28 أيلول/سبتمبر 2019
سيدي الرئيس؛
السيّد الأمين العام؛
السادة رؤساء الدول والحكومات؛
حضرات المندوبات والمندوبين الكرام؛
أعبّر عن تعازينا الصادقة لكومنولث البهاما لما منيت به من خسائر بشريّة ودمار مروّع جرّاء عبور الإعصار “دوريان” بأراضيها. وأدعو المجتمع الدولي إلى حشد الموارد من أجل تقديم المساعدة.
سيدي الرئيس:
أميطُ اللثام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن شروع حكومة الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة بتطبيق إجراءات إجراميّة، غير تقليديّة، هدفها منع تزويد بلدنا بوقود مصدره أسواق مختلفة، وذلك من خلال تهديد وملاحَقة الشركات التي تقوم بنقل هذا الوَقود وحكومات البلدان التي تسجّلها وترفع علمها وشركات التأمين.
كمحصّلة لذلك واجهنا وما نزال صعوبات شديدة لتأمين حاجتنا من المحروقات اللازمة لصون حركة الحياة اليومية في البلاد، مما أجبرنا على اتخاذ إجراءات ظرفيَّة طارئة، ليس بالوسع اتخاذها إلا في بلد منظَّم، ذي شعب موحَّد وتضامني، ومستعدّ للدفاع عن نفسه في وجه العدوان الأجنبي وحماية العدالة الاجتماعية المحرزة.
في السنة الأخيرة، زادت الحكومة الأمريكية بصورة نوعيَّة إجراءات عدوانها وحصارها ضد كوبا. فقد وضعت عقبات إضافية أمام التجارة الخارجية وضاعفت ملاحقتها لعلاقاتنا المصرفية-الماليّة مع بقيّة العالم. قيّدت السفر وأي عمل تفاعلي بين كلا الشعبين إلى أقصى الحدود. وهي تعرقل أيضاً روابط واتصال الكوبيين المقيمين في الولايات المتحدة مع وطنهم الأصلي.
تسترشد استراتيجية الإمبريالية ضد كوبا حتى يومنا هذا بالمذكّرة المشينة التي أصدرها عام 1960 مساعد وزير الخارجية الأمريكي ليستير مالوري، وتقول: “… لا يوجد معارضة سياسيّة فعّالة (…) الوسيلة الوحيدة الممكنة لإفقادها (أي الحكومة) الدعم هي إحداث إحباط وتثبيط للعزيمة من خلال إشاعة العوز الاقتصادي والفاقة (…) لا بدّ من أن توضع حيّز التطبيق على وجه السرعة كل الوسائل الممكنة لإضعاف الحياة الاقتصاديَّة (…) من خلال حجب المال والمؤن عن كوبا بهدف تقليص الأجور الإسميّة والفعليّة، وذلك بهدف التسبب بالجوع واليأس والإطاحة بالحكومة”.
“قانون هيلمز-بيرتون” اللاشرعي الصادر عام 1996 يحكُم سلوك الولايات المتحدة العدواني تجاه كوبا. يكمن جوهره في السعي الشرس للتشكيك في حق الأمة الكوبية بتقرير المصير والاستقلال.
وينطوي أيضاً على فرض السلطة القانونية الأمريكية وسلطة محاكمها على علاقات كوبا التجارية والمالية مع أي بلد كان، ليضرب القانون الدولي عرض الحائط ويدوس القانون الوطني الكوبي وقوانين بلدان أخرى، سعياً لفرض التفوق المزعوم لقانون الولايات المتحدة وإرادتها السياسيّة على هذه الدول.
لا زال الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الأمريكي يشكل العقبة الرئيسية أمام نموّ بلدنا وأمام تقدّم عمليَّة تحديث النموذج الاشتراكي للتنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي وضعها بلدنا نصب عينيه.
