خاص ب”كنعان”، نشرة الاقتصاد السياسي عدد 498
ذكرى مشؤومة 13/09/1993 – 2019
بدأت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حوارًا سريّا مع قادة الإحتلال الصهيوني، على هامش مؤتمر “مدريد”، سنة 1991، وتواصلت النقاشات في مدينة أوسلو، عاصمة النرويج، إلى أن وقّع ياسر عرفات، رئيس حركة فتح، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، يوم 13 أيلول/سبتمبر 1993، ما عُرف باتفاقية أوسلو، أو “إعلان المبادئ لترتيبات الحُكْم الذاتي الإنتقالي”، وذلك بإشراف رئيس أمريكا آنذاك “بيل كلينتون”، ونقلت محطات التلفزيون العالمية مراسيم “الإحتفال”، في باحة البيت الأبيض، وركزت على ابتسامة ياسر عرفات العريضة، مع بيل كلينتون وشمعون بيريز (وزير خارجية الإحتلال)، وهو مع رئيس حكومته آنذاك “إسحاق رابين”، مُجْرِما حرب، أشرفا شخصيا على مجازر بحق الفلسطينيين والعرب، وكانت هذه الإتفاقيات بمثابة “إعلان اغتيال الإنتفاضة الأولى” التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر سنة 1987…
التزمت قيادة منظمة التحرير بالتّخلي عن الأراضي المحتلة سنة 1948، وتبلغ مساحتها قرابة 80% من أراضي فلسطين التي كانت تحتلها بريطانيا، وهي المناطق التي يعيش فيها جزء من الشعب الفلسطيني (في النقب والمثلث والجليل)، كما التزمت بالسّهر على أمن الكيان الصهيوني، وبإدانة “الإرهاب وكافة أنواع العُنف”، وهو ما يُترجم حاليا ب”التنسيق الأمني”، وغيرت ميثاق منظمة التحرير، دون الحصول على أي تنازل، ولو شكْلي من الإحتلال، الذي يعتبر الصراع صراح وُجُود، أي لا مكان للفلسطينيين في وطنهم، ثم كبّلت منظمة التحرير الشعب الفلسطيني بما سُمّي “بروتوكول باريس”، وهي اتفاقيات تُشَرْعِنُ التبعية الإقتصادية لسكان الأراضي المحتلة سنة 1967…
بعد أكثر من ربع قرن، ارتفع عدد المُستعمِرِين المستوطنين في الأراضي المحتلة سنة 1967، من أقل من مائة ألف إلى أكثر من ستمائة ألف مستوطن، وهي أراضي وقع الإستيلاء عليها بالقوة، مع تهجير أصحابها…
من مظاهر الإستعمار الجديد – ديمُقراطية رأس المال:
تُنْسَبُ إلى “مالكوم إكس” مقولة: “إذا لم تكن حذراً، فإن الصحف ستجعلُكَ تكره المُضطَهَدين وتحب الظّالِمِين”.
تُسَيْطر ثلاث وكالات أنباء (الأمريكية “أسوشيتيد برس”، والفرنسية “فرانس برس”، والبريطانية “رويترز”، ومكتبها الرئيس في نيويورك) على نحو 70% من حجم الأخبار التي تَبُثُّها وسائل الإعلام في العالم، أو ما يُسمّى “سوق المعلومات”، دون مراجعة ولا تمحيص، باستخدام ألفاظ وعبارات تُرَوّج للفكر (الإيديولوجيا) السائد، بينما تُسَيْطِر وكالتا “تومسون- رويترز” و”بلومبرغ” (ملك الملياردير ورئيس بلدية نيويورك السابق) على نحو 85% من حجم الأخبار والتحليلات ذات الصّبغة الإقتصادية والمالية، وتُرَوّج هذه الوكالات (الإحتكارية) إيديولوجيا تصوّر المُسْتعمر المُباشر (كما في فلسطين) أو غير المُباشر، عبر الشركات والهيمنة الإقتصادية، أداة للرخاء والسّلام في العالم، لكن عُنْفَ العُمّال والفلاّحين، والفُقراء والمُعَطَّلين عن العمل، والمُسْتَعْمَرِين (بفتْح الميم) والمُضْطَهَدِين (بفَتْح الهاء)، يُزْعج هؤلاء المُسْتَعْمِرِين “المُسالمين”، الذي “يَضْطَرّون إلى الرّد، دفاعًا عن أنفسهم، ودفاعًا عن الإزدهار الإقتصادي والنّمُو…”، وتَمَكّنت هذه الإيديولوجيا السّائدة من تسميم عقول الفلسطينيين والعرب (إضافة إلى عامل المَصْلَحة المادّية)، لينخرطوا في عملية الدّفاع عن الإستعمار الإستيطاني الصّهيوني، وفي عمليات التّطبيع، بكافة أشكالها، والإعتقاد إن العدو قَوِي جدّا لا يُمْكن إلحاق الهزيمة به، أو إنه هزمنا لأنه يَفُوقنا ذكاءً وعَقْلاً وأخْلاقًا (وهو ما نَبّه له عبد الرحمان بن خلدون، منذ القرن الرابع عشر، ميلادي)…
إن طريقة تقديم الأخبار مبنية على التّزْيِيف، وعلى التضخيم (أو التّعتِيم الكامل)، وعلى تشويه بعض الأنظمة الحاكمة في العالم، من بينها ليبيا والعراق وسوريا، قبل 2011، وفنزويلا والصين وكوريا الشمالية وروسيا، وغيرها، مما يجعلنا نلاقي صُعُوبات للوصول إلى وجهات النّظر المُختلفة مع ما تُروّجُهُ هذه الوكالات، والصحف ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني…
حاولنا في “النشرة الإقتصادية” الأسبوعية، طيلة عشر سنوات، التّثَبُّتَ من مصداقية الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام السائدة، والوُصُول (قَدْرَ المُسْتطاع) إلى ما لا تُريد نشْرَهُ هذه الوكالات، في محاولة لتقديم صورة واضحة (نسبيًّا) عن الأخبار، وما وراءها، وما لَمْ يُعْلَنْ منها، ويَعْسُر التّعويل، لإنجاز مثل هذه المهام، على “اليسار” الأوروبي والأمريكي، لأنه في معظمه استعماري التفكير، أو “استشْراقي”، ولا يرى (في مُعظمه، وليس كُلّه) في قضية الشعب الفلسطيني، قضية تحرر وطني (لكامل الوطن الفلسطيني)، من استعمار استيطاني اقتلاعي، تَهْجِيري، بل قضية “مَيْز عُنْصُري” وقضية عدم تطبيق “القانون الدّوْلي”، وتعكس هذه النّظْرة إهمالاً وتَغْيِيبًا للمسألة الوطنية، ولقضايا التّحرّر من الإستعمار والإمبريالية، ولذلك (ولأسباب أخرى أيضًا) تلتَقِي معظم تيارات اليسار الأوروبي مع غلاة الإستعمار في تَبْرِير (وأحيانًا “دَعْم”) العدوان الأوروبي والأطلسي على الشعوب (العراق وسوريا وليبيا والصومال وأفغانستان ومالي…)، والحصار والحظر المفروض على كوبا والصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، واختلاق ذرائع مختلفة، لكنها واهية، لتبْرِير هذه المواقف الإستعمارية، التي تجاوزت القول إلى المُمارسة، وإرسال مُقاتلين إلى شمال سوريا، للقتال بأسلحة وتمويل أمريكِيّيْن، ودَعْمٍ صهيوني، من أجل تَفْتِيت سوريا، أما البلدان التي لا يَطالها العدوان العسكري، ففرضت عليها الولايات المتحدة (ومعها أوروبا ودول حلف شمال الأطلسي) العقوبات الاقتصادية (وتعني عبارة “العُقوبات”، ارتكاب “ذَنْبٍ”، من قِبَل من تُسلّط عليه العقوبات)، والحَظْر، وإعاقة عملية التنمية، والتخريب، عبر مجموعات تُدربها وتُسلّحُها الإستخبارات الأمريكية أو الأوروبية والصهيونية…
يَهْدِفُ احتكار الإعلام إلى استعمار العُقول وتوجيه الفِكْر نحو الأهداف التي تخدم الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية، وفي حقبة “العَوْلَمَة”، فالصّحف “المَرْجعِيّة” الكبرى في أوروبا وأمريكا (وكذلك شَبَكات الإذاعة والتلفزيون)، تكتفي بنسبة 80% من مُحْتواها، بما يَرِدُ في وكالات الأخبار الثلاثة المذْكُورة سابقًا، ولا تقوم بالبحث والتقصِّي، وبالأخص في الأخبار الواردة من الخارج (بشأن العدوان على سوريا، أو فلسطين المحتلة…)، وهي في معظمها أخبار مُوَجّهَة، تحمل خلفية فكرية (استعمارية ورجعية) في شكل تقديمها، كما في مَضْمُونها، وأوردت دراسة لإحدى الوكالات الأمريكية، إن وزارة الحرب الأمريكية تستخدم (سنة 2009) “أكثر من 27 أَلْف متخصّص في العلاقات العامة يعملون في وسائل الإعلام بهدف التلاعب بالإخبار”، وتُخَصِّصُ ميزانية سنوية بقيمة خمسة مليارات دولار، لتوجيه الرأي العام، بشكل يتلاءم مع السياسة والمُخطّطات العُدْوانية الأمريكية، وتَبُثُّ أجهزة الاستخبارات عددًا كبيرًا من عملائها في وسائل الإعلام لدينا، لتسريب بعض المعلومات، ول”تصحيح” معلومات أخرى، ولترْويج الشّائِعات، في حالات أخرى، بهدف الهيمنة والتضليل، وكان من ضمن الشائعات التي لا أساس لها من الصحة، “استخدام الجيش السّوري للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين” (أحيانًا يُعوّض لفظ “الجيش” ب”الأسد”)، و”اعتقال حكومة فنزويلا الأطفال”، و”الإغتيالات المتكررة والمتواصلة في كوريا الشمالية”، و”قصف الجيش الليبي (أو القذافي) المدنيين في بنغازي بالطيران الحرب”، وغير ذلك من الإشاعات التي ظهر زَيْفُها بعد بضعة ساعات، لكن مفعولها بقي راسخًا في الرّأي العام، ولا يزال يُردّدُ بعض اليسار الأوروبي والأمريكي هذه الأكاذيب، التي رَدّدَتْها وسائل الإعلام، كجزء من الحَمَلات الإستعمارية والعُنْصُرِيّة، لتبرير أي عدوان، أو لإلْهاء “الرأي العام” عن المشاكل الحقيقية، ومن بينها البطالة وقِلّة السّكن، مع غلاء الإيجار، والرعاية الصحية والخدمات والمرافق العمومية، وتعميق الفجوة الطبقية بين الأثرياء والفُقراء…
