الحراك الشعبي ضد الفقر مقدمة ضد الاستغلال
مضمونه إشتراكي ما قبل الوعي والتأطير
“الحقيقة الوحيدة هي أن تثور”
ماو تسي تونغ
بدأت كتابات منذ عدة عقود تقول بأن “الفقر لم يعد محركاً للثورة” وهذا منطقي من حيث المبدأ، ولكن لم يتم ربطه بحقيقة أن راس المال أتقن إلى حد هائل فن وقدرة القمع وتطوير أدوات القمع باسرع من تطوير أدوات الإنتاج.
ولكن، منذ ثلاثة عقود أو أكثر، يشهد العالم شكلا جديدا من الحراك هو مطلبي واحتجاجي ومن الفقراء، وإن ليسوا وحدهم. حراكات عديدة وبدون قيادات ناظمة ومبادرة ومقاتلة ولكنها حراكات واسعة في عدة حالات وشرسة في حالات أخرى ومن ضمنها حتى الحراكات ضد مؤتمرات السبع “الكبار” والتي تم خصيها بمؤتمرات مضادة تبين أن من مموليها تيار “الثقافوية الماركسية وخاصة المضارب جورج شورش.
ولكن الأهم هي الحراكات على مستوى بلد وبلد آخر على حدة، أمس في بغداد واليوم في بيروت وكذلك في تشيلي وإكوادور، وكانت قبل عامين في كاليفورنيا ضد وول ستريت…الخ.
لقد دار جدال كثير حول الحراك عموماً، وخاصة الحراك في العراق ولبنان ومصر. واختلف المحللون، ومنهم من هو ماركسي وشيوخنجي (شكليا شيوعي وجوهريا إخواني) وفرانكفوني، ويميني ولبرالي…الخ.
ولكن، يبقى المعيار هو التالي، إن جاز لي ذلك:
فالناس الذين يخرجون من أقبية الفقر ومواقع الاستغلال إلى فضاء الشارع هم حدث بذاته ليس للمثقفين دور فيه وحبذا لو ان لهم، بل ويجب أن يكون. وحين يكون الحدث، يصبح من حق الجميع اختيار طريقة التعاطي معه بالضد أو مع. بقول آخر، فالحدث لا يستشير أحدا سواء كان الحدث إلى الأمام أو ردة إلى الخلف.
وحينما يُدين البعض حدثاً ما فهم إنما يدفعوننا للسؤال: هل نقول للناس لا تتحركوا؟ وهل يسمعوا منا اصلاً؟ لأن لا تتحركوا هي خطاب الأنظمة والطبقات الحاكمة/المالكة!
لذا، يصبح دور المثقف المشتبك أن يتفاعل مع الحدث طبقاً لإخلاصه وعمق قدرته. قد يُصيب وقد يُخطى، ولكنه على الأقل لا يُخطِّىء الحدث لأن قرار الحدث ليس بيده، لكن بوسعه عدم تأييده.
ومرة أخرى، فالدعوة إلى “لا حدث” هو مذهب سكوني تأبيدي لما هو قائم. وحتى حينما يكون المثقف ضد حدث لأنه رجعي، فهذا يعني أن المثقف والحركة الثورة إن وجدت هم متخلفون عن الفعل اصلا مما أتى بحدث على غير رؤيتهم. وحينها لا ينفع الشجب والنوح والندم.
المهم أن لا نقف ضد الحدث لأنه ليس من صنعنا، ولا عند الفشل والتمتع بحصوله بل أن نقف عند مبدأ وجوب التجربة وجوب الرفض أو بقول ماو تسي تونغ: “الحقيقة الوحيدة هي أن تثور”. وهذا لا يعني العفوية المطلقة التي تؤدي غالباً إلى الهزيمة، بل تعني وجوب العمل للثورة قبل تفجيرها.
فالحراكات التي تحصل في العقود الأخيرة هي ضد راس المال سواء بوعي أو بالإرادة او الوعي المادي وليس الوعي الطبقي السياسي. فهي ضد الغلاء والضرائب والارتفاع السمائي للأسعار، والاستغلال والبذخ العلني الهائل والمديونية ووصفات القتل من المصرف والصندوق الدوليين، ومعالجة العجز بضرائب جديدة والفساد والمحسوبيات …الخ. وهذا يلخص المرحلة ب:
· من يملكون
· ينهبون من لا يملكون.
صحيح ان اكثر هذه الحراكات وبعضها انتفاضات هي في نطاق “الموجود في ذاته” وليس “الموجود لذاته” لكنه جوهريا ضد الملكية الخاصة، ضد راس المال ومع تأزم الرأسمالية عولمياً تزداد هذه الحراكات ولا سيما بعد لألزمة الاقتصادية المالية 2007-08.
صحيح أن الحدث اليوم في المحيط، ذلك لأن المحيط هش اقتصادياً وسلطويا وحتى بنيوياً، بينما المركز متمأسس، ولدى الطبقات الشعبية فيه ما يوهن عزيمتها الثورية سواء لضعف قوى اليسار أو لرشى را س المال بما في ذلك حصتها على شكل اقتصاد التساقط ممن يتم نهبه من المحيط ليكون مخدراً للطبقات الشعبية. لذا يبقى المحيط مقدمة التغيير، ولكن ليس شرطاً بمعزل عن دور ولحاق ما من المركز.
ولكن، هل هذه الحراكات هي حراكات اشتراكية؟ بالطبع أغلبها لا. ولكن كونها اعتراضات ضد راس المال، فهي مقدمات موضوعية عفوية لا واعية للإشتراكية. هي التغير الكمي في مراحله الأولية. فكما تطورت الرأسمالية عبر التراكم الأولي اقتصادياً، تتطور الثورة عبر التراكم الأولي احتجاجياً.
من هذا المنظور علينا قراءة ما يحصل الآن من حراك في العراق ولبنان خاصة كي لا نشجبه ونشكك فيه وننسبه إلى الثورة المضادة التي تحاول اختراقه وربما اخترقته. وحين يحصل هذا الاختراق، لنسأل انفسنا: اين كنا؟
لقد بدأ المثقف المنشبك بمهاجهة كامل الحراك دفاعاً إما عن النظام أو حتى عن الأحزاب التي قصَّرت عن دورها.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.