تُخصَّص الولايات المتحدة سنوياً عشرات الملايين من الدولارات من موازنتها الفدراليَّة للتحريض السّياسي، وذلك بنيّة تضليل شعبنا وإضعاف وحدته، تكمّلها حملة إعلامية موجّهة نحو الدفع للتشكيك بمصداقية الثورة وقادتها وإرثهم التاريخي المجيد، والطعن بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية لصالح التنمية والعدالة، وتدمير أفكار الاشتراكيَّة.
يوم الخميس الماضي، واستناداً إلى افتراءات خرقاء، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي، جنرال الجيش راؤول كاسترو روز، لن يتمكن من الحصول على تأشيرة دخول إلى أراضي هذا البلد. يتعلّق الأمر بإجراء لا أثر عمليّ له، ويرمي إلى إهانة الكرامة الكوبية ومشاعر شعبنا. إنه فتات انتخابي يجري إلقاءه على اليمين الكوبي-الأمريكي المتطرف. غير أن الأكاذيب العلنيّة والمهينة المستخدَمة في محاولة تبريره، والتي ندينها بأشدّ لَهجَة، تعكس الدناءة والعفن اللذين يتعيّن على هذه الحكومة الأمريكية، الغارقة في الفساد والكذب والفجور، اللُّجوء إليهما.
كلّها إجراءات تنتهك القانون الدولي وتخرق ميثاق الأمم المتحدة.
آخر الذرائع المشهورة، وكررها رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، هنا يوم الثلاثاء الماضي، تسعى لتحميل كوبا مسؤولية فشل مخطط الإطاحة بالحكومة البوليفارية في فنزويلا بالقوة. وفي سبيل إخفاء بطولة الشعب الفنزويلي، يستخدم المتحدثون الامريكيون تكراراً الافتراء الرخيص الذي يدعى بأن لكوبا “ما بين 20 و25 ألف جندي في فنزويلا (…) يمارسون السيطرة” على هذا البلد.
قبل ذلك بدقائق، كان رئيس البرازيل قد استخدم، من على هذا المنبر، دليل الأكاذيب المكتوب في واشنطن، والمُضخَّم بالرقم الفاضح البالغ “60 ألف عنصر عسكري” كوبي في فنزويلا.
كجزء من هاجس عدائها لكوبا، وصل الأمر بحكومة الولايات المتحدة الحالية، وبترديدٍ برازيلي، إلى مهاجمة برامج التعاون الطبي الدّولي الذي تتقاسمه كوبا مع عشرات البُلدان النّاميّة، والموجّهة إلى أفقر المجتمعات، وتقوم على أساس الحسّ التضامني والجاهزية الطوعية الحرة لمئات الآلاف من المهنيّين الكوبيين، ويتم تنفيذها على أساس مشاريع تعاون متّفق عليها مع حكومات هذه البلدان وتحظى منذ سنوات كثيرة بتقدير المجتمع الدولي وهذه المنظمة نفسها ومنظمة الصحة العالمية بصفتها تعبيراً نموذجيّاً عن التعاون “جنوب-جنوب”.
كمحصِّلة لذلك، تم حرمان مجاميع برازيلية كثيرة من الخدمة الطبية المجانيَّة وذات الجودة، التي كان آلاف من المهنيين الكوبيين يقدّمونها في كنف برنامج “مزيد من الأطباء”.
لم تغب خلال هذه الفترة لا التهديدات ولا أوقح أنواع الابتزاز، ولا كذلك الدعوات الوقحة لكي يخون بلدنا مبادئه والتزاماته الدوليَّة مقابل الحصول على النفط بشروط تفضيليَّة وصداقات مشبوهة.
لدى الاحتفال بالذكرى الستّين لانتصار الثورة الذي حققنا به نحن الكوبيين استقلالنا الحقيقي والنهائي، أعرب السكرتير الأول راؤول كاسترو: “… نحن الكوبيين جاهزون لمقاومة وَضع مواجهة، نحن لا نتمنّاه، ونأمل أن تتمكّن العقول الأكثر اتزاناً في الحكومة الأمريكية من منعه”.