عن مقال ل“جونز مانويل” (البرازيل)، بتاريخ 04/06/2019، نَشَرَهُ موقع “كنعان“، مُترْجَمًا إلى العربية، بتاريخ 27/06/2019 (بتصرف)
هوامش قمّة مجموعة العشرين – “أوساكا” (اليابان) 28 و 29 حزيران 2019 (تتمة لما ورد في عدد سابق):
كانت لقاءات الدول الغنية ( السبعة، أو العشرين ) تُشكل اجتماعات لمجلس إدارة الرأسمالية، في مرحلة الإمبريالية، وفي حَقَبَة العَولمة الرأسمالية، وانطلقت قمة مجموعة العشرين ب”أوساكا” ( اليابان – 28 و 29/06/2019)، في ظل تصعيد أميركي، ضد الدّول والشّعوب، على عدة جَبهات، منها الحرب التجارية ضد الصين وعدد من دول العالم، وتهديد إيران بحرب (عسكرية)، وتشديد الحصار على روسيا وكوبا وفنزويلا وسوريا وروسيا، وغيرها…
يُخْفِي الصراع، بين أكبر قُوّتَيْن رأسمالِيّتَيْن في العالم (الولايات المتحدة والصّين)، خلافًا بين مَدْرَسَتَيْن داخل “اقتصاد السوق”، وصراعًا دوليًّا حول الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية، وما يتَفَرّع عنها من صراع على مجالات ومناطق النفوذ (أمريكا الجنوبية والخليج وجنوب آسيا، وشرق أوروبا…)، ولا تقتصر الولايات المتحدة على انتقاد الصين، وفرض رُسُوم جمركية إضافية على وارداتها منها، بل تجاوزتها إلى اليابان والهند وأوروبا (أي حُلفاء أمريكا)، ويندرج الحظْر الأمريكي والعُقوبات ضد شركة “هواوي” ضمن محاولات الولايات المتحدة عرقلة التطور التكنولوجي للصين، وخَفْضِ حصّتها في الأسواق العالمية من القطاعات ذات القيمة الزائدة المرتفعة (الإتصالات والتقنية والطاقات “البديلة”، وما يُسمّى “أشباه المواصلات”…)، وطاولت تَدَاعيات الحَظْر الأمريكي أسواق العالم، بسبب الإرتباط الوثيق بين هذه الأسواق، والشّراكة بين شركات العالم، سواء في مرحلة الإنتاج أو التّسْويق، وانتقدت وسائل إعلام أمريكية (مثل “وول ستريت جورنال” أو “نيويورك تايمز” ) بذاءة الرئيس الأمريكي، والطّرق غير الدبلوماسية والشروط المسبَقة، وكذلك محاولة فَرْضِ شُرُوطه عبر الإستفزاز، لكنها لا تُعارض جوهر الرفض الأمريكي لصعود منافس اقتصادي، بحجم الصين، أي أن كافة التيارات الفكرية الأمريكية تتفق على إقصاء أي منافس، ورفض تطبيق قوانين المنافسة و”التبادل الحر”، إذا لم يكن في صالح أمريكا، وهو ما عبر عنه “دونالد ترامب” بشعار “أمريكا أولاً” (أي فليذهب العالم إلى الجحيم، إذا ما لم يَكُن في خِدْمَةِ المصالح الأمريكية)، ومن المعروف إن الولايات المتحدة تُقَدّم دَعْمًا حُكوميا (من المال العام) لكبار الفلاحين وللشركات في عديد المجالات، عبر التسهيلات والحوافز والقروض المُيَسّرة ودعم الصادرات، وخفض الضرائب، وعبر اشتراط شراء سلع أمريكية، خلال المحادثات حول الإتفاقيات الثنائية، أو متعددة الأطراف، كما فعلت مع الإتحاد الأوروبي والصين والهند واليابان، وغيرها، واعتبرت دَوْرِيّة “فورين بوليسي” إن الإدارة الأمريكية الحالية “تستخدم أساليب الحرب التجارية الفظّة للرأسمالية في القرن التاسع عشر، بدلاً من صياغة استراتيجية تحافظ على ريادة الولايات المتحدة اقتصادياً وتكنولوجياً… إن استعادة مكانة الولايات المتحدة في العالم وتنشيط اقتصادها يتطلبان استراتيجية طموحة لا تعتمد على تغيير السلوك الصيني، بقدر ما تعتمد على إعداد الولايات المتحدة للمنافسة…”
يَعْتَبِرُ الجميع في أمريكا ( تيار المحافظين الجدد، وترامب، وكذلك التيار الليبرالي) “إن امتلاك الصين للتكنولوجيا الفائقة يُهدّد التنافسية الاقتصادية الأميركية، والأمن القومي، فالصين تسعى إلى الحلول محلّ الولايات المتحدة”، ويقتصر الخلاف على وسائل مُقاومة هذا الطُّمُوح الصِّيني، ويعتبر الليبراليون إن الرسوم الجمركية تَضُرُّ بقطاعات التجارة والزراعة وبالمُستهلكين الأمريكيين، كما قد تؤدي إلى ركود عالمي وإلى إلحاق الضّرر بحلفاء أميركا، وتزيد من خطر حدوث ركود عالمي…
اتفق العديد من حلفاء أمريكا (من بينهم زعماء الإتحاد الأوروبي واليابان ) أن الحرب التجارية الأمريكية ضد العالم (باستثناء الكيان الصهيوني)، وسياسة “أمريكا أوَّلاً”، أدّت إلى خفض سقف توقعات النّموّ، وحجم التبادل التجاري العالمي، (وإن كانت نسبة النمو أو ارتفاع حجم المبادلات التجارية، لا تحل مشاكل الفقر والبطالة، بسبب انعدام العدالة في توزيع العائدات)، واتفقت آراء الرئيس الصيني مع رئيس المفوضية الأوروبية ‘في مناسَبَتَيْن مُنفَصِلَتَيْن) أن الولايات المتحدة تمارس التهديد و”التّنَمّر”، عبر خطة “أمريكا أولاً”، التي تعني محاولة وضع مصالح أمريكا في المقام الأول، عبر تقويض مصالح الآخرين الذين يُشاركون في الحروب العدوانية التي تُديرها الولايات المتحدة، وفي محاصرة خُصُوم أمريكا (روسيا وإيران وكوبا وفنزويلا…)…
أدّى دخول الصين بقوة للأسواق العالمية إلى ارتفاع احتياطي الدولار لديها إلى نحو ثلاثة تريليونات دولارا، من السيولة، فيما تأتي اليابان في المرتبة الثانية بتحو 1,24 تريليون دولارا، ويُؤَثِّرُ حجم هذا الإحتياطي الضّخم في السياسات الاقتصادية للصين، كما يُؤثِّرُ على المحادثات بشأن الحرب التجارية، كما اشترت الصين سندات أمريكية، جعلت منها أكبر دائن للولايات المتحدة، ويضطر زعماء الدّولَتَيْن إلى مُراعاة هذه المُعطَيات، قبل اتخاذ أي قرار، إذ تستخدم الصين احتياطي الدولار، لتعديل قيمة عملتها (مقابل الدولار)، وخفض قيمة سلعها عند التصدير، لتتمكن من منافسة صادرات دول أخرى، وتتمكن من بيعها بأسعار منخفضة (نسبيًّا) للمستهلك الأمريكي، ولذلك تطالب الولايات المتحدة، منذ عدة سنوات، برفع قيمة “اليوان” الصيني، كما يُؤَدِّي احتفاظ الصين بحجم كبير من الدولارات، إلى ارتفاع قيمته وإلى خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة، وقد ترتفع نسبة الفائدة إذا قررت الصين بيع كميات كبيرة من الدّولارات، فيما يُؤَدِّي احتفاظ الصين بسندات (أي دُيُون) أمريكا، إلى ارتفاع أسعارها، وارتفاع العائد عليها، وإذا ما قررت الصين بيع هذه السندات، تنخفض قيمتها، وينخفض عائدها، وعمومًا تحتفظ الصين بالدولارات والسندات لتبقى تكاليف الإنتاج مُرْتَفِعَة في الولايات المتحدة، وتبقى عاجزة عن منافسة السلع الصينية في الأسواق العالمية، رغم الحوافز وغيرها من وسائل الدعم الحكومي الأمريكي، وأظْهرت الصين إنها تُدِير الإحتياطيات بالدّولار والسندات الأمريكية، بدِقّة وتوازن، لكي تبقى الصين تتحكم في بعض قواعد وأُسُس التجارة العالمية… عن مواقع “وول ستريت جورنال” + “نيويورك تايمز” + وكالة “بلومبرغ” من 27 إلى 30/06/2019
موريتانيا، بلَدٌ ثَرِي وشعب فَقِيرٌ: اتهمت المعارضةُ السُّلْطَةَ بخرق القانون خلال الإنتخابات (الأحد 23/06/2019)، ودعت إلى احتجاجات تستَنْكِرُ “الإنقلاب على الديمقراطية وتزيِيف نتائج الإنتخابات الرئاسية” التي أظهرت فوز مرشح السّلطة “محمد ولد الغزواني” بنسبة 52%، وعَمد النّظام إلى إثارة النَّعَرات وتحويل الصراع حول برامج إلى تقسيم مكونات الشعب على أُسُسٍ عِرْقية، واستغلت السّلْطة الإحتجاجات لاعتقال ما لا يقل عن مائة شخص، وإحالَتِهِم إلى القَضاء، بشكل مُسْتَعْجل، بتهمة “زعزعة الأمن”، بحسب محطة التلفزيون الرسمي، وترحيل مواطنين من بلدان الجوار (مالي والسنغال وغامبيا)…
