالمِنَح، أو القُرُوض المُيسّرة، أو بالدعم اللوجستي، كالإستشارات والتّدريب، من أجل إدماج الفُقراء في النظام المصرفي وفي الدّوْرة الإقتصادية الرأسمالية، ونَقْلِهم من حالة الكفاف إلى اسْتهلاك إنتاج الشركات الإحتكارية المُستوردة أو المصنوعة على عين المكان، عبر شركات تمثلها مَحَلِّيًّا…

موقع مؤسسات القروض الصغيرة في سياسات وبرامج صندوق النقد والبنك العالمي

نموذج المغرب ومصر وفلسطين:

نَشَرَ صندوق النقد الدولي (نيسان/ابريل 2019) تقريرًا مُطَوّلاً بعنوان “الشمول المالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة”، والتقرير يُقسّم العالم إلى عدة مناطق وسنكتفي بالإشارة إلى بعض ما وَرَدَ في الفصل الخاص بالمنطقة التي يُسمِّيها الصندوق “الشرق الأوسط وآسيا الوُسْطى”، ويُشيد الصندوق بالمؤسسات التي تُقدّم القروض الصغيرة، لأنها تُمكّن من “استدامة النمو، عبر تنويع قنوات التمويل، ومَنْحِ فرصة للمحرومين، لكي يندمجوا في القنوات والمُؤسّسات الرّسمية…”، وأورَد التقرير أن حوالي ثلاثة ملايين فقير حصلوا على قُرُوض متناهية الصّغر في مصر، معظمهم من العاملين في الإقتصاد المُوازي (متاجر صغيرة غير مُرخّصَة أو أكْشاك وبسطات، أو عَرَبات في الشوارع، أو يقومون بتصنيع بعض الأغراض والأطعمة أو الخياطة، في البُيُوت، ويدعو البنك العالمي، وصندوق النقد الدّولي إلى إدماج هؤلاء في القطاع الرّسْمي، واحتساب عَمَلِهِم ضمن “خلق فُرص عمل”، بهدف “خَفْضِ معدّلات البطالة”، كما ورَدَ في أحد تقارير “مؤسسة التمويل الدولية”، وهي إحدى المُؤسسات المالية المُختصة في دفع الحكومات لتمويل القطاع الخاص، وهي تابعة لمجموعة “البنك العالمي”، وورد في تقرير فرعها الخاص بمنطقة المغرب العربي “ضرورة صياغة الحكومة المغربية تشريعات تتيح لمؤسسات التمويل متناهي الصغر التحول من مؤسسات غير حكومية، وغير ربحية، إلى مؤسسات هادفة للربح، مع قُبُول ودائع الزبائن، وبذلك يرتفع رأسمالها، ويتَوَسّعُ نشاطها إلى العاملين، وحتى الشرائح الدُّنْيا من الفئات المتوسطة، وإتاحة عدد من الخدمات المالية الهامة إلى السكان الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية…”، وبالفعل بدأت بعض الحكومات، ومن بينها حكومات المغرب ومصر، تحث المصارف التّجارية على إنشاء شركات متخصصة في تمويل المشاريع متناهية الصغر “لتسهيل الإجراءات ولإتاحة قروض لمشروعات متناهي الصغر، تساهم في دعم الاقتصاد، وزيادة الإنتاج، وتطوير السوق المصرية”، بحسب القرار الوزاري رقم 1081، لسنة 2017)، وبيان وزارة التجارة والصناعة (16/07/2018)، وقدّر البنك العالمي عدد طالبي القُروض متناهية الصغر في مصر بثلاثة ملايين، بنهاية سنة 2017، وبدل انخفاض عددهم، كما تُوحي الدّعاية الرسمية، لأنهم سوف يُصبحون مُنْتِجِين مُستقلين، يتوقع البنك العالمي ارتفاع عددهم إلى أربعة ملايين، بنهاية سنة 2019، “بعد تَيْسِير إجراءات وُصُول المصارف إلى الزبائن، عبر شركات متخصصة، تقوم بتحصيل أقساط القُروض”، وقدر البنك العالمي نسبة النّساء بنحو 70% من الحاصلين على مثل هذه القُروض الصّغيرة…