لقد أكدنا تكراراً أنه حتى في الظروف الراهنة، نحن لا نتراجع عن إرادتنا في تطوير علاقة حضاريّة مع الولايات المتحدة تقوم على أساس الاحترام المتبادل والاعتراف باختلافاتنا العميقة.
نعرفُ أن هذه هي رغبة شعبنا وأنه الشعور الذي يراود السواد الأعظم من شعب الولايات المتحدة والكوبيين الذين يعيشون هناك.
أؤكد على ذات النحو بأن العدوان الاقتصادي، مهما بلغت قساوته، والتهديدات والابتزازات، لن تنتزع منّا تنازلاً واحداً. من يعرف تاريخ الكوبيين في الطريق الطويل الذي قطعوه في سبيل تحررهم وفي دفاعهم الثابت عن الحرية والعدالة المحرزَين، سيفهم بدون هامش للخطأ وزن هذه القناعات وصدقها وسلطتها، كما سيفهم طروحات شعبنا.
سيدي الرئيس،
تقوم العلاقة الثنائية بين كوبا وفنزويلا على أساس الاحترام المتبادل والتضامن الحقيقي. نساند بدون تردد الحكومة الشرعيّة التي يرأسها الرفيق نيكولاس مادورو موروس والتلاحم الأهلي-العسكرية للشعب البوليفاري والتشافيزي.
نستنكر سلوك حكومة الولايات المتحدة ضد فنزويلا، والذي يتمحور في تشجيع الانقلابات واغتيال قيادة الدولة والحرب الاقتصادية وتعطيل التزويد بالكهرباء. ندين تطبيق إجراءات قسريّة سافرة من جانب واحد والسطو على أصولها وشركاتها وعائدات صادراتها. إنما تشكّل جميع هذه الأعمال تهديداً خطيراً للسلام والأمن الإقليميين واعتداءً مباشراً على المواطنين الفنزويليين، الذين تجري محاولة ثني إرادتهم عبر أقسى السبل.
ندعو الجميع إلى إدراك ووعي هذه الأعمال، والمطالبة بوقف الإجراءات القسرية من جانب واحد، ورفض استخدام القوّة وتشجيع الحوار المحترِم على أساس مبادئ القانون الدولي والنظام الدستوري في هذا البلد.
قبل أيام قليلة، قررت الولايات المتحدة وحفنة من البلدان إنعاش “المعاهدة عبر الأمريكية للمساعدة المتبادلة”، المعروفة اختصاراً باسم “TIAR”، والتي أكل عليها الزمن، وهي معاهدة تنص على استخدام القوّة العسكريَّة. إنه قرار يمثل تراجعاً تاريخيّاً وخطَراً على السلام والأمن الإقليميَّين ويسعى لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية لجمهورية فنزويلا البوليفارية من خلال التحايل على القانون.
هو انتهاك غليظ أيضاً لـِ “إعلان أمريكا اللاتينية والكاريبي منطقة سلام”، الذي وقّعه رؤساء دول وحكومات أمريكا اللاتينية والكاريبي في هافانا في شهر كانون الثاني/يناير 2014. ويماثله في المعنى القرار الأمريكي بإنعاش “عقيدة مونروي” المشؤومة، وهي أداة هيمنة الإمبرياليّة التي حدثت بموجبها في قارتنا الأمريكية تدخلات وغزوات عسكرية وانقلابات ودكتاتوريّات عسكريّة وأبشع الجرائم.
كما شاهدنا قبل أيام قليلة في هذه الجمعيّة، عادة ما يشن رئيس الولايات المتحدة هجماته على الاشتراكيّة بتصريحات عامّة متكرّرة، لأهداف انتخابية واضحة، وفي الوقت نفسه يروّج لعدم تسامح مكارثيّ تجاه من يؤمنون بإمكانية قيام عالم أفضل ويحدوهم الأمل في العيش بسلام وبوئام مستدام مع الطبيعة، وبالتضامن مع الآخرين.