تعد موريتانيا حوالي أربعة ملايين نسمة، لكن ثُلُث السكان فُقراء (31%) وفق البيانات الرسمية، وترتفع نسبتُهُم إلى 45% بحسب بيانات أخرى، غير رسمية، فيما تضاربت بيانات رسمية مختلفة بشأن نسبة بطالة السكان القادرين على العمل، وتراوحت بين 14,4% (سنة 2018)، بحسب المكتب الوطني للإحصاء، و 30% بحسب تقارير أوروبية، وتجدر الإشارة إن الحكومة توقفت عن الإعلان، بشكل رسمي، عن نشْر إحصائيات البطالة، وتعتبر موريتانيا إحدى أسوأ عشر دول في مجال المُساواة بين الجنسَيْن، بينما بقيت العُبُودية “قانونية” حتى سنة 1981، ورغم إلغائها رسميا، لا يزال قسم من السكان يرزح تحت نير العبودية والفقر…
تستغل سفن الصيد الأوروبية، العملاقة، سواحل موريتانيا (وغرب افريقيا) الغنية بالسّمَك (حوالي 750 كيلومترا)، كما يَضُم باطن الأرض ثروات طبيعية هائلة، من بينها معادن كالحديد والنحاس والذهب، وبعض النّفط، واحتياطيات هامة من الغاز، على الحدود مع السنغال، وبدأت شركات الإستعمار الفرنسي استخراج الحديد من مناجم موريتانيا، سنة 1952، ويُقدّر احتياطي موريتانيا من الحديد بنحو 1,5 مليار طن، لكن الفساد ينْخر “الشركة الوطنية للصناعة والمناجم” (سنيم)، وأصبحت مُهدّدة بالإفلاس، وبدأ استغلال النحاس والذهب سنة 2008، وتُقدّر بيانات الحكومة احتياطي الذهب بحوالي 25 مليون أونصة، واحتياطي النحاس بنحو 28 مليون طن، بالإضافة إلى معادن أخرى، ومن بينها إحدى عشر مليون طنا من احتياطي “الكوارتز”، و 245 مليون طنا من الملح، ونحو مائة مليون طنا من الجبس، وتستغل الشركات الأجنبية هذه المعادن، ويُشغِّل قطاع المناجم بأنواعها نحو 15 ألف عامل، يعمل نحو 50% بشكل هش وغير دائم، ويُحاول الفُقراء البحث عن الذهب، لكن “مافيا” هذا المعدن تستغلهم، دون أن يتحسن وضعهم المادّي، ويموت العديد منهم بسبب سوء ظروف العمل والحياة، وبسبب انهيار خنادق المناجم…
تُعتبر شركة “كينروس” الكندية، أكبر مُستغل للذهب، ولا تتجاوز حصة الحكومة 4% من الإنتاج المُعْلَن للشركة، وطالبت النقابات بمراجعة الإتفاقية، وبتخصيص مبالغ لمقاومة التلوث، حيث تنتشر عدة أمراض (ومن بينها أنواع من السرطان)، تُصيب الإنسان والحيوان (المواشي)، وتقضي على أنواع عديدة من النباتات والأشجار، وتُلَوِّثُ المياه، في المناطق القريبة من المناجم، وارتفع إنتاجها المُعْلَن، من 229 ألف أونصة سنة 2016، بقيمة 252 مليون دولارا، إلى 292 ألف أونصة، بقيمة 352 مليون دولارا، سنة 2017 (لم أعثر على بيانات سنة 2018)، أما إنتاج النحاس فقد ارتفعت إيراداته من نحو 400 مليون دولارا سنة 2016 على 550 مليون دولارا سنة 2017، وبلغت إيرادات النفط 68,9 مليون دولارا سنة 2017…
في قطاع الصيد البحري، يبلغ طول الشواطئ الموريتانية 755 كيلومتراً، ويُشغل القطاع نحو ستين ألف صَيّاد، وتَضُم الشواطئ أكثر من ثلاثمائة نوع من الأسماك، بحسب بيانات وزارة الصيد والاقتصاد البحري، وبلغ حجم الأسماك المُصْطادة سنة 2018 نحو 700 ألف طنا (لا تُظهر البيانات حجم ما تنهَبُهُ سفن الصيد الأجنبية العملاقة، القادمة من أوروبا واليابان والصين) وبلغت إيرادات صادرات البلاد من الأسماك مليار دولارًا، سنة 2018، ويشتكي الصيادون المحليون، الذين يمارسون الصيد التقليدي، من نهب الأساطيل الأجنبية للثروة السّمكية للبلاد، ومن عدم اهتمام الدّولة بالمحافظة على الثروة البحرية وعلى البيئة…
تستغل الشركة البريطانية “بريتش بتروليوم” حقل غاز مشترك يقع على الحدود بين موريتانيا والسِّنغال، وقدّرت الشركة احتياطيات هذه المنطقة المسماة “السلحفاة آحميم”، بأكثر من 450 مليار متر مكعب، قبل الإعلان عن اكتشاف حقل جديد، قريبًا من العاصمة “نواق الشط”، ضمن المياه الإقليمية لموريتانيا، باحتياطي يزيد على ستين ترليون متر مكعب من الغاز…
رغم الثروات الطبيعية (المعادن والأسماك)، وقلة عدد السّكّان، ترتفع نسبة البطالة والفقر، وصنفت منظمة “الشفافية الدولية” البلاد في المركز 144 من بين 180 دولة، بحسب “مؤشر مدركات الفساد” لسنة 2018، مما تسبب في انهيار “الشركة الوطنية للصناعة والمناجم- سنيم”، بعد ارتفاع مديونيتها (غير المُبَرّرَة)، ويشتكي عمال المناجم، وعمال الموانئ من انخفاض الرواتب ومن سوء ظروف العمل، ومن الفساد الظّاهر، فتعددت إضرابات عمال ميناء العاصمة “نواق الشّط”، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وآخرها إضراب أيار 2019، بسبب تنصّل الحكومة من التزاماتها، بعد كل إضراب، وكل اتفاق، وحولت السلطة الميناء إلى ثكنة، بدل الوفاء بالتزامات سبق أن تعهدت بها من ضمنها توفير التأمين الصحي والمعاش، وأعلنت منظمات نقابية وسياسية وحقوقية إن عناصر الأمن يستفزون المُضرِبين، بحثًا عن مُبَرِّرات لاستخدام العُنف ضدّهم، وانتقل قسم من العمال إلى أكبر سوق للمواد الغذائية في العاصمة، ومنعوا تفريغ الشاحنات القادمة من الميناء، فتدخلت الشرطة بعنف لتفريقهم، مما أدى إلى إغلاق المحلات في السوق لعدة ساعات، وتجدر الإشارة إن معظم “الحَمّالين” في الميناء من أبناء العبيد المُحرّرِين، والفقراء، الذين يعانون من الأمية والبطالة والفقر والتهميش، ويعمل أغلب أبناء العبيد السابقين في الرعي والزراعة والخدمة المنزلية وكحمالين في الأسواق والموانئ، لتفريغ السلع وشحنها، في غياب القوانين التي تحمي العُمّال، وفي غياب البرامج الاجتماعية…
“أوقية” هي العُمْلَة الرسمية لموريتانيا، ويُساوي الدولار الواحد 356 أوقية، بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب 33 ألف أوقية…
عن موقع “السفير العربي” 28/06/2019 + موقع “صحراء ميديا” + صحيفة “الأخبار” الموريتانية + وكالة “سبوتنيك” (روسيا) + البنك العالمي – من منتصف حزيران 2018 إلى 27/06/2019
المغرب: نفذت “الكنفدرالية المغربية للشغل” إضرابًا عامًّا في المغرب، يوم 20 حزيران/يونيو 1981، احتجاجًا على زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية، التي فرضتها مُؤسّسات “بريتن وودز” وأعلنتها الحكومة يوم 28/05/1981، واستخدمت قوات الأمن، والجيش، الرصاص الحي لتشتيت المتظاهرين ولإفْشال الإضراب، مما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا في مدينة الدار البيضاء، إضافة إلى اعتقال المئات في الأحياء الشعبية، ثم انتفض الشباب والفُقراء، ضد ارتفاع أسعار الطحين (الدّقيق والخُبز)، يوم 19 كانون الثاني/يناير 1984، في معظم المدن المغربية، وسمّيت هذه الإنتفاضة، وكذلك انتفاضة تونس، قبلها بحوالي أُسْبُوعَيْن (من 26/12/1983 إلى 03/01/1984)، “انتفاضة الخُبْز”، وشكلت كلاهما (كما انتفاضات مصر والأردن والسودان وغيرها) رَفْضًا لبرامج ما سماه صندوق النقد الدولي “برنامج الإصلاح الهيكلي”، التي أدّت إلى زيادة الرّسوم على التعليم والصّحّة، وزيادة الضرائب على الإستهلاك، والخدمات، وارتفاع تكاليف العيش، وجابهتها السلطة بالقمع الشديد وبالإعتقالات، وكانت الدولة المغربية قد عجزت عن تسديد الدّيُون التي حان أجل استحقاقها، وفَرض صندوق النقد الدّولي على حكومة المغرب خطّة لخصخصَة 56 شركة عُمومية، وعشرات المنشآت السياحية، وشركات الطاقة والصناعة والإتصالات، لجَمْع 10,8 مليارات دولارا، وتسديد الدّيون، التي حل أجلها مع خدمة الدّيْن، وقررت الدولة (كأداة تنفيذية لصندوق النقد الدّولي) خصخصة 112 شركة بين سنتَيْ 1990 و 2008… لجأت حكومة تيار الإخوان المسلمين ( الحاكم بأمر القصر الملكي، منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011) كغيرها من الحكومات السابقة، منذ حوالي أربعة عُقُود، إلى الإقتراض المتواصل من صندوق النقد الدولي، وتسديد القروض السابقة، وعجز الميزانية بقروض جديدة، مما يرفع نسبة الدّين من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يُضيِّق صندوق النقد الخناقَ، ويأمر بتنفيذ شُرُوط قاسية، ومن بينها اللجوء إلى الخصخصة، وطرحت الحكومة (أيار 2019) خصخصة ما تبقّى من حصصها في قطاعات استراتيجية، من بينها الكهرباء والإتصالات والفنادق السياحية، وقائمة أخرى من الشركات المُراد