صدر في المغرب، سنة 2016 عن جمعية “أطاك”، كتاب نقدِي عن تجربة القُروض متناهية الصغر في المغرب، بعنوان “نظام القروض الصغرى، فقراء يمولون أغنياء”، لتفنيد الخطاب الرسمي الذي يروج بأن “تمويل مشاريع صغيرة مُدِرّة للدّخل” يساهم في تقليص الفقر، ويخلق وظائف للفُقراء، وهي دراسة ميدانية، جماعية، لدى “ضحايا القروض الصغرى”، واستخلص فريق البحث، إن القُروض الصغيرة “أداة لتكريس التفاوت الطبقي، وأداة ثراء لرأس المال”، بفوائد بلغ متوسطها 21%، وأورد الكتاب إن الأرباح المتراكمة للمؤسسات المُقْرِضة، لحوالي 4,5 ملايين شخص من الفُقراء، تفوق نسبة 30%، وهي مَبْدَئِيًّا مُخالفة لقوانين البلاد، لكن المصرف المركزي لم يتدخّل في الأمر، وأعلنت الجمعية إن 57% من المُقترضين أمّيون، وأكثر من 34% عاطلون وبدون مؤهلات، ولم يحصلوا على أي تدريب مهني أو في مجال التّصرّف والإدارة…

بعض الأهداف الحقيقية للقُروضمتناهية الصّغر“:

أدّى تطبيق معدّلات فائدة مُرتفعة على القُروض الصغيرة، في المغرب، إلى عجز عدد هام من المُقْتَرِضِين، وساعدت جمعيات المستهلكين وجمعيات حقوق الإنسان، على ظهور حركة منظمة تجمع ضحايا القروض الصغرى، بداية من سنة 2011، خصوصًا في جنوب شرقي المغرب، حيث تعرض بعض العاجزين عن السداد إلى المحاكمات، قبل إطلاق مسيرة تضامن مع ضحايا القروض الصغرى، ضحايا مصارف تدّعِي إنها “منظمات غير ربحية”…

يسْعى البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي إلى إدماج الفُقراء في المنظومة المصرفية، لأن الفُقراء لا يمتلكون الكثير من المال، لكن عددهم ضخم، ولذلك وجب تشجيعهم، أو إجبارهم (عندما يعملون) على فتح حسابات مصرفية، وإيداع أموالهم في المصارف، مما يزيد من السّيُولة النقدية، ومن قُدْرَة المصارف على إقراض الشركات المتوسّطة، والمُستثمرين، وتندرج هذه الخطة ضمن ما تُسميه المُؤسستان (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) والأمم المتحدة، “برنامج الشُّمُول المالي”، لتحقيق الإستقرار المالي، وإقراض الشركات الصغيرة ومتوسّطة الحَجْم، وهي تُشكل أغلبية الشركات في الوطن العربي، وفي مناطق أخرى في آسيا وفي إفريقيا وغيرها، وتحتاج إلى تمويل مشاريعها، التي تساهم في النّمو الإقتصادي، أي في الناتج المحلي الإجمالي (وقد لا تُساهم كثيرًا في تنمية المناطق الفقيرة)…

يشتكي زبائن هذه القُروض متناهية الصِّغَر، من أسعار الفوائد على هذه القُروض الصغيرة، والتي تَفُوقُ فوائدَ قُروض المصارف التجارية، وفي الضفة الغربية المحتلة، على سبيل المثال، بلغ متوسط سعر الفائدة في المصارف التجارية حوالي 6% خلال سنة 2018، بينما تراوح بين 18% و 24% لدى مؤسسات القُروض متناهية الصّغر، وعلى سبيل المقارنة، فقد بلغ متوسط فوائد هذه القروض متناهية الصغر، في الأردن أقل من 18%، لكن النسبة تبقى مُرتفعة جدًّا، بشكل مُجْحِف…