يجهل الرئيس ترامب أو يحاول إخفاء حقيقة أن الرأسمالية النيوليبراليّة مسؤولة عن التفاوت الاقتصادي والاجتماعي المتزايد الذي تعانيه اليوم حتى المجتمعات الأكثر تقدّماً؛ وأن هذه الرأسمالية، بطبيعتها، تحفّز الفساد والتهميش الاجتماعي وانتشار الجريمة وعدم التسامح العرقي وكره الأجانب؛ وينسى أو يجهل بأنه من الرأسماليّة قد نشأت الفاشيّة والأبارثيد والإمبرياليَّة.
تتزعّم الولايات المتحدة عمليَّة مُلاحَقَة فظة لقادة سياسيّين وحركات شعبيّة، وذلك من خلال حملات تشهير وتشويه للحقائق ومحاكمات قضائية يتم التلاعب بها بشكل فاضح وذات دوافع سياسية، بهدف قلب السياسات التي، ومن خلال السيطرة السيّادية على الموارد الطبيعية والقضاء التدريجي على الفوارق الاجتماعية، أقامت مجتمعات أكثر عدالة وتضامنية، مثّلت مخرجاً من الأزمة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وأملاً لشعوب أمريكا اللاتينية.
هكذا فعلوا مع رئيس البرازيل الأسبَق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي نطالب بإطلاق سراحه.
نشجب المحاولات التي تديرها واشنطن لزعزعة حكومة نيكاراغوا، ونؤكد على تضامننا الثابت مع الرئيس دانييل أورتيغا.
نتضامن مع بلدان حوض الكاريبي التي تطالب بتعويض مشروع عن النتائج الفظيعة للعبودية، وكذلك بالمعاملة العادلة والخاصّة والمتميّزة التي تستحقها.
نجدد التأكيد على التزامنا التاريخي تجاه حق شعب بورتوريكو الشقيق بحرية تقرير المصير والاستقلال.
نؤيّد المطالبة المشروعة بسيادة الأرجنتين على جزر المالوين وساندويش الجنوبية وجيورجيا الجنوبية.
سيدي الرئيس،
يشكل سلوك الحكومة الحاليّة للولايات المتحدة واستراتيجيتها للهيمنة العسكريّة والنوويّة تهديداً للسلام والأمن الدوليَّين. وهي تقيم نحو 800 قاعدة عسكرية في كل أرجاء العالم. تطوّر مشاريع لعسكرة الفضاء الخارجي والفضاء السيبراني، وكذلك الاستخدام السري وغير الشرعي لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات من أجل الاعتداء على دول أخرى. وانسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة حول الأسلحة النووية متوسطة المدى (INF) وشروعها على الفور بإجراء تجارب على صواريخ متوسطة المدى إنما يستهدف الدخول في سباق جديد للتسلُّح.
رئيس مجلسي الدولة والوزراء الكوبيين، ميغيل دياز-كانيل بيرموديز، أكد العام الماضي أمام هذه الجمعية: “… إن ممارسة تعددية الأطراف والاحترام الكامل لمبادئ وأعراف القانون الدولي من أجل السير نحو عالم متعدد الأقطاب وديمقراطي ومتساوٍ هما شرطان لضمان التعايش السلمي وحفظ السلام والأمن الدوليَّين وإيجاد حلول دائمة للمشكلات النظاميَّة”.
نؤكد على دعمنا لإيجاد حل شامل وعادل ودائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، على أساس إقامة دولتين، يسمح للشعب الفلسطيني بممارسة حقه بتقرير المصير والتمتّع بدولة مستقلة وذات سيادة ضمن الحدود السابقة لعام 1967، تكون القدس الشرقية عاصمة لها. ندين خطوة الولايات المتحدة من جانب واحد بفتح ممثليتها الدبلوماسيّة في مدينة القدس. ونشجب العنف الذي تمارسه القوات الإسرائيلية ضد السكان المدنيين في فلسطين والتهديدات بضّمّ أراضٍ من الضفة الغربية المحتلَّة.