خصخصتها، وهي بصدد الإعداد، عند تحرير الخبر ( يوم 30 حُزيران/يونيو 2019)، ومن بينها الموانئ والمَطارات وشركة الطيران، وشركة السكك الحديدية، والطّرقات، وأعلنت الحكومة (تشرين الثاني/نوفمبر 2018) إنها قد تلجأ إلى تصفية شركات أخرى في قطاعات الإنشاء (العقارات) والنسيج والسياحة، وعدد من شركات صناعية أخرى، بسبب سوء التصرف والفساد، أما الهدف المُعْلَن للخصخصَة، فهو جمع ما يصل إلى ستة مليارات درهم، لخَفْضِ عجز ميزانية 2019، الذي يُتَوَقَّعُ أن تبلغ نسبته 3,7% من الناتج المحلي الإجمالي ( بنهاية 2019)، مقابل 3,8% سنة 2018، وتعاني مالية البلاد من مشاكل هيكلية مُزمِنَة، حيث بلغت نسبة النمو الإقتصادي حوالي 2,9% سنة 2018، مما لا يسمح بحل مشاكل البطالة المرتفعة ومشاكل الفقر، ويعتمد اقتصاد البلاد على عوامل خارجية (السياحة وصادرات الإنتاج الزراعي والفوسفات وتحويلات العُمال المُهاجرين المغاربة…) وعلى الأمطار في قطاع الزراعة، الذي يُساهم بنحو 14% من الناتج الإجمالي المحلّي، ويستحوذ على نحو 50% من الوظائف الجديدة المُحْدَثَة (بيانات سنة 2017)، ويرتبط اقتصاد البلاد بأوروبا، مما قد يُعرّض البلاد لمخاطر عديدة، ذات مصادر خارجية، بحسب البنك العالمي الذي يُشِير أحد تقاريره إلى عدم استقرار نمو البلاد على مدى خمسة عقود، في بلاد تحتاج إلى نسبة عالية من النمو، لحل مشاكل البطالة، التي بلغت نسبتها لدى الشباب (15 – 25 عامًا) 26,5% ، سنة 2017، ( 42% في المُدُن) وفق البيانات الرسمية لهيئة الإحصاء الحكومية…
اتفقت الدولة المغربية (كانون الأول/ديسمبر 2018) مع صندوق النقد الدولي على “خط سيوبة” (أو خط وقاية)، أي إن الصندوق يضع على ذمة الحكومة المغربية مبلغ ثلاثة مليارات دولارا، على فترة 24 شهرًا، بداية من في كانون الثاني/يناير 2019، مقابل فائدة وشروط، وفي مقدمتها الخصخصة، ومراقبة تفاصيل عمل الحكومة وبرامجها وقراراتها، وأقامت بعثة صندوق النقد الدولي في فندق خمسة نجوم في المغرب (على حساب فُقراء البلاد) من 19 آذار/مارس إلى 03 نيسان/ابريل 2019، بغرض مراقبة عمل الحكومة، وأشادت في تقريرها بقرارات الخصخصة، لكن الصندوق يُطالب دائمًا بالمزيد من الخراب، ويُسمِّيه “الإصلاح الإقتصادي”، مثل رفع الضرائب، و”تحسين بيئة الأعمال”، أي تشديد القوانين ضد الأُجَراء والنقابات وتجميد التوظيف في القطاع العام، وتأخير سن التقاعد، وتسهيل عمل الشركات الأجنبية، في كافة القطاعات، وأبرمت حكومة الإخوان المسلمين منذ آب/أغسطس 2012 ثلاث اتفاقيات قروض (أو قروض ائتمانية) مع صندوق النقد الدولي، بقيمة إجمالية بلغت 14,68 مليار دولارا، بشروط مُجْحِفَة، منها خفض الدّعم وإلغاؤه في بعض الحالات، وبلغ إجمالي الديون الخارجية للمغرب 33 مليار دولارا، بنهاية سنة 2017، وبلغت نسبة الدّيون الخارجية 67% من الناتج الإجمالي المحلّي، سنة 2017، ويُطالب صندوق النقد الدولي بإلغاء الدّعم عن العديد من السّلع الأساسية، وإلغاء مجانية التعليم والصحة، مما يضع الحكومة في مواجهة النقابات والأُجَراء والفُقراء، أي أغلبية الشعب المغربي، التي تُعاني من البطالة ومن الفَقْر ومن ارتفاع الأسْعار، ولا تشعر بتحسّن الوضْع المعيشي، عندما تنشر الحكومة (أو صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) بيانات عن نسبة النمو، وهي الأسباب التي أدّت إلى احتجاجات محافظة الحُسَيْمَة المُهْمَلَة والمُهَمَّشَة (في منطقة “الريف”، شمال البلاد )، سنة 2017، إثر مقتل 15 امرأة فقيرة، في حادثة تدافُع، خلال عملية توزيع بعض المواد الغذائية، مع الإشارة إن مُشاركة المرأة في “اليد العاملة” لا تتجاوز 23% من العمل المعترف به، وهي نسبة ضعيفة، كما شكل تدهور الوضع المعيشي وارتفاع البطالة شرارة انطلاق احتجاجات مدينة “جرادة”، شمال شرقي البلاد، بعد “الحُسَيْمَة، وتتواصل الإحتجاجات اليومية، في صفوف الشباب، والمواطنين، بسبب البطالة وغياب الخدمات والمرافق الضرورية، في بلد صُنّف ضمن أسوأ الدول في مجال جودة التعليم (في المرتبة 101) وفي المرتبة 12 عربيا، من ضمن 14 دولة وقع تصنيفها، ولا يتجاوز متوسط الدخل السنوي الفردي 3440 دولارا، أو أقل من ثُلُثِ المتوسط العالمي… دولار أمريكي = عشرة دراهم مغربية. عن “المجلس الأعلى للحسابات” + تقرير “المجلس الإقتصادي والإجتماعي” + “المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي” + وكالة “رويترز” + مؤسسة “كارنيغي” + البنك العالمي من 10 إلى 30/06/2019
الجزائر، بعيدًا عن العاطفة، قريبًا من الواقع:
قادت “جبهة التحرير الوطني” النضال ضد الإستعمار الفرنسي (1954-1962)، ثم حكمت البلاد منذ 1962، وكانت قيادات الحزب تدافع رسميًّا عن “الطابع الإجتماعي للدولة، وعن متوسطي وفقراء الحال”، لكن الوقائع تُشِير إلى تحوّل الجبهة إلى وكْرٍ للفساد، منذ سيطر رجال الأعمال على قيادتها، وآخرهم الأمين العام “الجديد” للجبهة “محمد جميعي”، أحد رجال الأعمال، الذين يُدينون بثروتهم إلى فترة حُكْم “عبد العزيز بوتفليقة”، وكان في طليعة المدافعين عن ترشحه لولاية خامسة، قبل أن يَمِيل مع رياح الإحتجاجات، ويُغَيِّرَ ولاءه من بوتفليقة إلى رئيس أركان الجيش “أحمد قايد صالح” (الحاكم الفعلي، بعد إبْعاد بوتفليقة)…
بقيت عائدات النفط، الذي أمّمَهُ الرئيس الراحل هواري بومدين في الرابع والعشرين من شباط/فبراير 1971، تُشكّل أهم عائدات الدولة (نحو 96% من عائدات العملة الأجنبية، و75% من عائدات الضرائب)، ولم يقع إنفاق العائدات في سبيل تغيير البنية الإقتصادية، بل استفادت منه مجموعة من رجال الأعمال، عبر تنفيذ برامج الحكومة، أي إن ثروات فئة رجال الأعمال الحاليين أو السابقين، نَمَتْ بفضل الرّيع النفطي، وبفضل خيارات الدولة، وسوء توزيع الرّيع النفطي، خصوصًا بعد تراجع الدّولة عن الإشراف على تسيير الإقتصاد، منذ فترة رئاسة “الشاذلي بن جديد” (من 09/02/1979 إلى 11/01/1992) التي أفْضَت إلى حالة الحرب الأهلية، وانتشار الفساد، وخصخصة شركات القطاع العام والخدمات والمرافق العمومية، واستفحلت سيطرة رجال الأعمال المُمَثِّلِين لمصالح شركات عالمية (عابرة للقارات) على دوائر الحكم السياسية والإقتصادية (ومن بينها وزارات الإقتصاد والطاقة وإدارة شركة المحروقات “سونتراط”…)، وهم رجال أعمال لا يهتمون بالإستثمار في الإنتاج، بل يستوردون الغذاء والسيارات والتجهيزات التي لا تُنْتِج الجزائر منها شيْئًا، وبذلك قَضت الدولة، وقيادات جبعة التحرير الوطني، ورجال الأعمال الفاسدين (خصوصًا خلال فترة حكم “بوتفليقة”)، على نتائج عملية تأميم المحروقات، وبعد قرابة خمسة عُقُود على قرار التّأميم، استحوذت الشركة الفرنسية المُعوْلَمَة “توتال”، على الشركة الأميركية “أناداركو”، وهي شركة تُنفّذُ مشاريع مُشتركة مع “سونتراك” في عدد من بلدان إفريقيا، وسوف يُؤَدِّي هذا الإستحواذ إلى تأكيد هيمنة “الإستعمار الجديد” على الجزائر، عبر الشركات الأمريكية أو الأوروبية (خصوصا الفرنسية )، وإلى سيطرة شركة توتال على جُزْءٍ هام من نفط الجزائر…
أقرت الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ 1980 (المنعرج الليبرالي) قوانين لاجتذاب الشركات الأجنبية، سواء في قطاع المحروقات أو غيره، وبدأت الشركات الأمريكية تُنافس الشركات الفرنسية، بالتوازي مع انخفاض قيمة الإستثمارات الحكومية في التنقيب عن النفط، خصوصًا خلال العِقْدَيْن الأخيريْن (فترة حكم “بوتفليقة”)، وركُود حجم إنتاج المحروقات، قبل أن ينخفض إنتاج النفط من قرابة مليُونَيْ برميل يوميًّا، سنة 2005، إلى حوالي 1,1 مليون برميل سنة 2007، بسبب نقص الصيانة، وتقادم الآبار، ثم بدأت الدولة تتجه إلى تشجيع إنتاج الغاز الصّخري، منذ 2016، رغم المشاكل البيئية الخطيرة، ورغم احتجاجات سكان الجنوب، في المناطق القريبة من الحُقُول، لأنهم يُعانون من سلبيات إنتاج المحروقات، دون الإستفادة من عوائدها، فارتفع إنتاج الغاز قليلاً، لكن غاز روسيا والولايات المتحدة يُنافس الغاز الجزائري في أسواق أوروبا، وأدّت هذه المنافسة، مع انخفاض إنتاج النفط، وانخفاض أسعاره في الأسواق العالمية منذ منتصف شهر حزيران/يونيو 2014، إلى حدوث اختلال كبير في اقتصاد الجزائر، وتضييق هامش الدّولة في توزيع فُتات الرّيع النفطي على الفئات الشعبية، التي تُعاني البطالة وغياب المرافق، وتسبب انخفاض موارد الدّولة، وانتشار الفساد، في إشعال فتيل الإنتفاضة التي انطلقت منذ يوم الثاني والعشرين من شباط/فبراير 2019، وتستمر إلى غاية تحرير هذا المقال (02/07/2019)…