ذكرنا، في فقرة سابقة، ارتفاع نسبة النساء الحاصلات على القُرُوض متناهية الصّغر، في العالم وفي الوطن العربي أيضًا، وتُقدّم مُؤسّسات الإِقْراض هذه “الخصوصية”، في دعايتها الإشهارية، بمثابة المُساهمة في “تمكين النساء،ودعم النساء العاملات…”، لكن أثبتَت الدّراسات إن النساء أقلّ تهوّرًا وأكثر شعورًا بالمسؤولية، وأثبتت الإحصاءات أن نسبة التّعثّر لديْهِنّ أقل بكثير من نسبة الرجال، رغم قلة التعثر عن السداد عموما، لدى صغار المُقترضين، سواء كانوا رجالاً أم نساءً، كما يُسجّل بعض الرجال مشاريع باسم نساء الأُسرة أو القريبات، أما العامل الأهم في ارتفاع عدد النساء الحاصلات على قُرُوض، فهو الطّمَع، والجَشع، إذْ تُقدّم صناديق التمويل والمؤسسات العالمية دعْمًا ماليًّا، لبرامج “تمكين النساء وإدماجهن في سوق العَمَل”، تستفيد منه مؤسسات الإقراض، وتستخدمه لتوسيع مجالات نشاطها المالي، وزيادة أرباحها، ثم تُسجّلُ في تقاريرها إنها زادت من عدد فُرَصِ العمل المُحْدَثَة، وزادت من دعم الإنتاج المَحَلِّي، وغير ذلك من أساليب الدّعاية، وقَلْب الحقائق، وافترضت بعض تقارير البنك العالمي أن المرأة في المجتمعات المُحافظة والريفية، أكثر قُدْرَة على الإقتراض والوفاء بمواعيد تسديد الأقساط، من الرّجل، بسبب الرغبة في تجنّب الفضائح وربما النزاعات القضائية…

يُقدّر معدّل النسبة التي تستحوذ عليها مؤسسات القُروض الصغيرة (غير الربحية بحسب ادعائها) بعنوان “مصاريف الملف والدّراسة والإدارة” في الوطن العربي، بنحو 2%، تُضاف لها خِدْمة الدّين التي تُعادل 15% في المتوسّط…

 خاتمة:

تستفيد مؤسسات الإقراض للفُقراء من المساعدات الخارجية، وتحصل على رأس المال الأصلي كمساعدات من الأمم المتحدة ومن البنك العالمي، والصناديق الحكومية في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان وأستراليا وغيرها، وهي مِنَح لا تُسْتَرَدُّ، وتستخدِمُها مؤسسات الإقراض لنهب جُهُود وعرق الفُقراء، عبر الفوائد المُرْتَفِعَة، وستغل السّماسرة والمُحتالون الوضع الإقتصادي السّيّء في بلدان مثل المغرب أو مصر، وغيرها، الفقر والحاجة للإحتيال عليهم والثّراء على حساب بُؤْسِهِم…

تُعْتَبَرُ مؤسسات القروض متناهية الصّغر كذبة وخدعة، تمكّنت من بيع الأوهام للفقراء، بفوائض مرتفعة جدًّا، على الصعيد المالي، كما على الصعيد الإجتماعي، ودعمت مؤسساتُ “بريتن وودز”، والمنظماتُ “غير الحكومية” والأممُ المتحدةُ (خصوصًا برنامج الأمم المتحدة للإنماء)، هذه الخدعةَ الكبيرةَ، ويندرج عملُ مؤسساتِ القروض متناهية الصغر في جوهَر مخططات العَوْلمَة، ضمن خطط إدماج كافة الفئات الإجتماعية في أتون الرأسمالية المُعَوْلَمَة، في إدماج فئات الفُقراء في دورة الإستهلاك، كجزءٍ من خطط سَلْب ما يمتلكُهُ الفُقراءُ، على قِلّة حجمِهِ وقيمته، لتحويله إلى جُيُوب (وحسابات) الأثرياء، والشركات الكُبْرى، ومن أعظم سلبيات هذه المصارف (مصارف “الفُقراء” !!!) القضاء على فكرة التعاون بين الفُقراء، وتأسيس التّعاونيات، بين المُنْتِجِينَ، ليُوَحّدُوا جُهودَهم، وليتمكّنوا من التّشاور والحوار والإبتكار، ومجابهة الإحتكارات، وجني إيجابيات التفكير والعمل الجماعي، لمواجهة الأعداء الطّبَقِيِّين…

من واجب الثّورِيِّين ومن مهامهم التّفكير في بدائل اقتصادية عَمَلِيّة للفُقراء والعاطلين عن العمل والكادحين الذي لا يمكنهم راتبهم من تلبية حاجاتهم والحاجات الأساسية والضّرُورِيّة لأُسَرِهِم…

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.