نجدد التأكيد على تضامننا الثابت مع الشعب الصحراوي ودعمنا لإيجاد حل لقضية الصحراء الغربية يسمح له بممارسة حقه بتقرير المصير والعيش بسلام في أراضيه.
نؤيّد البحث عن حلّ سلميّ وتفاوضي للوضع المفروض في سورية، بعيداً عن التدخل الأجنبي وباحترام كامل لسيادتها ووحدة أراضيها. نرفض أي تدخل مباشر أو غير مباشر بدون موافقة السلطات الشرعية لهذا البلد.
نعبّر عن تضامننا مع جمهورية إيران الإسلامية حيال التصعيد العدواني من قبل الولايات المتحدة. وندين انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي مع إيران، وندعو إلى الحوار والتعاون على أساس مبادئ القانون الدولي.
نرحّب بالحوار ما بين الكوريّتين. إنما عبر الحوار والمفاوضات غير المشروطة فقط يمكن التوصل إلى حل سياسيّ دائم في شبه الجزيرة الكوريّة. ندين بلهجة شديدة فرض عقوبات من جانب واحد وظالمة على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
إن توسُّع رقعة حلف الناتو المتواصل باتجاه الحدود مع روسيا ينطوي على مخاطر كبيرة، يفاقمها فرض عقوبات تعسّفيّة نعبّر عن إدانتنا لها.
سيدي الرئيس:
ندعم وبتقدير نداء مسيرة فتية نيويورك التي قامت مؤخراً. التغيُّر المناخي، الذي لم تعد هناك عودة عن بعض آثاره، يهدّد بقاء الجميع، لا سيّما الدول الصغيرة الجُزريّة النامية.
الرأسماليّة غير قابلة للديمومة. معاييرها اللاعقلانية وغير القابلة للديمومة في الإنتاج والاستهلاك، والتمركُز المتزايد والظالم للثروات يشكلان التهديد الرئيسي للتوازن البيئي للمعمورة. لن يكون هناك نموّ مستدام بدون عدالة اجتماعيّة.
لا يُمكن المضي في التنصُّل من تطبيق المعاملة الخاصة والمتميّزة لبلدان الجنوب في العلاقات الاقتصاديّة الدولية.
الوضع الطارئ في غابات الأمازون يدفعنا للبحث عن حلول من خلال التعاون فيما بين الجميع، بدون استثناءات ولا تسييس، باحترام كامل لسيادة الدول.
سيدي الرئيس:
ينتشر فساد الأنظمة السياسية والنماذج الانتخابيّة وابتعادها المتزايد عن إرادة الشعوب. أقليّات جبارة وحصريّة، وبخاصة منها مجموعات شركاتية، تقرّر طبيعة وتركيبة حكومات وبرلمانات ومؤسسات اسداء العدالة وتطبيق القانون.
بعد إخفاق نيتها في إخضاع “مجلس حقوق الإنسان”، اختارت الحكومة الأمريكية التخلي عن عضويتها في هذه الهيئة لكي تضع عقبات اضافية امام الحوار والتعاون الدولي في هذا المجال.