مَثّلت الجزائر رَمزًا للثورة ضد، والإنتصار على الإستعمار المُباشر، ورمزًا لنضال الأُمم والشُّعوب المُضْطَهَدَة، ويذكر التاريخ خطاب الرئيس الراحل “هواري بومدين” خلال الدورة الطارئة للأمم المتحدة (10/04/1974)، بالعربية، وهي سابقة تاريخية، جعلت الأمم المتحدة تتبنى العربية كلغة رسمية، وكان موضوع الخطاب “من أجل إقرار مشروع اقتصادي عالمي جديد”، ويطرح بومدين (كرمز للجزائر و”للعالم الثالث”) باسم مجموعة من الدول لما سُمِّي “العالم الثالث” تغيير العلاقات الإقتصادية العالمية، عبر سيطرة الدول على ثرواتها، واستخدام عوائدها من أجل التنمية، واعتبر “كورت فالدهايم”، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك أن ذلك الخطاب الأول بالعربية، في الجمعية العُمُومِيّة للأمم المتحدة، كان أهم خطاب في تاريخ الجمعية من حيث المضمون…
تغيرت موازين القُوى على المستوى العالمي، وانهار الإتحاد السوفييتي، وعاشت الجزائر عِقْدًا دمويا، قُدِّرَ عددُ ضحاياه بنحو 200 ألف قتيل، ولم تَعُد الجزائر رمْزًا للنضال وللدفاع عن القضايا العادلة، بل أصبح الجيش الجزائري يُشارك في مناورات حلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب الجيش الصهيوني، بدعوى القيام بتدريبات على عمليات الإنقاذ، أو مقاومة القرْصَنة البحرية أو الإرهاب، وغير ذلك من الذّرائع، وتغلْغَلَت شركات النفط الأمريكية في حقول نفط وغاز الجزائر، وتمتلك شركة “أناداركو” (الأمريكية) أصُولاً في حقول “بيركين”، و”أورهود” و”المرك”، في جنوب شرق البلاد، وتستغلها بالشراكة مع سونتراك، قبل أن تستحوذ شركة “توتال” الفرنسية على “أناداركو” الأمريكية، وكانت الشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات “سونتراك” تُسيطر على أكثر من 80% من الإنتاج، قبل عشرين سنة، انخفضت حصتها إلى 62% (سنة 2018)، وارتفعت أصول شركة “توتال”، الفرنسية (العابرة للقارات) من 12,5% إلى 36,75%، وتتجه الدولة إلى إلغاء مفاعيل التّأميم تدريجيًّا، وفقدان السيطرة على المورد الرئيسي للإقتصاد، وبالتالي، فقدان السيادة الوطنية… هذا جُزء من صورة الجزائر سنة 2019… عن صحيفة “الخبر” الجزائرية + أ.ف.ب + رويترز (بتصرف) – متابعة خلال شهر حزيران 2019
الجزائر – صحة: توجد في الجزائر 15 كُلِّيّة للطب، يتخرج منها سنويا حوالي 1650 طبيب في المتوسط، وقدّر العدد الإجمالي للمتخرجين منها بين 1962 و 2016 بنحو 120 ألف، لا يزال حوالي 90 ألف منهم يُمارسون مهنة الطب وجراحة الاسنان والصّيْدلة، يعمل منهم حوالي ستين ألف في الجزائر، ومعظمهم في شمال البلاد، وفي المناطق الساحلية، وثلاثين ألف في الخارج، حيث يعمل نحو 15 ألف طبيب جزائري متخرج من الجزائر في فرنسا (بيانات نهاية 2017)، ويعمل عشرة آلاف طبيب منهم في فرنسا، بعقود هشّة، وبرواتب منخفضة، في أقسام الطب الإستعجالي والطّوارئ، وأعلن ناطق باسم لجنة تنسيق عمل الأطباء الدّاخليين المُضْرِبين في المستشفيات إن 3710 طبيب جزائري قدموا طلبات لجوء إلى فرنسا، سنة 2017، بينما قدّم 982 من الأطباء السوريين طلبات لجوء إلى فرنسا، خلال نفس السنة، حيث تُقَدّر رواتب الأطباء الجزائريين بنحو 80% من رواتب الاطباء الفرنسيين، بنفس المُؤَهّلات، رغم ارتفاع عدد ساعات عمل الجزائريين، وتفتقر مناطق جنوب البلاد (حيث النفط والغاز) إلى الأطباء، بشكل عام، وإلى بعض الإختصاصات، مثل التحاليل الطبية (في المختبرات) والأمراض العقلية والنفسية، وطب النساء والولادة، وطب الأطفال، واختصاصات الأنف والحنجرة، التحاليل الطبية… وبينما تعلن الحكومة توفر الرعاية الصحية لأكثر من 90% من سكان البلاد، يتحمل المرضى المَيْسُورون، ومُتوسِّطُو الدّخل، مصاريف السفر إلى تونس وإلى تركيا، وإلى أوروبا، لإجراء عمليات جراحية، وللعلاج (في القطاع الخاص) من بعض الأمراض، بسبب تدهور الوضع في مستشفيات القطاع العام، وبسبب انهيار الطّب الوقائي، الذي لا يهتم به القطاع الخاص، لأنه غير مُرْبح، وبسبب قلة التّشخيص المُبَكِّر للأمراض، مثل سرطان الثدي، مما زاد من انتشار الأمراض المزمنة، إلى نحو خمسين ألف حالة سنويًّا، وتُشير منظمة الصحة العالمية أن 148 أمًّا جزائرية مُعَرّضَة للوفاة عند الولادة من بين كلّ 100 ألف امرأة، بينما تبلغ نسبة الولادات التي تُجرى داخل المستشفيات وبحضور أطباء وقابلات 97%، وتوفيّ 25,5 طفل من كل ألف طفل، غالبيتهم تحت سنّ الخامسة، وبلغ معدّل الإصابة بمرض السّلّ 76 شخص بين كلّ 100 ألف جزائري، كما بلغت حالات الوفيات نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والسكري، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، نسبة 14,2% من إجمالي المُصابين (أو الحالات التي وقع الكشف عنها)، وتسبب غياب التجهيزات في أقسام الطوارئ (رغم ارتفاع نسبة التّلقيح)، وسوء البُنية التحتية في البلاد، في ارتفاع عدد الوفيات نتيجة حوادث المرور إلى أربعة آلاف قتيل سنويأ،، كما ارتفعت نسبة الوفيات المرتبطة بتلوث المحيط إلى 49 جزائريًّا من بين كل 100 ألف، وتسبب إهمال البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وعدم الإهتمام بالوقاية، في ارتفاع نسبة الإصابات بالأمراض المعدية المتنقلة عبر المياه، وعودة وباء الكوليرا الذي تفشى في خمس محافظات جزائرية، ما أدّى إلى وفاة شخصَيْن إثنَيْن، وتشخيص 147 حالة، بحسب بيانات وزارة الصحة (آب/أغسطس 2018)، بعد 22 سنة (1996) من إلان آخر حالات الإصابة بالكوليرا، ويعود انتشار بعض هذه النواقص والسّلبيات، إلى سوء التنظيم، وكذلك إلى ضُعْف قيمة الإستثمار الحكومي في البحوث العلمية، المتعلقة بالصحة، مما جعلت منظمة الصحة العالمية تُصنِّفُ الجزائر ضمن المراتب الأخيرة إفريقيًّا، وخصصت الحكومة نسبة 10% من إجمالي الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، أو حوالي حوالي 3,3 مليار دولار من ميزانية سنة 2018…
يَعْكِسُ قطاع الصحة العُمومية وَضْعًا عامًّا في الجزائر، اتَّسَمَ بالفساد والإهمال، والإبتعاد عن حُلم الأجْيال التي ساهمت في استقلال البلاد وفي التخطيط لمستقبل أفضل للأجيال القادمة… عن “الهيئة الوطنية لتطوير الصحة والبحوث” كانون الأول/ديسمبر 2018 + مجلة “ذا لانسيت” الطّبّية البريطانية (منتصف 2018 ) + صحيفة “الحوار” الجزائرية 30/01/2019 + منظمة الصحة العالمية أيلول/سبتمبر 2018 (معظم البيانات تخص سنة 2017)
هندوراس، بين دكتاتورية السّلطة و”الديمقراطية الشّعْبِية”: يُعدّ رئيس هندوراس (خوان أورلاندو هيرنانديز) من الموالين للولايات المتحدة (أو من أتباعها)، وأعلن نقل سفارة دولته من تل أبيب إلى القدس، خدمة لأمريكا والكيان الصهيوني، بعد إعادة تنصيبه في 27 كانون الثاني/يناير 2018، في ولاية ثانية، وتَدْعمه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بالأسلحة والعتاد وبالمستشارين العسكرِيِّين والأمْنِيِّين، لكنه يواجه مصاعب على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي في داخل البلد الذي يُعَدُّ أفقرَ دُول المنطقة، ويعيش أكثر من 60% من سُكّانه في حالة فقر (من إجمالي 8,7 ملايين نسمة)، مما يُفسِّرُ ارتفاع عدد المهاجرين من البلاد، أَمَلاً في عيش أفضل، وتعطلت الحركة في البلاد صيف سنة 2018، وخاصة الطرقات المؤدّية إلى البلدان المُجاورة (سلفادور ونيكاراغوا)، بعد رَفْع سعر الوقود، ثم واجه احتجاجات، في بداية العام 2019، في ذكرى إعادة انتخابه رئيسًا، في ظُرُوف مُرِيبَة، وشارك عشرات الآلاف من المتظاهرين، في ثُلُثَيْ أقاليم البلاد، وخاصة في العاصمة “تيغوشيغالبا” و”سان بيدرو سولا” ثاني أكبر مُدُن البلاد، بمناسبة مرور عام على إعادة انتخابه، في اقتراع اتّسم بالتحايل والتّزْيِيف، واستخدمت الشرطة العنف الشديد والغازات المسيلة للدموع، وتستمر الإحتجاجات منذ أكثر من شهرين (عند تحرير الخبر) ضد خصخصة قطاعات حيوية، مثل الصحة والتعليم، بعد خفض ميزانياتها لعدة سنوات، وخصوصًا خلال الفترة السابقة من رئاسة “هيرنانديز”، وسبق أن أضرب المُدرّسُون سنة 2018، احتجاجًا على خفض ميزانية التعليم، وشهدت معظم مدن البلاد اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمئات من المتظاهرين الذين ردّدوا شعارات تُندّد ببرامج الرئيس وفساد الحكومة، خلال احتجاجات ضد خصخصة قطاع التعليم والصحة…
انطلقت الإحتجاجات الحالية، في أواخر شهر نيسان/ابريل 2019، ضد خطة الحكومة، وصندوق النّقد الدّولي، لخصخصة المنظومة الصحية، والتعليم، وهما قطاعان، كانا يُعانيان من قلة التمويل، قبل قرار الخصخصة، الذي يُسمّيه صندوق النقد “إصلاحات”، فغالبية الأطفال الذين يكملون المرحلة الابتدائية، لا يتمكّنون من مواصلة التعليم الثانوي، بسبب نقص مؤسسات التعليم والمُدرّسِين، فيما تفتقر المستشفيات إلى المعدات والأدوات الطبية والأدوية، ولا يستطيع الفقراء شراء العقاقير، غير المتوفرة في المستشفيات… وستزيد الخصخصة من صعوبة الوضع، مما سوف يدفع مزيدًا من الفقراء لمغادرة البلاد، بحثًا عن عمل، قد ينتشلهم من الفَقْر…
منذ انطلاقة الإحتجاجات ضد الخصخصة، أطلق الباحثون والأطباء والمدرسون والنقابيون والمستقلون في 12 نيسان/أبريل 2019 مشروعًا لإصلاح التعليم والصحة، يعتمد على مُشاركة ذوي الإختصاص، والمواطنين، ليكون المشروع بديلاً سياسيًّا حائزًا على دَعْم المواطنين، ويُشكل هذا المشروع بديلاً للسياسة الحالية، ومن بينها خصخصة المرافق العمومية والخدمات، ويطرح المشروع حصول جميع المواطنين على التعليم الجيد والرعاية الطبية، كحق إنساني، وهو مشروع تقدُّمِي، يُعارض “توصيات” (أوامر؟) صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ويتميز بديمقراطيته، فهو مشروع “أُفُقِي” (يُشارك المواطنون في صياغته ونقاشه وتَبَنِّيه)، وليس عَموديًّا، من إعداد “تكنوقراطيين”، يرفضون مشاركة الجماهير في إعداده، إذ تَطْرَحُ هذه الخطة، نقاشًا واسعا، مع المواطنين، في أحياء المدن، وفي قُرى الريف، وتتطرق الخطة إلى مسألة الديمقراطية، ومشاركة المواطنين في القرار، ومكافحة الفساد، وفي لجان متابعة وتنفيذ التوصيات والقرارات… رغم الطابع السّلْمِي للحراك، اعتقلت الشرطة، سبعة من مُنَشِّطِي هذه المناقشات، خلال يوم واحد، لأنها تتناول جميع الموضوعات: نموذج المجتمع، والموارد لتنمية البلد، ومكافحة الفساد، الخ. يشارك المواطنون من الدول المجاورة والمراقبون من الدول الأخرى (كندا ، أوروبا …) في المناقشات، وتقويم التجربة… عن مُدوّنة الباحثة “آن وولف” 26/06/2019 + متابعة برقيات وكالة “رويترز” من بداية أيار/مايو إلى الرابع من تموز/يوليو 2019
بريطانيا – فوارق طبقية: تُرَدِّدُ الدِّعاية الحكومية منذ ثلاثة عقود إن مستوى البطالة منخفض، كدليل على نجاح السياسة الإقتصادية “النيوليبرالية” المحافظة (سواء كان الحزب الحاكم “محافظًا” أو “عُماليّا”)، وتدعي ارتفاع مستوى التوظيف، وارتفاع متوسط الرواتب، لكن لا يزال متوسط الدخل أقل مما كان عليه قبل الأزمة المالية، سنة 2008، قياسا على مستوى ارتفاع الأسعار، ومعظم الوظائف التي تم خلقها كانت في قطاعات ذات رواتب منخفضة، وإنتاجية متدنِّيَة، وهي سياسة أقرتها الحكومة لصالح الشركات التي تُفضّل توظيف عمال يسهل تسريحهم، بدل الاستثمار في التكنولوجيا أو التدريب أو تحسين الكفاءة، ولذلك فإن مجمل هذه الخطط تُؤَدِّي (في بريطانيا، كما في هولندا وغيرها) إلى تراجع الدّخل الحقيقي للعمال والفُقراء ومتوسّطي الدخل، وأصبحت هذه الفئات أكثر فَقْرًا مما كانت عليه سنة 2010، وأدّت إلى ارتفاع الفقر بين الأطفال، وارتفاع حالات التشرد، كما سجل اللجوء إلى بنك الغذاء (الطعام) أرقاماً قياسيّة مع زيادة عدد الإمدادات الطارئة الموزّعة عبر بريطانيا بنسبة 20% سنويا، خلال السنوات الخمس الماضية، بسبب ارتفاع عدد البريطانيين غير القادرين على تأمين الطعام لأنفسهم ولأُسَرِهِم، وأعلنت جمعية “تراسل تراست” ( Trussell Trust ) إحدى الجمعيات الخيرية التي توزع الطعام على الفُقراء (بعد بحث دقيق حول وضع “المُسْتَفِيدِين”) إنها وزعت، خلال الربع الأول من سنة 2019، قرابة 1,6 مليون من الإمدادات الطارئة للطعام، تكفي لثلاثة أيام، وتخص هذه الأرقام جمعية واحدة، واتفقت الجمعيات على نسبة الزيادة (مقارنة بالعام السابق) ومعدلها 20% كما اتفقت على ارتفاع عدد الأطفال المحتاجين إلى الطعام، وأظْهرت بيانات حُكومية، نُشِرت آخر شهر آذار/مارس 2019، إن 3,7 ملايين طفل (بزيادة 200 ألف عن نفس الفترة من السنة الماضية 2018)، يعيشون في فقر مُدْقَع، ويضطر المحتاجون إلى انتظار خمسة أسابيع، في المُتوسّط، للحصول على منحة طارئة من مصالح الرعاية الإجتماعية الحكومية، مما يضطر أكثر من ثُلُثِ المُستحقين إلى التنازل عنها، نظرًا لفترة الإنتظار الطويلة، للحصول على مبلغ ضئيل، لا يكفي لتغطية الحاجات الأساسية…
نشرت مؤسسات بحث وجمعيات بريطانية، دراسات تتوقع ارتفاع عدد الأطفال الواقعين تحت طائلة الفقر المدقع، خلال السنوات الخمس المقبلة، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2018، حذّر مُقَرِّر الأمم المتحدة، المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان، من النتائج السلبية للسياسات الحكومية وللتخفيضات الحادة في الدعم الاجتماعي، والتي قد تؤدّي إلى ارتفاع نسَب الفقر وإلى ارتفاع عدد الأطفال المُتَسَوِّلِين، ويعود السبب الرئيسي لارتفاع مستوى الفقر، إلى انخفاض الرواتب، وانتشار العمل غير الآمن، وإلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصة إيجار الْمَسْكن، وتدعو النقابات والجمعيات الخَيْرِيّة إلى إقرار برامج لمساعدة المواطنين على إيجاد وظائف مستدامة، وبرواتب مُتناسِبَة مع تكاليف المعيشة، للخروج من حالة الفقر…
في نفس السِّياق، أظهرت دراسة نشرتها مؤسسة “إمبيتس” (حافز) الخيرية، أن أبناء العائلات الفقيرة أكثر عرضة للبطالة بمقدار الضعفين بسبب “الفجوة في وظائف الشباب” بين الأغنياء والفقراء، وأنّ أكثر من 25% من الأطفال الذين كانوا يحصلون على وجبات طعام مجانيّة في المدارس بسبب فقرهم، لم يتمكّنوا من مواصلة تعليمهم، بسبب الفقر، ولم يجدوا عملاً، وبقوا في حالة بطالة، وبدون تأهيل، بعد مغادرة المدرسة، ولا يمكن (بحسب دراسة هذه المؤسسة الخيرية) تفسير الفجوة في التوظيف بالاستناد إلى التعليم وحده، بل إن وضع الشباب الفقراء (من أُسَر فقيرة) الحاصلين على مؤهلات عليا، يبقى أسوأ من غيرهم من الفئات الوسطى أو الميسورة، وقدّرت الدّراسة إن نسبة الحرمان من التعليم العالي أو الجَيّد، والحرمان من التأهيل والتّوظيف، ترتفع بنسبة لا تقل عن 50% لدى الشباب الفقراء، خاصة في السنوات الأولى لبلوغهم سن الرشد، مما يُحَدّدُ، بنسبة كبيرة، وضْعَهُم الطّبَقِي طيلة حياتهم، وربما يحدد الوضع التعليمي والمهني لأبنائهم، وبالتالي فإن الوضع الطبقي موْرُثٌ في جزء كبير منه… عن رويترز + “إندبندنت” + “المعهد الوطني للبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة” 26 و 27 و 28 و29/04/2019