ليس هو بخبرٍ ينبغي أن يكون مفاجئاً لنا: الولايات المتحدة هي البلد الذي يجري فيه انتهاك حقوق الإنسان بصورة منتظَمَة، وفي كثير من الأحيان بشكل صارخ ومع سبق الإصرار. قُتل في هذا البلد 36 ألف شخص، أي مائة يوميّاً، خلال عام 2018 بأسلحة ناريّة، بينما تحمي الحكومة منتجي هذه الأسلحة وتجّارها على حساب أمن المواطنين. ويموت فيه سنويّاً 91 ألفاً و757 شخص بسبب أمراض قلبية، جرّاء افتقادهم للعلاج المناسب. نسبة وفيّات الأطفال والأمهات بين الأفرو-أمريكيين تبلغ ضعف ما هي عليه بين السكّان البيض. 28 مليون شخص محرومون من التأمين الصحي والوصول الفعلي إلى الخدمات الطبية. 32 مليوناً من المواطنين لا يستطيعون القراءة ولا الكتابة وظيفيّاً. 2,2 مليون من الأمريكيين يقبعون في السّجون، و4,7 مليون منهم يخضعون للحرية المشروطة، بينما تحدث عشرة ملايين حالة اعتقال سنويّاً. يُمكننا أن نفهم الدافع لاهتمام الرئيس بمهاجمة الاشتراكيَّة.
نرفض التسييس والانتقائية والمناهج العقابية وازدواج المعايير في التعامل مع قضية حقوق الإنسان. ستظل كوبا على التزامها بإحقاق حق جميع الأشخاص وجميع الشعوب بالسلام ووالنموّ وحرية تقرير المصيرّ.
من واجبنا أن نمنع فرض نظام ثقافي شموليّ واستعبادي يفرض نفسه من خلال تدميره للثقافات القومية والهويّات والتاريخ والذّاكرة والرموز والخصوصيّة، ويسكت عن المشكلات البنيويّة للرأسمالية واللامساواة المدمِّرة التي تكبر بلا كابح.
الرأسماليّة “المعرفيَّة” تعرض علينا الشيء نفسه. الرأسمال الرّقمي يحلّ اليوم في قمة البورصات العالمية، ويستحوذ على ملكيّة المعطيات الرّقميَّة، ويستغلّ الهويّة والمعلومات والمعارف، ويهدد الحريّة والديمقراطيّة اللتين أضحتا منقوصتين بالمماثلة. نحن بحاجة لأشكال أخرى من الفكر الخاص والإنساني والمناهض للهيمنة، وللتحرك السياسي الحازم من أجل ترابط الحراك الشعبي في شبكات التواصل وفي الشوارع وفي صناديق الاقتراع.
تحتاج الدول المستقلّة لممارسة سيادتها على فضائها السيبراني والتخلي عن سراب “مجتمع الشبكات” أو “عصر الوصول إلى الإنترنت” ودمقرطة حوكمة الشبكة العنكبوتيَّة.
سيّدي الرئيس:
ما زال فكر بطل الاستقلال خوسيه مارتيه النافذ والكونيّ مُلهماً ومنبِّهاً لكوبيي الأجيال الجديدة. للكلماتُ التي خطّها قبل ساعات قليلة من مواجهته للموت في ساحة المعركة أهمية خاصة، حيث قال: “إنني أواجه في كلّ يوم خطر وهب حياتي من أجل بلادي ومن أجل واجبي (…) في منع الولايات المتحدة من التمدُّد، مع استقلال كوبا، في جزر الأنتيل والجثوم بهذه القوة الإضافية فوق أراضي أمريكتنا. كل ما فعلتُه حتى هذا اليوم، وكل ما سأفعله، هو من أجل ذلك (…)”.
قوّة مماثلة نجدها في كلمات أنتونيو ماسيو، الذي كتب في عام 1888: “من يحاول الاستيلاء على كوبا لن يجني إلا غبار أرضها مجبولاً بالدَّم، هذا إن لم يقضِ نحبه في المعركة”.
هي نفس الثورة والثورة الكوبية الوحيدة التي قادها فيدل كاسترو روز، ويقودها اليوم كل من السكرتير الأول راؤول كاسترو روز والرئيس ميغيل دياز-كانيل بيرموديز.
وبعد كل ذلك، إذا كان هناك من أحد ما زال يسعى لإخضاع الثورة الكوبية، أو يتوقّع من الأجيال الجديدة أن تخون ماضيها وتتخلى عن مستقبلها، فإننا نكرر باندفاعة فيدل،
الوطن أو الموت‘!
سننتصر!
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.