أمريكا أكبر مُلَوث عالمي: تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية كبرى في زيادة الإنبعاثات، وفي مشاكل البيئة وتغيير المناخ في العالم، ونشرت جامعة “جورجيا” الأمريكية دراسة سنة 2018، بشأن إعادة تدوير النفايات، وَوَرَدَ في الدّراسة “إن أوروبا لا تُعيد تدوير سوى 30% من نفاياتها، ولكن الولايات المتحدة تُلْقِي بنحو 91% من النفايات في المَكَبَّات، أو في المُحيطات…”، ومع ذلك قررت الدولة الإتحادية زيادة إنتاج النفط الصخري، وتعدين الفحم، والقضاء على مساحات كبيرة من أراضي السكان الأصليين ، وتسميم المياه في ولاية “داكوتا”، وتمرير أنبوب النفط بطول 1900 كلم، من حقول النفط في مقاطعة “ألبرتا” الكندية، ليصل النفط في نهاية المطاف إلى معامل التكرير في خليج “نبراسكا” بولاية جنوب المكسيك الأمريكية (والتي استولت عليها الولايات المتحدة بالقوة، في منتصف القرن التاسع عشر)…
تُنْتِج الولايات المتحدة نحو 18% من غاز أكسيد الكربون الطي يُنْتِجُهُ العالم، ومعظمه متأتي من توليد الطاقة، المستخدمة في النقل وفي المصانع، مما يزيد من الانبعاثات التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية، فتضر بالغابات، وتتسبب باضطراب المناخ، ويعيش نحو 60% من الأمريكيين في مناطق مُلَوّثَة المحيط والهواء، وخصوصًا في ولاية كاليفورنيا التي تعتبر الأسوأ من بين جميع الولايات الأمريكية، ووصل التلوث إلى درجات خطيرة في “لوس أنجلس” (حوالي 20 مليون نسمة)…
يمر خط الأنابيب المسمى “كيستون إكس” (بدعم قوي من حكومات الولايات المتحدة وكندا وشركات النفط) من الأراضي والمياه والغابات الواقعة في مناطق (“مَعازل” أو “محميات”) السكان الأصليي، الذي يُعارضون بشدّة، لخِشْيَتِهِم من الأضرار التي قد يتسبب بها على البيئة، وكان الرئيس أوباما قد عَلَّقَ تنفيذ المشروع (سنة 2015)، إثر الإحتجاجات الجماهيرية الضخمة للسكان الأصليين في ولاية “داكوتا”، والتي دامت أَشْهُرًا، رغم القمع الشديد، والمُحاصرة، والبرد الشديد والثلوج، وتولّى القضاء النّظر في أهمية المشروع، وتقويم الأضرار التي يُلحقها بأراضي ومياه ومناطق سَكَن السكان الأصليين، وأقرت محكمة أمريكية بولاية “مونتانا”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، تعليق بناء هذا المشروع الضخم، مما شكّل انتكاسة خطيرة لدونالد ترامب الذي عمل، منذ تولي منصبه، على إعادة إطلاق المشروع (بالتنسيق مع حكومة كندا التي تدعمه بقوة)، الذي يتعرض لانتقاد شعبي في الولايات المتحدة وفي كندا، بسبب المخاطر التي يطرحها على البيئة وعلى السكان الأصليين، لكن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أصْدَرَ يوم الجمعة 29 آذار/مارس 2019، إذنًا جديدًا لبناء خط أنابيب “كيستون أكس” الضخم لنقل النفط، والذي يربط بين حقول الإنتاج في مقاطعة “ألبرتا” بكندا (مُرُورًا بمقاطعة “فيليبس” في “مونتانا”)، ومعامل التكرير في خليج “نبراسكا”، بولاية “جنوب المكسيك” الأمريكية، على مسافة تقارب أَلْفَيْ كيلومتر، بهدف تصدير نفط كندا الخام إلى الولايات المتحدة، وتدعم الحكومة الكندية المشروع، ورحبت بقرار الإِذْن الذي أصْدَرَهُ الرئيس الأمريكي، والذي يلغي الترخيصات السابقة ويحلّ محلّها، وقد لا يخضع المشروع من جديد لدراسات تتعلّق بأثره على البيئة… عن مجموعة “فيريسك مايبلكروفت” – أ.ف.ب 05/07/2019
عالم غير مُتَوازن 1: تَنْشُرُ مجلة “فوربس” كل سنة قائمة أكبر مائة شركة قيمةً في السّوق (القيمة “السُّوقِيّة)، وتجاوزت قيمة ثلاث شركات (مختصة في مجال التكنولوجيا) الـ 100 مليار دولار، ضمن قائمة سنة 2019، وحلّت شركة “آبل” في المرتبة الأولى بقيمة 205,5 مليار دولارا، و”غوغل” ب167,7 مليار دولارا، و”مايكروسوفت” بقيمة 125,3 مليار دولارا، و”آمازون”، بقيمة 97 مليار دولارا، و”فيسبوك” بقيمة 88,9 مليار دولارا، وجميعها شركات تكنولوجية، وحَلّت “ماكدونالدز” في المرتبة العاشرة، كما أظْهَرت بيانات الشركات إن شركات التكنولوجيا تُحقِّقُ أعلى معدّل للأرباح، ستة من أول سبع شركات، وإحدى عشر شركة، من ضمن أكبر 25 شركة، وبلغ نمو الأرباح، من سنة 2017 إلى 2018، نسبة 37% لشركة “آمازون” و 34% لشركة “نتفلِكْس” و 27% لشركة “غوغل” و كذلك “أدوب”، وهي نِسَبٌ أعلى بكثير من عدة قطاعات أخرى، منذ بضعة سنوات، وتجدر أيضًا ملاحظة تركيز الشركات الأولى من حيث قيمتها في السّوق ومعدل نمو الأرباح، في الولايات المتحدة، مهد الرأسمالية الإحتكارية، وموطن أثرى أثرياء الولايات المتحدة والعالم (جيف بيزوس) بثروة قدرها 131 مليار دولار. أما الملاحظة الثانية فهي اتساع الهُوّة بين عائد المال الذي يُنتج مالاً (أي ما يُسمّى في لغة الأدْيان: “الرِّبا”)، والذي ما انفَكّ يرْتفع، وعائد العَمل، الذي ما فَتِئَ ينخفض، أي عدم إمكانية تحقيق الثّروة بفضل العَمل، وقوّة احتمال تحقيقها، بفضل المُضارَبَة، وكان “جوزيف ستيغليتز” (موظف سامي سابق في البنك العالمي، وحائز على جائزة نوبل سنة 2001) قد حلّل نمو الثروات واتساع الهوة، في كتابه “كلفة عدم المساواة” ( The Price of Inequality ) المَنْشُور سنة 2013، قد أشار إلى نمو الثروات بالوراثة، وبالمُضاربة (“نَقْل الثّرْوة، بدلاً من خَلْقِها”، بحسب عبارة “ستيغليتز”)، مما يزيد من تعميق الفجوة الطبقية، بين الأثرياء الذين لا يعملون، والفُقراء الذين يعملون كثيرًا وينالون قليلا من المال، وهو ما أثبته الباحث الفرنسي “توماس بيكتّي” في كتابه “رأس المال في القرن الحادي والعشرين”، وأظْهر العديد من الباحثين (وهم ليْسُو اشتراكيين بالمَرّة) الخلل الواضح بين نمو الناتج المحلي وتوزيع ناتج النمو، على صعيد البلد الواحد، كما على مُستوى العالم، واتّسَعت الهُوّة على مر السنين والعُقُود والقُرُون، منذ القرن الثامن عشر…
بشأن الفارق بين عائد العمل وعائد رأس المال، أظْهر تقرير نَشَرَهُ صندوق النّقد الدّولي انخفاض حصة الرواتب، بنسبة النّصف، في الدول الرأسمالية المتطوّرة، بسبب التطور التكنولوجي، الذي أدى إلى إلغاء ملايين الوظائف، واندثار العديد من المِهَن اليدوية، وغير اليدوية، كما أن الإحتكار و”مَرْكَزة” رأس المال (عبر الإستحواذ والإندماج) أدّى إلى تسريح ملايين العُمّال والمُوظّفين، وإلى تَقْلِيص حصة الرواتب، بالإضافة إلى الدّعم المتواصل لرأس المال، من قِبَل الحكومات، وخفض الضرائب، وضخ المال العام في المصارف والشركات الكُبْرى، وأصبح جهاز الدّولة يُحوّل المال من الفُقَراء إلى الأثرياء، ليزدادوا ثَراءً، ويعترف خُبراء صندوق النقد الدّولي، في دراسة نُشِرت سنة 2015، إن سوء توزيع الدّخل يُؤَدِّي إلى زيادة ثروة الأثرياء، وانخفاض حصة الفقراء، وحتى الفئات متوسّطة الدّخل، مما يُهدّد بزيادة انتشار الفقر… عن وكالة “بلومبرغ” + مجلة “فوربس” من 24 إلى 30/06/2019
عالم غير متوازن 2 : يؤكّد الباحثان “وليام هاوس” و “جيسون هولاند” (المرجع أسْفَلَ هذه الفقرات) إن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية شكّلت “انحرافاً”، أو استثناءً، بهدف إعادة البناء وإنفاق أموال كثيرة على إنشاء المباني والطرقات والجسور وغيرها مما هدمته الحرب في أوروبا وآسيا، لتعود الرأسمالية، بعد حوالي ثلاثة عُقُود، إلى فَرْضِ رواتب منخفضة، وظروف عمل سيئة، لتتسارَعَ وتيرة ارتفاع ثروة الرأسماليين والمُضارِبين، بنفس القَدْر الذي ازدادت به حدة الإستغلال، ونهب الموارد الطبيعية، وانخفاض القيمة الحقيقية للرواتب، منذ منتصف سبعينات القرن العشرين إلى غاية الآن (نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين)، بالتوازي مع انتشار الهراء والكذب في وسائل الإعلام المُهَيْمِنَة، التي فقدت تَنَوّعها، فأصبحت تُرَوّجُ نفس العاية: “لا بديل عن الرأسمالية الإحتكارية المُعَوْلَمة”، لأنها وحْدَها قادرة على تحقيق التقدم التكنولوجي، والنمو الاقتصادي، بحسب الإعلام السّائد، لكن لا حديث عن توزيع ثمرة النّمُوّ، ولا عن زيادة الفوارق الطبقية بين أقلية ثرية وأغلبية فقيرة، داخل كل بلد، أو بين ما اصْطُلِحَ على تسميته ب”الشمال” الغني، و”الجنوب” الذي تضم أراضيه الثروات، ويكْدَحُ عُماله وعاملاته ومُزارعُوه، ليلاً نهارًا، فيزدادون فَقْرًا…
استقرّت الرواتب في الولايات المتحدة (رائدة الرأسمالية) منذ أكثر من أربعة عقود، بل لا يزيد متوسط دَخْل العامل عن مستوى دَخْل سنة 1973، واحتكر 1% من الأثرياء أكثر من نصف الثروة التي خَلَقَها عُمال ومزارعو، ومُنْتِجُو العالم، بين سنتَيْ 2008 و2016، وأصبح عشرة أشخاص يملكون ثروة ماليّة تعادل ما يملكه نصف الكوكب، ولم يكُنْ هذا التّفاوتُ المُجْحِفُ نَتِيجَة “خلَلٍ طارئٍ”، بل يَعْكِسُ جوهر الرأسمالية، في مرآة الواقع اليَوْمِي، ولا يستطيع معظم الأمريكيين تحمّل كلفة فاتورة طوارئ بقيمة 500 دولار، بينما يتمتع الرأسماليون والمُضارِبُون بالبُنْيَة التحتية، وبالمرافق العامة، التي أنفقت عليها الدولة من المال العام، ولا يستخدمها الفُقراء (كالمطارات والموانئ والطرقات “السريعة”…)، ويتمتع الأثرياء بالحوافز وبما سُمِّيَ “التّيْسِير الكمّي” (القُروض بدون فائدة) من المال العام (من المصراف المركزية)، بالإضافة إلى الإعفاء من الضّرائب…
يستغل رأس المال “الأزمات” المُفتعَلَة أو الحقيقية، لِتَكْثِيفِ استغلال العاملين، وتدمير البيئة (أي مُقوّمات الحياة)، لأن دعم الدّولة لهم، جعل ميزان القوى يميل لصالحهم، وعلى سبيل المثال، لا يتجاوز أجر العُمال “العادِيُّون” في متاجر ومخازن “وول مارت” (أكبر مجموعة في العالم لتجارة التجزئة) 7,25 دولارا في الساعة، ولا يتجاوز متوسط أجور العاملين والموظفين، عشرة دولارات في الساعة، بينما تملك الأُسْرة المالكة لهذه المجموعة، والتي اشتهرت بفرض ظروف عمل تُذَكِّرُ بعهود العُبُودية، ثروة تفوق بـ40% ما يملكه الأمريكيون المنتمون للطبقة الدنيا…
يُهيمن رأس المال على وسائل الإعلام، لِيُحَوِّلَ الأنظارَ عن المشاكل الحقيقية للأغلبية الساحقة من الإنسانية، ولِيُشعل الحروب بين الفُقراء، داخل كل بلد، وعلى مُسْتَوى العالم، كما استحوذت الشركات الرأسمالية الكُبْرى على الأراضي الزراعية، التي تُنْتِج غذاء البشرية، وطَرَدُوا المزارعين، كما استحوذت الشركات على تُراث البَشَرِية، عبر امتلاك براءات اختراع التكنولوجيا، واستحوذ رأس المال، بذلك، على الغذاء والدّواء، وقالوا: “لا وُجُود لبديل للوضع القائم الذي نفرضه عليكم”، ومن يخرجُ عن الصّف، ويُخالف الإيديولوجيا السائدة التي تُرَوِّجُها وسائل الإعلام، تتكفل أجهزة الدولة المُسَلّحة، بقَمْعِه، ويتكفّل جهاز القضاء بسجنه وتغريمه، وتتكفل المُنظّمات الخيرية بسد رمق من جاع ولَمْ يَثُرْ في وجه من تسبب بالجوع، وبالفقر وبقفدان العمل والمأوى…
إن البَدَائل مُتَوفِّرَة، لكنّها تتطلب اتحاد الفُقراء، وهم الأغلبية، ضد الأثرياء، وهم أقلِّيّة، لكنهم يُسَيْطرون على المصارف وعلى أجهزة الدولة، وعلى الإعلام، ولديهم كافة أنواع الأسلحة النارية والفكرية…
أعلن “وارن بافيت”، أحد أثرى أثرياء العالم: “إنها حَرْبٌ طَبَقِيّة، انتصرت فيها طَبَقَتِي، طبقة الأثرياء”، ويكمن البديل في العمل من أجل وحْدَة وانتصار الأغلبية، على هذه الأقلية، من أعداء المُنْتِجِين والفُقراء وأعداء الطبيعة، وإقامة نظام، يضمن التعليم والرعاية الصحية والسكن والنقل والثقافة والترفيه للجميع، ويطلب “من كل حسب قُدُراته، وجهْدِهِ”، ويُعطي “لكل حسب حاجته”… بتصرف عن “غلوبل ريزرش” (كندا) 06/07/2017
عالم غير متوازن – بيئة 3: تعقد الأمم المتحدة “قمة المناخ” في أيلول/سبتمبر 2019، في مقرّها بمدينة نيويورك، وأعلن الأمين العام: “إننا نتجه، بخطى سريعة، نحو الكارثة، لأن الخراب المتأتي من ظواهر التغير المناخي بات يضرب الكوكب بوتيرة أسبوعية، ووجب إعلان حالة الطوارئ المناخية…”. قد نتفق مع الرجل في توصيف الوضع، لكنه لن يتجرّأ على اتهام المتسبِّبِين في هذه “الكارثة”، كما وصفها، فشركات النفط، وشركات النقل الجوي والبحري، ومصانع كوكاكولا وشركات إنتاج البلاستيك والطاقة وغيرها، هي المتسبب الرئيسي في تدمير الكوكب، بينما ينفي الرئيس الأمريكي وجود أي تهديد للبيئة، وانسحبت دولته من اتفاق المناخ “اتفاق باريس – 2015″، متواضع الأهداف، كما تهاونت الدّول الغنية في تنفيذ تعهداتها المتواضعة أيضًا، بمقتضى اتفاق باريس، رغم الدراسات والبحوث العلمية، واضطراب المناخ بسرعة كبيرة، وتعدّد الكوارث الطبيعية، التي يذهب ضحيتها الفُقراء، من جفاف وفيضانات وعواصف، حتى في الولايات المتحدة ذاتها…
أظهرت التقارير الصادرة سنة 2018، بشأن تغير المناخ أن حصر الإحْتِرَار بـ1,5 درجة مائوية “يجّنب الكوكب تداعيات وخيمة”، فيما أشارت بعض التقديرات إلى الحاجة لثلاثمائة مليون دولار سنوياً بحلول العام 2030، لمساعدة الدول على التعامل مع الكوارث المتعلقة بالمناخ، مع الإشارة إن دولة فقيرة مثل كوبا، تقاوم الكوارث، دون مساعدة خارجية، وحَدّت، بفضل الوقاية وتوعية المواطنين، من الخسائر البشرية والمادّية…
من جهتها، توقعت “منظمة العمل الدولية” التابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر يوم الإثنين 01/07/2019، بعنوان “العمل على كوكب باتت حرارته أعلى: تأثير الإجهاد الحراري على الانتاجية في العمل والعمل اللائق”، أن يؤدي الاحتباس الحراري من خلال تسببه بارتفاع الإجهاد الحراري في الزراعة وقطاعات أخرى، كالصناعة، إلى خسارة في الإنتاجية توازي فقدان ثمانين مليون وظيفة بحلول العام 2030، وأن يتسبب ارتفاع درجات الحرارة ب1,5 درجة مائوية، بضياع نحو 2,2% من ساعات العمل في العالم، كمتوسط، مع ارتفاع الخسارة في جنوب آسيا وغرب إفريقيا إلى ضياع 5% من ساعات العمل بحلول العام 2030، وفق التقرير، الذي نُشِرَ بعد يوميْن من تأكيد الولايات المتحدة، بنهاية لقاء قمة العشرين بمدينة “أوساكا” (اليابان)، عدم التزامها باتفاق باريس، بشأن المناخ، وقَدّر التقرير قيمة هذه الخسائر الاقتصادية بنحو 2,4 تريليون دولار على المستوى العالمي، أو ما يوازي الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل بريطانيا، وأدّى نَقْل الصناعات الملوثة، وكثيفة العَمالة، بالإضافة إلى استحواذ الشركات العالمية على الأراضي الزراعية للبلدان الفقيرة، إلى نزوح سكان الأرياف (في البلدان الفقيرة) وإلى زيادة التفاوت بين الدول ذات الدخل المرتفع والدول ذات الدخل المنخفض وتدهور ظروف العمل لأكثر الفئات ضعفاً وهشاشَةً، خصوصًا في قطاع الزراعة، حيث يعمل نحو 940 مليون شخص في العالم، لإنتاج ما يحتاجه سُكان الدول الفقيرة والغنية، ويؤدّي ارتفاع درجات الحرارة والتلوث إلى خسارة كبيرة لساعات العمل في القطاع الزراعي، تشكل نحو 60% من ساعات العمل الضائعة بحلول العام 2030، وتشكل ساعات العمل الضائعة في قطاع البناء والإنشاء نحو 19% من الخسارة في الانتاجية، وخصوصًا في جنوب آسيا وغرب إفريقيا، حيث استحوذت الشركات العابرة للقارات على الأراضي، ونقَلَتْ مصانعها المُلَوِّثَة، لإنتاج ما يحتاجه عالم الأثرياء، بأقل ما يُمكن من الإنفاق، وهي المناطق الأشدّ معاناة من موجات الحرّ، وتفتقد إلى البنية التحتية الملائمة، وإلى أنظمة الإنذار المُبَكِّر، وأنظمة الإنقاذ…
(الإجهاد الحراري = وصول الحرارة درجة أعلى مما يتحملها الجسم، وتُعرّضُه لأضرار “فيزيولوجية”، وهو ما يحصل عند ارتفاع درجة الحرارة أعلى من 35 درجة، مع ارتفاع درجة الرطوبة، ويبذل الجسم جُهْدًا إضافيًّا للمحافظة على مستوى النّشاط، مما يُصيبُه بالإرهاق، ويُؤثر ذلك، سَلْبًا، على الإنتاجية في العمل) عن منظمة العمل الدولية – أ.ف.ب 02/07/2019 (بتصرّف)
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.